• 3 كانون أول 2019
  • مقابلة خاصة

 

إسطنبول – أخبار البلد – كتب خليل العسلي -  كانت قمة البوسفور العاشرة التي انهت اعمالها قبل أيام في إسطنبول  مميزة كعادتها في السنوات السابقة  من عدة جوانب ، فلقد حظيت باهتمام كبير من حيث عدد المشاركين الذي كانوا بالمئات وأيضا من حيث موضوع القمة " العالم المتغير" .

  ولكن الاهتمام الأكبر كان حول  مكان انعقاد القمة التي اصبحت معلما هاما وحدث دوليا من الدرجة الأولى  في المجال الاقتصادي والاجتماعي والثقافة والاعلام العالمي ، الا وهو قصر شيراغان  المبهر البديع الذي يعتبر الأكبر من بين  القصور العثمانية الباقية في إسطنبول وعلى ضفاف مضيق البوسفور، هذا القصر هو جزء من فندق كمبنسكي العالمي، والذي يعتبر من الفنادق الراقية ، فهو يضم  افخم جناح سلطاني  تصل تكلفة الإقامة فيه  اكثر من 35 الف دولار في الليلة الواحدة !!

 ان قصر شيراغان حيث قاعات الاجتماعات يعتبر الأكثر اثارة ورقيا وجمالا، ناهيك عن شرفة القصر المطلة على خليج البوسفور ، تلك الطلة التي تذهب العقل لروعتها ،  فمظهر المياه الزرقاء العميقة الهادئة خلاب وفوقها تسير السفن  والبواخر والقوارب كل بتناسق مذهل يجعلك تسرح في لوحة سماوية ازليه معروضة امام ناظريك ..

 في هذا القصر لا تزال تسمع أصوات قادمة من  الماضي ، أصوات السلطان عبد العزيز الذي بني القصر وحلم بان يكون الاجمل من بين القصور،  وصوت السلطان مراد الخامس  الذي سكنه وعاش فيه أيام حياته ، واصوات المؤامرات التي حيكت في غرفه ، واصوات الحريق وقد اتى على كل جمال فيه وصوت كرة القدم وهي تتنقل في ساحاته ....

 ان حكاية هذا القصر يجب ان تروى للقارئ العربي بتفاصيلها، واليكم الحكاية:

 قرر السلطان عبد العزيز بناء قصر خاص به ليس بعيدا عن قصر دولما بهتشه ليكون مقرا له ولهذا اختار تلك البقعة من الأرض الجميلة الواقعة بين بشكتاش وبين اورتكوي  لتكون قصر له ، وكان يحلم ان يكون هذا القصر الاجمال والأكثر ابهة واناقة بين قصور السلاطين ، فطلب  من المهندس الأرمني المعروف ، نيكوروس باليان  تصميم القصر وقام ببناءه  وولديه سركيس وهاغوب باليان  ما بين عام1863  حتى عام 1867  بينما استمر بناء التصاميم الداخلية  الرائعة حتى عام 1872

تعني كلمة تشيراعان (Çırağan Sarayı ) باللغة الفارسية القديمة النور الساطع تم تسمية القصر بهذا الاسم لأنه عبارة عن بناء ساطع وفاخر فكأنه يستطع مثل النجم يتميز القصر بأسواره العالية ذات اللون الأبيض التي تلتف حول حديقته الواسعة والمبهجة أما الفناء الرئيس للقصر فهو يطل على البوسفور تم بناء القصر على الطابع الأوربي

كان للقصر جدران رخامية عالية ، كما كان الجسر ذو الاعمدة الرخامية( لا زال موجودا حتى الان )  الذي يربط القصر بقصر يلدز القائم على التالة المقابلة وسط غابة  من الأشجار تعزله عن محيطه وعن عيون الناس

 ولكن السلطان عبد العزيز لم يعيش طويلا في قصره البديع، فلقد وجد ميتا فيه  بتاريخ 30 مايو أيار عام 1876 وذلك بعد أربعة أيام من خلعه من قبل وزراءه وسائر رجال الدولة، والذين اتهموا بالتذدير والاقتراض لدرجة وصول الى حد اعلان افلاس الامبراطورية،  حيث قيل انه انتحر بقطع شرايين يديه بمقص كان عنده وبعد نزفه لاكثر من عشرين دقيقة سقط على الارض  واحدث صوت مرعبا نظرا لضخامة جسده، عندها هرع من كان في القصر لمعرفة السبب واتضح ان السلطان قد قطع شرايين يديه ، اما الرواية الأخرى فتقول  أن حسين عوني باشا ورديف باشا تخوفا من عودة السلطان المخلوع، فأرسلا أربعه من الرجال الاشداء  إلى القصر، والذين قاموا بربطه هو نائم في مكانه، ثم قام أحدهم بأخذ مقص كان بالقرب منه وقطع عروق السلطان، حيث اتهم مدحت باشا خلال عهد عبد الحميد الثاني بذلك، وأمر السلطان بقتله فقتل في الطائف ، اما حسين عوني باشا ومحمد رشدي باشا قد لقيا مصرعهما في  على يد أحد مرافقي ابن السلطان المخلوع، بسبب تداول اسميهما في صحف الآستانة على أنهما متورطان في قتله

 بعد ذلك تولى السلطان مراد الخامس دفة الحكم  لمدة لا تزيد عن الثلاثة اشهر أصيب بعدها بانهيار عصبي شديد بشهادة الأطباء الذين احضروا خصيصا من النمسا ، مما  دفع المسؤولين الى خلعه وتوليه اخاه السلطان عبد الحميد الثاني مراسم  الحكم ، حيث نقل السلطان مراد الخامس المخلوع الى قصر شيراغان وفرضت عليه الإقامة الجبرية وبقي في القصر حتى يوم وفاته عام 1904

وفي فترة التي يطلق عليها فترة الاصلاحيات الثانية التي كان حزب الاتحاد والترقي قد احكم سيطرته على دفة الحكم بعد عزل عبد الحميد الثاني،  وتولى السلطان محمد الخامس  رشاد  الحكم  وكان في وقته قد بلغ  الخمس والستين عاما ،  سمح للبرلمان  باستخدام قصر شيراغان لعقد جلساته فيه ، ولكن بعد شهرين فقط من ذلك  اندلع حريق ضخم في القصر  أتى على المحتويات الثمينة والمقتنيات النادرة في القصر ، حيث لم يبق الحريق الا على الجدران الخارجية ، ولعدة  سنوات كان القصر فيها مهجور ومكبا للنفايات  لاكثر من أربعين عاما  ولاحقا استخدمت ساحاته الخارجية ملعبا لكرة القدم لفرق بشكتاش المعروف.

 في عام 1989 اشترت مجموعة يابانية القصر وقامت بإعادة ترميمه  وأضافت له مبني ضخم اصبح لاحقا فندقا  لتديره مجموعة فنادق كمبنسكي  في عام 2007 تم إعادة ترميم القصر مرة أخرى بحيث تمت محاكاة النسخة الاصلية للقصر كما كان  

القصر من الداخل مزين بالزخارف الذهبية والصدفية والمفروشات المطلية بالذهب و الثريا الكريستال و يتكون من عدة أعمدة من المرمر الخالص وأيضا عدد من الغرف على شكل أجنحة بعضها يطل على الحديقة والبعض يطل على مياه البوسفور