• 25 حزيران 2019
  • مقابلة خاصة

 

القدس – أخبار البلد -  في الوقت الذي يفتخر فيه بعض العرب الجهلة  بعداءهم  لتركيا وما تمثله ، بل ويتمادى هؤلاء الجهلة الحاقدين بالتعرض للفترة العثمانية على انها فترة مظلمة وهو لم يقرؤوا التاريخ الا ما كتبه لهم اسياده في الغرب   ، في هذا الوقت  بالذات  نشرت صحيفة القدس العربي مقالة رائعة للكاتب احمد سالم  سالم  يتحدث فيها عن فضل العثمانيين في وقف الزحف البرتغالي الصليبي  والذي كاد ان يؤدى الى انهيار العالم الإسلامي،

 وفي هذه المقالة يفند الكاتب فكرة ان الاكتشافات البرتغالية  البحرية جاءت لأسباب اقتصادية ويؤكد انها جاءت لأسباب دينية بهدف القضاء على الإسلام .

 ويسعدنا ان نعيد نشر المقالة كاملة على امل المساهمة بتصحيح أخطاء تاريخية كتبها عن عمد  مؤرخي  أوروبا  بتحريف واضح ولهدف واحد .....

  يرى البعض أنه لم يكن ضمن مخططات البرتغاليين، وهم في طريقهم إلى الهند إبان اكتشافاتهم الأولى، احتلال أراضي المشرق الإسلامي، بل كانوا يهدفون في الأساس إلى إيجاد مناطق ارتكاز على طرق التجارة الجديدة التي اكتشفوها، والسيطرة على الموانئ الأساسية في خليج عدن وبحر العرب، ومن ثم القضاء على طرق التجارة القديمة التي كانت تمر عبر مصر؛ ما يثبت أن دخول العثمانيين إلى الشرق الأدنى، لم يؤد إلى تغيير جوهري في مصير المنطقة، أو حتى إلى تغيير طفيف، لأن البرتغاليين حققوا بالفعل جلّ أهدافهم من حروبهم في الشرق.
وهكذا، ومن أجل الوصول إلى هذه النتيجة، حَصَرَ أصحاب تلك النظرية دوافع الكشوف البرتغالية على وجه الإجمال في المجال الاقتصادي، غاضين الطرف تمامًا عن إرث البرتغال من إسلاموفوبيا العصور الوسطى، وتاريخ صراعهم والإسبان مع المسلمين، والعداء المتأصل بين الفريقين في شبه جزيرة إيبيريا في ما يسمى بحروب الاسترداد، ثم في العدوة المغربية، وما أطلقه البابا نيقولا الخامس (1447-1455) من دعوات لتجديد الحروب الصليبية، تستهدف إنهاء الإسلام عبر السيطرة على قلب أراضيه، واسترجاع بيت المقدس، وهو ما سيشكل أحد الدوافع الرئيسة لحركة الكشوف الجغرافية بمباركة البابوية، هذا فضلاً عن اتصال البرتغاليين بقوى إقليمية كان لها هدف إضعاف القوى الإسلامية نفسه والتوسع على حسابها؛ فدعونا نرى كيف يؤدي بتر أحداث إقليمية وعالمية من سياقها التاريخي، على نحو كهذا، إلى قلب حقائق مثبتة، رأسًا على عقب.
جاء نشاط البرتغال الاستعماري خارج القارة الأوروبية مبكرًا، في مستهل القرن الخامس عشر، مع ذلك لم تجتذب كشوفها حذاء الساحل الغربي لإفريقيا سوى الجغرافيين حتى منتصف القرن الخامس عشر، ذلك لأن فكرة ربط تلك الكشوف بالعامل الاقتصادي كانت في بادئ الأمر غير مطروحة، إذ لم تكن البرتغال بحاجة للبحث عن أسواق خارجية مع حجمها الصغير وتجارتها البسيطة، وبحريتها التي لا تسمح لها بأن تقوم بدور يشبه ذلك الذي وصلت إليه مستقبلاً، لذا يؤكد الكثير من المؤرخين الغربيين على أن الدوافع الأولى لهذه العملية كانت عسكرية واستراتيجية، تتصل بخضوعهم للحكم الإسلامي لفترة طويلة، وخشيتهم من معاودة خطره؛ ما دفعهم إلى محاولة القضاء عليه، فانطلقوا في أولى حملاتهم العسكرية التي احتلت مدينة سبتة المغربية عام 1415 في ثوب حرب صليبية وطنية ضد المسلمين؛ ثم تطورت في ظل الملك ألفونسو الخامس (1438-1481) الذي وضع المشروع الشرقي برمته في إطار الحرب على الإسلام، فبدأت سلسلة من الحملات استطاعت السيطرة على الثغور المغربية على الساحل الأطلسي، وانتهت بالوصول إلى الهند وضرب تجارة المسلمين، بالسيطرة على التجارة الشرقية أواخر ذلك القرن.
لم ينته درب الاستكشاف الطويل للبرتغاليين بالوصول إلى الهند، بل كان مجرد بداية لمحاولتهم فرض السيطرة الكاملة على البحار الشرقية والنفاذ إلى البلدان الإسلامية من الجنوب والشرق، فبدأت الهجمات تتوالى على شرق إفريقيا، حيث الإمارات الإسلامية كمالندي وكلوة ومومباسا وزنجبار وسوفالا وجزر القمر، مرورًا بسواحل الجزيرة العربية والبحر الأحمر وبحر العرب إلى سواحل الهند والممالك الإسلامية في شرق آسيا.

دخول العثمانيين إلى الشرق الأدنى، لم يؤد إلى تغيير جوهري في مصير المنطقة لأن البرتغاليين حققوا جلّ أهدافهم من حروبهم في الشرق

وما إن وصلوا إلى هذه المناطق، أقاموا اتصالات وتحالفات مع القوى المعادية للمسلمين، ما كشف نياتهم؛ ففي شرق إفريقيا كان تحالفهم مع الحبشة، تلك الدولة المسيحية ذات التاريخ الطويل في معاداة المسلمين؛ وفي منطقة الخليج العربي، استطاع القائد البرتغالي ألفونسو دي البوكيرك إقامة علاقات قوية مع إسماعيل شاه إيران الصفوي، ما كان له بالغ الأثر على امتداد نفوذهم شمالاً حتى البصرة؛ وفي شرق آسيا كان لتحالفهم مع الهندوس أثر كبير في توطيد نفوذهم على حساب المسلمين في الهند والملايو (ماليزيا حاليًا). هكذا وقع على عاتق المماليك في مصر بصفتهم الدولة المحورية في الشرق الأدنى والعالم الإسلامي مواجهة كل هذه الأخطار دفعة واحدة، لكن عوامل الضعف والانهيار التي بدت على الدولة لم تمكنها من اتخاذ التدابير الحاسمة لمواجهة شاملة مع البرتغاليين، ما أدى إلى تكبد أسطولها هزيمة ثقيلة فاصلة في معركة ديو البحرية عام 1509، أدت إلى إطلاق اليد البرتغالية في البحار الشرقية، وقبضها على الخطوط الملاحة البحرية الواصلة بين الشرق والغرب، هذا غير تجرؤهم وازدياد هجماتهم على المراكز والثغور العربية والإسلامية، حتى توغلوا في عمق البحر الأحمر ليصلوا إلى جدة ويهاجموها، في تهديد كبير للبقاع المقدسة الحجازية، وإذا أضفنا إلى ذلك ما ذكره ابن إياس عن القبض على ثلاثة جواسيس برتغاليين في مكة بالتزامن مع تلك الأحداث، فضلاً عما ذكرته المصادر الغربية عن تصريحات بعض القادة البرتغاليين وملوكهم بشأن النَّيل من المقدسات الإسلامية، علمنا على الفور حجم المخططات التي كانت تحاك للمنطقة برمتها. وهنا يأتي السؤال المهم: ماذا إن لم يمتد في ذلك الوقت نفوذ العثمانيين إلى مصر فاتحًا لدولتهم المجال إلى البحار الشرقية لتدخل بثقلها في مواجهة شاملة مع البرتغاليين امتدت لعقود؟
لقد صارت مصر المركز والقاعدة الاستراتيجية الكبرى التي ارتكز عليها العثمانيون في مواجهة البرتغاليين في البحار الشرقية، وصار ميناء السويس الميناء الرئيسي الذي يربط الدولة بهذه المناطق، فمنه تقلع الحملات وإليه تعود، لذا أصبح تابعًا مباشرة للباب العالي باسطنبول، وغدا البحر الأحمر الذي يطل عليه ذا بُعد استراتيجي خطير بعد أن صار بمثابة الترسانة والمأوى الأخير للسفن العثمانية في عموم البحار الشرقية، فبات من اللازم السيطرة على كافة مراكزه وغلقه تمامًا، وهو ما تحقق فعليًّا بعد هزيمة البرتغاليين في معركة مصوع عام 1540، وإتمام السيطرة على اليمن وسواحله بعد بضع سنوات؛ ولم يكتف العثمانيون بذلك بل سارعوا إلى مد نفوذهم لسواحل شرق إفريقيا بالتعاون مع ممالك الطراز الإسلامية، واستطاعوا إخضاع كامل إريتريا والقسم الأكبر من الصومال وقسمًا من الحبشة، وتأسيس ما سُمي بإيالة الحبش لضرب نفوذ البرتغاليين في المنطقة، فضلاً عن تحالفهم مع الأحباش. وامتدت المواجهات كذلك إلى الخليج العربي بعد أن تمكن العثمانيون من السيطرة على العراق عام 1534، والحد من النفوذ الصفوي الذي سهل من تدخل البرتغاليين. هكذا تغيرت ملامح الصراع الإسلامي الصليبي في الجنوب والشرق بشكل عام، وبدأ ميزان القوى في التكافؤ من جديد. ومع أن العثمانيين لم يوفَّقوا في إنهاء التواجد البرتغالي نهائيًّا من المياه الشرقية، إلا أنهم حققوا نجاحات كبيرة في إطار المواجهة التي ظلت مستعرة خلال القرن السادس عشر؛ ويكفيهم أنهم أمَّنوا الحدود الإسلامية تمامًا من الجنوب، وكذلك طرق التجارة القديمة المارة بالخليج العربي والبحر الأحمر، وربطها بالخطوط التجارية البرية الآتية إلى أوروبا برًّا عبر آسيا، بعد أن سيطروا عليها بفتحهم للقسطنطينية والسواحل الشمالية للبحر الأسود، لتصبح المنافسة كبيرة بينها وبين الطرق البحرية التي تصل الهند بغرب أوروبا، فعاد على إثر ذلك الانتعاش للتجارة المتوسطية، وعاد الازدهار للموانئ والثغور العربية، بعد ما شهدته من تدهور أواخر القرن الخامس عشر، إلى أن بدأ النفوذ البرتغالي في التقلص وبدأت قوتهم الاستعمارية في الانهيار شيئًا فشيئًا منذ أواخر القرن السادس عشر.