• 10 تشرين الثاني 2018
  • مقدسيات

 

 

بقلم : القاضي فواز ابراهيم نزار عطية 

 

في هذا المقال وجدت من أنه من المناسب في هذا الوقت، أن أبين مدى اهمال القدس واهلها وسكانها على مدار عقدين ونيف من الزمن.

 اردت من مقالي هذا ان اضع بين يدي القارئ الكريم خطورة الامر من اعلان امر التسوية من سلطات الاحتلال، لتصل رسالتي لأصحاب الرأي ولمن لديه الضمير المخلص للقدس واهلها وسكانها من صناع القرار في دولة فلسطين، حيث مرور مدة خمسين عاما من الزمن ويزيد على احتلال القدس الشرقية من قبل الكيان الاسرائيلي وترك القدس الشرقية وعلى وجه الخصوص البلدة القديمة دون تطويب" أي دون تسجيل عقاراتها في السجل الرسمي التابع لدائرة الاراضي" باستثناء حارة اليهود في البلدة القديمة، وفجأة يتم اصدار أمر التسوية في شهر ايار من عام 2018 في القدس وبالتزامن مع نقل السفارة الامريكية من تل الربيع "تل ابيب" لمدينة القدس، ليس من قبيل الصدفة أو العشوائية في الترتيب والتنظيم لمجريات الواقع المتسلسل ضمن ما يسمى صفقة القرن "والتي سماها الرئيس محمود عباس ابو مازن بصفعة القرن".

سواء اتفقنا على التسمية بصفعة أو صفقة القرن ام لم نتفق، فهو امر مُسلّم به لدى الغرب واسرائيل. ومن وجهة نظرهم السير في هذا الطريق مسألة وقت، حتى تتمكن اسرائيل من الحصول على التطبيع الشامل أو الحصول على الاغلبية الساحقة في التطبيع مع الدول العربية في منطقة الشرق الاوسط ودول الخليج. الامر الذي يجب على صناع القرار بإعداد الخطط البديلة والاستراتيجيات الحكيمة و/أو على اقل تقدير البحث عن آليات التعامل وادارة الصفعة بتوجيه رياحها ما استطعنا للاتجاه المعاكس.

ومن هذا المنطلق، فكرة اصدار أمر التسوية وشمولية هذا الاعلان للعقارات: من اراضٍ ومباني ومنشآت ومياه واشجار التي لها صلة بأي حق من حقوق الملكية سواء بالتصرف أو الانتفاع أو الاستغلال أو الاستعمال، لم يكن وليد الصدفة، بل هو عين التهويد للقدس بالنسبة للعقارات المفقودة أو التي غاب عنها اصحابها أو التي انقرضت سلالة واقفي تلك العقارات، أو نتيجة لإهمال ذرية الواقف بالعقارات الموقوفة، أو كنتيجة لفقدان معالم بعض العقارات نتيجة التطور الحضري للقدس أو نتيجة اهمال دائرة الوقف الاسلامي بملاحقة بعض مستغلي العقارات الخاضعة للوقف الخيري العام أو لأي سبب قد يجعل من تهويد العقارات لقمة سهلة في تسجيلها باسم الكيان المحتل بحكم الواقع وسيطرته على الارض.

من وجهة نظري سيتم الاعلان عن التسوية لمنطقة البلدة القديمة من القدس خلال اشهر معدودة، مما يتعين توجيه السؤال التالي لمن يملك حق الادعاء بأن القدس الشرقية ضمن صلاحيته وولايته كمسؤول عن المقدسات المسيحية والاسلامية، وتوجيه ذات السؤال لمن يدعي بأن القدس الشرقية بما في ذلك الاحياء العربية من البلدة القديمة ستكون ضمن سيادته في المستقبل القريب بإذن الله تعالى، ماذا اعددتم من خطط استراتيجية لمنع تسجيل قطعة واحدة من الحجر أو الشجر بإسم الكيان المحتل عند البدء بمرحلة اصدار امر التسوية في ظل المعضلات المشار اليها اعلاه؟

لا ريب أن اخطر مرحلة ستمر بها القدس وبالذات البلدة القديمة منها، ستكون في مرحلة اعلان التسوية للحيين العربيين المسيحي والاسلامي، بما اشتهر على تسميتهما بحارتي النصارى والمسلمين، فضلا على حارة الارمن ممن يسكنها من الجالية الأرمنية التي أتت من آرمينيا، القاطنة في القدس منذ مئات السنين، لما لهذه الجالية من معاملات زاهرة في سجلات محكمة القدس الشرعية إبان الحكم العثماني للقدس واكنافها، فهم جزء من النسيج الوطني الفلسطيني وولائهم للقضية الفلسطينية منذ عقود طويلة غير مشكوك فيها، ولا نحسبهم إلا اخوة لنا في الانسانية اعزاء على قلوبنا، تقاسمنا حلاوة  ومرارة  الحياة إبان الحربين لعامي 1948 و 1967 عندما آوى دير الارمن في منطقة باب الخليل اهل القدس وقت أن قصفت الطائرات الاسرائيلية بيوت كثيرة في البلدة القديمة في الحربين المذكورتين، ووفر لهم الدير المأكل والمشرب والملبس والمأوى.

الطامة الكبرى في حال عدم قيام المسوؤلين من الجانبين الاردني والفلسطيني، وعلى وجه الخصوص مسؤول وزارة القدس والقائمين عليها في دولة فلسطين من ايجاد حلول للإشكاليات المطروحة اعلاه، فبمجرد اعلان التسوية ومرور مراحلها، ستكون النتائج كارثية، بحيث سيتم تسجيل العقارات محل الاشكاليات المذكورة اعلاه بأسم سلطات الاحتلال كأملاك دولة، مما يعني انتزاع ملكية العقارات المذكورة من اهلها الاصليين، و ستكون في متناول وتصرف الجمعيات الاستيطانية.

وعليه لتفادي تلك الطامة، لا بد من تبني سياسة ادارة الازمات في ظل قوة العاصفة لصفعة القرن، وللتقليل من حجمها الكارثي، بحيث أرى أن على الجانبين الاردني والفلسطيني التعاون بكل مسؤولية لتسليم صور مصدقة عن سجلات ضريبة الاملاك المحفوظة لدى الجانب الاردني للجانب الفلسطيني، وتزويد كل مقيم وقاطن في كل عقار في القدس وبالاخص في البلدة القديمة المستند الذي يؤكد عروبة القدس وأن العقارات مقسمة لثلاثة اجزاء: إما عقارات وقفية ذرية أو عقارات وقفية خيرية (اسلامية أو مسيحية) أو انها ملكية خاصة، وبذات الوقت على المسؤولين في دولة فلسطين وعلى رأسهم وزير القدس تجنيد طاقم من المساحين لاعداد خطة مسح شاملة لعقارات البلدة القديمة، وبالسرعة الممكنة وعلى نفقة دولة فلسطين دون تكليف اي قاطن أو مقيم في عقاراتها فلس واحد، لتحديد العقارات الموقوفة من العقارات المملوكة أو العقارات المتروكة، وعلى أن يُلزم كل مالك عقار في الوقت الراهن بوقف عقاره وقفا ذريا او خيريا بالتعاون مع المحكمة الشرعية الاردنية في القدس، ومن يرفض التعاون في هذا الامر يخضع للمساءلة القانونية وقد تقوم عليه شبهة تسريب العقار للطرف الاخر.

أو فليتفضل مشكورا وزير القدس ومن في حكمه اعلامنا بالخطة والاستراتيجية المنوي تقديمها لأهل القدس وسكانها  للحفاظ على العقارات في ظل اعلان أمر التسوية.

والله خير حافظا ومرشدا.