• 2 كانون الثاني 2021
  • مقابلة خاصة

 

بقلم : محمود شقير

 

الخميس 09/04/2020

لا أشعر بأي تغيير في حياتي اليومية، ولا أشعر بأي ملل، لكنني أقدر حالة من هم مضطرون إلى البقاء في البيوت ولا يجدون ما يشغلون وقتهم فيه. ثمة حالات من الاكتئاب والقلق النفسي والاضطراب.

مع ذلك؛ أشعر كل يوم بانزعاج جراء ارتفاع عدد الوفيات في العالم (مئة ألف وفاة، منها ستون ألفًا في أوروبا وحدها، وثمة مليون ونصف مليون إصابة في العالم)، أشعر بانزعاج جراء الانهيارات الاقتصادية التي ستحدث في العالم مع تزايد وتيرة الوباء، واضطرار الناس إلى البقاء في البيوت وتعطل أعمال المصانع والشركات على مختلف أنواعها.

ما يوحي ببعض اطمئنان أن الصين تمكنت من السيطرة على الوباء، وسمحت لسكان مدينة ووهان بالخروج من الحجر الصحي بعد أربعة أشهر من الإغلاق، وما يوحي ببعض اطمئنان أن علماء كثيرين يعكفون هذه الأيام على إيجاد علاج مضاد لهذا الفيروس الخطير.

حتى هذه اللحظة لم تحدث إلا حالة وفاة واحدة في فلسطين، وثمة 263 إصابة بالفيروس.

واصلت القراءة في رواية "الطاعون". ثمة أوصاف تنطبق على وضعنا الراهن مع فيروس كورونا؛ وخصوصًا ما له علاقة بالعزلة وبالبقاء في البيوت وبالخوف من العدوى.

 

الجمعة 10/04/2020

بدأت صباحي بالاستماع إلى مقطوعات من الموسيقى بثتها إحدى محطات الإذاعة، وبالنظر عبر النافذة إلى أوراق شجرة الزينة الملاصقة للنافذة وهي مبللة بقطرات المطر.

ما زال شهر نيسان ماطرًا، وهذا خير وبركة. قلت: هذا المطر يسهم في تنقية الجو من الغبار، غير أن الطقس ما زال باردًا، وأنا أنفر من البرد لأنه يحفز الحساسية التي تستوطن في حنجرتي.

ثم تذكرت وباء كورونا. وتذكرت احتجاز ملايين البشر في بيوتهم، وتفلّت أعداد منهم من الحجر لعدم قدرتهم على البقاء في البيوت، وشعرت بامتنان للكتب التي أنهمكُ في قراءتها، وهي التي تجعلني لا أعرف الملل ولا السأم. شعرت بامتنان كذلك للأفلام وللمسلسلات التي أشاهدها كل ليلة.

تخيلت أحوال الناس بعد شهر أو شهرين وهم في حالة بطالة من العمل.

وبرغم أنني وطنت نفسي على عدم استذكار ما يسبب النكد في الصباح، إلا أنني شعرت بالنكد.

مساء أمس؛ شاهدت فيلما من المكسيك اسمه: سنورا، يتحدث عن النزعة العنصرية حين تستبد بشعب من الشعوب، حيث يتم طرد العمال المكسيكيين من أميركا، وجراء ذلك يقوم المكسيكيون بطرد الصينيين من بلادهم، ويتابع الفيلم رحلة عدد منهم عبر الصحراء في سيارة أجرة، حيث العطش والخوف من الضياع؛ نرى أناسًا لا يهمهم سوى أنفسهم، فيما نرى آخرين متعاطفين مع بعضهم بعضًا، متعاونين على قساوة الرحلة إلى أن يصلوا بر الأمان.

 

السبت11/04/2020

لا جديد سوى أخبار الوباء الذي يتزايد انتشاره بوتائر خفيفة أو غير خفيفة في مختلف البلدان.

منذ أسابيع لم أغادر البيت. ومع الوقت يزداد شغفي بالقراءة. أقرأ في كتب عدة. يوم أمس بدأت في قراءة مختارات قصصية لكاتب من أورغواي اسمه ماريو بنيدتي موسومة ب "عشيقات الزمن الماضي"، أسلوبه سلس مشوق وهو ينهي قصصه بمفاجأة لافتة، برغم أن بعض هذه القصص ينتهي نهاية عادية.

واصلت القراءة في رواية "الطاعون". ثمة تفاصيل شبيهة بما يحدث في حالتنا الراهنة، حيث منع التجول في الشوارع، وعدم الخروج من البيوت، وحيث الخشية من الوباء ومن انتقال العدوى من شخص إلى آخر، وحيث الخوف من شح المواد الغذائية في المحال التجارية، وحيث البطالة والعوز، والعزل الذي يطال أشخاصًا مضطرين إلى السفر والعودة إلى بلادهم بعد أن وقعوا ضحية إغلاق الحدود.

الطقس هذا اليوم ماطر وثمة برودة في الخارج.

 

الأحد 12/04/2020

اليوم ينهي حفيدي بشار أربعة عشر يومًا في العزل المنزلي، وسيذهب إلى مركز صحي في جبل المكبر للفحص وللتأكد من خلوه من فيروس كورونا.

لا جديد سوى أخبار كورونا، وثمة فيض من التعليقات والتحليلات التي تذهب مذاهب شتى في الكلام على هذا الفيروس؛ كيف جاء وكيف انتشر وعلى من تقع المسؤولية في انتشاره؟! وهل هو من تصنيع الصين أم أميركا؟! وهل يقع هذا الفيروس من ضمن أدوات الحرب الجرثومية؟ ومتى ستنتهي هذه الجائحة وهذا الوباء؟ وما هي الآثار الاقتصادية المدمرة التي ستعقب الوباء؟!

أما الطريف في الأمر فهو موقف فوكوياما الذي بشر قبل ثلاثين سنة بنهاية التاريخ وبانتصار الرأسمالية على الاشتراكية، فقد بدا في حوار معه متشككًا في قدرة الليبرالية على مجابهة الوباء.

ثمة كتابات أخرى على مواقع إلكترونية مثل الحوار المتمدن تتحدث عن أفضلية الاشتراكية على الرأسمالية في مقاومة الوباء، وثمة استشهاد بما فعلته الصين إزاء ذلك، وكيف أنها هي وكوبا قامتا بإرسال أطباء وطبيبات ومعدات طبية لمساعدة دول منكوبة مثل إيطاليا وإسبانيا. ثمة نقد لخطة "مناعة القطيع" التي اتبعتها السويد، وهي تعني غض النظر عن انتشار الوباء لكي يفتك بكبار السن من البشر ومن ذوي الاحتياجات الخاصة والمرضى بأمراض مزمنة، ومن ثم لن يبقى سوى الأقوياء الذين يبيعون قوة عملهم للرأسماليين، وفقًا للداروينية الجديدة ولمفهوم البقاء للأقوى.

 

الاثنين13/04/2020

تكشفت إصابات عديدة بفيروس كورونا في بعض أحياء الجزء الشرقي من القدس؛ في سلوان ورأس العامود وصورباهر وغيرها. وما زال خطر الوباء ينتشر بوتائر مختلفة في مختلف البلدان، برغم التطمينات التي تقول إن الوباء سينحسر في فترة لن تطول، وثمة من يفكر بالعودة إلى تخفيف القيود على حركة الناس للخروج إلى العمل ولممارسة حياة طبيعية.

مر عيد الفصح للمسيحيين الفلسطينيين الذين يسيرون على التقويم الغربي من دون احتفالات. ظلت الكنائس فارغة من المحتفلين بالعيد. ظل الناس في بيوتهم استجابة لتعليمات وزارة الصحة الفلسطينية.

شاهدت الحلقات الثلاث الأخيرة من المسلسل السويدي "الخليفة" وهو من ثماني حلقات عن دولة الدواعش، وعن التغرير بفتيات سويديات وإقناعهن بالسفر إلى الرقة للالتحاق بالدولة وبالدواعش. مسلسل جيد لكنه في الحلقات الأخيرة أكثر من التفليم والآكشن والمشاهد المكرسة للتشويق وللمغامرات.

 

الثلاثاء 14/04/2020

صباح دافئ نسبيًّا. ما زلنا محافظين على مبدأ التباعد وعدم المخالطة. منذ شهر تقريبًا لم أغادر البيت. أمارس رياضة المشي داخل البيت وخارجه في الفسحة المحيطة به. ولا أعرف إلا من خلال التلفاز عن أحوال المدينة ومدى التزام الناس فيها بتقليص الحركة. هنا في هذا الحي لم يتبدل عليّ شيء. أنظر من نافذة غرفتي إلى بعض أشجار الحديقة وإلى السماء التي تظهر فيها الغيوم، وثمة هدوء من حولي ما عدا جرس ابنتي أمينة الذي يرن بين الحين والآخر لكي تذهب أمها إلى غرفتها لمساعدتها.

الحفيد مهدي يغضب ويحتج كلما طلبت منه أن يبتعد مني مسافة مترين، لكنه مع الوقت صار يلتزم نسبيًّا بما أطلبه، مع استغرابه كيف أخشى الكورونا وهو لا يخشاها.

المدهش في أمر هذا الطفل أنه لا يصاب بعدوى الضحك ولا يضحك إلا حين يكون هناك سبب أكيد للضحك؛ مثلًا: أضحك على بعض تعبيراته الساخرة، ويراني وأنا أضحك لكنه لا يضحك.

وهو لا يمتثل لكلام الكبار مثلما يفعل أطفال آخرون. مثلًا؛ كانت حفيداتي وأحفادي الذين سبقوه حين أسال الواحدة أو الواحد منهم: من هو حبيب جده؟ تجيب أو يجيب على الفور: أنا. حين أسأل مهدي: من هو حبيب جده؟ إما لا يجيب، وإما يجيب بمشاكسة مقصودة: القطة الرمادية.

 

الأربعاء 15/04/2020

لا جديد سوى أخبار فيروس كورونا. ثمة تعليقات كثيرة في وسائل التواصل الاجتماعي حول الوباء، وأن حياة البشر بعده لن تكون مثلما كانت قبله.

واصلت القراءة في رواية الطاعون. الصحافي الفرنسي رامبير يبذل جهودًا مضنية للخروج من المدينة ولو عن طريق التسلل واختراق الطوق الأمني، وهو حتى الآن لم يوفق في الخروج. زوجته تنتظره في باريس وهو مشتاق للعودة إليها. ثم كف عن محاولة الخروج لينخرط في نشاط تطوعي ضد الوباء.

سجلت على الواتس اب إجابة عن سؤال وجهته لي الكاتبة تغريد أبو شاور عما إذا كان هناك فرق في التفاصيل التي يمكن توجيهها لأطفال فلسطين حول القضية  الفلسطينية ويمكن توجيهها لأطفال العالم. أجبتها بأنه لا فرق ما دمنا نسعى إلى توصيل قيم الحرية والتسامح وحب الأرض ورفض العدوان والتطرف والعنصرية في كتاباتنا المكرسة للأطفال. وقلت: لا مانع من أن نجعل أطفال العالم يدركون مدى بشاعة أن تقوم طائرات الاحتلال بتدمير غرفة الطفل، وبتمزيق ألعاب الطفل ودفاتر الطفلة.

ثم شاركت بناء على اقتراح من  الإعلامي يوسف الشايب في برنامج مصور على "منصة الاستقلال الثقافية" وقدمت في شريط مصور بعض يومياتي في زمن الكورونا في ست دقائق.

ثمة جهات ثقافية هنا وفي الخارج تنشط على مواقع التواصل الاجتماعي لتغطية الفراغ الذي أحدثه هذا الوباء في النشاطات الثقافية، ولتزجية وقت الناس وهم في بيوتهم لا يغادرونها للوقاية من العدوى.

فيروس كورونا يشل كثيرًا من مظاهر حياة البشر، وتلك مشكلة تضاف إلى مشكلة المرض التي تؤدي في أحيان كثيرة إلى الموت.