• 17 آيار 2019
  • ثقافيات

 

 بقلم :  د . علي قليبو

 

"..الصلاة والسلام على سيدنا.... الصلاة والسلام على حبيب الله.."  تشق هذه الابتهالات الدينية  عباب سماء إسطنبول  من جميع مآذن مساجد في منطقة الفاتح بالمدينة ، بصوت غاية في الروعة يملئ قلبك بالخشوع ، هذا الصوت  كان رفيقي  وانا بطريقي للمشاركة في حلقة الذكر بعد صلاة التراويح في احد الأماكن التي اعشق ، حين سألت صديقي التركي عن هذا المديح النبوي من المآذن فقال معلقا بدون أي تردد :  انه خاص بصلاة العشاء من كل يوم خميس في تركيا!

إن لسيدنا محمد عليه افضل الصلاة وأتم التسليم حضورا عظيما في  الوجدان  الديني  التركي  نلمسه أينما نظرنا....

فنجد المساجد و المتاحف الاسلامية في اسطنبول تعدد مناقبه وميزاته المباركة ،  فهناك على سبيل المثال لا الحصر متحف خاص  ينفرد بوصف جماله الروحاني والبشري  فلقد كان صلى الله عليه وسلم جميلا وسيما أنيقاً ولا غرابة بالأمر فالله جميل يحب الجمال ....

وقفت مندهشا شاخصا مفكرا امام  جمال عباءته الشريفة الثمينة المطرزة ذات الحبكة البديعة  بلونها الأصفر. فلم أتخيل سيدنا رسول الله  بهذه الاناقة او  الثراء ، فقالوا لي انه كان ايضا يتعطر بالمسك ويضع الكحل وطبعا لا داعي لتكرار وصف وسامته الخارجية التي تعكس حسنه الداخلي  حيث ان سيدنا  علي كرم الله وجهه كان قد  أوجز في رسم شخصية الرسول عليه الصلاة والسلام  بجمل معلقة  بخط منمق غاية في الجمال  في معظم المنازل التركية ...

وأخبروني أيضا  انه بالسابق كانت تغطى هذه اللوحات  التي خطت بالخط العربي في المنازل ،  ولا يكشف عنها الا في رمضان المبارك والأعياد !

   بعد الاستفسار عن هذه الحلة البديعة الصنع  أفادني اصحاب المعرفة بان طريق الحرير التجارية كانت تمر بمكة وان هذا الصنف من الأثواب كان مزدهرا في تلك الفترة ناهيك عن ان سيدتنا خديجة كانت من اثرى  التجار....

فوقفت امام عباءته الحقيقية  المباركة مشدودا مبهورا ، فهذه العباءة كباقي موروثات النبي صلى الله عليه وسلم لا تظهر للعيان الا في هذا  الشهر الفضيل.

يمر شهر رمضان بإسطنبول بلا بهرجة وبلا  ضوضاء كالتي نعرفها  عندنا،  وحيث ان الدين مفصول عن الدولة فتجد ان الناس يتمتعون بحريتهم الدينية، ولهذا تبقى المطاعم والمقاهي تستقبل الزبائن كالعادة ،  ويبقى الإيمان يغمر قلوب الناس من الداخل، . فصوم رمضان علاقة فردية بين الإنسان وبيته وعائلته والله وليست مظهرا خارجيا...

فلا إشارات ظاهرة للعيان  من قبيل  الزينة الكهربائية التي  تتدلى منها اللمبات الصينية بألوانها الفاقعة ولا وجود للهلال ولا النجوم ولا إسلاك الكهرباء التي تصلح للكريسماس ولحفلات التخرج والأفراح !

هنا  رمضان هو حالة سكون وسكينة ومناجاة لله  ورسوله يرافقه تقشف بالأكل ،  على عكس ما نعرفه عندنا فهو ليس بشهر التلذذ بالمأكولات والإسراف.

يحافظ شهر رمضان  المبارك هنا أي في إسطنبول خاصة وفي تركيا بصورة عامة  على جوهره كالشهر الذي نزل فيه القران هداية  ورحمة لنا  ولا يغفل احد  دور سيدنا محمد في إيصال الرسالة....

في العشر الاواخر  من شهر الرحمة والمغفرة   يعتكف العديد من الاخوة الاتراك بالحرم القدسي الشريف  لارتباطه بمعجزة الاسراء والمعراج  والتي المعجزة  التي تلعب دورا عظيما في الوجدان الديني التركي حيث ان  هناك دلالات دينية وابعاد  عظيمة الشأن  تحدد علاقة الإنسان مع الله....

في تركيا نرى وجها مشرقا للإسلام   والحمد الله على نعمته

نقول في فلسطين: رمضان كريم... ونجيب على التحية؛... الله اكرم...