• 11 حزيران 2019
  • مقابلة خاصة

 

 

القدس – أخبار البلد-  لقد خص الدكتور رامي نصر الله  الخبير بالتخطيط الحضري للمدن ومدير عام مركز التعاون والسلام الدولي في القدس والذي يعتبر المركز الوحيد المتخصص بتخطيط المدن ، شبكة " أخبار البلد" بنشر بحث فريد من نوعه قام به  حول التحويلات التي تشهد مدينة القدس .

 ومن منطلق ايماننا بضرورة إيصال المعلومة  لكل مهتم بالشأن المقدسي يسعدنا ان ننشر البحث كاملا:

"  ان التحولات الحيزية والوظائفية والسكانية في القدس سيتم تحليلها عبر المراحل الزمنية التي مرت بها القدس بداية مع المشروع التخطيطي الكولونيالي باقامة مستوطنات في القدس الشرقية ضمن التوافق السياسي لكافة الاحزاب الاسرائيلية لفرض هيمنة حيزية وحصر الوجود الفلسطيني في المدينة فالسياسات التخطيطة الاسرائيلية في القدس الشرقية تقوم بالاساس على اعتبارات ديمغرافية غير معلنه منعت بناء أحياء فلسطينية جديدة منذ العام 1967 حيث لم تتم المصادقة على مخططات هيكلية تفصيلية للاحياء الفلسطينية حتى اليوم وتم شرذمة القدس الفلسطينية مكانيا ووظائفيا من خلال منظومة سيطرة تشمل الضم، الاستيطان، البنية التحتية والجدار بالاضافة الى مجموعة من الاجراءات الادارية والسياسية التي أنهت كون القدس حاضرة فلسطينية كما كان عليه الواقع حتى العام 1994 (توقيع اتفاق اوسلو ب وحظر عمل السلطة الفلسطينية بالقدس), هذه الورقة ستتناول الاهداف الجيوسياسي التي سعت اسرائيل الى فرضها بعد الانتقال من شعار القدس الموحدة ومنع اعادة تقسيمها تحت اي عملية تسوية الى تعريف جديد إداري تنظيمي ووظائفي لمفهوم تعزز في الثلاث عقود الاخيره "متروبولين القدس" او القدس الكبرى اليهودية.

البعد الديمغرافي بالاضافة الى الهيمنة الحيزية شكل أساس للسياسات الاسرائيلية منذ بداية الاحتلال حتى يومنا هذا، فالرواية الاسرائيلية كانت دوما أن القدس مدينة ذات غالبية يهودية منذ منتصف القرن 19 وان العرب كانوا أقلية واستخدم "البعبع الديمغرافي" استخدم كذريعة لتنفيذ السياسات التي تقيد التطوير، التوسع والحياة المدنية الفلسطينية برغم أن زيادة عدد السكان للفلسطينين هو فقط نتيجة الزيادة الطبيعية المتناقصة لمجموعة سكانية مقيدة لا يسمح بالهجرة الايجابية الى المدينة.

الورقة ستتناول الفرص المتاحة للعمل على "المنعة الوطنية" وتثبيت الوجود الفلسطيني ضمن مفهوم الحق بالمدينة كبديل لحقوق المواطنة التي ترفضها الغالبية وكأدة للحفاظ على الحقوق الوطنية الفلسطينة وحماية هوية المدينة.

مقدمة

تطوير الحيز الحضري في واقع الاحتلال الاسرائيلي استند الى دوافع عرقية وطنية تقوم على أساس التهويد، الشرذمة والفصل (Yeftachel 2006, Yacobi 2009)

الفصل الاجتماعي، العرقي والقومي هي ظاهرة تمييز المدينة الحديثة  (S. Smith, 1989)، الفصل الحيزي على أسس عرقية وطنية وثقافية اجتماعية هي نتاج جهود المجموعات القوية للحفاظ على قوتها السياسية وتلبية احتياجتها الاقتصادية والاجتماعية (Peach,1995).

 الأدبيات التي تناولت الصراع في القدس تركزت في العقدين الاخيرين على مفهوم "المدينة المقسمة" كنتاج كولانيالية الدولة من خلال السياسات التخطيطية والعسكرية والاجراءات الادارية.

في السنوات القليلة الماضية ظهرت أبحاث تقوم بتحليل الصراع على أساس فهم السيرورات الحضرية كعملية قاعدية أكثر منها سياسات فوقية لقوة الدولة وهيمنتها، وتضم هذه العمليات  لاعبين جدد من المنظمات والجمعيات غير الحكومية، المنظمات الدينية، القوى الخارجية صاحبة الاهتمام بالقدس والمجموعات المهنية.

 (Pullan et el. 2013, Dumper, 2014)

القدس تشكل نموذج واضح لاثنوقراطية حضرية" تقوم على أساس الهيمنة العرقية الوطنية في توزيع الموارد والقوة، وتهمش الاقليات القومية ولا تتعامل معها على أساس المواطنة.  وفي السياق الحضري، الاثنوقراطية تقوم على اساس مصادرة الارض بالقوة وتفرض قوانين وأنظمة لخدمتها لوحدها بالاساس وتستحوذ بالمطلق على الحيز العام والنسيج الحضري بما فيها وسائل سيطرة غير مرئية. (Yiftachel and Yacobi 2002)

هذا المقال سيتناول البعد الحيزي لمدينة القدس والتحولات التي طرأت على الحيز واستخدماته خلال 52 سنة من الاحتلال الاسرائيلية للشطر الشرقي في المدينة وإعلانه مدينة موحدة. التحولات الديمغرافية في المدينة والمحاولات الدائمة لإعادة ترسيم الحدود الذهنية والفيزيائية للمدينة ميز العقود الخمسة الماضية واوجد واقع جيو سياسي جديد يشكل تحدي للوجود والحق الوطني الفلسطيني في القدس.

في 11 حزيران 1967 قام الجنرال حاييم هرتسرغ الحاكم العسكري للضفة الغربية بتأمين حافلات لنقل المقدسيين الى جسور الاردن لمغادرة المدينة مقابل التوقيع على تعهد بأنهم غادروها بمحض ارادتهم. محاولات التهجير هذه لم تلقى استجابة من قبل سكان المدينة الذين هجر الكثيرون منهم عام 1948 من الشطر الغربي للمدينة (Benziman, Haaretz, 17/5/2017). في 28 حزيران 1967 تم ضم 64 كم2 من قرى محيط القدس ومعظمها أراضي فارغة وتم استثناء المناطق المبنية وجذر البلد لتلك القرى من عملية الضم وتشمل قرى: أبو ديس، العيزرية، عرب السواحرة، حزما، عناتا، بيت حنينا، قلنديا وكفر عقب بالاضافة الى جزء من أراضي بيت جالا، بيت ساحور وبيت لحم)، القرى التي ضم اراضيها وجذر البلد شملت قرى العيسوية، شعفاط، الطور، سلوان، صورباهر ، شرفات، وبيت صفافا.

هذه المساحات من اراضي القرى شكلت بالاضافة الى البلدة القديمة وحدود البلدية العربية خلال الفترة الاردنية (6.4 كم2 أقل  من نصفها حدود بلدية والباقي حدود تنظيم هيكلي) المدينة الموحدة وفق الرواية الاسرائيلية.

مبدأ الضم وبالاحرى أمر تطبيق القانون الاسرائيلي وفق بند 13 لتعليمات السلطة والقانون للعام 1948 (لم يذكر القدس صراحة) استند الى معياريين :1- أكبر مساحة فارغة )للبناء اليهودي المستقبلي وتحقيق الهيمنة الحيزية) 2- أقل عدد من السكان الفلسطينين لاعتبارات ديمغرافية. (Benvenisti, 1976)  

وفي اليوم التالي لقرار الضم تم الغاء الحكم العسكري وتمت المباشرة بمصادرة أراضي فلسطينية خاصة لبناء مستوطنات عليها، بداية لربط القدس الغربية مع الاجزاء المحتلة الجديدة  وذلك بعد أن حسم رئيس الوزراء آنذاك ليفي اشكول الجدل الداخلي لصالح بناء استيطان جديد مقابل دعوة الوزير مناحيم بيغين (وزير بلا حقيبة) للاستيطان داخل البلدة القديمة والاحياء الفلسطينية. أشكول واستجابة لبيغن (وزير الاديان زيرح فيرهبتغ) أصدر تعليمات بأقامة شركة وهمية تسجيلها اجنبي هدفها شراء اراضي ومباني من الفلسطينيين لصالح الدولة الا أن هذه الشركة فشلت بسبب الوعي الفلسطيني لأهدافها ورفضهم البيع للمحتل. (Benziman, Haaretz, 17/5/2017) 

البعد الديمغرافي بالاضافة الى الهيمنة الحيزية شكل أساس للسياسات الاسرائيلية منذ بداية الاحتلال حتى يومنا هذا، فالرواية الاسرائيلية كانت دوما أن القدس مدينة ذات غالبية يهودية منذ منتصف القرن 19 وان العرب كانوا أقلية (حدود البلدية التي حددها الانتداب شملت كل المستوطنات اليهودية باتجاة الغرب ولم تشمل أي من القرى الفلسطينية المحاذية والمحيطة بالبلدة القديمة).

السياسات الديمغرافية للحكومة الاسرائيلية

"التفوق الديمغرافي اليهودي" كان وما زال هاجس المؤسسة الرسمية الاسرائيلية فمع احتلال القدس بتعريفها الجديد شرعت اسرائيل بمصادرة 30 ألف دونم من الاراضي الفلسطينية الخاصة لبناء مستوطنات في الشطر المحتل وقامت بتسوية تسجيل الاراضي لصالح الدولة لتسهيل هذه العملية. المصادرات فعليا سعت اولا الى ربط جيب الجامعة العبيرية وهداسا مع القدس الغربية من خلال تواصل لحيزات المستوطنات وثانيا تحويل القدس من مدينة "محاصرة" بسبب موقعها الجغرافي المحاط من ثلاث جهات بقلب الضفة الغربية، الى مدينة ممتدة حيزايا لمساحات واسعة تجاوزت حدود بلدية الضم الى مستوطنات بداء تطويرها كاطراف للمدينة مع نهاية السبعينيات.

دفيد بن غورين رئيس الحكومة الاسرائيلية الاول تحدث بشكل واضح بأنه "يجب بكل ثمن إحضار اليهود الى شرقي القدس، يجب توطينهم هنالك خلال فترة وجيزة، اليهود سيقبلون الاستيطان في شرقي القدس حتى في براكسات (مباني مؤقتة) يجب عدم الانتظار لبناء أحياء منظمة، الاساس أن يكون يهود هنالك"  (Benziman, 1973)

في أيلول 1973 أصدرت رئيسة الحكومة آنذاك جولدا مئير تعليمات بزيادة السكان اليهود بالقدس بنسبة 3.7% سنويا حتى العام 1982 حسب هذا القرار كان عدد السكان المتوقع للقدس 451 ألف منهم 337 ألف يهود (75%) و 114 ألف غير يهود (25%) وهو مصطلح دارج آنذاك وحتى منتصف التسعينات للاشارة الى الفلسطيني في القدس الشرقية. الحكومة الاسرائيلية حددت 3 أهداف لزيادة السكان اليهود استيطان المهاجرين الجدد، إنشاء مشاريع اسكان حكومة وإنشاء صناعات بمبادرة حكومية. (Ahimeir and Bar Siman Tov, 2007)

وفي نفس العام أوصت لجنة جفني (لجنة من وزارات حكومية لدراسة تطوير القدس) بالحفاظ على نسبة العرب لليهود وفق معطيات نهاية 1972 أي 73.5% يهود و 25% عرب.

التخطيط والبناء الاستيطاني اليهودي المكثف بدأ فعليا في سنوات 1968-1969 بإقامة مستوطنات رمات أشكول وجفعات همفتار وفي سنوات 1970-1971 إقامة مستوطنات التلة الفرنسية (جفعات شابيرا) معلوت دفناه وسنهدريا، هذا التوسع الاستيطاني كان هدفه الاول ايجاد تواصل عمراني يهودي بين الجامعة العبرية وهداسا (على جبل الزيتون) والقدس الغربية وفعليا فإن هذا التواصل قطع تواصل أحياء شمال القدس الشرقية مع الشيخ جراح والبلدة القديمة. (أنظر الخارطة رقم 1)

المرحلة الثالثة من البناء الاستيطاني بدأت في سنوات 1972 وانتهت في بداية الثمانينات وشملت مستوطنات في أطراف المناطق المضمومة من القدس الشرقية: جيلو بالجنوب، تلبيوت شرق (أرمون هنتسيف) في الجنوب الشرقي ومستوطنة النبي يعقوب شمال ورموت ألون (شمال غرب).هذه المستوطنات توسعت أضعاف في سنوات التسعينات وحتى اليوم فعلى سبيل المثال كان عدد سكان مستوطنة رموت ألون 20 ألف عام 1985 وصل عددهم الى 38 ألف عام 1992، 37 ألف عام 2000  و 46 الف عام 2016.

خلال عملية السلام (أوسلو) تم بناء مستوطنة جديدة لليهود في شعفاط في منتصف التسعينات وبلغ عدد سكان هذه المستوطنة 11 ألف سنة 2000 ووصل عددهم الى 15 ألف عام 2016. مستوطنة أخرى شكلت عقبة رئيسية في المواقف الفلسطينية لاستمرار عملية التفاوض هي مستوطنة جبل أبو غنيم (هار حوماة) التي شرعت اسرائيل ببنائها نهاية التسعينات في جنوب شرق المدينة لعزل القدس الشرقية عن بيت لحم وبلغ عدد سكان هذه المستوطنة عام 2006 5 آلاف مستوطن وصل عددهم الى 20 ألف نهاية العام 2016. . (Ahimeir and Bar Siman Tov, 2007, (،Korach and Choshen, 2018 )

عدد المستوطنين اليهود في القدس الشرقية بلغ عام 1972 9 آلاف مستوطن ارتفع الى 77 ألف عام 1983 و 184 ألف عام 2000 ليصل الى 215 ألف 2016 أي نسبة المستوطنين اليهود ارتفعت من 15% عام 1972 الى 40% عام 2016 من سكان القدس الشرقية. (Korach and Choshen, 2018)

بالاضافة الى الهدف الديمغرافي فإن هذا التخطيط والبناء الكولونيالي حقق الاهداف الحيزية التالية:

  1. شرذمة وتقطيع التواصل الفلسطيني للاحياء الفلسطينية داخل المدينة.
  2. حصر التوسع والتطوير الفلسطيني للاحياء بعد مصادرة الاراضي للبناء الاستيطاني التي تشكل احتياطي الاراضي الوحيد لتوسعة وتطوير أحياء فلسطينية داخل المدينة، مع الاشارة أنه لم ينشأ أي حي فلسطيني جديد في القدس الشرقية منذ الاحتلال وأن التطور العمراني المحدود كان داخل الحدود التنظيمية الاسرائيلية المقيدة للتوسع والتطور الفلسطيني.
  3. السيطرة الحيزية المطلقة وربط المستوطنات بشبكة بنية تحتية وطرق سريعة متصلة مع القدس الغربية وعادة ما تشكل حدود فيزيائية مقيدة لتطوير الاحياء الفلسطينية وترابطها الحيزي والوظائفي.
  4. عزل أحياء القدس الفلسطينية عن ضواحيها واطرافها وباقي مناطق الضفة الغربية ومنع أي تواصل عمراني ومواصلاتي خاصة الجنوب والشمال الغربي للقدس الشرقية.

 السياسات الديمغرافية التي تبلورت في سنوات السبعينات بقيت الى اليوم محور أساسي في المخطط والبرامج التي أقرتها الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة من خلال وزارة شوؤن القدس، الجهاز التخطيطي الحكومي وتطبيق السياسات التخطيطية والادارية من قبل بلدية القدس واجهزتها التنفيذية.

معطيات التطور السكاني:

الجدول رقم (1) يبين عدد السكان الفلسطينيين واليهود في القدس بشطريها الشرقي والغربي من العام 1967 الى العام 2016

عدد الفلسطينين واليهود في القدس

1967- 2016 ( بالالف)

السنة

فلسطينيين

يهود

عدد

نسبة

عدد

نسبة

1967

69

26%

198

74%

1972

84

27%

230

73%

1983

122

29%

306

71%

1990

146

28%

378

72%

1995

182   

30%

421

70%

2000

209

32%

449

68%

2005

245

34%

475

66%

2010

284

36%

504

64%

2016

333

38%

550

62%

المصدر: (Korach and Choshen, 2018)

يتبين في هذا الجدول أن عدد سكان القدس الشرقية الفلسطينيين عام 1967 كان 69 ألف ونسبتهم من إجمالي سكان المدينة 26%  مقابل 198 ألف يهودي بنسبة 74%.

نسبة السكان الفلسطينيين الى اليهود وصلت عام 1995 الى نسبة 70:30 وهذا ما تم اعتباره التوازن الديمغراقي الذي يجب عدم تجاوزه وفق التوصيات الحكومية آنذاك وبشكل مشابه لتوصيات سنة 1972.

نسبة السكان الفلسطينيين تجاوزت عام 2010 نسبة  36% ووصلت الى 38% وفق الاحصائيات لنهاية العام 2016. في حين أنخفضت نسبة السكان اليهود الى 62% مع نهاية نفس العام وفق التقديرات الاسرائيلية فإنه بحلول العام 2020 ستبلغ نسبة الفلسطينيين الى اليهود 60.40% وستكون النسبة متساوية بحلول العام 2030. (Dellapergola, 2001)

الرسم البياني رقم (1) يوضح أن الزيادة الطبيعية للسكان الفلسطينيين للقدس أنخفت بالمتوسط من 4% في الفترة 1976- 1980 الى 2.5% في سنوات 1980- 1990 لتستقر بنسبة 3.1% منذ بدايات العام 2000 الى 2010.

نسبة الزيادة السكانية

 

في السنوات 2012- 2016 كانت نسبة الزيادة للسكان الفلسطينيين 2.5% - 2.7% مقارنة بنسبة 0.9% - 2.2% لليهود. ( Korach and  Choshen, 2018 (

منذ بداية السبعينات وحتى العام 2016 طرأ إنخفاض حاد على نسبة الولادة لدى الفلسطينيين حيث إنخفض من 42.5  ولادة لكل ألف نسمة في الفترة 1973- 1979 الى 34.1  ولادة لكل ألف نسمة 1990- 1999 وإنخفض الى 26.8  ولادة لكل ألف نسمة في سنوات 2010- 2016 ,ويعود ذلك الى عملية التمدن التي تمر بها القرى التي شكلت احياء المدينة وارتفاع معدلات التعليم والدخل. في المقابل فإن نسبة الولادة لكل ألف نسمة وصلت في الفترة 2010- 2016 الى 28.4  ولادة في أواسط اليهود في القدس.

العمر الوسيط للسكان الفلسطينيين في القدس الشرقية في العام 2016 هو 21 سنة مقارنة ب 19 سنة للسكان اليهود المدينين (الحرديم) في حين أن الفئة العمرية  0-14 عام كانت نسبتها لدى الفلسطينيين 36% مقارنة ب 32% لليهود عامة ووصلت نسبتها لدى اليهود المتدينين (الحرديم) بلغت نسبتهم 40% وهذا يتوافق مع زيادة الولادات لدى هذه المجموعة في السنوات الاخيرة وتفوقها على السكان الفلسطينيين

التخطيط الاداة  الديمغرافية الاولى

المخطط الهيكلي لسنة 1968 اوصى بتسريع الزيادة السكانية اليهودية في اشارة واضحة الى مركزية التفوق الديمغرافي اليهودي على الوجود الفلسطيني في المدينة المحتلة من خلال فرض وقائع استيطانية على الارض، هذا المخطط لم يتطرق بشكل واضح الى الاحياء الفسطينية رغم ان فرضية عمله هو ان القدس "موحدة" بشطريها. (Kimhi, 2018) علاوة على ان لهذا المخطط انعكاسات طويلة الامد على الفلسطينين في القدس حيث شمل هذا المخطط تخطيط شبكة الشوارع وخاصة شارع رقم 1 بمحاذاة الخط الاخضر ليربط مركز القدس الغربية والبلدة القديمة مع المستوطنات شمال المدينة النبي يعقوب وبسغات زائف، اضافة الى محور شرق غرب الذي يربط الجامعة العبرية مع التلة الفرنسية ورمات اشكول ورموت الون ليصلها بلقدس الغربية. محاور شبكة الطرق شمال جنوب وشرق غرب تتقاطع جنوب شعفاط وتشكل عنق زجاجة يقطع التواصل الفلسطيني في شمال وشرق المدينة مع البلدة القديمة وباقي أحيائها. هذا المخطط الهيكلي يحدد ايضا حدائق "وطنية" بمحيط اسوار البلدة القديمة والسفوح الشرقية لجبل الزيتون  بين العيسوية والطور ومناطق تفصل القدس عن بيت لحم وقرى الولجة وبتير جنوب المدينة.   

اول المخططات التي تم تطبيقها على القدس لحظر التطور والبناء هو مخطط ع م 9 للحوض المرئي للبلدة القديمة حيث تم تجميد كافة حقوق البناء في احياء سلوان وجبل المكبر بادعاء الحفاظ على البلدة القديمة والمشهد العام.  هذا المخطط ضم اكثر من 10 الف دونم معظمها داخل الاراضي المحتلة عام 1967 وتم ايداعه عام 1970 والمصادقة عليه للتنفيذ عام 1977. (Kimhi, 2018)   

لم يتم اعداد مخططات هيكلية لمعظم الاحياء الفلسطينية الا في سنوات التسعينيات واشترطت  عملية الافراز لمناطق تخطيطية لاقتطاع حتى 40% من مساحة الارض لصالح المرافق العامة، هذه المخططات التفصيلية تم بداء العمل عليها في السنوات القليلة الماضية في شمال المدينة بيت حنينا وشعفاط الا ان باقي الاحياء ما زالت بدون مخططات تفصيلية مصدقة الامر الذي يعني عدم حصول  الفلسطينيين على حقوق بناء وامكانية التقدم بطلبات تراخيص بناء. (IPCC, 2018)

يسرائل كمحي احدى المخططين والباحثين البارزين في معهد القدس لدرسات السياسات يقول "رغم ان المستوى الفني على الاقل حاول ان يروج لتخطيط مناسب وتطوير البنية التحتية والمؤسسات العامة بشرق القدس، رغم هذه الجهود الا انه عمليا لم يتم عمل اي شي...."  ويعزو ذلك لاسباب تتعلق "بنقص الميزانيات وعدم قدرة البلدية على تحمل اعباء التطوير المترتبه على عملية التخطيط، فحكومة اسرائيل فضلت وضع جهودها على التطوير والبناء للوسط اليهودي وتجاهلت بشكل كبيرة التطوير للعرب." (Kimhi, 2018)

الرسم البياني رقم (2) يبين ان المناطق المبنية للاحياء الفلسطينية في القدس 9844 دونم اي 14% من مساحة القدس الشرقية التي جرى ضمها عام 1967 او 7.9% من اجمالي مساحة المدينة بشطريها (مع ان نسبة السكان الفلسطينين تقارب 40% من اجمالي سكان المدينة) و في المقابل فان مساحة الاراضي التي جرت عملية مصادرتها منذ العام 1967 وصلت الى 32.8 الف دونم تشمل 6 الالف دونم في محيط المستوطنات تستخدم كاحتياط تطوير اي ان المساحة التي تشغلها المستوطنات 46.8 % من مساحة القدس الشرقية واذا ما تم ضم المنطقة الصناعية عطروت شمال القدس والمقابر اليهودية على جبل الزيتون والبالغ مساحتها مجتمعة 8198 دونم فان النسبة الاجمالية للمساحة تحت السيطرة اليهودية تصل الى 58.5%. ويشكل سكان المستوطنات في القدس الشرقية 40% من اجمالي سكان القدس اليهود بشطريها ونسبتهم نفسها من عدد سكان القدس الشرقية.

احد المعطيات التي تبين نتاج التخطيط الاسرائيلي المحاصر للوجود الفلسطيني تخصيص اكثر من 10 الالف دونم كمناطق مفتوحة يحظر البناء عليها بما فيه تخصيصها للصالح العام للاحياء الفلسطينية فنسبة 2.6 % من مساحة القدس الشرقية فقط تم تخطيطها لمؤسسات عامة معظمها قائم، علما ان شرط اساسي لعملية الافراز والمصادقة على مخططات تفصيلية يستوجب اقتطاع 40% من مساحة الاراضي الخاصة لصالح البلدية وتسجل كاملاك عامة. البلدية ترفض استخدام المناطق العامة المفتوحة كمناطق تطوير للمرافق والمؤسسات العامة رغم الاحتياج الكبير وصعوبة اقتطاع مساحات صغيرة من قطع خاصة داخل حدود المخططات الهيكلية. 

التخطيط في القدس بني بالاساس على اعتبارات جيوسياسية استراتيجية تهدف الى السيطرة على الديمغرافيا توسيع السيطرة على المدينة من خلال مصادرة الارض الفلسطينية واقصاء سكان المدينة الفلسطنيين عن عملية التخطيط نفسها. (Jabareen, 2010)

الهجرة من وإلى المدينة

 

غياب التخطيط للأحياء الفلسطينية وتعقيدات التقدم بطلب ترخيص بناء والرسوم الباهضة دفع بالمقدسيين للبحث عن حلول اسكان خارج المدينة، فمع بدايات السبعينات انتقلت بعض العائلات المقدسية الى منطقة قرية الرام المحاذية للشارع الرئيسي القدس- رام الله ويشكل محور مواصلات مركزي. البناء العائلي  الفردي سرعان ما تحول بناء مكثف لتتحول الرام من قرية صغيرة نائية الى ضاحية جديدة لمدينة القدس. المناطق المحاذية لبلدية الضم تتبع للحكم العسكري الاسرائيلي الذي لم يفرض قيود على حركة البناء والعمران، وبالاضافة الى عدم وجود قيود على التطوير والبناء فان أسعار الاراضي المناسبة وتكلفة البناء المنخفضة سارعا في تطويرالضواحي الجديدة للقدس.

خلال الثمانيات تطورت ظاهرة الضواحي لتمتد غرب الرام باتجاه بيرنبالا كما أن قرى العيزرية وأبو ديس شرق المدينة شهدت ظاهرة توسع عمراني شبيهة، فمع نهاية الثمانينات تشير التقديرات ان 40% على الاقل من سكان القدس الشرقية الفلسطينيين انتقلوا للسكن في الضواحي الجديدة. (Nasrallah, 2006)

تسارعت عملية تطويرالضواحي مع قيام السلطة الفلسطينية بإعتبارها منطقة الوصل والربط بين جنوب الضفة وشمالها حيث أقامت السلطة الوطنية بعض إداراتها في منطقة الرام وشمل ذلك وزارات المالية، الاقتصاد، التخطيط والتعاون الدولي وغيرها من مؤسسات السلطة، الهدف السياسي المعلن لذلك هو قربها من مدينة القدس.

 خلال الانتفاضة الاولى تطورالنشاط التجاري في هذه المناطق حيث شهدت هذه الضواحي نشأه أسواق غير منظمة من بسطات تعمل خارج اطار الثلاث ساعات التي سمح للمحلات التجارية ان تفتح ابوابها من قبل القيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة وتحولت الى وجهة للمقدسيين للتسوق بأسعار منخفضة، هذا النشاط التجاري الغير رسمي تحول الى منشأت ومحلات تجارية وحرفية بشكل سريع وارتفعت قيمة ايجارات المحال التجارية بشكل كبير خاصة بقدوم السلطة وإنشاء أفرع لبنوك تجارية كما شكلت تلك الضواحي ايضا منطقة ربط بين القدس وباقي مناطق الضفة بسبب صعوبة الدخول لمدينة القدس حيث فرضت اسرائيل اغلاق شامل على الضفة الغربية وعزلتها عن القدس بحواجز عسكرية منذ العام 1993.

مع بداية العام 1996 طرأ تحول على السياسات الاسرائيلية بالتساهل مع المقدسيين الذين انتقلوا الى الضواحي المحيطة بالمدينة حيث أن قانون مركز الحياة الذي يستوجب إثبات الاقامة بالقدس والعمل وتلقي الخدمات ودفع ضرائب بالمدينة داخل حدود البلدية هو شرط اساسي للاحتفاظ بمكانة "مقيم دائم" التي منحت للفلسطينيين عام 1967. فحتى نهاية العام 2016 خسر 14595 فلسطيني حقهم بالاقامة بالقدس بسبب مركز الحياة وانتقالهم الى خارج القدس او خارج الوطن. 

هذه السياسة دفعت بالكثير من سكان ضواحي القدس بالبحث من جديد عن حلول للسكن لضمان وضعهم القانوني وحق الاقامة والتنقل في المدينة، إحد هذه المناطق التي شهدت تطور كبير في عدد سكانها هي مخيم شعفاط ومحيطه وكون ان سكان المخيم لا يقومون بدفع ضريبة المسقفات (الارنونا) بسبب تبعيته لاادارة وكالة الغوث للاجئيين  فكان من السهل الحصول على اوراق ثبوتيه لعنوان السكن. عدد سكان المخيم الاجئين كان قبل تطبيق هذه السياسات 8 آلاف نسمة سرعان ما تزايد الى 3 أضعاف هذا العدد على الاقل. (Nasrallah, 2006)

الهجرة العكسية باتجاه المدينة تزايدت مع إقامة الجدار عام 2002 حيث انتقل الالاف للسكن في البلدة القديمة بعد أن تركوها في سنوات الثمانيات بسبب الاكتظاظ وسوء ظروف السكن، فشهدت تلك الفترة ترميم كل فراغ داخل البلدة القديمة واستخدامه للسكن وإضافات بناء وطوابق لمباني قائمة خاصة في سلوان، الثوري، وادي الجوز، الطور وغيرها.

البناء بدون ترخيص تطور لاحقا ليشمل إقامة أبنية جديدة في مناطق خضراء خارج حدود التنظيم الهيكلي يحظر البناء عليها ، هذه الظاهرة تركزت في حي بيت حنينا، جبل المكبر، رأس العامود، الشياح، صور باهر. وفق التقديرات الاسرائيلية فإن هنالك 22 ألف وحدة سكنية أقيمت في القدس الشرقية بدون ترخيص تشكل ما نسبته ثلث المباني القائمة وفق التقديرات يصل عدد أوامر الهدم الى 11,500 مبنى. (Margalit, 2014) فعليا قامت سلطات الاحتلال بهدم عشرات المباني في العام 2018 تم هدم 193 مبنى منها 72 شقة والباقي مباني غير سكنية (مخازن ومحلات تجاري وغيرها)، (Ir amim, 2019) وحسب معطيات بتسلم هدمت سلكات الاحتلال 769 وحدة سكنية بين الاعوام 2004 الى شهر حزيران 2018. (B’Tselem, 2018)  فيما جبت بلدية القدس الاسرائيلية أكثر من 220 مليون شيكل (63 مليون دولار) كغرامات بناء بدون رخص خلال الفترة الواقعة بين 2000-2010. (Margalit,2014 )

تحولت الضواحي بعد إقامة الجدار الى مناطق فارغة من السكان بسبب انتقال ماليكها الى داخل حدود البلدية خاصة الرام وبير نبالا التي عزلها الجدار عن المدينة.

ظاهر الهجرة من الضواحي رغم كونها متشابهة في كافة المناطق إلا أن العيزرية- أبو ديس شهدت عودة بعض سكانها من حملة هوية القدس بسبب سهولة الدخول للمدينة عبر الحواجز وقربها من المدينة. وشهدت بعض الضواحي عودة لبعض سكانها بنسبة ضئيلة لأسباب تعود بالأساس الى غلاء ايجارات السكن  المعيشة في القدس ونظام الضرائب الباهظة التي لا تتناسب مع مستوى الدخل.

جدار الفصل    

في حزيران 2002 اقرت الحكومة الاسرائيلية بناء جدار الفصل لإدعاءات أمنية، الاغلاق والحواجز التي أقامتها اسرائيل في العام 1993 قبل أي عمليات ضدها شكلت أساس لسياسة الفصل التي على اساسها وقعت اسرائيل اتفاق السلام أوسلو. يبلغ طول الجدار 712 كم أي ضعفي طول الخط الاخضر الفاصل بين الضفة الغربية واسرائيل، تعرجات الجدار ومسارة في عمق الضفة الغربية يهدف بالاساس الى الضم الفعلي لكتل استيطانية بما في ذلك تلك الواقعة في قلب الضفة مثل ارئيل بالقرب من نابلس ومستوطنات معاليه ادوميم شرق مدينة القدس.  وفق معطيات مكتب تنسيق الشؤون الانسانية في الاراضي الفلسطينية المحتلة من شهر أيلول 2017 تم الانتهاء من بناء  460 كم (60% من الجدار المخطط)، 53 كم تحت التنفيذ إضافة الى ان 200 كم لم تتم المباشرة ببنائها بعد. (OCHA,2017)

الجدار عزل بشكل تام القدس عن باقي مناطق الضفة الغربية، ورغم ان مسار الجدار بشكل عام أتبع حدود بلدية الضم الا أنه في خمس مناطق تم استثناء او ضم مناطق لاعتبارات ديمغرافية وحيزية  وفق معاير مشابهة لتلك التي على أساسها تم ترسيم حدود الضم عام 1967، أي ضمم اكبر مساحات فارغه واقل عدد ممكن من السكان الفلسطينيين. (BTSELEM,2017)

الجدار حول أحياء شمال المدينة (كفر عقب) ومنطقة مخيم شعفاط وعناتا شرق المدينة الى مناطق معزولة عن المدينة، وحسب التقديرات يبلغ عدد سكان هذه الاحياء الواقعة داخل حدود بلدية القدس وخارج الجدار قرابة  140 ألف فلسطيني ممن يحملون حق الاقامة الدائمة بالقدس.

طول الجدار في القدس يصل الى 202 كيلو متر ويضم الى المدينة مناطق مفتوحة تشكل أراضي لتوسعة إضافية للمستوطنات في القدس الشرقية ومحيطها.

اثر الجدار يمكن تلخيصه بالنقاط التالية:

1.      عزل 140 ألف فلسطيني يعيشون داخل أحياء بلدية الضم عن مدينتهم والخدمات التعليمية والصحية وغيرها. الخدمات التي توفرها البلدية في هذه المناطق من خلال مقاولين لا تتعدى جمع النفايات وحلول جزئية للمجاري وتزويد مياه الشرب.

2.      عزل ضواحي القدس التي تطورت في الثمانينات والتسعينات عن المدينة وإعادة ربطها بشبكة شوارع مع رام الله (مثل بيرنبالا) وبيت لحم (العيزرية ابو ديس) وإغلاق كافة المنافذ التي كانت تربطها مع احياء مدينة القدس الملاصقة لها.

3.      الضم الفعلي للكتل الاستيطانية الكبرى المحيطة بالقدس والتي تشكل المتروبولين اليهودي الذي بدأ بالتطور في سنوات السبعينات لاعتبارات سيطرة حيزية لتحويل القدس الى مدينة قلب واعتبارات التفوق الديمغرافي اليهودي.

4.      الجدار أنهى مركزية القدس السياسية، الوظائفية، المواصلاتي، الخدماتية والاقتصادية. فحتى إقامة الجدار وإقامة السلطة الفلسطينية شكلت القدس مركز حضري للضفة الغربية وقطاع غزة، يضم المؤسسات السياسية والثقافية والاعلامية المركزية على مستوى الوطن بالاضافة الى المؤسسات الخدماتية خاصة في مجال الصحة والتعليم والثقافة والاعلام، كما شكلت القدس مركز تجاري هام على مستوى الضفة الغربية عامة  والمدن المحيطة بها خاصة بيت لحم ورام الله.

5.      ضعف الدور المؤسساتي والخدماتي الفلسطيني بسبب عزلها عن باقي مناطق الضفة الغربية ساهم الى حد كبير في زيادة الاعتماد على الجانب الاسرائيلي في تلقي الخدمات خاصة الصحة والتعليم والخدمات الاجتماعية.

مسار الجدار في القدس أثار اهتمام الباحثين والامنيين الاسرائيلي وأعتبر بعضهم الجدار فرصة لاعادة ترسيم حدود المدينة لصالح أغلبية ديمغرافية يهودية، وبدأت أصوات اسرائيلية تدعو الى إصلاح الخطأ التاريخي بضم قرى فلسطينية الى القدس الشرقية خاص صور باهر، جبل المكبر، أم طوبا والعيسوية.

بدائل ديمغرافية لمسار الجدار تم طرحها من قبل مؤسسات بحثية مثل معهد القدس لدراسات السياسات (Kimhi, 2006) ويمكن تلخيص أثرها الديمغرافي بما يلي:

1.      الواقع الحالي لعزل أحياء كفر عقب ومخيم شعفاط (وتوسعته – راس خميس ورأس شحادة) وضاحية السلام- عناتا. وفعليا الجدار يبقى 42% من سكان القدس الشرقية خارج المدينة أي نسبة السكان الفلسطينيين ستنخفض الى 25.9%.

2.      عزل كافة الاحياء الفلسطينية عن البلدة القديمة اي إحتفاظ اسرائيل “بالحوض المقدس" للمدينة الامر الذي يعني ان نسبة السكان الفلسطينين لن تتجاوز 7% من اجمالي سكان المدينة (40 ألف فلسطيني فقط داخل قلب مدينة القدس)

3.      إخراج أحياء شمال المدينة بيت حنينا وشعفاط وجنوبها مع الاحتفاظ بمركز المدينة والاحياء التي كانت جزء من البلدية الاردنية اي ان نسبة السكان الفلسطينين ستصبح 15% (100 ألف فلسطيني فقط في المدينة.ضمن مساحة 6 كم².

حاضرة فلسطينية وإحلال متروبوليني يهودي

إقامة الجدار شكل الحدث الاكثر تأثير على القدس الشرقية وفعليا أنهى دور القدس كحاضرة فلسطينية وظائفية شكلت مركز مؤسساتي، ومركز مواصلاتي وقلب اقتصادي هام بالاضافة الى الاهمية الدينية والوطنية التي ارتبطت بوجود المؤسسات الوطنية الفلسطينية التي نشطت خلال الانتفاضة الاولى والتابعة في معظمها لمنظمة التحرير الفلسطينية.

بخلاف الحاضرة الفلسطينية فإن مفهوم المتروبولين اليهودي تطور فقط منذ نهاية السبعينات بإقامة كتل استيطانية كبيرة في معاليه أدوميم (شرق القدس) أفرات (جنوب بيت لحم) وبسغات زئيف شمال شرق القدس.

لاعتبارات سياسية لم يتم تحديد حدود المتروبولين من قبل المخططين الاسرائيلي كون معظم مناطقه هي أراضي محتلة الا أنه تم تحديد حلقتين داخلية وخارجية لحدود وظائفية غير ادارية او قانونية.  ففي منتصف الثمانينات قام معهد القدس لدراسات اسرائيل بوضع معايير حدود المتروبولين. حدود المتروبولين امتدت بالحلقة الخارجية من أريحا شرقا الى بيت شيمش غربا ومن مستوطنة شيلو شمال رام الله الى مدينة الخليل بالجنوب، فيما شملت الحلقة الداخلية مدن رام الله، البيرة، بيت لحم، بيت جالا، بيت ساحور ومستوطنات معالية ادوميم وجفعات زئيف. خلال سنوات الثمانيات وبداية التسيعينيات كانت النظرة الى المتروبولين كمشترك (ثنائي القومية) يضم مدن وقرى فلسطينية بالاضافة الى المستوطنات التي تم بناؤها بمبادرة حكومية اسرائيلية وهي كتل استيطانية اقيمت على مساحات شاسعة من اراضي الضفة الغربية من الجهة الشرقية.  بالاضافة الى الكتل الاستيطانية في الاراضي المحتلة فان المتروبولين يضم حدود لواء القدس الواقع الى الغرب من القدس الغربية،  وبعض تعريفات المتروبيلين تضم مدينة موديعين التي أقيمت في التسعينات واستقطبت الطبقة المتوسطة العلمانية التي هجرت القدس ويشمل هذا التعريف ايضا  كتلة موديعين عليت الاستيطانية التي يعيش فيها المستوطنين المتدينين (حريديم). (Ahimeir and Bar Siman Tov, 2007)

الخارطة رقم (2) تبين ان الجدار ضم فعليا الكتل الاستيطانية وعزل البلدات والمدن الفلسطينية  الامر الذي يعني أن المتروبولين اليهودي اقصى وحل مكان الحاضرة الفلسطينية للقدس.

فعليا تحولت رام الله , والبيرة بعد العام 2005 الى مركز اقتصادي وإداري هام دورة مشابهة من ناحية وظائفية بالقدس الشرقية قبل اتفاقية اوسلو وإقامة الجدار، حدود الجدار تضم أكثر من 160 كم² مربع لحدود متروبولين " القدس اليهودي" إضافة الى مساحة 70 كم² تم ضمها عام 1967 وإذا ما تم إضافة الكتلة الاستيطانية موديعين عليت ومساحتها 72 كم² فإن القدس الكبرى ستصل مساحتها الى اكثر من 300 كم² من الاراضي المحتلة.

في العام 2013 قررت دائرة الاحصاء المركزي الاسرائيلية تعريف متروبولين رابع – متروبولين القدس (اضافة الى متروبولين تل أبيب، حيفا، بئر السبع)، ويبدو ولاسباب سياسية كون المتروبولين بأغلبه هي أراضي محتلة تضم العشرات من المدن والقرى الفلسطينية لم يتم ترسيم حدود وتم تحديد اسماء المستوطنات كنقاط فقط للاشارة الى موقع المتروبلين اليهودي( أنظر الخارطة رقم 3)

في العام 2016 بلغت عدد تجمعات متروبولين القدس اليهودي 86 مستوطنة وتجمع سكاني بعدد سكان يصل الى  1,253,900 نسمة منها 882,700 في المدينة (يشمل السكان الفلسطينين) 178,100 يعيشون في مستوطنات اكبرها بيتار عليت 51,600 معاليه ادوميم 37,700 وجفعات زئيف 16,900 نسمة.

 

الدولة أجهزتها ووكلاؤها – خصخصة التهويد

منذ منتصف الثمانينات طرأ تحول على السياسات الاستيطانية في القدس الشرقية وطفى الى السطح مرة أخرى موضوع الاستيطان داخل الاحياء الفلسطينية،  أرئيل شارون وزير الاسكان آنذاك قام بالاستيلاء على احدى البيوت في حي الواد بالبلدة القديمة من خلال صفقة بيع مع احدى المستأجرين الذي لا يملك  حق التصرف بالعقار، واعلن شارون بشكل احتفالي عزمه الانتقال للسكن هنالك. وقامت وزارته بتسريب عقارات فلسطينية الى منظمات استيطانية يمينية متطرفه (صهيونية متدينة) في البلدة القديمة بإدعاء أحقية اليهود بالسكن فيها ومعظمها يقع في محيط الحرم الشريف وحارة النصارى وبعدها انتقلت هذه المنظمات الى خارج الاسوار للاستيلاء على بيوت في سلوان والشيخ جراح ، المصرارة ورأس العامود بإدعاء ان يهود كانوا يقطنون هذه العقارات قبل العام 1984 وان ملكيتها عادت الى اليهود.

الجمعيات الاستيطانية عطرت كوهنين التي تاسست عام 1978 بهدف معلن لتهويد البلدة القديمة والاحياء الفلسطينية وجمعية العاد التي تاسست عام 1986 بهدف ترويج الهوية اليهودية الحصرية للقدس والسيطرة على الحوض المقدس للبلدة القديمة، هاتين الجمعيتان تولتا ادارة المشروع التهويدي والاحلالي للبلدة القديمة ومحيطها وحظيت بدعم حكومي مباشر حيث تعاون حارس املاك الغائبين مع هذه الجمعيات لنقل ملكيات تم الاستيلاء عليها من اصحابها الفلسطينيين بإدعاء انهم غائبون رغم ان بعضهم ما زال يقطن في القدس ويمتلك حق إقامة فيها. وفي معظم الحالات رفضت المحاكم الاسرائيلية الاعتراف بحقوق ملكيتهم حتى في الحالات التي تم اثبات ان اجراء اعلان العقار كغائبين كان على أساس معلومات وشهادات مزيفة.  (Seidemann, 2017)

وفق معطيات الامم المتحدة فإن 877 فلسطيني (منهم 391 طفل) يعيشون في 69 عقار هم اليوم تحت خطر التهجير بسبب نشاطات الجمعيات اليهودية الاستيطانية في البلدة القديمة، رأس العامود، الشيخ جراح وسلوان وأحياء أخرى لا تقع في محيط البلدة القديمة مثل بيت حنينا، جبل المكبر وبيت صفافا , (Seideman,2017)  (OCHA, 2019)

بالاضافة الى تهجير الفلسطينين اخذت الجمعيات الااستيطانية اليمينية المتطرفة على عاتقها مشروع اعادة صياغة الحيز ليخدم الرواية اليهودي للمدينة بشكل مطلق، من خلال تطويروادارة " حدائق وطنية" خاصة في وادي حلوة بسلوان حيث سميت مدينة داوود "لتجسد القدس اليهودية وبداية نشأة المدينة" وفق الرواية التي يتم ترويجها وتستهدف المجتمع الاسرائيلي وليس فقط الجماعات الدينية- الصهيونية.

ففي العام 1974 تم الاعلان عن محيط البلدة القديمة كحديقة وطنية تضم 1100 دونم معظمها في الشطر المحتل للمدينة وتشمل حي وادي حلوة في سلوان بالكامل بما فيها اكثر من 750 وحدة سكنية بعدد سكان يزيد عن 5 آلاف نسمة، ورغم ان مسؤولية " الحدائق الوطنية" تخضع الى سلطة الحدائق الوطنية الا أنها نقلت مسؤولية ادارتها مباشرة الى منظمة ألعاد الاستيطانية وخصصت الدولة ميزانية سنوية لادارة الموقع الاثري وترويجه "كمركز للموروث الحضري اليهودي"، هذه المجموعة الاستيطانية عملت جاهدة على تهويد الحي بالكامل من خلال تسريب العقارات بشكل غير مباشر غبر سماسرة وشركات وهمية اجنبية وعربية أو عقد صفقات مع بعض الورثة او اشخاص أدعو ملكية كامل العقار رغم ان حصصهم لا تعطيهم "الحق" بعقد اي صفقة. وهنالك حالات عديدة تبين الاساليب الملتوية التي اتبعتها المنظمة الاستيطانية للاستيلاء على العقارات الفلسطيني بما فيه التزوير وادعاءات باطلة عن الملكين وورثتهم. (Seideman,2017), (Ir Amim, 2018)

اصبح وادي حلوة نقطة جذب طور المستوطنين بدعم البلدية والحكومة مشاريع تخدم الرواية التاريخية اليهودية مثل المبادرة الى انشاء مركز زوار ومتحف لخدمة "مدينة داوود" باسم مركز كيدم، ةتبلغ المساحة المصدقة لبناء هذا المركز 16 الف متر مربع ويقع على بعد 20 متر من سور المسجد الاقصى (على انقاض موقع اثري ومقابر بيزنطية وعباسية) كما ان القصور الاموية الى الجنوب من المسجد الاقصى اصبحت تستخدم للعروض المفتوحة وهي على مقربة من الاراضي والمواقع التي استولت عليها منظمة العاد. 

كما عملت جمعية العاد الاستيطانية بشكل مباشر مع سلطة الاثار على أعمال الحفر وتنظيف شبكة انفاق مياه أثرية لربط عين سلوان التاريخية مع البلدة القديمة وتحديد مسار انفاق تحت الارض ليصل الى عمق البلدة القديمة.

بالاضافة الى مشروع تهويد سلوان وتفريغها من سكانها الفلسطينيين خاصة وادي حلوة وبطن الهوى ومحيط البلدة القديمة قامت جمعية العاد بالمبادرة لمشاريع سياحية منها تحويل مركزها السياحي المصدق (كيدم) الى محطة للقطار الهوائي (تلفريك) لربط غرب القدس مع ساحة حائط البراق (المبكى) بالبلدة القديمة وعين سلوان وصولا الى جبل الزيتون والمقبرة اليهودية وهو مشروع بادرت به الدولة مباشرة. كما تدير الجمعية مشاريع مسارات ومراكز معلومات سياحية أصبحت تستهدف السياح والاسرائيليين لترويج الرواية اليهودية التاريخية التي تقصي الوجود الفلسطيني العربي الاسلامي والمسيحي وتستبدله برموز ومعالم يهودية لمشهد عام "نظيف من الفلسطينين" .

الخارطة رقم 4 تبين "الحدائق الوطنية" حيث ان تلك الواقعة بمحيط البلدة القديمة تدار من قبل منظمة العاد وتستخدمها لصالح مشاريعها الترويجية اليهودية والسياحية. وفعليا تشكل هذه الحدائق الوطنية معازل لترابط الاحياء الفلسطينية عن ارتباطها بالبلدة القديمة.

خصخصة التهويد بدأت تتسارع وتيرته في السنوات الاخيرة وارتبطت بمحاولات السيطرة الحيزية والديمغرافية على قلب الاحياء الفلسطينية خاصة سلوان والشيخ جراح وتحويل المشهد العام الى مدينة يهودية حصري يهجر ويقصي النسيج المجتمعي والعمراني الفلسطيني بشكل مرائي من خلال الخرائط والمواد الدعائية التي تروج لها الجمعيات اليهودية المتطرفة .

محاولات اخضاع ديمغرافي للاسرلة ؟

في حزيران 2014 صادقت الحكومة الاسرائيلية على خطة لتعزيز الامن الشخصي والتطوير الاقتصادي والاجتماعي في القدس الشرقية. هذا القرار الحكومي هو الاول الذي يشير مباشرة الى الفلسطينيين في القدس. تنفيذ هذا القرار اقتصر بالاساس على اقامة محطات شرطة داخل الاحياء الفلسطينية وتعين شرطة جماهيرية لمعظم الاحياء، مراقب الدولة في تقريره للعام 2017 أشار الى ان "تأثير البرنامج التي شملتها الخطة  خلال 3 سنوات تطبيقها في أحياء شرقي القدس كان ضئيل"

في أيار 2018 اقرت الحكومة الاسرائيلية خطة معدلة على ضوء الفشل بتنفيذ الخطة السابقة التي ركزت بالاساس على فرض القانون والنظام وإنتشار الشرطة الاسرائيلية في أحياء القدس الشرقية والبنية التحتية، الخطة المعدلة خصصت 2 مليار شيكل (ما يزيد عن نصف مليار دولار) "لتحسين مستوى الحياة والبنية لسكان الاحياء العربية بالقدس وتقوية دمج سكان شرقي القدس بالمجتمع والاقتصاد الفلسطيني" وفق ما اشار اليه قرار الحكومة بهذا الخصوص. اكثر من نصف هذه الميزانية مخصصة لتطوير البنية التحتية  في القدس الشرقية.

الخطة هذه وفق سلم اولوياتها تبدو انها  أولا "إعلان سيادة على السكان الفلسطينيين" في القدس وترويج لعملية الاسرلة لهم من خلال فرض المنهاج الاسرائيلي على المدارس الفلسطينية (اكثر من 100 الف طالب)، حيث تم تخصيص 123 مليون دولار امريكي نصفها للتعليم غير الرسمي وبرامج خاصة للمدارس التي تدرس المنهاج الاسرائيلي فقط بما فيه ميزانيات تفضيلية لتحسين البرامج التعليمية والبئية المدرسية. (النقص الحالي في عدد صفوف التعليم يصل الى 2550 صف وفق تقرير منظمىة عير عميم عن واقع التعليم في القدس الشرقية لسنة 2017) 

الخطة تشمل تخصيص 75 مليون دولار لتحسين شوق العمالة وتشجيع دمج الفلسطينيين في أسواق العمل الاسرائيلية خاصة النساء (Elran,, Hadad ,Lavie, 2018) الخطة ولاول مرة تشمل تسجيل الاراضي الخاصة الفلسطينية في القدس الشرقية بعد تجميد اعمال التسوية التي قامت بها الاردن قبل العام 1967 خاصة احياء شمال القدس هذا البند الاكثر هو الاكثر حساسية للتخوف الفلسطيني من اعلان عقارات واراضي كاملاك غائبين ونقل ملكيتها الى حارس املاك الغائبين الذي قام بدوره خلال ثلاث عقود ماضية بنقل ملكيتها للجمعيات الاستيطانية المتطرفة. (Globes, 9/2/2018)

هذه الخطة رغم الاهداف الاقتصادية والاجتماعية التي ابرزتها الا ان هدفها سياسي بالاساس، فالمسؤولية المدنية عن السكان الفلسطينيين لم تكن بالمطلق محط اهتمام أصحاب القرار في اسرائيل لانشغالهم بالاستيطان في القدس ومحيطها وإعادة تعريف الحيز على أسس ديمغرافية يهودية أقصت الفلسطينيين وأصبح تعريفهم مرتبط "بشرقي القدس" كتعريف ديمغرافي وليس جغرافي أي ان المستوطنات الاسرائيلية في القدس لا تعرف "كشرقي القدس" عند الاشارة الى "وحدة المدينة وخضوعها للسيادة الاسرائيلية".

الخطة الاسرائيلية لم يتم إعدادها بالشراكة مع أي جهة فلسطينية ولا توجد مشاركة لاي طرف بما فيها تلك الاصوات التي بدات تتعالى في السنوات الاخيرة والتي تطالب "بالحقوق المدنية" وقبول دمج الفلسطينيين في التعليم والاقتصاد الاسرائيلي لاسباب منفعية شخصية دون الخوض بقضايا الهوية والانتماء.

هنالك تشكيك بفرص نجاح الخطة لاعتبارات تتعلق بالفجوة الكبيرة بين القدس الشرقية والغربية (Globes, 9/2/2018) وتركيزها على تحقيق اهداف سياسية تتعلق بفرض المنهاج الاسرائيلي على كافة المدارس واخضاع الاقتصاد والعقارات الى الانظمة الضرائبية الاسرائيلية والتخوف من عملية تسوية الاراضي وفرض قانون املاك الغائبين على حملة هوية الضفة الغربية والفلسطينين المغتربين خاصة في الاردن حيث يعيش معظم ورثة مالكي العقارات والاراضي.عليه فان الخطة قد تشكل تحدي مباشر للهوية والانتماء الفلسطيني بسبب الاصرار الاسرائيلي على اسرلة الخدمات واخضاعها للجهاز الاسرائيلي خاصة منهاج التعليم . هذه الخطة رغم نشرها من قبل الاعلام الاسرائيلي والمحلي الا انها غير معروفة وغير ملموسة على المستوى الحياتي اليومي ولم تحظى باهتمام من قبل غالبية الفلسطينين في المدينة.   

إستنتاجات

الواقع الجديد الذي هو نتاج السياسة الحيزية والديمغرافية الاسرائيلية بوسائلها العسكرية، التخطيطية، السياساتيه وترسيم حدود فيزيائية جديدة ضمن تعريف المتروبولين اليهودي (تم فصله حيزيا ووظائفيا عن الحاضرة الفلسطينية) يشكل تحول كبير من المتوقع ان تكون له انعكاسات مصيرية على الوجود الفلسطيني ومستقبل المدينة، فهذا الواقع ترى فيه اسرائيل "فرصة مواتية" لفرض سيادة وظائفية على الفلسطينيين حيث امتنعت لخمس عقود التعامل مع وجودهم.

السلطة الوطنية الفلسطينية لا تملك الادوات للتعامل مع هذا الواقع الجديد وانحصر دورها علاوة على الموقف السياسي على تسيير أعمال ما تبقى من المؤسسات الفلسطينية في القدس والعمل ضمن الهامش المتاح والذي يتركز بالاساس على خدمة الضواحي والقرى المحيطة بالمدينة ضمن تعريف المحافظة،  وامتنعت السلطة عن التعامل مع حالة الفراغ الذي انتجه الجدار بإخراج أحياء فلسطيينية وفصلها عن المدينة لاعتبارات يبدو انها بسبب محددات اوسلو وصلاحيات السلطة، فاصبحت أحياء كفر عقب ومحيط مخيم شعفاط ملاذات سكانية تأمن استمرارية حق الاقامة والتأمين الصحي فتحولت كفرعقب على سبيل المثال الى حي شديد الاكتضاظ وتم تشيد اكثر من 300 مبنى مكون من عشر طابق في فترة زمنية قصيرة لتستوعب الطلب العالي على المدخل الوحيد لضمان الحفاظ على البقاء في المدينة اي حق الاقامة وتلقي الخدمات الصحية والاجتماعية. التساهل الاسرائيلي في السماح ببناء هذه الكثافات يبدو انه نوع اخر من الهندسة الديمغرافية لاحداث فوضى تخطيطية لاستقطاب المقدسيين الى هذه الاحياء خارج الجدار التي ارتفع عدد سكانها من 30 الف الى 140 الف باقل من عشر سنوات.  

الحفاظ على الوجود الفردي هو عنوان المرحلة بالنسبة للفلسطينيين في القدس في واقع تغيب عنه اي رؤية وسياسة فلسطينية تعمل على تقوية المنعة الوطنية الجماعيه وإنتاج أدوات جديدة قادرة على تجاوز المرحلة والحفاظ على الهوية والحقوق الوطنية الفلسطينية.

تطرف النظام الاثنوقراطي الذي طبقته اسرائيل على القدس بأيدولوجيتها وسياستها الاحلالية المباشرة اوعبر وكلاء ومساعديهم يسير حتما باتجاه الفصل العنصري الحضري (ابرتيد حضري) والذي يهدف بشكل ممنهج ضمان السيطرة على غالبية الارض والمصادر الطبيعية في متروبولين القدس المستحدث وضبط الوجود الفلسطيني في معازل صغيرة. (Yiftachel and Yacobi, 2005), (Feagin, 1998), (Yacobi, 2016)   

 قد تشكل القرارات الاسرائيلية الاخيرة اتجاه الفلسطينيين في القدس بدمجهم ضمن قانون واحد محاولة جديدة لا نعرف مدى جديتها الا ان ذلك لن يغير الاسس القائم عليها هذا القانون أصلا بالاستحواذ والتمييز لصالح اليهود فقط. الاصوات الفلسطينية القليلة الداعية الى حقوق مواطنة لم تتعلم الدروس والعبر من واقع الفلسطينيين في مناطق 1948 بل إن النموذج الذي يشار اليه ما زال معرفة خفايا القانون والحقوق المترتبة عليه كأن القضية مجرد جهل وعدم دراية بالقانون والحقوق المترتبه عليه، ونمت مجموعات فطرية من الوسطاء مع سلطة الاحتلال من مهنيين، رجال اعمال مستشارين وإداريين "لتحصيل الحقوق" فالمنظومة التي كانت تدير القدس والتي استندت بالاساس على الاستقلالية الوظائفية كبديل للاحتلال انهارت بالمطلق وأصبح التوجهه الى المؤسسة الاسرائيلية التنفيذية والقضائية بكل ما يتعلق بمناحي الحياة أمرا اعتياديا وليس عيب وخيانة وطنية.

السؤال الذي يبقى مفتوحا؟ ما هي الادوات التي يمكن  تطويرها لمواجهة السياسات الاسرائيلية ؟ وهل سنخسر الانسان بعد ان خسرنا الارض بسبب قصور في تطوير منعة وطنية قادرة على مساندة الافراد والجماعات؟ هل الحق الفلسطيني في المدينة  قابل للتطبيق في غياب حل سياسي وسلطة ؟ هل الحقوق الحياتية ضمن هامش الاحتلال او في اطار بديل للاحتلال يتنافى مع الحقوق الوطنية؟ هذه المواضيع تتطلب نقاش ودراسة جادة للخروج من السرد والوصف لفهم اعمق لاثر التحولات الحيزية والوظائفية على واقع المدينة وقدرة الفلسطينيين على انتاج حيزات تحافظ وجودهم وتقويه.