• 2 شباط 2020
  • مقابلة خاصة

 

عمان – أخبار البلد - ألقت الأستاذة الدكتورة هند غسان أبو الشعر عضو منتدى الفكر العربي  وكاتبة القصة القصيرة والمؤرخة الأردنية محاضرة بدعوة من منتدى الفكر العربي بعمان  الأسبوع  الماضي ، بعنوان : ( الحياة الاجتماعية والثقافية في القدس في مطلع القرن العشرين  جريدة القدس مصدرا " 1908 – 1914 م )  حضرتها نخبة من المختصين والمهتمين .

وبدأت د هند ابو الشعر محاضرتها بالقول : ( لن انس أبدا أنني أقدم هذه المحاضرة بعد يوم من إعلان صفقة القرن .. لن أنس هذا أبدا ، مضيفة  أن القدس هي ( جوهرة البلاد ) وهي ملاذنا كلنا ، ولأن ذاكرتها مهددة بالمصادرة والتغييب والنهب ، فنحن جميعا نحمل مسئولية  التصدي لهذه المصادرة بأقلامنا وعقولنا ومناهجنا.

 وخصت الدكتورة هند أبو الشعر شبكة "أخبار البلد" بنشر كامل محاور محاضرتها والتي تناولت فيها تاريخ القدس من خلال أعداد جريدة " القدس " الصادرة عام 1908 م لصاحبها جرجي حبيب حنانيا ، والبالغة أعدادها 391 عددا ، بواقع عددين في الأسبوع واستمرت حتى منتصف عام 1914 م  ،  وقد شكرت الدكتورة هند  المؤرخ المقدسي الدكتور محمد هاشم غوشة على تأمينه أعداد الجريدة لها  ، وباركت له بنيله جائزة الملك فيصل عن الدراسات الإسلامية مؤخرا وقد تناولت المحاضرة عدة محاور أولها : ضرورة تكثيف البحوث والدراسات في تاريخ المدينة المقدسة في فترة نشوء الحركة الصهيونية ، ونمو الامتيازات الأجنبية ، ودعت لاستخدام كل المصادر المتوفرة ، وميزت في دراسة القدس في العهد العثماني بين مصادر القرنين السادس عشر والسابع عشر الميلاديين ومصادر القرن التاسع عشر والعشرين ، وأشارت إلى غنى الأرشيف العثماني بالتفاصيل اليومية وبكل ما كان على الأرض في القدس وجوارها من أراض وممتلكات وحارات وبيوت ومرافق من مساجد وكنائس وسبل وأسواق ووكالات ومطاحن ومعاصر ومدارس وغيرها من المرافق ، وقد وثقت المصادر العثمانية الأهالي من حيث أعدادهم وحاراتهم ومذاهبهم وأصولهم ومهنهم والرسوم التي يدفعونها  ، وسجلت سجلات المحاكم الشرعية اعتبارا من عام 1523 م من خلال الحجج مظاهر حياة أهالي القدس من حيث النفقة والمهور وحالات الطلاق والبيع والشراء  وغيرها من النشاطات اليومية ، وحفظت أسماء العائلات ومواقع سكنهم ومظاهر حياتهم  .

قارنت  د هند أبو الشعر هذه المصادر بمصادر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين ، حيث عرفت الصحافة في كل بلاد الشام ومصر وبالطبع في باقي انحاء الدولة العثمانية ، وبينت أهمية الصحافة في تسجيل الأخبار المحلية واليوميات والأحداث ، وفي التوثيق للعلاقات الرسمية بالأهالي ، وفي تسجيل الأحداث العالمية وخاصة أخبار بلاد المهجر التي تضم مئات الالاف من أهالي بلاد الشام في أواخر القرن التاسع عشر في كل من الولايات المتحدة والمكسيك وتشيلي والبرازيل والأرجنتين وتاهيتي والبيرو والإكوادور ، وهي أماكن تجمع أهالي بيت لحم وبيت جالا وبيت ساحور بشكل خاص ، ولفتت الانتباه إلى أن لكل جماعة من المهاجرين العرب صحفهم التي تصدر بالعربية وتتواصل مع الصحف والأهالي  .

تحدثت المحاضرة عن ( متصرفية القدس ) قبل عودة الدستور أي قبل عام 1908 م وبعده ، وأعطت تصورا مختصرا عن الحياة السياسية في القدس بعد ظهور فرع  جمعية الاتحاد والترقي فيها ، وأشارت إلى ظهور الصحافة العربية ومنها صحيفة القدس التي اتخذتها مصدرا لدراستها التي وصلت إلى أكثر من 550 صفحة بدون الملاحق  ، وبينت دور المتصرف في القدس ، والمجلس العمومي ، وانتخابات مجلس المبعوثان حيث تم انتخاب ثلاث  أعضاء من أهالي القدس في مجلس المبعوثان في الأستانة ، نقلوا مطالب الأهالي للدولة .

أعطت د هند  في محاضرتها  الممتعة  أهمية خاصة للبلدية في القدس ، من حيث الانتخابات ومتابعة الحياة اليومية للأهالي والسياح والحجاج والتجار ، ومتابعة النظافة ورش الطرق بالمياه لمنع الغبار وملاحقة التسعير في الأسواق والصحة العمومية وخاصة لمصادر المياه والمخابز وأماكن بيع اللحوم والخضار ، وبينت دور البلدية في متابعة الحوذيين من أصحاب العربات الذين يتولون نقل السياح والحجاج القادمين للقدس وبيت لحم والذين يصل عددهم في الموسم الواحد 12 ألف قادم من كل أنحاء العالم ، يقدمون بحرا وينزلون في ميناء يافا ومنه يتوجهون بالقطار إلى القدس ، أو بالعربات التي تصل إلى مئات يقودها الأهالي وكانت البلدية تركز على الفنادق والنزل والعربات وتهتم بالإنارة وتطلب من أصحاب العربات وضع قناديل في عرباتهم ليلا ، وتعطي لكل حمال " باج " خاص  يتابعه " شيخ الحمالين " في القدس  .

تناولت المحاضرة الحياة الاقتصادية في القدس ، وأشارت للبنوك والمصرف الزراعي والحرف المعروفة ، ولفتت الانتباه إلى أسواق القدس في باب الخليل وإلى تجار الحلي والصدفيات  ، وموسم الحجاج والزوار وانتعاش الحياة في القدس .

 توقفت د هند عند سكان المدينة والجوار ، من حيث عدد السكان والطوائف من روم أرثوذكس ولاتين وكاثوليك وبروتستانت وموارنة وجورجيين وأحباش ، وميزت بين اليهود الموسويين  والإسرائليين القادمين إلى فلسطين بترتيب من الحركة الصهيونية ، وذكرت زاوية الهنود والزوار الأفغان ، وأشارت إلى أنها تمكنت من رصد أعداد الأهالي في المحلات والحارات وذلك من خلال جداول الانتخابات ، وبينت أن عائلات القدس المعروفة كانت تشكل غالبية السكان ،  وأشارت إلى التعايش السلمي مع كل الفئات والطوائف .

كما رصدت الحياة التعليمية والمدارس والتعليم  في المدارس الرسمية وهي قليلة جدا ( مدرستان فقط ) مقابل وجود مدارس أجنبية وأخري للطوائف ، مثل مدارس الروم  والتي تدرس باللغة العربية والتركية ، واما المدارس الأجنبية فكانت تدرس بالعربية والتركية  والإنجليزية والفرنسية والإيطالية والألمانية والروسية واليونانية ، وكان العرب من مسيحيين ومسلمين يدرسون فيها ، وذكرت تأسيس مدرسة المعارف والمدرسة الدستورية في هذه الفترة بدعم من المثقفين والأهالي  ومنهم خليل بيدس وخليل السكاكيني .

تابعت د هند دور هذه المدارس والأندية الثقافية في نشوء حركة مسرحية متميزة بدعم من الأهالي حيث تمكنت في دراستها من رصد كل المسرحيات التي كانت تقدم في القدس وهي كثيرة جدا ، تقام على عدة مسارح ومنها مسرح المعارف ، وقد اجتذبت القدس الحركة المسرحية في مصر ، وقدمت العديد من الفرق المصرية للقدس وحضر معها جورج أبيض وسلامة حجازي وغيرهم من المشاهير ، لكن المسرح المقدسي قام عليه طلاب المدارس وأيضا طالباتها من بنات القدس ، وكانت الفرق الموسيقية تصاحب العروض المسرحية وتعزف المارشات التركية والفرنسية والإيطالية ، وكانت العائلات المقدسية تحضر هذه الفعاليات .

تناولت المحاضرة مظاهر الحياة الثقافية في القدس في هذه الفترة ومنها وجود دار للسينما تعرض يوميا الأفلام الوثائقية والرسوم المتحركة ، كما أشارت إلى حضور السيرك للقدس ، وفرق التنويم المغناطيسي ، وكانت جريدة القدس تكتب بالتفصيل كل هذه الفعاليات .

وذكرت د هند حضور العديد من الفعاليات العالمية المشهورة للقدس ومنهم ولي عهد ألمانيا ، لتدشين كنيسة في  القدس ، وكذلك حضور المخترع الأمريكي أديسون وعرض فيلم عن مخترعاته في سينما القدس ، كما حضر جرجي زيدان ومحمد كرد علي والعديد من الشخصيات الفكرية التي حاضرت في القدس واحتفلت بهم المحافل المقدسية .

وتناولت المستشفيات والصيدليات  والأطباء  وأكدت وجود نشاط طبي ومستشفيات من جنسيات متعددة ومنها أولا المستشفى البلدي التابع لبلدية القدس ، والمستشفى الفرنسي والسويدي والألماني والإيطالي .

وتناولت د هند دور القنصليات الأجنبية ( الفرنسية والألمانية والروسية والأمريكية والنمساوية واليونانية وغيرها من القنصليات ) وأشارت إلى الامتيازات الأجنبية .

وربطت بين الامتيازات وسماح الدولة العثمانية بتأسيس دور البريد في القدس لكل قنصلية ( دار بريد روسية ، وفرنسية وألمانية ونمساوية ويونانية وبريطانية ) مع وجود دار بريد عثمانية رسمية ، تنافسها هذه المؤسسات الأجنبية .

وتوقفت المحاضرة عند التجنيد في القدس وأشارت إلى أنها من خلال الصحيفة تمكنت من رصد عدد المجندين من الأهالي ، وذكرت بأن الدولة فرضت التجنيد الإجباري على غير المسلمين سنة 1909 م مما جعل حركة الهجرة من القدس وجوارها إلى دول المهجر كبيرة ومتزايدة وازداد عدد الفراريين من الشباب المجندين  الذين كانت تلاحقهم الدولة .

 وأخيرا قالت د هند أبو الشعر بأن أهم ما تمكنت من رصده من خلال هذه الدراسة نوعية المهاجرين الإسرائيليين إلى القدس وأسماؤهم وأسماء مستعمراتهم والأحداث التي كانت تجري داخل المستعمرات من حرائق وسرقات ،  وقالت بأنه كان لهؤلاء مدارسهم ومستشفياتهم  ومرافقهم   التي تدعمها الوكالة اليهودية ولا تتدخل فيها المتصرفية  ، وأكدت أن هناك قوائم جمعتها لأسماء هؤلاء المهاجرين الذين ذكرتهم الجريدة ضمن قوائم التبرعات للجيش العثماني والأسطول وشراء الملابس للجنود والتبرعات لجمعية الهلال الأحمر في القدس ، وأنها تمكنت من رصد أسماء الإسرائليين العاملين في الصيدليات والأسواق  ، وأشارت إلى أن حركة الهجرة كانت كبيرة جدا في هذه الفترة وخاصة من روسيا وألمانيا  ، كما انها تمكنت من متابعة نشاطات البعثات الأثرية في محاولة الحفر في المسجد الأقصى بحثا عن الهيكل  ،  والتي أثارت غضب الأهالي واحتجاجهم للسلطان والحكومة  ، فتم أعفاء المتصرف الذي اتهم بأنه تلقى رشوة .

في نهاية  المحاضرة  تمنى الحضور على د هند أبو الشعر نشر كتابها  ووضعه بين أيدي الباحثين والقراء ، وكانت المحاضرة بدأت محاضرتها بالقول : ( لن انس أبدا أنني أقدم هذه المحاضرة بعد يوم من إعلان صفقة القرن .. لن أنس هذا أبدا )  وقالت بأن القدس هي ( جوهرة البلاد ) وهي ملاذنا كلنا ، ولأن ذاكرتها مهددة بالمصادرة والتغييب والنهب ، فنحن جميعا نحمل مسئولية  التصدي لهذه المصادرة بأقلامنا وعقولنا ومناهجنا .