• 22 حزيران 2019
  • مقابلة خاصة

 

 

بقلم : د. نائلة الوعري

  

لقد حفلت كتب التراث الجغرافي بالكثير من النصوص الهامة عن المدن والقرى الفلسطينية. وفي مقدمتها مدينة القدس الشريف؛ ويرجع ذلك إلى المكانة الدينية التي تحتلها الأرض المقدّسة في قلوب المسلمين، عبر عصور التاريخ الإسلامي التي تلت الفتح العمريّ لمدينة القدس. والتي كانت قبلة  المسلمين الأولى لمدّة ثلاث عشرة سنة ونيفاً، قبل أن يأمر الرسول صل الله عليه وسلم المسلمين أن يولوا وجوههم شطر المسجد الحرام. وفيها ثالث الحرمين الشريفين، وهي مدينة الأنبياء، ومدينة الإسراء والمعراج، إضافةً إلى كثرة الأحاديث النبوية التي تحث المسلمين على شدّ الرحال إلى بيت المقدس وزيارتها والصلاة في مسجدها. 

ولا ننسى المكانة العلمية التي تتميز بها القدس ابتداءً من القرن الخامس الهجري، حيث كانت مركز إشعاع علمي يقصده العلماء من كافة أصقاع العالم الإسلامي لطلب العلم والمجاورة ومجالسة العلماء. 

  لهذه الأسباب، كانت الأرض المقدّسة موضع اهتمام العلماء،وبرز نوع من الادب يسمى "أدب الرحلة "يدعو في المرتبة الاولى إلى زيارة الاماكن المقدسة مكة المكرمة والمدينة المنورة لما لهما من القدسية والمكانة الدينية والعلمية عند المسلمين  ومنها "رحلات الحج "ويأتي في المرتبة الثانية  زيارة مدينة القُدْس الشَّريف، التي كانت مقصداً للرحّالة ومزاراً ومتبركاً وموئلاً لطَلَبِ العِلْم والمجاورة؛ لما لها من مكانة دينية ولارتباطها بالأرض المُقَدّسة، إضافة إلى كونها مركزاً علمياً يؤمّه علماء المسلمين من مختلف أنحاء العالم. واعتماداً على هذه المعطيات فقد حفلت دور الكتب وخزائن المخطوطات بكمية كبيرة من الرّحلات المَقْدسيّة، وكتب الفضائل، و كان قرب المسافة ـ نسبياً ـ بين القُدْس والحِجَاز مدعاةً لكثيرٍ من الرحّالة المغاربة والأندلسيون للتوجّه لزيارة بيت المَقْدس بعد أداء فريضة الحجّ.ومن أقدم نصوص الجغرافيين والرحالة العرب عن القدس التي سجلناها وسوف نتحدث عنها في هذا البحث تبدأ بنص قديم  وصغير عن القدس في القرن الرابع هجري لابن  خُرْداذبة يقول فيه(1): "كورة فلسطين: كورة الرّملة، كورة إيليا وهي بيت المقدس، ومن بيت المقدس إلى مسجد إبراهيم صلى الله عليه وقبره ثلاثة عشر ميلاً مما يلي القبلة".وذكرها باقتضاب الجغرافي والرحالة المعروف باليعقوبي بقوله(2): "ولفلسطين من الكور: كورة إيليا وهي بيت المقدس، وبها آثار الأنبياء عليهم السّلام وذكرها المقدسي البشاري في مواضع عديدة من كتابه، ووصف المدينة وخططها، ويعتبر وصف المقدسي من أدق ما كتب عن المدينة، لأنه يتحدث عن معرفة بطبيعتها، وهو من أهلها، لذلك نقل الجغرافيون كلامه في معرض حديثهم عن القدس. حتى نصل الى الرحلات الحديثة  الى مدينة القدس والتي ترجع للقرن السابع عشر والثامن عشر  ومنها رحلتان للفقيه والمتصوف الشيخ عبد الغني بن إسماعيل النابلسي، وهو عالم كبير من أهل دمشق الشام، زار فلسطين مرتان: الأولى سنة 1101هـ/ 1690م، وسماها "الحضرة الأنسية إلى الرحلة القدسية"، والرحلة الثانية وهي الكبرى فقد قام بها سنة 1105هـ/ 1694م، وسماها "الحقيقة والمجاز في الرحلة إلى بلاد الشام والحجاز". وقد تضمّنت الرحلتان وصفاً مفصّلاً للقدس الشريف وللمشاهد والمقامات والمزارات ولقبّة الصخرة والمسجد الأقصى، وتضمّنت عقد مجالس العلم ومحاورة العلماء، مما يبرز الحياة العلمية التي كانت تحتلها مدينة القدس في أفئدة المسلمين.

وللشيخ مصطفى بن كمال الدين البكري الصديقي، تلميذ الشيخ عبد الغني النابلسي، ثلاث رحلات إلى القدس: الأولى سنة 1122هـ/ 1710م وسماها "الخمرة المحسية في الرحلة القدسية". والثانية سنة 1126هـ/ 1716م وسماها "الخطرة الثانية الأنسية للروضة الدانية القدسية". والرحلة الثالثة سنة 1128هـ/ 1716م وسماها: "الحلة الذهبية في الرحلة الحلبية". وقد حفلت رحلاته بذكر المواضع ووصف مدينة القدس وما بها من معالم ومزارات، وتعداد من بها من العلماء.

ومن الرحلات المهمة في ذلك العصر رحلة الشيخ مصطفى بن أسعد اللقيمي سنة 1143هـ/ 1730م، المسماة بـ: "موانح الأنس في رحلتي لوادي القدس". وكما يدل عنوان الرحلة فقد اعتنى اللقيمي بذكر القدس والحرم الشريف، وزيارة نواحيها، وكانت إقامته بالقدس فرصة للقاء العلماء ومحاورتهم.

وآخر الرحلات التي سوف اتطرق إليها؛ رحلة السفير محمد بن عثمان المكناسي المسماة : "إحراز المعلى والرقيب في حج بيت الله الحرام وزيارة القدس الشريف والتبرك بقبر الحبيب"، فقد خرج السفير المكناسي من المغرب مبعوثاً من سلطان المغرب إلى السلطان العثماني سنة 1200هـ/ 1785م، وأمره بالتوجه بعد ذلك إلى الحجاز، وبعد أن قام بهاتين المهمتين زار القدس وترك لنا وصفاً دقيقاً للمدينة ونواحيها