• 11 شباط 2019
  • مقابلة خاصة

 

 إسطنبول – أخبار البلد -  في حوار يعتبر الأول من نوعه مع وسيلة اعلام مقدسية  فتح الرئيس السابق الحادي عشر للجمهورية التركية "عبد الله غل" قلبه لمؤسس  ورئيس تحرير شبكة "أخبار البلد" خليل العسلي ، بحضور احد ابرز الشخصيات التركية في العقد الأخير والتي لعبت دورا كبيرا في تعزيز العلاقات العربية التركية، إنه " ارشد هورموزلو" الذي يشهد له القاصي قبل الداني، والملك قبل الرئيس والوزير قبل المسؤول والكاتب قبل الصحفي ، انه بحق مهندس العلاقات التركية العربية عندما شغل منصب كبير المستشارين لشؤون الشرق الاوسط  في فترة الرئيس عبد الله غل.

 و في ذلك الحديث الهادئ البعيد عن الدبلوماسية ، تحدث الرئيس غل عن القدس وحبه لها ، وعن زياراته  السابقة وصلاته في المسجد الأقصى ، منذ أن كان عضوا  في اللجنة البرلمانية الأوروبية ، وبعد ان اصبح وزيرا للخارجية .

 إنه كان حديثا كله شوق ومحبة وعشق للقدس واقصاها، من شخصية تركية لا تثير إلا الاعجاب لدى كل من جلس معها ، لعذوبة القول ، وفصاحة اللسان، وصدق المشاعر وغزارة الأفكار، والهدوء الانيق.

 فكان حوار لا حديث، حوار ذكريات لا حديث سياسي بعيدا عن الشعارات !!

وقبل انتهاء اللقاء سارعته بسؤال عن معنى القدس بالنسبة له ؟! هذا السؤال رغم  انه بسيط إلا أنه كان من الصعوبة بمكان  لدى الرئيس غل المعتاد على أسئلة الصحفيين والسياسيين ، فكر لدقيقة ونظر في سقف القاعة التي هي جزء من قصر كان مقرا صيفيا لاحد السلاطين العثمانيين ( اعتقادي انه كان للسلطان عبد العزيز) في إسطنبول.

 فكر باحثا عن إجابة  تعبر بشكل دقيق عن مشاعره ، وللحقيقة أقول . أنه لم يكن يتصنع ، بل كان صادقا في مشاعره ، وقال وقد اختنقت الكلمات في حلقه قبل ان تخرج عبارة كله عشق وحبا  وقال : القدس عندي هي الروح !  فهي المدينة  المقدسة بالنسبة لنا ، صحيح ان مكة والمدينة هما الأكثر قدسية ، ولكن القدس لها مكانة خاصة وحيزا في القلب يصعب ان تنافسها عليه مدينة  اخرى ...

 اكتفيت بهذه الإجابة التي تحمل في طياتها الكثير من المعاني، ولم أرغب بأن أتهم بأنني خرجت عن بروتوكول اللقاءات الرسمية ، ففي تركيا كل شيء بمكانه ووقته المحدد ، ومخطط له مسبقا بدقة متناهية ....

 واليكم الحوار كما دار وليس الحديث .

 قال الرئيس السابق عبد الله غل عن لقاءه الأولى في القدس " كنت احرص على صلاة الفجر في الأقصى حيث كنت اسرع مهرولا من فندقي إلى الأقصى لأشارك المسلمين صلاة الفجر ، وبعدها اسرع الى جبل الزيتون لمشاهدة شرق الشمس قادما من خلف الجبال هناك حيث تبدو في الأفق البعيد مدينة عمان ، كانت هذه اسعد اللحظات ، فالوجود في الأقصى للصلاة ومشاهدة الشروق من ذلك المكان المقدس، كانت بالنسبة لي تجرية لن تتكرر ، تجربة كلما تذكرتها تنزل الدمع من العين  "

 ويضيف الرئيس عبد الله غل  انه عندما كان عضو في البرلمان التركي رئيس لجنة الخارجية فيه وعضو في اللجنة الأوروبية للشرق الأوسط ، حضر الى القدس برفقة عضوين من المانيا وبريطانيا ، حيث التقى برئيس اسرائيل شمعون بيرس آنذاك " .. اذكر أنني سالته عن سبب فشل مفاوضات كامب ديفيد مع الفلسطينيين  ، فبدا يعدد لي الأسباب كما يراها هو ،  فقاطعته وقلت له : والقدس؟!  فأسرع عضو  الوفد وهو برلماني الماني  وقال لبيرس : هذا عضو البرلمان التركي ! فرد بيرس : ما رأيكم أن نعطيكم إياها ؟! فسارع غل الى القول : على الرحب والسعة فلقد كانت عنا لمئات السنين وكان السلام والمحبة والوئام يسود المدينة !!!

 وقال انه شاهد بأم عينيه معاناة الفلسطينيين على الحواجز العسكرية، فذات يوم  كان في جولة مع أعضاء الوفد الأوروبي ، عندما وصلوا الى مدخل مدينة الخليل ، ووجدوا  ان الجنود الإسرائيلين هناك قد اغلقوا الحاجز ومنعوا الفلسطينيين من سيدات وشيوخ وأطفال وشباب من الدخول او الخروج  ، حيث تجمع المئات من الرجال والنساء كان مشهد كله ظلم واذلال، وهذا اول مرة أرى فيها النساء الفلسطينيات يصرخن بوجه الجنود بكلمة "حماس .. هي الرد" ، وكن يقصدن حركة حماس التي كانت في اول ظهور لها على الساحة ، وكانت هذه اول مرة اسمع فيها اسم حماس ، حتى نحن  الدبلوماسيين لم  يسمحوا لنا بالمرور مما دفعنا الى إيجاد طرق بديلة للوصول الى فندق الملك داود في القدس .

 ويضيف الرئيس غل: فعلا كانت تجربة مؤلمة ولكنها في نفس الوقت كانت مهمة بالنسبة لي لمعرفة ما يعانيه الشعب الفلسطيني في حياته اليومية بسبب الاحتلال مما ساهم في بلورة موقفي عندما اصبحت وزيرا للخارجية ورئيسا  للجمهورية .

 ويتوقف الرئيس السابق للحظات حتى يرتشف قليلا من الشاي التركي المعروف ، وهي فرصة لإعادة ترتيب أفكاره، قبل ان يستكمل حديثه الشيق والأول من نوعه للرئيس عبد الله غل : ...اذكر انني زرت القدس عندما كنا وزير خارجية تركيا فأردت ان  ازور الأقصى، كما  كنت احرص على ذلك في المرات السابقة ،

 وقلت للحرس المرافق ، أريد أن أدخل المسجد الأقصى من الباب الذي يدخل منه المسلمين، أي " باب الاسباط " لإن إسرائيل كانت تحرص على ادخال الزوار الرسمين من مدخل خاص اعتقد انه "باب المغاربة " فرفضوا وكنت حينها في السيارة، وأكدت لهم انني لن ادخل الا من "باب الاسباط"، وبقيت في السيارة عشرة دقائق ، قلت لهم بعدها :  سوف انتظر دقيقتين واذا لم تسمحوا  ، فإنني سوف انزل من السيارة وارتجل واسير حتى اصل الى  مدخل المسلمين وادخل الحرم القدسي الشريف من هناك ، فقالوا انه يجب تنسيق ذلك مع المسؤولين ،لأننا لا نستطيع السماح لك بالسير على الاقدام  ، فقلت لهم : اذن لنلغي الزيارة برمتها ونعود الى الفندق ، وبعد دقائق  قالوا أنهم اخذوا الاذن ، سوف يدخلوني من باب الاسباط ، شريطة ان يدخلوا معي وهذا أيضا كان رفضي قاطعا .

 وما ان دخلت الأقصى وحتى انشرح صدري ، حيث كان باستقبالي المسؤولين في الأوقاف الإسلامية  والمفتي وجمهور كبير من المصلين. الذي احتفوا بي احتفاء كبيرا وحدثون عن معاناتهم

 ويضيف الرئيس السابق  عبد الله غل في نفس الفترة قمت بجولة في معبر ايرز ما بين  قطاع غزة وإسرائيل، واقترحت  إقامة منطقة صناعية هناك واستطعت إيجاد تمويل لهذه المنطقة بحيث تكون فلسطينية إسرائيلية تركية ومفتوحة على العالم وبدون أي قيود امنية إسرائيلية بالنسبة للفلسطينيين . وللأسف لم يخرج هذا الى حيز التطبيق .

وعندما توليت رئاسة الجمهورية  جاءني  الرئيس محمود عباس ورئيس دولة  إسرائيل شمعون بيرس مهنئين ، فأخذتهم انا بسيارتي وذهبنا مباشرة الى البرلمان  حيث القى كل منهما كلمة وانا جلست اتابع ذلك  على امل ان نتمكن من المساعدة في التوصل الى اتفاق سلام بينهما، في ذلك الوقت كانت لنا القدرة التأثير على إسرائيل في بعض القضايا التي تهم الفلسطينيين.

 ولكن عندما بدا الصراع في الدول العربية او ما عرف لاحقا بالربيع العربي، اثر ذلك سلبا على قدرتنا التأثير على إسرائيل التي شعرت انها بحل من كل القيود ومن كل الالتزامات والتعهدات، وانها  تستطيع فعل ما تفعل ما تريد بالفلسطينيين بدون أي رقيب او حسيب .

 في المقابل لا يوجد أي طرف عربي قادر او راغب في ان يكون ندا لإسرائيل ، حيث اكتفى العرب  والمسلمين بالشعارات، ففلسطين هي قضية كل المسلمين

 وللأسف الدول الإسلامية والعربية تستعمل فلسطين للدعاية السياسية لمصالحها  وللاستهلاك الداخلي فقط ،  شعارات جوفاء، في المقابل لم تقم أي من الدول بأية خطوة لتحريك القضية  الفلسطينية الى الامام ، وإسرائيل ادركت حقيقة ذلك وبدأت تعمل كل ما يحلو لها .

 بهذه النبرة الحادة  استمر الرئيس غل بحديثه : عندما كنت ازور القدس كنت في قمة السعادة وكنت اسرع واهرول هرولة نحو الأقصى  ينتابني شعور بالسعادة ولكن في نفس الوقت اشعر بالاسى لان القدس تحت الاحتلال!

  ويضيف : وفي كل المرات التي زرت فيها القدس ، كان شرطي الوحيد ان لا يرافقني أي مسؤول او حارس امن إسرائيلي اثناء دخولي الى الأقصى ، وكان يقال لي ان هذا لحمايتك ،قد تتعرض لأي مكروه من قبل اشخاص غرباء، او قد تكون هناك مؤامرة ضدك ، وكنت أقول لهم دائما :  اذا كان من المقرر ان يحدث لي مكروه ليحدث في الحرم القدسي الشريف ، في هذا المكان المقدس ، فهذه ستكون إرادة الله التي استقبلها بكل ترحاب  فهذا اقدس مكان .

 

 انتهى اللقاء الذي استمر اكثر من الوقت المحدد له لغزارة الحديث وعمقه، غادرنا المقر وقد حملني عبد الله غل الرئيس الحادي عشر لجمهورية تركيا رسالة حب للقدس والمقدسيين على امل اللقاء قريبا في المدينة وفي رحاب الأقصى المبارك.