• 18 شباط 2020
  • مقابلة خاصة

 

 عمان – أخبار البلد -  قال الدبلوماسي التركي المعروف " ارشد هورموزلو"  الذي شغل منصب كبير مستشاري الرئيس السابق عبد الله غل  " انه يجب اعتماد الحوار أسلوبا لإعادة العلاقات التركية العربية الى مسارها الطبيعي  " وجاء هذا في  كلمته بالندوة التي استضافها  منتدى الفكر العربي في عمان تحت عنوان " العلاقات العربية التركية الماضي والحاضرة "  وذلك على هامش اشهار كتاب" المستشار التركي  والبرغماتية الأخلاقية " للمؤلف خليل العسلي والذي يتناول العلاقات التركي العربية منذ تأسيس الجمهورية التركية وحتى نهاية فترة الرئيس عبد الله غل من خلال سلسلة من الحوارات مع ارشد .

 وشهدت الندوة  تفاعلا كبيرا  من قبل الحضور والذي وجهوا للسيد ارشد تساؤلات كثيرة اتضح منها الرغبة الصادقة بمعرفة تركيا  من قبل العرب على ضوء  الأوضاع المتوترة في المنطقة ، وكعادته كان  الدبلوماسي التركي خير من يجيب على تلك الأسئلة بطريقة دبلوماسية رغم بعض الأسئلة ذات الطابع الهجومي

  وحصلت  شبكة " أخبار البلد" على كلمة  ارشد هورموزلو كبير مستشاري الرئيس السابق عبد الله غل  والدبلوماسي المحنك ، ويسعدنا نشرها كاملة :

لكي نستطيع التعمق في مسار العلاقات العربية التركية يجب علينا أن ننظر إلى التطورات التي حدثت في هذه المنطقة التي تشمل غرب آسيا وشمال أفريقيا والتي سمّيت بالشرق الأوسط من قبل من أرادوا أن يكونوا المسيطرين على أمورها يوما ما.

خلفنا القرن العشرين وراءنا واستقبلنا القرن الحادي والعشرين بفورة من الانجرار إلى تغيير ممنهج وغير ممنهج. والتغيير سنة الحياة في الحياة الاجتماعية والسياسية والتنظيمية ولكننا نرى أن أغلب بقاع هذه المنطقة قد تأخرت في احداث التغييرات الجوهرية الحيوية أو لم تواكب متطلبات هذا التغيير بعد انتهاء الحرب الباردة في أوائل التسعينات من القرن الماضي وانهيار جدار برلين والتغيرّ الذي حصل في سياسة الأقطاب.

ولكن دعوني قبل كل شيء استعير كلاما أذكر أن جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين قد نبّه إليه عندما قال إن التغيير آت لا محالة وقد يصاحب هذا التغيير عرق في بقعة ما وعرق ودموع في ثانية وعرق ودموع ودماء في أخرى.

التغيير في هذه المنطقة التي تضم العرب والأتراك إضافة الى مجاميع أخرى أمر كان جديرا بالتفكير وقد قلنا مرارا بأن القادة ينبغي عليهم أن يكونوا أجرأ من الشعوب في قيادة عمليات الإصلاح، نرى ذلك في حالة الرضى التي تنتاب اغلبية في قسم من الشعوب عندما يرون حكامهم يسهرون على مصالحهم ويغلّبون المصلحة العامة في علاقاتهم الخارجية. أما البقاع التي تختلط فيها الدماء بالعرق والدموع فهي تثير الاضطراب وعدم الاستقرار في عموم المنطقة.

وما دمنا في المملكة الأردنية الهاشمية فدعونا نسترسل فيما قرأته في كتاب الملك الموسوم (فرصتنا الأخيرة، السعي نحو السلام في زمن الخطر):

 ّ بالنسبة للذين يؤمنون بمستقبل الشرق الأوسط فإن البديل هو التغيير التقدمي والذي يتمثّل في الحاكمية الرشيدة والنمو الاقتصادي والتنمية الوطنية.  ّ

فإذ استطاعت دول المنطقة تحقيق ذلك فسيكون هناك تكامل جوهري يتيح لبلداننا حياة حرة كريمة دون الانجرار الى سياسات التخندق وتغليب الشعارات غير القابلة للتطبيق على سياسات بلدانها.

 المخاطر التي تقلق هذه المنطقة:

إننا نرى أن تحديات جوهرية تجابه هذه المنطقة ويجب على الشعوب العربية والجمهورية التركية أن تجتمع على كلمة واحدة لمجابهتها دون الانزلاق الى متاهات لا ترضي شعوبها. من هذه المخاطر:

1-خطر التوسع الإسرائيلي

هذا الخطر لا يتهدد المنطقة المتاخمة والقضية الفلسطينية فقط بل يهم العالم الإسلامي لما للقدس من مكانة مقدسة في قلوب جميع المسلمين. هذا الأمر يجب ألا يكون منبرا للتشرذم والتفرّق فلسطينيا وعربيا واسلامياـ فأين نحن من هذا كله؟

 2-المد الإيراني

من الأخطار المحدقة بالأمم والشعوب خطر أدلجة الدولة بحيث تعتبر الدولة ممثلة بالحكومة باعتبار البعض جديرا بالاستقطاب والآخرين من الطرف المقابل. فاذا كانت الأدلجة طائفية وتدعو إلى تصدير المفاهيم والأفكار بتدخل سافر في الشؤون الداخلية للآخرين ومحاولة استقطاب البعض على حساب الآخر، فإنني أعتقد بأن الأمر يتجاوز العنفوان الطائفي ليتحول إلى نظرة قومية عرقية متسلطة. ألا يجدر بنا أن نتجاوز هذه الأفكار إلى مفاهيم أكثر عمقا واحتضانا للكل تاركين الاختيار للفرد بمحض ارادته؟

3-تغييب شعور المواطنة من أجل ايديولوجيات طائفية

يجرّنا ذلك إلى خطر أكبر وهو تغييب شعور المواطنة وعدم اعتبار هذا الشعور حصنا منيعا لديمومة الدولة والرقي والتقدم والبدء باتباع مناهج للتقوقع والاختباء تحت ستار التفرّد الطائفي وعدم الاستفادة من كامل التراث واستبدال ذلك بانتزاع مفاهيم ضيقة وغير متعارف عليها من قبل الجميع لتكون شعار البلد والأمة، فهل ستفلح محاولات لمّ الشمل وترك الأمور العقائدية للأفراد والجماعات دون إرغام أو تسلط؟

 4-مفردات التعليم واجبة التغيير

لا استثني أحدا ولا بلدا في منطقتنا إلا ما ندر في ضرورة التفكير الجدي في مفردات التعليم في بلداننا. وقد قلت مرارا أنني لست مع التعليم، وإنما مع التعلّم، أي فسح المجال بعد تعليم الأساسيات الضرورية إلى فسح المجال للأجيال القادمة للبحث والاستقصاء في أمور ومباحث مختلفة وعدم منعهم من مواكبة العصر.

هذا المنطق لا يقتصر على العلوم التطبيقية والمعلوماتية بل ينصرف إلى البحث والتقصّي في التراث أيضا. لعلكم ترون في زمننا الراهن في مناطق لا تبعد عنكم إلا بمئات الكيلومترات من لا يميّز بين مسجد قبة الصخرة والمسجد الأقصى، وبين مسجد قباء ومسجد نمرة.

لقد سبقنا ديكارت بعصور عندما قمنا بالدعوة إلى الدقة والوضوح وإحكام العقل ونبذ الخرافة والتحرر من الأساطير التي ينشأ عليها الانسان في العائلات البسيطة وتتوارثها الأجيال من قرن إلى قرن من دون أن تتساءل عن احتماليتها. لقد أخذت الشعوب الغربية بالديكارتية بينما أغفلنا نحن هذه الثوابت رغم أن ديننا الإسلامي يدعو بل يأمرنا بذلك.

لقد انتهى دور المعلّم بصورته القديمة إلى المرشد والمعاون ومسهّل الأمور، فهل سنرى في أجيالنا القادمة من يستطيع أن يأخذ بيد بلده إلى مصاف علماء القرن؟

 5-عدم التخلص من كوننا ظاهرة صوتية

 لا استثني أحدا من هذا الأمر أبدا، لا استثني البلدان العربية ولا تركيا، فنحن حاليا ظاهرة صوتية. مجاميعنا الواسعة هي مجاميع (إني أعترض) و(إني أستنكر) بشعارات حماسية توقد النيران في النفوس ولكنها تنطفأ سريعا لأننا نتعامل مع (اللحظة) بينما غيرنا يتعامل مع (الزمن). ينعكس ذلك على العلاقات بين الدول بسبب مواقف آنية دون النظر إلى المسيرة الطويلة التي تحتّم علينا السير جنبا إلى جنب. فهل يمكن لنا أن نتحول من ظاهرة صوتية إلى ظاهرة معلوماتية تتبنى التخطيط المسبق؟ 

 6-افتقاد البراغماتية الأخلاقية

 الاختباء وراء شعارات حماسية آنية مبهرة لا ترجع علينا بالنجاح الذي ننشده. نحن أمة يجب ألا نتخلّى عن الثوابت والمبادئ ولكننا في الوقت نفسه يجب ألا نتخلّى عن السير في الاتجاه الصحيح الذي يوصلنا إلى برّ الأمان. هل الاتعّاظ من الأخطاء والتجارب السابقة أمر معيب؟

إذا اكتشفنا الخطأ يمكننا إصلاحه أو تفاديه في المستقبل، وبعكس ذلك فسنقوم بالاستمرار باعتقادنا أننا على الصواب وغيرنا على خطأ.

نحن بحاجة إلى براغماتية أخلاقية تغلّب المبادئ ولكنها لا تغفل المصالح التي تخدم الأمة والبلد ولا تنزلق إلى براغماتية انتهازية مكيافيلية قد تفيد في المدى القريب ولكنها تجهز على مشاعر الشعب وتنخر في جذوره مستقبلا. أليس من الواجب علينا أن نتخذ البراغماتية الأخلاقية سبيلا؟ 

لماذا التوجّس من المواقف التركية؟

في هذا النطاق أود ومن زاوية المواضيع التي تطرح دوما على بساط البحث أن أشير الى أمور ثلاثة:

أولا: بغض النظر عن تجاذبات حصلت في أمر أو آخر وقد صارحت القول بأنني لا اتفق في جوهرها بسبب أنني كنت أتمنى أن أرى بلدنا وسيطا نزيها وليس طرفا في النزاع في السنين الأخيرة فإنني ومن يتفق معي في النظرة هذه أرى أن نظرة تركيا نحو الدول صغيرة كانت أو كبيرة يجب أن تكون نظرة التوجه اليها كدول ذات ندية، تشعر تركيا ازاءها بالاحترام، تحترم حقوقها ووحدة أراضيها وسيادتها. هذه الحدود التي تود مجاميع شعبها الحفاظ على وحدتها وكينونتها مقدسة وغير قابلة للتغيير، ولكنني أقول دائما أن هناك حدودا تجب ازالتها وهي الحدود والعراقيل التي هي بين الأفكار والمفاهيم والمشاعر التي تجمع هذه الشعوب والمجموعات من أجل مستقبل مشترك. يحضرني في هذا المجال ما سمعته أكثر من مرة من سمو الأمير الحسن بن طلال، المفكر العربي ورئيس منتدى الفكر العربي بأن ما يجب أن نفعله وأن نهتم به هو ألاّ نقدّم أنفسنا على الصالح العام ولكنه أكّد أيضا أنّ أكثر ما يهمه هو القبول بالآخر.  

ثانيا -يقودني هذا الأمر الى طرح أفكار وادعاءات ّ العثمانية الجديدة ّ التي تطبخ في محاور إعلامية واجتماعية كثيرة رغم التصريح الواضح بالأفكار التي ذكرتها قبل قليل.

هل تعلمون أن أسس الجمهورية التركية الحديثة والتي تأسست بعد سقوط الدولة العثمانية وحرب تحرير ضد قوى التسلط والاحتلال والتي دامت أربع سنوات الى عام 1923 قد بنيت على مفاهيم ّ الميثاق الوطني ّ والذي اعتمده آخر ّ مجلس المبعوثان ّ كما كان يسمى أي مجلس النواب، واعتمدت من قبل حركة التحرير وقادة النضال الذي توج بإعلان الجمهورية ولا زال يمثّل ضمير الشعب التركي بمختلف أطيافه. هذا الميثاق ينص في مادته الأولى على ما يلي:

(ان مستقبل الأراضي التي كانت تسكنها أغلبية عربية والتي كانت ضمن الدولة العثمانية وتم احتلالها من قبل القوات المعادية في وقت وقف إطلاق النار بتاريخ 30 أكتوبر 1918 يتحدد بالتصويت الحر لسكانها وبيان رغبتهم في تحديد مستقبلهم.)

هل يكفي هذا التصريح والتعهد لأنهاء مقولات العثمانية الجديدة وسياسة توسعية مزعومة للجمهورية التركية في هذه المناطق؟ إذا كان الجواب نعم فابحثوا عن السياسات التوسعية في اتجاه آخر.

لقد قلت في مناسبات سابقة أنه كما لا توجد عباسية جديدة أو أموية جديدة فلا توجد هناك عثمانية جديدة، وفي يوم غابر كان البعض يتغنى بنموذج تركي. آنذاك كنا نقول إن النموذج التركي غير صالح للتصدير، فان من الممكن استلهام أية خبرة أو تجربة ناجحة. اذ لا ضير أن يستلهم البعض خبرة معينة كما نستلهم نحن في تركيا أية تجربة ناجحة مثل تجربة دول الغرب والأردن او مصر أو غيرها. ولكننا يجب أن نعلم بأن كل بلد وكل مجموعة اجتماعية لها نموذجها الخاص بها، ولا يمكن استنساخ تجربة أخرى إطلاقا حتى ولو كان في حيّز الممكن استلهام بعض الجوانب الناجحة لإضافتها الى النموذج المعني.

ثالثا – يتصور الكثيرون أن العالم الغربي يؤمن بحق الشعوب في الحرية والرفاه وأن الإعلان العالمي لحقوق الانسان هو المرشد لهذه الشعوب في نظرتها الى كل ما يجري في العالم.

ولكن الحقيقة تجافي ذلك ورغم عدم تعميمي على الكل فإنه من الواجب علينا أن نعلم أن فصائل كثيرة من عالمنا تشارك الغرب في النظرة الأحادية التي ابتلى بها العالم الغربي ردحا من الزمن.

الفرق بيننا وبينهم أنهم قد اجتازوا مرحلة العصور الوسطى في التفكير، بينما لم نتجاوز ذلك للأسف لحد الآن، فالحروب الأهلية مستمرة في منطقتنا وسياسة الاختطاف والترويع وعدم القبول بالآخر على قدم وساق. الطفل يموت غرقا في رحلة المسير الى المستقبل لسبب يجهله، وتبيت الأم الحانية جائعة في مناطق كثيرة بينما لا نجد حلا للكثير من مشاكلنا. ولكي نسهّل الأمور على أنفسنا نلقي باللائمة على المتآمرين والطامعين في أنحاء شتى من العالم.

الحوار لا يتم بين من لا مشاكل لهم، بل يجري بين المتخاصمين ومحادثات السلام لا تجري بين الأصدقاء بل بين الخصوم، فلماذا لا نأتي بمشاكلنا إلى الطاولة بدل الاحتكام الى المشادات الكلامية والحملات الصحفية وتلك المضادة. لماذا نتجه إلى الشخصنة ثم نعمم ذلك على البلد كله. هذا ما يجري بين الكثير من كتاب الأعمدة العرب تجاه تركيا حيث يتناسى هؤلاء الجرح الذي يفتحونه في قلوب العامة الذين يجبون بلدهم وقد لا يوافقون على بعض سياسات قادتهم ولكنهم يرون أن من يحبونهم فعلا لا يميزون بين البلد وبين الساسة. 

البرغماتية الأخــــلاقية:

أقول إذا رأيتم أنفسكم وقد اعترض طريقكم نهر دافق فإن من الطبيعي ألاّ تقفوا على شاطئه منتظرين توقف الماء عن التدفق بل عليكم أن تجدوا الحلول اللازمة لعبور النهر وهي كثيرة ومتنوعةـ والذي يستوجب حيرتي أن بعض السياسيين ينتظرون تدفق المياه عندما نعلم علم اليقين أنها سوف لن تتوقف.

نفهم من هذا أن سياسات الدول يجب أن تتبع مبدأ الحفاظ على مصالحها بدون التضحية بالثوابت والمباديء  أي البراغماتية التي تتصف بالواقعية ولكنها لا تصل الى حد الانتهازية او المكيافيلية أو أن تتغّلب الأنانية على المصالح بين الدول.

البرغماتية الأخلاقية لا تتنازل عن الثوابت كما قلنا ولكنها في الوقت نفسه تجمي مصالح الوطن ومصالح الأمة ومصالح الاقتصاد القومي بشكل طبيعي. من هذا المنطلق كان من المفروض ان تكون البراغماتية الأخلاقية نهجا في سياستنا وهذا ما أرى أنه يجب أن يكون في المستقبل بشكل مستمر وأن تكون علاقتنا مع الدول العربية والأجنبية مبنية على مبدأ الاحترام والندية، علينا ألاّ نتدخل في الشؤون الداخلية.

وبصراحة فقد ارتكبنا كلنا أخطاء في الماضي وربما نقترف مثل هذه الأخطاء حاليا أيضا، ولكننا يجب أن نضع المرآة أمام وجوهنا لنتعرّف على الخطأ ومصدره إذا كان في منهاجنا أن نصلح الأخطاء. إن الذي يحمينا من الخطأ مستقبلا أن نمارس النقد الذاتي، وأنا أعلم أنه أمر صعب على الكثيرين من السياسيين أو الذين هم أصحاب قرار. إذن لنفعل ذلك.