• 15 أيلول 2018
  • مقدسيات

 

 

القدس أخبار البلد - نشر موقع عرب ٤٨ ترجمة لمقالة تحمل  عنوان "لا غفران لإسرائيل في هذه الأثناء" كتبها المؤرخ الإسرائيلي دانييل بالطمان، في صحيفة "هآرتس" الجمعة، قال فيها  أن "إله العدل والرحمة سيشيح بوجهه عن أمة منافقة، شريرة وعنيفة ترفض مواجهة الظلم الفظيع الذي تسببه لملايين البشر، مشيرا إلى أن الغالبية المطلقة من الجمهور اليهودي في إسرائيل، "تلك التي عرفت نفسها في قانون أساس، مؤخرا، كدولة قومية أحادية الاثنية"، تعيش منذ سنوات طويلة "في حالة إنكار تسمح لها بالتعايش مع عدم الاطمئنان النابع من كون دولتها تمارس منذ عشرات السنين جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية".

ويرى بالطمان أن حالة الإنكار التي تعيشها الغالبية المطلقة من اليهود في إسرائيل، ليست حالة فريدة في التاريخ الإنساني، ويقتبس في هذا السياق المؤرخ الألماني دتلاف فويكرت في كتابه "من داخل المانيا النازية"، الذي صدر عام 1982، ويتحدث عن "حالة شبيهة سادت المجتمع الألماني، الذي واصل، في حينه، نمط حياته المعتاد في وقت كانت تعيش على مقربة منه مجموعة كاملة من المواطنين، يتم ملاحقتها بوحشية ومصادرة حقوقها وحتى طردها واخفائها كليا من الحيز العام".

وتساءل فويكرت: "كيف استطاعت أمة كاملة الزج إلى هامش الوعي بالمعلومات التي وصلت خلال الحرب ضد الاتحاد السوفييتي عن الفظائع التي يتم ارتكابها ضد مدنيين، والمعلومات المتعلقة بقتل ملايين أسرى الحرب السوفييت والقتل الجماعي الذي تعرض له اليهود وغيرهم؟".

فرويكت الذي احتار في إيجاد إجابة للسؤال، "كيف يمكن لأمة مواصلة حياة اعتيادية في الوقت الذي تمارس باسمها وبواسطة أبنائها، أعمال لا يقبلها العقل، حاول تفسير لا مبالاة الشعب الألماني تجاه اليهود بالعداء العميق تجاههم، الذي جعل مسألة ابعادهم لا تثير أي انفعال".

ويشير بالطمان إلى أن "العداء تجاه أقلية، خاصة إذا كان الانطباع أنها خطيرة، قوية وشيطانية، مثلما صور العداء للسامية الحديثة اليهود، هو تفسير صحيح لهذا السلوك، ولكنه غير كاف. فغالبية الألمان، كما أثبت الباحثون في العقود الأخيرة، لم يحبوا اليهود وكانوا يفضلون رؤيتهم يرحلون إلى مكان بعيد، ولكنهم أيضا لم يكونوا ’أكلة يهود’ مستعدون لفعل كل شيء لإخفائهم عن وجه الأرض، كما هو حال غالبية اليهود الذين يعيشون في إسرائيل بالنسبة للفلسطينيين أصحاب المواطنة الإسرائيلية والذين يعيشون تحت الاحتلال والأبارتهايد".

وأضاف بالطمان أنه "كان هناك مجموعات ألمانية قليلة شبيهة بالبلطجيين اليهود النازيين الجدد في المناطق (المحتلة)، ومثل حاخامات نظرية العرق اليهودية في المدارس الدينية مثل ’بني دافيد’ في مستوطنة عيلي وأتباعهم في حزب البيت اليهودي وحزب الليكود، ولكن غالبية الجمهور الألماني واصلوا التنزه في الأيام المشمسة من صيف وخريف 1941 في منتجعات ألمانيا أو فرنسا، في وقت تم في ليتوانيا ولافوف الدفع بعشرات آلاف اليهود إلى حتفهم وبدأت القطارات تتجه شرقا بصورة منظمة من برلين، فرانكفورت وهامبورغ دون أن يثير ذلك أي عنف في الشوارع".

موجعة هي المقارنة بين التفسير الذي يعطيه فويكرت لسلوك المجتمع الألماني وبين أنماط سلوك المجتمع اليهودي في إسرائيل، كما يقول بالطمان. "فألمانيا النازية، حتى عام 1943 على الأقل، كانت مثل إسرائيل 2018، مجتمعا حديثا يمتلك اقتصادا مزدهرا ساهم في إنعاش جميع الطبقات بما فيها العمال".

وأشار بالطمان إلى أن "الدمج بين رأسمالية مزدهرة ونظام يقلص بشكل حاد القدرة على المعارضة السياسية، واحتلال أراض واسعة أدخلت للاقتصاد الألماني قوى عاملة وبضائع وأسواق ومدخولات بمليارات الماركات، إضافة إلى دعاية شعبوية عدوانية، شددت على التضامن الاجتماعي التي تستند إلى شراكة العرق، كل هذه العوامل سمحت للمجتمع الألماني بممارسة إبادة شعب من دون أن يخترق ذلك أسوار ما بدا أنها راحة البال الجماعية السائدة".

وتابع بالطمان أن "المجتمع الألماني غرق في حالة إنغلاق أخلاقي وأغشي على عينيه بسبب أيديولوجية قدّست الوحدة والكبرياء القومي، وانصاع دون تردد لـ’القوانين القومية’ التي جرى تطبيقها على مختلف مجالات الحياة، ما جعله يفتقر للحاجة إلى النظر للداخل ومحاسبة النفس عما ارتكب بحق ’الخارجين’ الذين لم يثيروا أي إعجاب منذ البداية".

وشدد على أنه "في مثل هذه الفقاعة من تلبد الأحاسيس والأخلاق يعيش اليوم غالبية اليهود في إسرائيل. وبدون شك فإن من يعيشون في ظل المجتمع الرأسمالي الحديث الذي يوفر مستوى حياة جيد لغالبية سكان العرق المختار، لا يهمهم ما يجري لمليوني إنسان يسجنون في جيتو مكتظ، تغمر المياه العادمة شوارعه ويحظى سكانه بالكهرباء لبضع ساعات في اليوم فقط ، وإذا ما اقتضت الحاجة لإطلاق النار عليهم وهم يتظاهرون بدون سلاح بجوار جدار سجنهم، فلا أحد يهتم لذلك".