• 16 كانون أول 2018
  • ثقافيات

 

عمّان –  أخبار البلد - ناقش متخصصون في لقاء منتدى الفكر العربي، مساء يوم أبعاد الوساطة الدولية في فلسطين وتجربة الكونت برنادوت عام48، حيث ألقيت محاضرة مشتركة في هذا الموضوع من قبل رئيس الجمعية الأردنية للعلوم السياسية أ.د. محمد المصالحة ، وأستاذ العلاقات الدولية في الجامعة الأردنية أ.د. زيد عيادات.

أدار اللقاء وشارك فيه الأمين العام لمنتدى الفكر العربي والوزير الأسبق د. محمد أبوحمور، الذي أكد في كلمته التقديمية أهمية وحدة الصف الفلسطيني والعربي في تعزيز الجهود الدولية والسعي من أجل استعادة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وفي مقدمتها حقه في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية. وقال إن إسرائيل استغلت تباين المواقف عربياً وإقليمياً ودولياً لتنفيذ المزيد من سياساتها التوسعية في الاستيطان والتهويد والمصادرة والتهجير وقضم المزيد من الأراضي الفلسطينية، وبالتالي فرض الأمر الواقع على المستقبل عندما يتم البحث في قضايا الحل النهائي وتحديداً ما يتعلق بالقدس واللاجئين والمستوطنات.

وأضاف د. أبوحمور أن القضية الفلسطينية بحاجة إلى دور دولي فاعل يمارس تأثيره بشكل أقوى وأوضح باتجاه حل الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي وإحلال السلام في المنطقة، بما في ذلك قدرته على فرض الشرعية الدولية، وتعزيز الموقف العربي والفلسطيني في تنفيذ قرارات هذه الشرعية، مما يشكل مصدر قوة للمجتمع الدولي أيضاً بوصف القضية الفلسطينية قضية ضمير عالمي يتحمل مسؤوليتها الأطراف كافة للوصول إلى الحل السلمي العادل والشامل على أساس ما أقرته الأمم المتحدة.

من جهته أوضح د. محمد المصالحة أن القضية الفلسطينية تولدت في رحم المنظمة الدولية منذ إنشائها عام 1945، وإصدار الجمعية العامة للأمم المتحدة قرار التقسيم بين العرب واليهود عام 1947. وقال: إن البيئة الدولية كانت تتعاطف آنذاك مع حل المشكلة اليهودية في أوروبا على حساب الحقوق الفلسطينية. وقد أرسلت الأمم المتحدة مجموعة من اللجان والمبعوثين الدوليين لتطبيق قراراتها المتتاليه بشأن هذه القضية.

وأشار د. المصالحة إلى أن جهود المنظمة الدولية كانت تصطدم دوماً بالتعنت الإسرائيلي، بل أدى هذا التعنت إلى فشل المبعوثين الدوليين، واغتيال أولهم الكونت برنادوت بعد أربعة أشهر من بدء بعثته، وانهاء خططه لتطبيق قرار الجمعية العامة بالتقسيم، وعدم محاسبة المجرمين من منظمة "ليهي" الإرهابية الصهيونية الذين اغتالوه، فيما كان العالم العربي آنذاك يعاني من خضوع او ارتباط  بعض أقطاره بالدول الغربية الكبرى. كما أشار إلى أن تجارب المنظمة الدولية في هذا الصدد تبيّن مدى فعاليتها والأسباب التي أدت إلى شلل دورها في حلّ معظم القضايا الدولية وفي مقدمتها قضية فلسطين.

وناقش د. زيد عيادات من جانبه مضامين كتاب "مهمة الكونت برنادوت إلى فلسطين عام 1948- الوساطة والاغتيال" للبروفيسور سوني بيرسون، الذي سبق أن قام بترجمته إلى العربية بالاشتراك مع د. محمد المصالحة، وأصدرته الجامعة الأردنية. والكتاب يقدم عرضاً علمياً متميزاً بمهنية بحثية أمينة وموثوقة اعتماداً على الأوراق والوثائق والمخطوطات التي تركها برنادوت ومَن عمل ضمن فريقه في أثناء وساطته الدولية في فلسطين.

ويذكر أن الكونت برنادوت، وهو من أفراد العائلة الملكية السويدية، عمل على إنجاز تسوية للنزاع في الشرق الأوسط خلال مدة قصيرة لم تتجاوز بضعة أشهر، ونجح في إحلال هدنتين ووضع خطتين عمليتين لتطبيق قرار الأمم المتحدة في التقسيم، في الوقت الذي كانت البيئة الإقليمية تعج بصراعات بين أنظمة الحكم حول الدور القيادي في المنطقة، ولم يتمكن الجانب العربي من بناء قوة عسكرية نظامية تتعادل مع الحشد الإسرائيلي – اليهودي النظامي، مما جعل حرب عام 1948 تقع بين طرفين غير متكافئين.

وبيّن المحاضران أن أسباباً متعددة جعلت الكونت برنادوت يعمل جاهداً وبسرعة على تأكيد دور الأمم المتحدة خشية الإخفاق في وضع حد للصراع المسلح وإيجاد تسوية مقبولة في المنطقة، ومن هذه الأسباب عدم توفر الإمكانات اللوجستية الكافية للتوصل إلى اتفاق الهدنة الأولى وتشكيل أول هيئة للرقابة الدولية ووضع برنامج تنفيذي لمراقبة جانبي الهدنة وسط معاناة اللاجئين من عرب فلسطين، وتدفق الأسلحة والهجرة إلى الجانب الإسرائيلي، والاختلافات الحادة بشأن المسألة الفلسطينية ومهمة الوسيط الدولي. فضلاً عن البيئة الدولية المنقسمة، والبيئة الإقليمية المتصارعة حول كيفية التعامل مع القضية الفلسطينية وسبل تسويتها، في الوقت الذي شهد حملة عداء دبلوماسي وإعلامي شرسة من الجانب الإسرائيلي بخصوص التوزيع الإقليمي لفلسطين بين الجانبين العربي واليهودي ينسجم مع الشرعية الدولية، ومع رؤية الكونت برنادوت لإنصاف الفلسطينيين ووضع القدس في الجزء العربي من فلسطين.

كما أن وثائق الكونت برنادوت والكتاب المستمد منها يعرض بشكل محايد ومتوازن للدور الأردني قيادة وجيشاً في الحرب والدبلوماسية عام 1948؛ مشيراً إلى الحكمة والبسالة في الموقف الأردني من الحدث الجلل الذي أصاب فلسطين والمنطقة العربية، وضياع أول فرصة قانونية لحل الصراع وفقاً للقرارات الدولية.