• 29 آب 2018
  • مقابلة خاصة

 

 

 

 اسطنبول - أخبار البلد -  يسعد شبكة ” أخبار البلد“  أن تنشر محاضرة الدبلوماسي المعروف  ” ارشد هورموزلو“ ، وصاحب الخبرة الواسعة في مجال العلاقات العربية التركية ، حيث تولى مهمة كبير مستشارى الرئيس السابق عبد الله غول  للشؤون العربية في بيروت  قبل فترة من الزمن حول السياسة الخارجية التركية، ففي هذه المحاضرة الكثير من العبر والدوس التي يمكن ان تلقى الضوء على السياسة التركية.   

يتساءل البعض عن هوية تركيا وتأثير ذلك على السياسة الخارجية التركية. وقد قلنا مرارا وتكرارا في أكثر من حديث أن تركيا توازن في نظرتها الى الغرب والشرق، فتركيا هي من مؤسسي منظمة الأمن والتعاون الأوربية ومرشحة للانضمام الى الاتحاد الأوربي رغم المعوقات التي توضع في طريقها وهي عضو في منظمة حلف شمالي الأطلسي( الناتو ) ولها اتفاقية للاعفاء الجمركي مع دول الاتحاد الأوربي منذ عام 1996. ولكنها في نفس الوقت عضو في منظمة التعاون الاسلامي ولها اتفاقية للتعاون الاستراتيجي مع دول مجلس الخليج العربي وعضو مراقب في الجامعة العربية ومن أعضاء البنك الاسلامي للتنمية.

اتبعت تركيا سياسة الرجوع، وهي السياسة التي تتبنى تأسيس علاقات أخوية وحميمة مع الدول العربية والاسلامية وتنامت في العقود الأخيرة علاقاتها المتميزة مع هذه الدول مما خلق نوعا من التلاحم العضوي مع هذه المنطقة بحق وحقيق.

وقد أثرت هذه السياسة على نظرتها الى الأخوة الذين يقطنون هذه البلدان كما عمدت الى اعتبار القضية الفلسطينية قضيتها المركزية. وقد ظهر ذلك في مسارعتها الى مد يد العون لهذه المناطق وظهر ذلك في العراق ولبنان واليمن وفلسطين والصومال وسوريا.

القضية السورية

يأخذنا هذا العرض إلى التحدث عن أكثر الفواجع التي مرت بها منطقتنا والتي أفرزت الكثير من الالام والدموع والدماء وأعني بذلك المأساة السورية التي بدأت بعد عقد واحد فقط من بدء الألفية الثالثة. ونزولا عند رغبة الأخوة الذين نظموا هذا البرنامج الرائع وتأكيدهم على البحث عن وسائل وحلول للازمة السورية ومشكلة اللاجئين رأيت أن اشارككم هذه الأفكار، وسنرى الكثيرين من الأخوة الذين سيدلون بدلوهم في هذا الموضوع الشائك، وبعد أذنكم أرى من واجبي تلخيص ما تعنيه هذه المأساة بالنسبة لبلدي تركيا.

تفيد تقارير الهيئة العليا لغوث اللاجئين أن خمسة ملايين من المواطنين السوريين قد نزحوا الى تركيا ولبنان والاردن ومصر والعراق كما أن حوالي ستة ملايين وستمائة الف شخص قد اضطروا للنزوح من مدنهم وقراهم في داخل سوريا مما يعني أن 11 مليون ونصف المليون قد غيروا منازلهم وموطنهم وذلك يقابل 52% من مجموع سكان سوريا. ولا ننسى أن هناك اكثر من نصف مليون من الذين فقدوا حياتهم ومليون وتسعمائة ألف شخصا من الجرحى والمقعدين. 

وتركيا هي الوجهة الرئيسية للنازحين حيث يقطنها ثلاثة ملايين وثلاثمائة ألف شخص  يبلغ عدد السوريين منهم مليونين وتسعمائة ألف شخص كما ن هناك أعدادا أخرى منهم العراقيون بواقع 632 133 شخصا، والأفغان بواقع 931 128 شخصا والإيرانيون بواقع 080 32 شخصا والصوماليون بواقع 598 3 شخصا. 

 وموضوع استقبال اللاجئين ليس بغريب عن تركيا  فقبل الهجرة الكثيفة للسوريين منذ عام 2011 فقد استقبلت تركيا هجرة كثيفة بعد حرب الخليج الثانية حين نزح حوالي خمسمائة ألف شخص من شمال العراق من الأكراد والتركمان والقليل من العرب إلى الأراضي التركية المتاخمة للحدود. وقبل ذلك وتحديدا في عام 1989 هاجر حوالي ثلاثمائة ألف من الأتراك البلغاريين والبوماك بلدهم تحت وطأة السياسات العنصرية الشيوعية في زمن ذلك النظام ليجدوا المأوى والأمن في الأراضي التركية. 

ولا ننسى أن استقبال النازحين والمهاجرين كان قد بدأ منذ زمن سحيق  وفي عهد الامبراطورية العثمانية حيث نزح الكثيرون من الشركس بسبب السياسة المتبعة في روسيا ويقدر المؤرخون عدد الشراكسة النازحين إلى الأراضي العثمانية والذين كان جلهم من المسلمين بين عامي 1859-1879 بطريق البر والبحر وفي رحلات شاقة بحوالي مليونين شخص تم اسكانهم في الأراضي التركية وشملوا بالرعاية الكاملة.  

وأول تعامل مع قضايا الهجرة واللجوء اذا استثنينا قانون الاسكان المرقم 2510 والذي صدر عام 1934 حول قبول من هم من العنصر التركي والذين يرتبطون بالثقافة التركية، كان التوقيع على معاهدة جنيف عام 1951 الذي نظم حقوق اللاجئين ولكن هذه الاتفاقية كانت تستهدف اللاجئين من القارة الأوربية وكانت محددة بمدة معينة إلا أن هذا التحديد الغي ببروتوكول عام 1967 بعد ذلك. وكان من نتائج هذه الاتفاقية لجوء الالاف من يوغسلافيا من العنصر التركي وبعض الألبان والسلاف المسلمين وتقدر هذه الموجة بمقدار 183 ألف نسمة.   

تاريخ الأزمة السورية 

رغم أن الصدام قد بدأ في سوريا عام 2011 فإن كثافة الهجرة لم تبدأ بشكل واضح حتى عام 2013 حيث ارتفع عدد النازحين من 170 ألف شخص إلى ما يقرب النصف مليون شخص في بدايات عام 2014 ثم تضاعفت هذه الأرقم بثلاثة أضعاف حيث بلغت مليونا ونصف المليون في بدايات عام 1915. وفي العامين الأخيرين بلغ هذا العدد حسب الأرقام المعتمدة في نهاية شهر أبريل 2017 الى مليونين وتسعمائة ألف شخص. 

حافظت تركيا منذ بداية الحرب الأهلية في الجارة سوريا على سياسة الباب المفتوح حيث استقبلت جميع النازحين بدون تحفظ كما تم تأمين المخيمات الضرورية لإيوائهم وهناك الآن 22 مخيما رسميا في جنوب تركيا يأوي 260 ألفا مما يعني أن تسعين بالمائة من النازحين السوريين يسكنون في المدن التركية المختلفة في جميع أنحاء الجمهورية ومن الملاحظ أن أكثر الأعداد هو في اسطنبول وأورفة وهطاي. 

وبنظرة بسيطة نرى أن أعداد النازحين السوريين يبلغ مثلا في اسطنبول 880 479 شخصا وفي أورفة 532 420 شخصاوفي هطاي 120 384 شخصا وفي عينتاب 660 329 شخصا وفي أدنة 421 151 شخصا وفي مرسين 185 147 شخصا وفي كيليس 556 124 شخصا وفي ازمير 169 109 شخصا وفي بورصة 375 107 شخصا وفي ماردين 360 94 شخصا. اضافة الى عشرات الالاف في مدن وولايات اخرى. 

اضافة الى توفير الحماية الأمنية وامكان السكن للنازحين السوريين فقد كان من نتائج هذا الموضوع التفات تركيا الى تجديد الضوابط القانونية والحقوقية لاسباغ الحماية عليهم واعادة النظر في قوانين استقبال اللاجئين.فقد صدر للمرة الأولى ما يمكن أن نعتبره الاطار العام لهذه الحماية. ولغرض التعامل الصحيح مع قضايا اللجوء والهجرة فقد صدر في شهر ابريل من عام 2013 القانون الخاص بالاجانب والحماية الدولية كأول سياسة تعني بقضايا اللجوء. ونتيجة لذلك تم انشاء دائرة خاصة للهجرة ونقلت الى هذه الدائرة جميع صلاحيات شعبة الأجانب في مديرية الأمن العامة والتي كانت معنية لحينها بقضايا الهجرة واللجوء الانساني بالتعاون مع الهيئة العليا للاجئين في الأمم المتحدة. 

والملاحظ أن هذا القانون قد أوجب على السلطات المختصة حقوقا معينة للنازحين عن طريق اللجوء، وفعلا فقد صدرت التعليمات الخاصة بتنفيذ هذا القانون بشكل مفصل.وفي مقدمتها صدور الضوابط الخاصة بنظم الحماية المؤقتة والتي ادرجت تحتها قضايا السوريين المقيمين في تركيا. 

وبعد صدور القانون المذكور بسنة فقد صدر بتاريخ 22 اكتوبر 2014 انظمة الحماية المذكورة وفق المادة 91 من قانون الأجانب والحماية الدولية. وقد شمل ذلك المواطنين السوريين والاشخاص المقيميمن في سوريا دون حيازتهم لجنسية معينة فقد منح لكل هؤلاء امكانية الانضواء تحت الحماية المؤقتة. وتوالت بعد ذلك ووفق الضوابط المذكورة اصدار التصاريح الخاصة بهؤلاء ومن أهمها ما صدر في 15 يناير 2016 من منح حق العمل لمن يقيمون في تركيا وفق ضوابط الحماية المؤقتة وفق شروط معينة. 

وفي اواخر عام 2016 بدأت السلطات التركية بالموافقة على منح الجنسية التركية لنخبة من السوريين ويمكن للسوريين الحائزين على شهادات جامعية مراجعة السلطات المختصة للحصول على الجنسية حاليا وبدأت السلطات تستقبل مثل هؤلاء في مقابلات شخصية لتنظيم أوضاعهم. 

بكلمة واحدة يمكن لنا أن نعتبر ما حدث كارثة عظمى. لقد فقدت سوريا للأسف مقوماتها الاقتصادية ويقدر المركز السوري لبحوث السياسات وتقارير الاتحاد السوري لنقابات العمال وتقاريرالاسكوا الكلفة المادية لما حل بالبلد من خراب حوالي 275 مليار دولار أمريكي ويقول البعض أن ذلك قد فاق الخسائر المتحققة من جراء الحرب العالمية الثانية. والأكثر تضررا هو قطاع النفط، كما انحسرت المساحات المزروعة بما نسبته 40% وتضررت البنية التحتية بما يبلغ 60 مليار دولار ودمرت منشآت السياحة وتضرر قطاع البنوك بشكل فادح، وتم تدمير الآثار وتضررت الجوامع والمعابد، أما القطاع السياحي فقد تضرر بالكامل وتفيد التقارير أن هذا القطاع قد تراجع بنسبة 96 بالمائة. 

تأثير السوريين على الاقتصاد التركي 

صحيح أن ما أنفقته تركيا بسبب الحرب السورية واستقبالها لموجات النازحين قد بلغت أكثر من 25 مليار دولار أمريكي وبقيت الوعود الصادرة من العالم الغربي ومؤتمرات المانحين غير متحققة الا بالنزر اليسير، فان تركيا قد استمرت على تطبيق سياستها المعلنة في هذا المجال. 

ويرى الباحثون أن توفير الأرضية الأمنية لهؤلاء اللاجئين وتوفير سبل العيش الكريم لهم سيقضي نسبيا على ما نسمعه كثيرا من الام وفواجع ناتجة عن المخاطر التي يتعرضون لها بسبب الهجرة غير الشرعية وعشرات الالاف الذين فقدوا حياتهم في مياه المتوسط وايجة اثناء رحلة الأمل الى العالم الغربي خير دليل ووازع على ذلك  

وقد تحقق ذلك نسبيا في تركيا وحبذا لو انتبه المجتمع الدولي الى أهمية هذا الموضوع. فبعد صدور الأنظمة الخاصة بمنح رخص العمل للسوريين المشمولين بالحماية المؤقتة  بدأ اسهام هؤلاء في حركة الاقتصاد التركي سيما بعد مساواتهم بنظرائهم الأتراك. وخلال العام الحالي فقد كان السوريون في المرتبة الثانية من الجاليات الأجنبية في امتلاك محلات العمل وتأسيس الشركات وهناك حاليا 647 5 شركة تصل قيمتها الى 210 مليون دولار أمريكي تدار من قبل الأخوة السوريين. 

مسألة المناطق الآمنة في الشمال السوري 

بدأ تحقيق فكرة المناطق الآمنة للسوريين في بلدهم بواقع بدء حركات ّ درع الفرات  ّ  التي بدأت بتاريخ 24 أغسطس 2016 عندما بدأ الهجوم التركي ضد قوات منظمة داعش بعد الهجوم الانتحاري الذي تعرضت له مدينة غازي عنتاب وقتل فيه 59 شخصا بتاريخ 20 اغسطس 2016 وقد بدأت العمليات بتحرير جرابلس من التنظيم المذكور وتنظيف المناطق الحدودية بما يقارب المائة كيلومتر تتابعت الحركات لتصل الى مدينة الباب  والتي تبعد حوالي ثلاثين كيلومترا من الحدود الجنوبية لتركيا.  

وبذلك أصبحت تركيا بالتعاون مع الجيش السوري الحر تسيطر على مثلث جرابلس- اعزاز – الباب، والمهم أنه قد بدأت حركات الاعمار والتنظيف في هذه البقعة كما تيسر للكثيرين من سكان هذه المناطق العودة اليها بصورة طوعية. وقد بدأت عمليات انشاء شبكات الطرق والمدارس والمستشفيات في هذه المنطقة، كما عمدت تركيا لتدريب وتأهيل أفراد الشرطة لحماية مناطقهم وتدل التقارير الأخيرة أن حوالي 4500 شخصا قد تلقوا التدريبات اللازمة في تركيا ويعملون حاليا على حماية الأمن والاستقرار في المنطقة. 

التحديات

لغاية عام 2016 والتي بدأت فيه بعض الهواجس الأمنية النابعة من الشمال السوري والكشف عن بعض المتسللين من الجماعات الارهابية اتبعت تركيا سياسة الباب المفتوح لأي سوري يروم الدخول الى تركيا عن طريق البر أو البحر. وحاليا خلقت الأوضاع نوعا من الاضطرار لفرض تأشيرة دخول وبشكل محدود لمتطلبات العلاج من الحدود الجنوبية وبخاصة من المنافذ البرية، جيلوة كوزي- باب الهوا في ولاية هطاي و اونجي بينار في ولاية كيليس.

كما أن تنقل السوريين في الأراضي التركية قد تم تحديده، فقد تقرر أن يحصل السوري المسجل في ولاية معينة على اذن تحريري من دائرة الهجرة اذا اراد التوجه الى ولاية اخرى.

وأخيرا وفي أواسط عام 2016 قامت السلطات التركية باتباع سياسة عدم السماح للسوريين الذين يرجعون الى سوريا بمحض ارادتهم  بالدخول ثانية الى تركيا ، وكما نعلم فإن هذه السياسة يجري اتباعها ايضا من قبل السلطات الاردنية.

التعليم:

انضم حوالي نصف مليون طفل سوري في النظام التعليمي التركي ويمثل هذا ارتفاعا بنسبة خمسين بالمائة من هذه الاعداد في العام الماضي. ورغم ذلك ووفق تقرير اليونيسيف فان نسبة أربعين بالمائة من الأطفال السوريين الذين هم في عمر التعليم أي ما يقرب 380 ألفا لا زالوا لا يتلقون التعليم الكافي رغم محاولات تركيا لتصحيح أوضاعهم ووجود عوائق تتمثل في عدم استيعاب المدارس لهذه الأعداد الضخمة والتزاحم الموجود أصلا في الصفوف الدراسية علاوة على عوائق اللغة.

ختاما اتمنى أن نرى اليوم الذي عاد البلد السوري الشقيق فيه الى أخذ موقعه الطبيعي الآمن والمحافظ على وحدة ترابه ووضعه الحضاري بحيث يتمكن الأخوة السوريون وكل هذه العوائل الحزينة الى الرجوع الى مساكنهم وحقولهم ومدارسهم وأعمالهم بأمن وأمان.

سلام من الله عليكم وأملي أن يعم السلام بلداننا وجيرتنا وأحباءنا .