• 27 حزيران 2019
  • مقابلة خاصة


 القدس – أخبار البلد – عندما كان الأستاذ الكاتب الكبير المرحوم ناصر الدين النشاشيبي يقول لي في كل مناسبة انه شخصيا عانى من اللبنانيين كثير بسبب زواجه من ابنة الزعيم الكبير رياض الصلح، ووصل الحد الى ان رئيس تحرير اكبر صحيفة في لبنان يقوم  بنشر مقالة ينتقد فيه وبشدة اقتران هذا الفلسطيني ( اللاجئ) القادم من القدس  بهذه اللبنانية الاصيلة .صاحبة الدم الأزرق  ، أضاف النشاشيبي رحمة الله عليه انه حتى عندما أراد المشاركة في تشييع جثان زوجته الشابق عالية الصلح قوبل بقلة احترام  والحقد لا زال في عيونهم كما قال ، مضيفا ان اللبنانيين لا يمكنهم تقبل أي فلسطيني ناجح، وذكر اسم يوسف بيدس  كمثل على الحقد والعنصرية التي  المتأصله في المجتمع اللبناني .

 عندها لم اعر أي اهتمام هذا الاسم ، ومع  مرور الزمن   واثناء معاودة الاستماع الى التسجيلات الكثيرة للأستاذ  النشاشيبي  والذي شرح تفاصيل تلك القصة المحزنة لمقدسي احب لبنان وكان وبحق أبا النهضة الاقتصادية اللبنانية في حينه ، وبدل ان يقبل عليه اللبنانيون مرحبين قاموا بتدميره والقضاء على كل إنجازاته لا لشيء سوى لانه مقدسي ، رغم علمهم ان هذا سيؤثر على اقتصاد بلادهم ولكن هذا غير مهم ، حتى البنك  المركزي اللبنانية والحكومة كانوا طرف في الحقد العنصري اللبناني.

 واليكم جزء من قصة المقدسي الذي احب لبنان فقتله اللبنانيون

وُلد يوسف بيدس في القدس ابناً للأديب والمربي خليل بيدس. وعمل وهو شاب يافع في عدة مؤسسات مالية في فلسطين منها بنك "باركليز" البريطاني والبنك العربي الذي أصبح مديره العام فيما بعد.

في النكبة  اضطر الى مغادرة المدينة  متوجها إلى لبنان بلد زوجته وأمه. وفي بيروت أسّس افتتح مكتب صرافة برأس مال بلغ 4 آلاف دولار، بالشراكة مع أربعة من أصدقائه، وباشر العمل في صرف العملة الأجنبية وتشغيلها.

نجح بيدس بالاستحواذ على جزء كبير من السوق المالي في لبنان، وحاز على ثقة شرائح واسعة من المودعين والراغبين باستثمار أموالهم لا سيما من الفلسطينيين.

أسّس بيدس بنك "إنترا" عام 1951.  الذي حقق خلال أعوام قليلة نجاحاً كبيرا بحيث ارتفع حجم أعماله من 5 ملايين ل.ل إلى 700 مليون ل.ل. وتحوّل إلى إمبراطورية مالية تضم حوالى 40 فرعاً عاملاً في أنحاء لبنان وفي عدد كبير من الدول منها سوريا، والأردن، والعراق، وقطر، وسيراليون، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، وبريطانيا والولايات المتحدة.

 بيدس هذا يعتبر وبالفعل أبو النهضة  الاقتصادية اللبنانية فهو الذي أسس الموانئ في لبنان ، وهو الذي أسس شركة إعلامية وأخرى لإنتاج السينمائي لحلمه ان تصبح بيروت مقر صناعة السينما  لتكون هوليود الشرق

وتم تأسيس مصارف شقيقة لـ"إنترا" ضَمت 33 فرعا و4 مصارف في لبنان و48 شركة. إضافة إلى الشركات التابعة مثل شركة مرفأ بيروت وراديو أوريان وفندق فينيسيا وشركة التلفزيون اللبنانية واستديو بعلبك وحوض لاسيوتا لبناء السفن في فرنسا وغيرها. وتجاوزت موازنة مجموعة "إنترا" في تلك الفترة خمسة أضعاف موازنة الدولة اللبنانية، وكانت تشغل ثلاثين ألف عامل، أي أكثر من موظفي القطاع العام آنذاك.

 كل هذا لم يشفع له عند اللبنانيين وخاصة السياسيين ورجال الاعمال والذين تحالفوا معا لتدمير هذا الشخص الذي لم يقدم الى لبنان واللبنانيين الا الخير والمحبة

 ففي عام 1966، وفي قمة الإزدهار وبدون إنذار مسبق بث الحاقدون اشاعات أدت الى  أزمة "إنترا" التي أطاحت بإمبراطورية بيدس وبالقطاع المصرفي في لبنان الذي كان يشهد انتعاشاً في تلك الفترة.

فأغلب تأويلات انهيار "إنترا" تعيد الأمر إلى خوف العائلات اللبنانية صاحبة النفوذ المالي والسياسي من هذا الفلسطيني العنيد الذي هدّد عروشهم فتحالفوا ضده وأشاعوا لهذه الغاية أخباراً كاذبة تشكك في الأوضاع المالية للبنك، وضغطوا على بعض العملاء لسحب ودائعهم منه. ووصل الحقد الى ان يرفض البنك المركزي اللبناني منح قرض لبنك انترا للخروج من ازمته التي بالتأكيد سيكون لها تاثير على الاقتصاد اللبناني عامة ، ولكن هذا لا يهم هؤلاء المهم تدمير الفلسطيني.

 وبدأت الجموع تتهافت على فروع البنك لسحب ودائعها وبعد أربعة أيام نفذت السيولة من الصناديق. ورفضت الحكومة، التي اتُهمت بالتواطئ ضد بيدس، إقراض البنك مئة مليون ليرة لتغطية هذا الطلب المفاجئ، مع أنّ موجودات البنك كانت أكبر بكثير من ودائعِ الزبائن.

 ويقول الكاتب  كمال ديب ، في كتابه "يوسف بيدس ـــ إمبراطورية إنترا وحيتان المال في لبنان" (دار النهار، 2014)"  إلى جانب "العنصرية اللبنانية ضد الرأسمال الفلسطيني وضد الأدمغة الفلسطينية وتكتل الأعداء في لبنان من سياسيين ومصرفيين ورجال أعمال وعائلات ضد بيدس وإمبراطورتيه"، فقد حَاربت الرأسمالية العالمية الازدهار المالي والمصرفي في لبنان الستينات والذي قاده بيدس.

 ويضيف  ديب في كتابه : "استعملت المصارف العالمية نفوذها لمحاربة "إنترا" بدعم من الحكومات الغربية؛ إلى جانب ارتفاع أسعار الفائدة في الأسواق العالمية الكبرى بشكل دراماتيكي أعجز "إنترا" عن مواكبته". ويورد ديب في كتابه أيضا سبباً آخر وهو موقف بيدس في الصراعات السياسية العربية المؤيد لجمال عبد الناصر والقوميين.

أخذت الأزمة المالية في لبنان أواسط الستينات اسم "أزمة إنترا" كونه البنك الأكبر وكان يدير 60% من الأعمال في لبنان قبيل إفلاسه. هذه الأعمال ذهبت، في معظمها، إلى المصارف الأجنبية بعد انهيار الثقة في القطاع المصرفي اللبناني آنذاك.

لُوحق بيدس قضائياً في لبنان فغادرها وأخذ يتنقل من بلد لآخر لمتابعة قضية البنك، باحثاً عن السيولة أو القروض لإنقاذ البنك، فاعتقل في البرازيل بطلب من لبنان وسجن، وبعد إطلاق سراحه أصيب بسرطان البنكرياس وتوفي في الأول من ديسمبر عام 1968 ودُفن في سويسرا.