• 29 تشرين أول 2019
  • ثقافيات

 

 أجاب  فابدع الدكتور "علي قليبو"  بإسلوبه الخاص على سؤال يشغل بال الكثير عن التقارب الشعبي بين تركيا والفلسطينيين وخاصة بين إسطنبول والقدس .

 ونحن في شبكة " أخبار البلد" نشكر الدكتور المقدسي الأصيل  " علي قليبو" على نشره بشكل حصري  سلسلة من المقالات الرائعة والجريئة ، في "أخبار لبلد"

 واليكم مقالة الحب المتجدد بين تركيا والقدس:

قرأت على صفحة الفيسبوك المنشور التالي:

"انا لست بحاجة الى الحب انا بحاجة الى عطلة وحقيبة مليئة بالنقود وطائرة متجهة نحو اسطنبول" أصبحت تركيا حلما جميلا يداعب مخيلة المقدسيين، و مهوى فؤاد كل فلسطيني...

بدأت قصة الحب مع تركيا في كلا من الاردن وفلسطين منذ اكثر من خمسة عشر عاما مع بداية بث المسلسل التلفزيوني الشهير  "نور"، فلقد كانت الحياة تتوقف ويتسمر الاهالي والاصدقاء لمتابعة احداث المسلسل في المنازل و المقاهي و المطاعم التي تنافست فيما بينها لاقتناء شاشات التلفاز كبيرة الحجم وجذب الزبائن. كما وجدت حلقات الاعادة رواجا كبيرا وانطبق ذلك  على المسلسات التركية الأخرى و التي تنافست الفضائيات على بثها في جميع بلدان الوطن العربي على مدار السنوات الماضية و حتى وقتنا الحالي. مما حفز شركات السياحة و السفر انذاك لوضع منشوراتها الدعائية مع صورة الممثل التركي مهند محتضنا نور ومن خلفهم مضيق البوسفور الذي تحفه القصور الفخمة!

" كان عمري لا يتجاوز الرابعه عشر حين شاهدت اول مسلسل تلفزيوني مدبلج باللهجة السورية واكتشفت حبي لتركيا من خلاله"، اخبرتني روتانا بنت الـ 24 ربيعا واردفت قائلة "... واصبحت اسمع الاغاني التركية واغنيها... طبعا لم أكن قد زرت وقتها تركيا بعد ولا اعرف من لغتها أي شيءإلا من خلال وترجمة كلمات الاغنية الفيديو كليب في اسفل الشاشة على الانترنت مما جعلني اتعاطف واندمج مع الاتراك فهم يشبهوننا شكلا وفي كل ايماءاتهم ولفتاتهم وتعابير وجههم وهم مسلمون مثلنا الا انهم يتكلمون اللغة التركية عوضا عن العربية".

وبالفعل فإن من أهم مقومات نجاح المسلسلات هو الدبلجة ليصبح الابطال يتكلمون باللهجة السورية المحببة لقلوب الفلسطينيين عامة اضافة الى القيام بتحويل اسماء المسلسلات و أبطالها من اسماء تركية الى اسماء عربية . كما أن الدبلجة لا تمس جوهر الحياة التركية  وقيمهم الاسلامية وايقاع حياتهم فالاتراك مسلمين مثلنا لكن بعيداعن التزمت الاجتماعي والديني في المجتمع الفلسطيني حيث ان الجمهورية التركية دولة علمانية معاصره تم فصل الدين فيها عن الدولة. فالاتراك يعيشون باستنبول حياه معاصرة قيمها مستمدة من اصول اسلامية ولكن في اطار قانون معاصر يحافظ للفرد على حريته الشخصية في إطار علماني أوروبي.

ففي تركيا نجد مسلمين مثلنا يعيشون في ظروف اقتصادية و سياسية و دينية مختلفة مغلفة بمظاهر الحداثة.

"ومما يحببنا في الاتراك تآلفهم الاسري" وتابعت نورهان: فلا تجد اي فرد يعيش بمفرده بل تجدهم مرتبطين في حلقة علاقات اسرية و بعض المعارف بالعمل او الجامعة.... فياكلون معا ويجلسون معا ويشربون القهوة معا... طبعا يشربون نفس القهوة التي نشربها فلا يختلفون عنا في طباعهم... بل انهم يتميزون عنا في ادبهم الجم واحترامهم الفائق لافراد العائلةو الأجداد و الآباء و الأمهاتو الأخوة الكبار بصوره جميلة جدا، فيمتد ادبهم واحترام مقامات الاخرين ليشمل الجميع وليصبح اسلوب حياة..."

ويعتبر العديد من الفلسطينين بان الملابس التركية والاكسسوارات التركية عنوان الاناقة فتسعى الانسة سارة ابو عدوان لمتابعة دراستها في فن تصميم الازياء في  استنبول :

" المتاجر في رام الله تغص بالملابس المستوردة من تركيا متعددة الأنواع والتصاميم  لتلبي رغبات واذاوق مختلف الشرائح الاجتماعية والاقتصادية،مما يعكس مخيلة عظيمة وثراء ثقافيا مذهلا!"

 واردفت روان " طبعا بامكاني دراسة تصميم الازياء في معهد "بتساليل" لكن بمفهوم الإسرائيلي يختلف عن ذوقنا ناهيك باننا نتشارك مع الاتراك في السلوكيات الاجتماعية فلدينا مفهوم الحشمة مع الاناقة فسيداتهم انيقات و محتشمات ومع انهن لا يرتدين الحجاب يخفى شعرهن  خلف المناديل الحريرية الانيقة".

واذا ما دخلنا منازلهم فإننا نشعر اننا لازلنا في مجتمعنا، فالبيت التركي يشبه بدرجة كبيرة البيت العربي . فتجد الصالون بالأرائك الفاخرة والسجاد العجمي والثريات على غرار صالوناتنا.. وتعج غرف النوم بالخزائن الخشبية المنقوشة والمزخرفة بالاضافة إلى مختلف التفاصيل التي تتميز بها غرفة النوم العربية ...اما مطابخهم سواء كانت بالقرية الاناضولية او الحديثة باستنبول فهي مشابهة لمطابخنا، كما أنهم ياكلون أكلات مشابهة لأكلاتنا ويشربون قهوتنا ويعيشون حياتنا باطار من الرقي نتوق اليه في حياتنا.

إن اناقة الاتراك في ملابسهم و بيوتهم رغما عن الفوارق الاجتماعية في المجتمع التركي تشير إلى  نظام اجتماعي مذهل، حيث أن هذه العوامل الجمالية كانت مشتركة مع حضارتنا المقدسية الفلسطينية، فجميع اجدادنا بالقدس و نابلس والخليل وغزه كانوا عثمانيين يتكلمون التركية ..... وهذا ما نجده في المسلسلات والقيم التركية ذكرى تعود بنا الى الماضي الجميل، إلى فترة ما قبل الانتداب وما احدثه من تغيرات عميقة في ثقافتنا وسلوكياتنا الاجتماعية.

وفي وقتنا الحالي، قامت الحكومة التركية بفتح أبوابها مشرعة على مصراعيها للفلسطينيين كي يبرموا اتفاقيات التجارة و يشتروا العقارات والاراضي  في كل ارجاء تركيا حتى اضحت تركيا البلد الآخر للفلسطينيين و يقصدونها على مدار العام . ليس فقط لزيارة مواقع تصوير المسلسلات بل لزيارة المواقع التاريخية الشهيرة والتسوق في متاجرها واسواقها و تناول الطعام في المطاعم المشهورة و التي تقدم وصفاتنا العربية في أفضل صورة ونكهة...

 كما يتطلع الزوار الفلسطينيين إلى المشي في شارع الاستقلال بلا كلل و لا ملل و في كل زيارة و الارتياح في شققهم في شيشلي او جالاتا أو غيرها، فتركيا هي ملاذنا ومنبرنا الثقافي و الحضاري حيث ننعم بطعم الحرية من نير الاحتلال البغيض.

"اشعر بالذنب عن سوء ظننا بالأتراك" أخبرني فؤاد الاسد وهو تاجرالفستق الحلبي  يعرف الاتراك عن كثب وله شقه في تقسيم يتخذها كقاعدة في عمله بين مالاطيا  وغازيعنتاب  وكونيا  بعد اكثر من قرن من الكراهية استعاد الاتراك انسانيتهم ," لا يمكن ان يكون الاتراك اللطفاء بالسوء الذي تصفهم به كتب التاريخ المكتوبة بشكل خبيث!" تساؤل أجاب عنه  الفلسطينيون حين وقعوا في غرام الحضارة التركية بعد قرن من الخصام. ولا يعود الفضل لهذا الحب فقط للمسلسلات والطعام والازياء، بل أيضا إلى اكتشاف أننا و الأتراك حالة واحدة و جسد واحد.