• 19 شباط 2018
  • مقابلة خاصة

 

 اسطنبول - هذه ورقة نقدية قدمها الدبلوماسي التركي المعروف ”أرشد هورموزلو“ في احدى اللقاءات العربية التركية، حيث عرضت تلك الورقة رؤية واضحة لهذه العلاقة المعقدة ، ولاهمية هذه الورقة يسر ” اخبار البلد“ ان تنشرها كاملة في محاولة منها لتقريب وجهات النظر العربية التركية على اسس واقعية  وثابتة ، اليكم الورقة

إن محاولات دق الآسفين بين العرب والأتراك ليست وليدة اللحظة والاتهامات المتبادلة جرى تداولها دائما ولكن أغلب هذه الاتهامات هي جوفاء. العرب اتهموا الأتراك بأنهم استغلوا العرب في حين أن الدولة كانت تستقطع من أرزاق الأناضول لتصرف على الجزيرة والشام. والأتراك اتهموا العرب بأنهم اخذوا صف المستعمر في الحرب وطعنوا الترك من الخلف، بينما يعلم الكل أن الشريحة التي قامت بذلك لم تكن هذه الأجيال التي نحن بصددها حاليا. 

لقد حاولت القوى الخارجية بكل ما تملك من تجارب أن تضع الحواجز بين الشعوب الإسلامية والدولة العثمانية وقد كتب عن العثمانيين الكثير ولكن الجميع ينهلون من معين واحد وهو الخلاف مع العثمانيين بصفتهم يحملون شعار الإسلام وأعطوا عنها صورة قاتمة.

قد لا يعلم الكثير من الإخوة العرب الذين نهلوا من هذه الأفكار وقرأوا الكثير من الكتابات التي تقول أن العثمانيين كانوا أعداء للعرب أو أنهم استعمروا البلاد العربية وسيطروا على ثرواتها وإنهم اعتمدوا سياسة التتريك، إن هناك فئة كبيرة وكبيرة جدا قد اعتقدوا وصدقوا بعد ما نهلوا من أفكار وقراءات مختلفة أن الدولة العثمانية قد اتخذت موقفا معاديا للأتراك وللأمة التركية ‘ فهذه الفئة كما يقول الدكتور احمد اق كوندوز والدكتور سعيد اوزتورك في مؤلفهما الموسوم ّ الدولة العثمانية المجهولة ّ تنتقد بالأخص نظام  ّقابو قولوّ الذي وضعه محمد الفاتح وهو نظام المؤسسة العسكرية المعتمدة على الفرسان والمشاة وتنتقد الكثير من الشخصيات التي كانت من أصول غير تركية مثل عائلة صوقوللو نقدا عنيفا.

وبالنسبة للثروات واستنزافها طالما تساءلت ما هي هذه الثروات، فالذي اعلمه أن الدول العربية الحديثة قد بدأت بالاستفادة من الخيرات بعد سقوط الدولة العثمانية بكثير وان الدولة كانت تجبي الضرائب من المتمكنين لتصرف على الولايات الفقيرة وغير المتمكنة. اذكر منها حفظ الأمن إزاء العصابات المنظمة وتأمين طر يق الحج ليس للأتراك فقط وإنما للعرب قبل كل شيء.

والأمر الآخر الذي طالما حاول البعض زرعه في الأذهان ما يقال عن تفشي الجهل في القرون السابقة ومسؤولية الدولة العثمانية عن ذلك. في هذا المجال دعوني استعير ما يذكره الدكتور خالد ارين في مقدمة كتاب الدكتور فاضل بيات  ّ المؤسسات التعليمية في المشرق العربي العثماني ّ من مطبوعات  مركز الأبحاث والتاريخ والفنون ( ارسيكا) التابع لمنظمة التعاون الإسلامي عام 2013  حيث يقول:

((  من المعروف أن أكثر المجالات التاريخية التي تعرضت للأدلجة من قبل الباحثين ضد الدولة العثمانية هي مجال التعليم في العهد العثماني، وذلك لصلته المباشرة بتطور المجتمع ورقي البلاد، فأشيع أن التخلف الذي ساد المجتمعات في البلاد العربية في العهد العثماني سببه غياب التعليم والمؤسسات التعليمية، وعدم سعي الدولة للاضطلاع بدورها في هذا الصدد، الأمر الذي أدى إلى عزوف الباحثين عن تناول الموضوع لافتقاره – كما أُدّعي – إلى ما يستحق التوقف عنده. إلا أن أحد الباحثين وهو مؤلف كتاب المؤسسات التعليمية في المشرق العربي العثماني الذي صدر ضمن منشورات إرسيكا-دحض هذه الفكرة جملة وتفصيلاً ليثبت أن الدولة العثمانية لم تأل جهداً بهذا المجال، وسعت بكل ما أُوتيتْ من إمكانات لانتشال الرعايا من الجهل والتخلف، وذلك بنشر المؤسسات التعليمية بكل أنواعها ومستوياتها، ليس في مراكز الولايات والألوية فحسب، بل في كل أصقاع الولايات دون أن تستبعد أي قرية، وإن كانت نائية، عن هذه السياسة، بل حتى العشائر المتنقلة أخذت حصتها من هذا الأمر. وهذه الحقائق ظلت، أو أُريد لها أن تظل، مجهولة طيلة أكثر من قرن من الزمن، إلا أنه لم يكن بالإمكان طمسها، رغم محاولات التضليل والتشويه التي جرت بُعَيْد انسحاب العثمانيين من البلاد العربية وفرض القوى الاستعمارية سيطرتها على المنطقة.. ))

والدكتور فاضل بيات نفسه يرجع سبب هذا الاختلاف والتشويش في التقديم  في مؤلفه المذكورإلى عدم استفادة المؤرخين والباحثين العرب لوثائق الأرشيف العثماني في هذا المجال. 

ألم يكن للدولة العثمانية أخطاء؟ بلى بطبيعة الحال فقد ارتكبت أخطاء كثيرة وكبيرة وكان آخرها المغامرة بدخول الحرب العالمية الأولى دون قوة تذكر. ولكن لم يكن بين هذه الأخطاء كره العرب أو استنزافهم بكل تأكيد.

هذه الورقة ليست مخصصة للتعريف بأخطاء الترك، فهناك ورقة عربية رديفة ستقوم بذلك ولذلك لنأخذ عقارب الساعة إلى الأمام ونرى ما يميز هذه العلاقة التاريخية وأين نحن منها الآن.

العلاقات التركية – الإسرائيلية

صحيح أن تركيا قد عارضت قرار تقسيم فلسطين في الجمعية العامة للأمم المتحدة في أكتوبر 1947 ضمن 13 دولة صوتت ضده بينما قبلته معظم دول العالم بما فيها الاتحاد السوفيتي السابق إلا إنها وبعد خسارة العرب للحرب ضد الدولة الإسرائيلية الوليدة عام 1948 اعترفت بإسرائيل في 28 مارس 1949 بعد توقيع اتفاقيات وقف إطلاق النار بين بعض الدول العربية وإسرائيل.

وقد شاركت تركيا في إعداد القرار 302-5 لتأسيس منظمة غوث اللاجئين وتامين الحماية لهم ومساعدتهم كما كانت تركيا احد الأعضاء العشرة التي تألفت منهم ( الاونروا) في 8 ديسمبر 1949 ولكن تركيا عادت وافتتحت سفارتها في تل ابيب في 9 مارس 1950 وفي عام 1952 تم التحاق أول سفير بمركز عمله في إسرائيل. حين ذاك كان هذا جريمة بنظر بعض القوميين العرب، كان ذلك بطبيعة الحال في عهد لم يكن هؤلاء يفكرون فيه لا بكامب ديفيد ولا اتفاقية عربة ولا تبادل السفراء بين بعض الدول العربية أو فتح مراكز تجارية في عواصمها، بل ولا مبادرة السلام العربية التي لم تنفذ لحد الآن.

 

النظرة العربية لتركيا

 

تفهمت الدول العربية احتفاظ تركيا بعلاقات متوازنة مع إيران فعلاقاتها يطغى عليها الطابع الاقتصادي أولا ومعرفة تركيا أن لإيران دورا لا يمكن إنكاره في المنطقة وان التاريخ والجغرافيا يحتمان على تركيا أن تتفهم هذا الدور دون القبول بتدخل إيراني في المنطقة إطلاقا. والكل يذكر موقف تركيا عندما صوتت ضد فرض العقوبات على إيران بسبب ملفها النووي وقالت دائما أنها تتفهم حاجة إيران لاستخدام الطاقة النووية لأغراض سلمية وفي مجالات الطاقة والطب ولكن مع الاحتفاظ بموقف رفض استخدام ذلك لإنتاج أسلحة الدمار الشامل، وأعلنت بصراحة إنها تريد شرق أوسط خاليا من الأسلحة النووية على أن يشمل نزع الأسلحة ومنع إنتاجها لكل دول المنطقة إذ لا يعقل أن تكون إسرائيل مثلا مستثناة من ذلك.

ورغم ذلك فهناك الكثير مما يكتب في الصحافة العربية ضد تركيا وضد التاريخ التركي دون معرفة بدوافع آية أفعال ماضية أو الإطار الزمني لها، فهناك في القاهرة مثلا من لا يزال يتحدث عن شنق الأمير طومنباي في باب زويلة بالقاهرة أو إعدام اللبنانيين الذين استولت القوات العثمانية على وثائق تدينهم بالعمل مع الفرنسيين ضد الدولة العثمانية عند اقتحام القنصلية الفرنسية في بيروت.

وفي وقتنا الحاضر اعترض الكثيرون على الموقف الرسمي التركي من أحداث الثالث من يوليو عام 2013 ولكنهم لم يستثنوا من ذلك نفس الموقف ضد إصدار أحكام متسرعة بالإعدام ضد المئات من الناشطين اللذين لم تتلطخ أيادي القسم الكبير منهم بالدماء ورغم اعتبار الرأي العام العالمي هذه الأحكام مسيسة وغير مقبولة.

ما يشعرني بالأسى عدم موضوعية قسم واضح من الإعلام العربي والساسة العرب في التمييز بين الخطأ والصحيح وتعميم الموقف على الآخر ولو كان صائبا أحيانا. لقد طلبت مني صحيفة عربية مشهورة أن اكتب لها مقالا أسبوعيا وقد نشرت فعلا أول مقال لي ولكنها وضعت في تلك الفترة حظرا عاجلا على كل صوت تركي حتى ولو كان هادئا أو معتدلا أو صائبا. بذلك اختفى الطرح التركي من هذا الإعلام بدون مبرر ولمجرد أن هذه الشريحة لا تقبل أن يناقشها احد في أي طرح ولو كان موضوعيا.

مقابل ذلك طلبت صحيفة مشهورة أخرى أن اكتب لها رغم إنها كانت تعلم ما حدث لي مع الأولى ورغم ترددي الواضح مما اثبت لي مرة أخرى بأننا يجب آن لا نعمم الانطباع على الكل دون مبرر.

ولكي أوجز ما ننتظره نحن الأتراك من العرب يمكن تلخيصه في هذه الفقرات التي ينادي بها الدكتور سيار الجميل في مؤلفه الموسوم  ّ العرب والأتراك- الانبعاث والتحديث من العثمنة إلى العلمنة ّ من منشورات مركز دراسات الوحدة العربية- 1997 : 

( لقد بقي كل من الأوربيين وشعوب أخرى كالعرب مثلا في حالة جهل بشؤون التاريخ التركي، ولم تزل المعلومات والمفاهيم الخاطئة مسيطرة على العقول والأذهان لدى كل من الأوربيين ( والعرب مثلا) عن التواريخ التركية المتنوعة، في حين غدت تواريخ أخرى اقرب إلى الوضوح والفهم والمعرفة. إن هناك نقطة أساسية في عدم فهم راسخ للشؤون التركية الحديثة والمعاصرة ناتج من الخلافات والاختلافات والتباينات في المعلومات التاريخية لدى الأوربيين، وأن جذور هذه الحالات تكمن في طبيعة العلاقات التاريخية وانعكاساتها على معالم القرن العشرين. أما عربيا، فإن هناك نقصا في المعلومات، وتعويضا لذلك ّالنقصّ الواضح بالآراء والأفكار والمواقف المضادة التي لا تفضي إلى حقائق ايجابية ولا تسعى إلى تكوين مستقبل مشترك. وما أريد قوله بهذه ّالكلماتّ أن تاريخا جديدا شاملا للأتراك يتضمن نتائج الدراسات والأبحاث الحديثة والمعاصرة لمعلومات ووقائع ونظم وأفكار.. وعن مراحل معينة وجوانب مهمة ومرتكزات أساسية، ستفتح الأبواب على رحبها لتقديم مفاهيم موثوقة، وآراء صائبة، واستنتاجات رصينة... إننا بأمس الحاجة إليها عند نهاية القرن العشرين، نحن العرب ).

أما الحل ، فبقدمه الدكتور الجميل كما يلي:

( إن الحاجة العلمية والضرورات المستقبلية تفرض على كل من العرب والأتراك اليوم أن يعتمدوا اعتمادا كبيرا على مؤلفات الآخر وأفكاره وآرائه ومفاهيمه وتواريخه وخطابه ومرتكزاته وأساسياته في تجسيد منظور تاريخي مشترك متبعا الخطى العقلانية والمصالح المتبادلة والرؤية المصيرية من اجل تكوين جديد، فضلا عن اعتماد الدراسات العلمية الجديدة والمعاصرة التي بدأت تنتشر شرقا وغربا منذ قرابة عقدين من الزمن المتحرك الفعال. وإن الوصول إلى عنصر ّالتوازنّ في تقييم الحقائق التاريخية والواقعية سيقدم إلى العالم كله حاضرا ومستقبلا صورة غير مشوهة عن العرب والأتراك وعن القوميات الأخرى، ومن قبلهم عن العثمانيين الذين جمعوهم كلهم في إطار واحد على مدى أربعة قرون من التاريخ الحديث، وضمن دراسات وأبحاث تعد نتائجها ثمرات رؤى شمولية ومعالجات نقدية، ومناهج تعديلية، وتصويبات معرفية تثير الجدل من اجل بناء مستقبل زاهر لكل من العرب والأتراك في القرن القادم (الحالي). وأن هذا ّالحلم ّ سوف لا يتحقق إلا بإبعاد الطرفين للمشاكل والأزمات والصراعات والمخاطر التي تهدد منطقة الشرق الأوسط إقليميا وعرقيا ودينيا وطائفيا، وإبعاد شبح الحروب والانقسامات والتفكك عن الأجيال القادمة.)

وماذا بعد،

اسمحوا لي أن اعبر عن وجهة نظر لا يصارحكم بها الغربيون وهو أنكم، بل كلنا ظاهرة صوتية فقط. فهناك الكثير من الشجب والاستنكار والغضب ولكن القليل من الفعل. أنني لا أدعو هنا إلى التقاتل وإنما إلى التفاعل الايجابي فإذا عرفنا أن مصير المنطقة مرتبط بالمصير التركي في هذه الحقبة من الزمن فلنشمر عن سواعدنا ونبني الأمل نفسه قبل أن نبني الفعل.

 مصر عزيزة علينا كما هي عزيزة عليكم، ولكن أين رغبتكم الأكيدة في رأب الصدع وارتقاء نفس المركب. هناك اتجاه في مصر لربط عجلة الاقتصاد أيضا بالسياسة، ولكن هذا الأمر لا يضر بجانب واحد وإنما بالجانبين فلماذا العناد إذن ودس الرؤوس في الرمال. إننا مطالبون كمنظمات فكرية أن نجمع لا أن نفرق، ليجتمع الأتراك والمصريون في القاهرة آو في اسطنبول للبحث عن الأخطاء المشتركة ومعالجتها ثم الولوج إلى درب الإخوة والصداقة التي لا تفسدها السياسة.

للحكومات أن تختلف وان تكشر عن الأنياب، ولكن أين دور الشعب، دور المثقفين والنشطاء. لا نقصر هذا على العلاقات التركية- المصرية بل بعلاقات تركيا مع كل الدول العربية وبالأخص مع دول الخليج. إن اتفاقية التجارة الحرة بين تركيا ومنظمة التعاون الخليجي لم تر النور منذ سنوات، بينما إذا سارعنا إلى ترتيب أوراق المنطقة فسنجد ملاذا آمنا دائما يجمع ولا يفرق، ولا ترنو عيوننا إلى الغريب بل القريب.

هيا أخواتي وإخوتي، كفوا عن الكلام وافعلوا.