• 26 تموز 2020
  • مقابلة خاصة

 

بقلم : ارشد هورموزلو*

 

على من تطلق صفة الهاوي ومن هو المحترف. سؤال تسهل الإجابة عليه لو كان الأمر متعلقا بكرة القدم أو صيد السمك او الرسم مثلا. فلعل كل شخص ينظر الى الأمر من زاوية معينة وقد يعتبر البعض الفرق بين الاثنين بوازع التفوق او الإخفاق، كما يمكن أن البعض الآخر ينظر الى المردود المالي الذي يجنيه الشخص لتصنيف الأمر.

 

الا أننا سننظر الى الأمر من زاوية مختلفة كليا، فنتساءل هل هناك احتراف وهواية في العمل العقائدي أو القومي؟

فبعكس المهن فان خدمة العقيدة والمبدأ تنبع من قرارة النفس وباستثناء الايمان الديني او العقائدي القومي فان المرء لن يتجشم عناء العمل او النضال بدون مردود مالي او مكسب منتظر، في حين تبذل النفوس مرتاحة رخيصة إذا كان الأمر يتعلق بالمبادئ التي ذكرتها.

 

من هذا المنطلق فان صفة الهواية والاحتراف تختلف كليا عندما يكون الأمر معنيا بالعمل النابع من المبدأ. فالذي يتبنى العمل العقائدي محترف بمعنى أنه قد توصل الى مصاف عليا من الفهم والادراك والبحث والتحليل. يعني ذلك أن الانتماء العقائدي لا يمكن أن يصنّف على شكل ادعاءات في مجالس النقاش والأحبة وشارة توضع على الصدور. بل على عكس ذلك فانه تضحية وفداء بالمال والنفس وجذوة تنقل الى الأجيال القادمة دون انتظار مردود او منصب او مديح.

 

والذين يشعرون بعدم امكان تحقيق مآربهم أثناء فترة حياتهم لا يكفون عن العمل من أجلها فالمبدأ أبدي والعمل من أجله محفوف بالتعب والمخاطر وينتظر من المؤمن به أن يسمو أخلاقيا وفكريا ويعمل على نقل الأفكار والمبادئ الى الأجيال القادمة.

 

الا أن هناك حقيقة أخرى وهي أن من يعمل لأجل القضية طيلة حياته هو هاو، فإزاء تضحياته وايمانه بان الجهاد الأكبر هو جهاد النفس والتخلص من أدران المغريات البراقة فانه لا ينتظر أي مردود أو نفع أو مصلحة آنية ويؤمن بأن من يسير في هذا النهج هو من يعطي ولا يأخذ.

 

ومن هذا المنطلق فان الذين يصلون الى المراتب العليا في خدمة المشروع القومي أو العقائدي لا ينتفعون من أي مصدر ولا يكونون من المرتزقة اطلاقا. وباختصار فان مثل هذا الشخص نقي القلب، نقي الروح والتوجه ولذلك يمكن أن نعتبره في هذا الاتجاه هاويا الى جانب احترافه.

 

وبطبيعة الحال فان العالم الذي نعيش فيه مليء بالمتناقضات فهناك النقي إزاء الملطخ بالأدران، وهناك الإيجابي في مواجهة السلبي.  ولهذا السبب فانه يمكن أن نرى الهاوي يحل محل المحترف ونرى المحترف يشغل منزلة الهاوي. ولعله يجب علينا أن نفسر ما هو المقصود بكل ذلك.

يعني ذلك أن وميض المبدأ والحث على التمسك به قد ينتج أشخاصا لم يتشربوا بالفكر المذكور ولم يحاربوا مغريات النفس ولم يتيقنوا من قدسية الاعتقاد، يقدمون أنفسهم كرفاق درب، ويرومون اقناع الناس بذلك. ولعدم وجود ميزان توزن به هذه الأمور بطبيعة الحال، ولأن أصوات هؤلاء تكون عالية وهادرة دوما، فانهم يفلحون في ذلك أحيانا. هؤلاء هم الهواة في مسيرة القضية ولكنهم المحترفون في طلب النفع ونيل الأماني حيث لم يفكروا يوما ما في محاسبة النفس والامتناع عن التفكير في المصالح والمغريات.

 

لنبدأ اذن بالنظر الى الصورة الكاملة، فالمحترف في احتضان المبدأ من الهواة في خدمته، بينما الهاوي في اعتناق المبدأ قد اختار الاحتراف لخدمته أملا في تحقيق مردود أو نفع أيا كان.

 

ولعل البعض يتساءل، من الهاوي ومن المحترف اذن؟  والجواب على ذلك يكمن في تقدير كل شخص بذاته. فالناس يحددون مواقعهم بأنفسهم، اذ لا نستطيع نحن أن نعلم عن اتجاه أي شخص ولا ندعي ذلك.

 

ولا يمكن أن يعلم أحد ذلك ولا أن يدعيه، فالحقيقة مسالة نسبية وكل شخص له حقيقته الشخصية التي يؤمن بها. فهناك البعض من الذين تم ذكرهم كمحترفين يعتقدون في قرارة أنفسهم بأنهم على حق وينامون ملأ الجفون معتبرين أنهم مرتاحو الضمير.

الذي نعرفه فقط أن من يخدمون العمل القومي أو العقائدي محترفون في فهم المبدأ، هواة في العمل من أجله. فمن يصرح بأنه كذلك فهو من رفاق الدرب نصدقه ونحتضنه، وهذا هو من معايير مسيرتنا.

 

ما رأيكم؟ هل هناك صعوبة في التفريق بين الهاوي والمحترف في أيامنا هذه؟ دمتم هواة في الخدمة، محترفين في إعمال الفكر.

 

  • كبير مستشاري الرئيس التركي السابق عبد الله غل لشؤون الشرق الأوسط