• 15 تموز 2019
  • مقابلة خاصة

 

 القدس – أخبار البلد - كتبت الصحفية جمانة أبو عرفة تقرير جميلا في موقع الجزيرة نت عن احدى زاوية القدس التي أصبح قسم منها اثرا بعد عين بسبب الإجراءات الإسرائيلية في المدينة والهادفة الى طمس الهوية العربية الإسلامية لهذه البقعة المقدسة

 يسعدني في شبكة " أخبار البلد " ان نعيد نشر المقالة كاملة بهدف الاطلاع جمهور قراء  الشبكة علي قصة هدا المعلم المقدسي الاصيلك

 

يقف عزام أبو السعود (71 عاما) برفقة زوار للقدس أمام حائط البراق غرب المسجد الأقصى، يشير إلى الزاوية الجنوبية الغربية من سور المسجد محاولا إقناعهم بأن مجمعا سكنيا كبيرا ولد وسكن فيه كان في هذا المكان، وكانت تعيش داخله 14 عائلة فلسطينية.

يدعم روايته بصور قديمة حفظ أضعافها في ذاكرته، لكن السور بدا أمام الزوار أملس لا يكاد يُبين أن بيوتا التصقت به وعانقته أكثر من ستمئة عام.

فقد هدم الاحتلال الإسرائيلي تلك البيوت الأثرية بالكامل بعد احتلال شرق القدس والأقصى عام 1967، وهدمت حي المغاربة ومحته كأن لم يكن من قبل، وكذلك "الزاوية الفخرية" غرب جامع المغاربة.

وظل اسم الحي يتردد كلما لاحت ذكرى احتلال المدينة، لكن اسم الزاوية الفخرية غاب عن المصادر التاريخية والاهتمام الإعلامي إلا قليلا.


تأسست الزاوية أو الخانقاة الفخرية في العهد المملوكي عام 1332 ميلادي على يد العالم الصوفي فخر الدين بن محمد في الزاوية الجنوبية الغربية للمسجد الأقصى،وسميت بهذا الاسم لقربها من المئذنة الفخرية، ويقول مدير السياحة والآثار في الأقصى يوسف النتشة للجزيرة نت إنها بُنيت لاستيعاب رواد الصوفية ورفد الحياة العلمية في المسجد الأقصى.

يؤكد النتشة أن الزاوية محاذية لحدود المسجد بجزأيها داخله وخارجه، وما تبقى منها حاليا، هو مسجدها ومكتبتها داخل الأقصى الذي يقع داخل المتحف الإسلامي ويستخدم مكاتب للأوقاف الإسلامية، بالإضافة إلى حديقة جميلة مغلقة أمام المصلين ومراقبة بكثافة من قبل الاحتلال لحساسية موقعها وإطلالتها على حائط البراق


يقول المؤرخ الفلسطيني نظمي الجعبة في كتابه "حارة اليهود وحارة المغاربة في القدس" إن الزاوية الفخرية ساهمت عبر تاريخها في الحركتين العلمية والصوفية في القدس، واستضافت كثيرا من رجال العلم والتصوف الذين سكنوا فيها.

كان الشيخ أبو السعود من هؤلاء العلماء الذي استقر في الزاوية، وغدت وقفا ذَريّا لذريته من بعده، وتوسعت مساكنها خارج حدود المسجد في امتداد للزاوية التي سميّت أيضا زاوية أبو السعود منذ أربعة قرون.

بالإضافة إلى المسجد و21 منزلا، ضمت الزاوية الفخرية مكتبة كبيرة وأراضي زراعية (حواكير) بمساحة سبعة دونمات، ويؤكد الجعبة أن زلزال عام 1927 أتى على بعض الزاوية والمكتبة، مما استدعى ترميم بعض مكوناتها خاصة العلوية منها، واستمرت أعمال الإضافة خلال فترة الاحتلال البريطاني، ومن ضمنها تدعيم ديوان العائلة (الكشك) الذي يظهر في غالبية صور الزاوية القديمة محمولا على دعائم حجرية ومسقوفا بقرميد أحمر.

استقبل الكشك كبار شخصيات العالم الإسلامي والعربي الذين انضموا إلى المؤتمرات والمحافل في القدس، ومن أبرزها المؤتمر الإسلامي العام لبيت المقدس سنة 1931.


للزاوية مدخلان أحدهما من خارج المسجد الأقصى وآخر من داخله، حيث يوجد حتى اليوم باب حديدي ملاصق لباب المغاربة ومجاور لمصطبة سميّت باسم الزاوية. وقد أغلق الباب إثر اغتيال الملك الأردني عبد الله الأول بن الحسين عام 1951 في الأقصى، بعد اتهام قتلته أنهم هربوا عبر مئذنة الزاوية الفخرية.

يقول الجعبة إن مجموعة من الأراضي والعقارات أوقف ريعها على الزاوية الفخرية منها أرض بمساحة ثمانين دونما في بلدة سلوان، وأخرى بمساحة 180 دونما في المالحة غرب القدس، وأخيرة بمساحة 46 دونما في بلدة جبل المكبر، عُطلّت جميعها ولم يعد ريعها للزاوية المدمرة أصلا.


هُدمت الزاوية على مرحلتين بعد عام 1967، ومُسحت بالكامل في يونيو/حزيران عام 1969، ويقول الجعبة إن ذلك جرى بوتيرة أبطأ من حارة المغاربة نظرا لوقوعها على الطريق المؤدية للمسجد الأقصى ومنعا لإثارة الغضب من جديد، ولم يتبق من الزاوية إلا الطريق المؤدية من حارة المغاربة إلى الأقصى والتي هدمت لاحقا أيضا واستبدلت بجسر خشبي بدعائم حديدية.

وقد نجا من مجزرة الهدم تلك المسجد وبقايا المكتبة لوقوعهما داخل الأقصى، حيث ألحقا بالمتحف الإسلامي لتعذر الوصول إليهما بسبب إغلاق المدخل الرئيس للزاوية الواقع داخل المسجد، أما الحواكير فقد صودرت لأغراض حفريات سلطة الآثار الإسرائيلية.

في الذكرى الـ 52 لهدم الزاوية يستذكر متولي وقف أبو السعود (عزام أبو السعود) ذكريات طفولته وصباه في زاوية أجداده، فقد ولد عام 1948 فيها لسبعة أخوة كان أصغرهم، وعاش في بيت جده موسى، وتولى ولاية وقف العائلة بعد والده توفيق أبو السعود.


يؤكد أبو السعود أن الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ولد في الزاوية الفخرية، فأمه زهوة من عائلة أبو السعود كانت تأتي بالقطار من مصر لتنجب أطفالها في بيت شقيقها سليم أبو السعود بالزاوية.

يروي عزام أبو السعود بشغف كبير عن ذكرياته في الزاوية، يقول إنها كانت أشبه بنادي للقراءة وصالون ثقافي تجتمع العائلة فيه حول الراديو الجديد لسماع خطابات الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر وأغاني أم كلثوم. ويستذكر ساحة كبيرة خُصصت لممارسة الرياضة داخل الزاوية، لعب فيها كرة الطائرة والسلة ورياضات بيتية أخرى بتشجيع من والده.

انتقل جزء من عائلة أبو السعود للسكن خارج الزاوية، وأُجرّت بعض بيوتها لعائلات فلسطينية أخرى. ويقول أبو السعود للجزيرة نت إن الاحتلال حاول شراء الزاوية من والده قبل هدمها، لكنه رفض ذلك وأكد لهم أن الوقف يستحيل بيعه، لكنهم نجحوا بشراء بعض البيوت من العائلات المستأجرة على أطراف الزاوية وبدؤوا بهدمها.

هدمت بقية البيوت في المرحلة الثانية، ويستذكر أبو السعود أن زوجة عمه الشيخ حسن وعائلة هشام أبو السعود صمدوا حتى النهاية ورفضوا الخروج وإخراج أثاثهم الذي أخرج معهم قسرا. ويضيف أن رئيس بلدية الاحتلال في القدس آنذاك تيدي كوليك طلب من والده الحضور لحظة الهدم وتعمّد إلهاءه لساعات حتى انتهى الهدم وأصبح أمرا واقعا.

يحاول أبو السعود عبثا النظر إلى الزاوية من بيته في رأس العامود جنوب الأقصى، فقد مُسحت عن بكرة أبيها، يروي تاريخها بحرص ويحتفظ بصورها ككنز ثمين متسائلا "كيف تجرؤوا على ستمئة عام من التاريخ والعناق مع سور الأقصى؟!".