• 31 تشرين أول 2019
  • ثقافيات

 

بقلم : حازم زكي البكري

 

هذان القبران الرابضان  في موقع مُتميز وعلى بضع امتار من بوابة الخليل مثار الخلاف والجدل والبحث منذ عقود حول اسماء من دُفن فيهما لغياب نقش او حجة شرعية او مصدر تاريخي صريح يدل عليهم, فقد نُسج حولهما الاساطير والخرافات والحكايات حتى ضاعت الحقيقة . وقد اجتهد العديد من المؤرخين والباحثين لمعرفة أسماء صاحبي القبرين  وكل له حجته وأدلته . ومن خلال جهودهم قد أثرونا بمعلومات وحقائق عن الحقب التاريخية المختلفة لبيت المقدس تُحسب لهم في ميزان حسناتهم وفي تاريخهم العلمي.

فما السر الذي يخفيه هذان القبران ؟.

موقع القبران: 

يقع فناء القبران في ميدان عُمر على بُعد بضعة امتار باتجاه الشرق من باب الخليل، مقابل الجزء الشمالي للقلعة، بين عمارتين حديثتين البناء، احدهما تشغله وزارة السياحة وشركة تطوير القدس الشرقية والاخر مقر لإستعلامات للسياح ومحل آخر تجاري , 

وكان يعرف باب الخليل في العصر الإسلامي المُبكر  بإسم باب محراب داود وفي فترة الاستعمار الصليبي اصبح يُعرف بأسم باب داود وفي عهد الانتداب البريطاني على فلسطين اصبح اسمه باب يافا وقد اعتمد الاحتلال الصهيوني هذه التسمية , ومن أسماءه الاخرى باب ابراهيم وباب عُمر وباب الغزاة وباب بيت لحم . " وباب التجار وباب السمك " 

وقد ذكر صاحب الأنس الجليل بابين اسمهما باب الخليل وذلك قبل بناء سور القدس , الاول ما يُعرف لليوم ومنذ العهد الايوبي بباب الغوانمة (حيث كان يُعرف بالعهد الأموي بباب الوليد) والثاني في حارة بني  الحارث  خارج البلد عند القلعة  . 

وقد حدد  الدكتور محمد هاشم غوشة بدقة بإكتشاف انفرد به موقع الباب القديم  او العتيق الذي ذُكر عند العليمي وهو على كتف بركة البطرك   في حارة النصارى. وان باب الخليل الحالي لم يُعرف في السجلات الا بعد عام 947 هجري وفق 1540 ميلادي , وقد نشر ذلك  عام ١٩٩٨  في عدة ابحاث عن حارات القدس ومعالمها وخط سير السور الأيوبي. واعاد نشر الابحاث ضمن  الموسوعة الفلسطينية مُدعماً بالمزيد من الوثائق والصور   . فوجود عدة مواضع أطلق عليها أسم باب الخليل سبب خلط لدى بعض الدارسين في معرفة صاحبي القبران (حسب الدكتور غوشة ).

 

وذكر الباحث  بشير بركات مؤخراً في محاضرة " أن الراهب السويسري فيليكس فابري ذكر في رحلته إلى القدس (1480-1483م) أن باب الخليل كان يُعرف أيضاً بباب داود وباب التجّار وباب السمك. وكان الباب قائما بجوار مسجد سُوَيْقَة علون جهة الشرق، بخلاف ما ذهبَ إليه بعضُ المؤرِّخين الذين يعتقدون أنه كان في وسط طريق حارة النصارى، أو في موْقع خان الأقباط، أو قرب موْقع عمارة باسكال. واصبح يعرف هذا الباب  في الوثائق " باب الخليل العتيق" و"باب الخليل القديم" و "باب الخليل الجُوّاني" تمييزا له عن الباب القائم اليوم.

اضيف ان فيليكس قال : عندما وصلنا باب داود , باب التجار او باب السمك سرنا عبره مُطأطئي الرأس وذلك دلالة على قلة ارتفاع الباب .

وصف القبرين :  

تقع المقبرة  اليوم في فناء صغير محاط بسياج معدني ، بين مبنيين متماثلين من طابقين تم بنائهما في نهاية 

القرن التاسع عشر وكان يوجد في الفناء ثلاث اشجار مُعمرة من التين والسرو. 

لا يوجد اي نقوش تدُل على صاحبي القبرين. وهما مبنيان من الحجارة  ويبدو انهما أقيما فوق مصطبة حجرية، وهما مُتماثلان من حيث المساحة والشكل وأسلوب البناء، لكنهما يختلفان في شكل رأسي الضريح اللذين يوجدان عند طرفي كل قبر حيث يعلو احد شاهد القبرين عمامة   رأس متقنة  تستند على قاعدة حجرية متعددة الأضلاع مشطوفة الأركان مزدانة بزخارف تأخذ شكل محراب صغير ذي عقد مدبب تؤكد ان المدفون بالقبر رجل ذو منصب رفيع بالدولة العُثمانية.

ويعلو الشاهد الأخر  التُّربان وهو قبعة نسوية ضيقة لا حرف لها .

 

المقدمة : تعددت الروايات الشفهية او المدونة حول صاحبي القبران الرابضان في باب الخليل فمنها القائل بأنها تعود الى المُهندسين اللذين قاما ببناء السور وأخرى بأنهما لشخصية عُثمانية مرموقة وزوجته وقد أختلف مؤرخي القدس والمُستشرقين حول هوية صاحبي القبران ,

 ومن خلال هذه العُجالة نستعرض تلك الروايات لنترك لكم ترجيح اي الروايات أقرب الى الصواب , وقد يكون لازالة الالتباس حول صاحبي القبر , يحتاج الى عمل ميداني للتحقق من هويتهم, سوف ادرجه بالخاتمة.

الرواية الاولى (رواية مُهندسي السور)

    وهي الرواية الشعبية والاكثر تداولاً بين العامة:  " بأن دفين الضريح هو المهندس الذي قام ببناء السور" وهو مجهول الهوية ولكن بعض الروايات تقول انه المهندس الشهير معمار سنان الذي اصبح كبير معماري الدولة العثمانية خلفاً للمعماري (عجم علي) الذي  شارك أثناء حياته بتصميم او بناء نحو 467 مُنشأة  لصالح دولة الخلافة العثمانية والتي ما زال قائم لليوم منها 196 بناء تشهد على روعة التصاميم وقوة و صلابة و متانة و ضخامة أعماله المعمارية. وما يقوض ان دفين القبر هو معمار سنان فلم يُذكر سور القدس في سجل انجازاته وضريحه القائم لليوم في اسطنبول.  علماً بأن حجج محكمة القدس الشرعية تدل على ان محمد جلبي النقاش كان المُشرف الاداري على بناء السور الذي تم اتمامه عام 947 للهجرة , وفي عام 952 تعرضت المدينة الى زلزال الحق الضرر بالعديد من المباني والمُنشأت.

 

ضريح المعمار سنـان أمام سـور جامـع السليمـانية في إسطنبـول

ورغم ذلك فان ادلاء السياحة  الصهاينة يروجون روايتان فيدعون بأن القبرين هما للمهندسين الذين بنيا السور وقد أمر السلطان سليمان القانوني بقطع رأسيهما ودفنهما في هذا الموضوع لأنهما تركا قبر داود الموجود على جبل صهيون خارج مجال الأسوار. او لأن السلطان اعجب كثيرا بعملهما لدرجة انه أمر بقتلهما حتى لا يقوم أحد آخر باستخدامهما لبناء ما يشابه أسوار القدس. وبعض المُغالين يروجون بأن القبرين لشخصين يهوديين، من الذين قتلهما السلطان العثماني سليمان القانوني الذي بنى السور المحيط بالبلدة القديمة من القدس، انتقاما من المهندسين والعمال اليهود المهرة ، حيث يدعوا بأنهم بنوا السور المثير للاهتمام بعمارته وهندسته واحتوائه على أبراج وثكنات أمنية. وذلك حسب ما ورد في احد نشرات الدليل السياحي  .

وما يدفعنا لرفض أسطورة الاعدام , هو موضع القبرين المُتميز وبناءهما المُتقن والعمامتان التي تعلوان شاهدي احد القبرين المُتقنتي الصنع واللتان تدلان على رفعة المقام  , والتكريم لصاحبي القبرين , وليس اذلال او عقاب تجريس لهم .

أما أدلاء السياحة يقولون ان القبران يعودان لشيخ الحارة وزوجته، مبررين ذلك انه  كان من المعتاد دفن الشيخ وزوجته في قبرين متجاورين. دون الاشارة الى  أسماء صاحبي الضريحين  . 

وهذه الروايات نُقلت من بعض كتب المُستشرقين الذين زاروا القدس وكتبوا عن القبرين بناء على روايات شفوية مُرسلة , لا تصمد كدليل او أثبات.

 

الرواية الثانية :  الرجل الصالح علي الغماري (المغربي)

يروي الفنان احمد أبو سلعوم الأسطورة التي التي سمعها من والده عن الشيخ المدفون في أحد الأضرحة الموجودة في باب الخليل : 

"يقال أن جدنا الأساسي الشيخ الغماري جاء قبل جاء قبل جاء قبل 600 عام من المغرب واستقر في منطقة الدوايمة وعراق المنشية وبيت جبرين بعد تعيينه بمنصب تركي، وهو أحد أبناء عبد الدايم الغماري الـذي يـتـمـتـع حـتـى الآن بـوقـف عـظـيـم فـي المـغـرب. أرسـل لـه المـسـؤول الـعـثـمـانـي طـلـبـا لجـمـع ضرائب الأرض من فلاحي المنطقة فرفض لصعوبة أوضاع الناس وقسوة ظروفهم، استدعوه إلى القدس، وعندما وصل المدينة أخبر خادمه بأنه سيتعرض للقتل ويقطعون رأسـه وبـأنـه طـاهـر وعـلـيـه أن يـدفـنـه فـورا لـئـلا يـتـعـرض لـنـهـش الـكـلاب، ، ووضعه في أحد الأضرحة التي تحمل الآن نقوشا غريبة غير واضحة ".  

وما ينسف هذه الرواية الأسطورة ان مقام الشيخ علي الغماري المذكور ما زال قائم في قرية الدوايمة المهجرة.    

قبر لجسد الامير عبد الدايم والآخر لرأسه

ومن الروايات الاخرى التي تتداولها عائلة الغوانمة (السروري) ان المكان هو تربة الامير عبد الدايم الغوانمة والتي تقع في الركن الشمالي من داخل باب لخليل فيرون  " ... و في أواخر القرن الحادي عشر الهجري اندلعت انتفاضة كان على رأسها “نقيب الاشراف محمد بن مصطفى الحسيني” استمرت سنتين, وكانت بسبب سياسة التسلط والانتهازية في فرض الضرائب الباهظة على السكان والفلاحين ، ودعمهم آل الغوانمة، وتمكن الاتراك من احتلال المدينة وتم اعتقال “النقيب” وأرسل إلى استنبول ونفذ فيه حكم الإعدام, واتهم الأمير عبد الدايم بالتعامل مع معارضي الدولة العثمانية الناشطين في الانتفاضة المذكورة, و خاصة انه كان على علاقة قوية بنقيب الأشراف الحسيني, فاعتقل و اعدم بقطع رأسه بالساحة المجاورة لباب الخليل في القدس الشريف, فاقام اهله و رفاقه له مقامين أحدهما لرأسه و الاخر لجسده الطاهر في المكان الذي اعدم فيه, و لا يزال المقامان يشاهدان عند باب الخليل تحت شجرة تين كبيرة."

وعلى الارجح ان الأمر قد اختلط عند آل الغوانمة بسبب وجود اكثر من موقع كان أسمه باب الخليل , كما بينا اعلاه .حيث تقع تربتهم (مقبرة الغوانمة)  في حارة الغوانمة بين ثنيات بيوتها و هي تربة اسلامية عريقة يزيد عمرها على الثمانية قرون,  " وهي تقع بالتحديد  تحت مأذنة الغوانمة القائمة على باب الغوانمة في الزاوية الشمالية الغربية من ساحة الحرم.

 والغوانمة هم بنو غانم، أبناء الشيخ غانم بن علي بن حسين الأنصاري الخزرجي، أحد رجالات صلاح الدين. مولده بقرية بورين من أعمال نابلس سنة 562 هـ، وقد ولاه السلطان صلاح الدين مشيخة الخانقاه الصلاحية "  ، وله ذرية باقية حتى الآن. ويتصل قبو المقبرة بالمدرسة المحدثية القديمة، وهي مهجورة منذ مئات السنين  و دفن فيها ابناء أل الغوانمة بني شيخ الشيوخ غانم بن علي من شيوخ و صلاح و قضاة و امراء , وقد ذكر العُليمي ان الاسم القديم لباب الغوانمة هو باب الخليل   والذي كان يُعرف ايضاً في مصادر اخرى بباب الوليد  . باب الغوانمة في الانس الجليل ويعرف قديما بباب الخليل

رأي المؤرخ كامل جميل العسلي (قبران مجهولان) :

كتب المؤرخ كامل العسلي في كتابه أجدادنا في ثرى بيت المقدس وهو دراسة أثرية تاريخية لمقابر القدس و تربها و اثبات بأسماء الأعيان المدفونين فيها : " يقال انهما لمجاهدين   , وقد سمعت من يقول انهما لشخصين  يدعيان " الصافوتي " ويقال ايضاً انهما لشخصين كانا ناظرين على بناء سور القدس , وليس في هذا الكلام اي شيئ مؤكد. 

من الواضح ان المؤرخ العسلي قد نقل روايات شفهية ولم يؤكدها , فمن الواضح انه لم يجد مصدر يستند اليه في تلك الاقوال , رغم ان كتابه دراسة توثيقية عن المقابر ومن دُفن بها.

رواية قبر الحاج ابراهيم بن محمد الصافوطي وزوجته

يظن احفاد الحاج ابراهيم الصافوطي ان القبرين يعودان له ولزوجته وذلك استنادا على مصدر حديث اصدره المؤرخ العسلي عام 1981 م , الانف الذكر  في رواية لم يؤكدها وانما نقلها , سمعياً , او كما يقولون بناء على روايات شفوية , متوارثة في العائلة  مستشهدين بان حارة بني حارث هي موطن عائلة دبوس الحارثي جد الحاج ابراهيم الصافوطي (دبوس) صاحب الوقف الشهير بسويقة علون , ورغم اطلاعي على عشرات الحجج الشرعية في سجلات محكمة القدس الشرعية المرتبطة بوقف الحاج الصافوطي بصفتي مُستحق بهذا الوقف , لم اجد اي وثيقة تُشير الى القبرين , من قريب او بعيد وخاصة في منتصف القرن الثالث عندما دمرت الثلوج المنازل ومنها الدور التي اوقفها الحاج ابراهيم الصافوطي . حتى اضطر متولي الوقف انذاك بتقديم طلب لإستبدال دارين لإصلاح الدار الثالثة , ولم يرد بحجتي الاستبدال ذكر للقبرين  . على العكس وجدت وثيقة مؤرخة في رمضان من عام 1066 للهجرة تفيد ان موسى بن دبوس  قد باع داره هناك الى الحاج سنان بن الياس نائب قلعة القدس الشريف , ضمن حجة وقف الحاج سنان . وقد أكد الدكتور غوشة ان المدفونين بالقبرين هما الحاج سنان وزوجته وابنته كما سيأتي لاحقاً .

رأي  الاستاذ فهمي الانصاري

نشر الاستاذ نبيل الانصاري شهادة انه اطلع على دراسة للباحث والمؤرخ فهمي خليل بدر الأنصاري تفيد " ان القبرين الرابضين في منطقة باب الخليل من الجهة الشمالية هما لسنان آغا بن عبد الله نائب الحاكم الاداري لمدينة القدس وزوجته , وقد كان طلب من السلطان التركي ان يُدفن في مدينة القدس بالقرب من قلعة باب الخليل , واحترم السلطان وحقق طلبه وقام بزرع شجرة عند القبر وهي نفس الشجرة التي نشاهدها اليوم ".

وما زالت الدراسة التي استشهد بها الاستاذ نبيل حبيسة الادراج , فلانعلم الادلة التي استند عليها مؤرخنا الجليل الاستاذ فهمي الأنصاري (ابو الفهد).

رأي الباحث  بشير بركات  

يقول الدكتور غوشة ان الفناء في باب الخليل هو "التُّرْبَةُ الصَّفَدِيّة" ونفى كافة الشائعات والاقاويل المنتشرة حول حقيقة المدفونين في قبري باب الخليل، وأشهرها بأنهما قبرا مُهَندِسَيْن خَطَّطا بناءَ سورِ القدسِ في عَهدِ السلطان سليمان القانوني، الذي غضب عليهما وأمَر بإعدامِهما ودفْنِهما قرب الباب لأنه رأى أنّ تَكْلفةَ إعدامِهما أقلَّ بكثيرٍ من دفْعِ تكاليفِ أُجْرةِ عَملِهما في بناءِ السور الذي استَغرَقَ أربعَ سنوات .ويبدو أنّ الباحث الغربي "إينزوورث" كان أوّلَ من دوَّنَ بعضَ تلك الخُرافاتِ في كتابِهِ الصادر عام 1875م. ومنها أيضا الادعاء بأن المدفون فيهما هو إبراهيم الصافوطي صاحب الوقف المشهور في القدس. كما استعرض المؤرخ عشرات الأدلة على أن القبر الأول يضم رفات يوسف وأَمَتْ وفاطمة وبلقيس أبناء محمد بك نائب صفد الذين توفوا صغارا خلال حياة والدهم عام 1563م. ثم دفن محمد بك نفسه في القبر المجاور بعد وفاته. 

رأي الباحث د.يوسف النتشة 

يقول الدكتور النتشة أن التربة الأنفة الذكر هي التربة الصفدية وذلك بناء  على ما ورد في خجة شرعية وردت في السجل رقم 151 مؤرخة في  19  ذي الحجة 1066 هجري :

 " قرر مولانا وسيدنا افتخار قضاة الاسلام عمدة الفقهاء والمحدثين سلالة العلماء العاملين قدوة الموالي بدر سماء المعالي الحاكم الشرعي المولى ابو البركات محمد شرف الدين الخالدي الموقع خطه الكريم باعالي نظيره دامت فضايله ومعاليه حامل هذا الكتاب الشرعي وناقل ذا الخطاب المرعي فخر امثاله ابراهيم بشه ابن فخر الصالحين الشيخ محمد الشهير بإبن المشمش الينكجري بقلعة القدس في وظيفة السقاية بالمساقاة الكاينة تجاه القلعة باب الخليل بالقدس الشريف الملاصقة للتربة المعروفة بالصفدية  بما لها من المعلوم وقدره كل يوم عثماني من محصول وقف الصفدية الكاينة بالقدس الشريف المحمية عوضاً عن ابراهيم بن اسماعيل بن (....) بحكم فراغة لدعى ذلك في يوم تاريخه  أدناه بحسن اختياره ورضاه واذن مولانا الحاكم الشرعي ....". 

رأي الدكتور  محمد هاشم غوشة 

 قال الدكتور محمد غوشة في لقاء مع موقع اخبار البلد الالكتروني "أن المدفون في القبرين الكائنين لصق باب الخليل هما للحاج سنان بن إلياس كيخيا قلعة القدس (نائب القلعة) وزوجته.

والحاج سنان هو إحدى الشخصيات العثمانية التي نزلت القدس في النصف الأول من القرن السادس عشر وأنشأت الأوقاف فيها. ومن أبرز منشآته في القدس جامع قمرة الملاصق للباب الجديد، وجامع ساحة البازار المقابل لمقام الشيخ غباين، وجامع سويقة علّون والذي تضمن تربةً عند إنشائه. وغيرها من المنشآت. 

وأضاف غوشة لقد اختلط الأمر على الدارسين لاختلاف موضع باب الخليل الأيوبي عن موضعه الحالي، وقد نُشرتُ دراسةً باللغة الإنجليزية في سنة ٢٠٠٤ في جامعة بامبرغ بألمانيا كشفتُ من خلالها وعلى نحوٍ غير مسبوق عن وجود الأبواب القديمة للقدس وكيف توسعت المدينة القديمة بعد إعادة بناء السور العثماني الحالي. سيكون لي محاضرة قريبة بدعوة كريمة من جمعية وقفنا سأكشف من خلالها عن الوثائق والمعلومات ذات الصلة"  

وقد ذكرنا سابقاً ان الحاج سنان بن الياس قد اشترى دار موسى بن دبوس الحارثي عام 1066 للهجرة.

الخاتمة:

• رغم تعدد الروايات حول صاحبي القبرين ولكنها انحصرت بان صاحبي القبرين هما إما للمهندسين اللذين بنيا السور او لرجل وزوجته .

• رواية المهندسين , مردودة شكلاً وموضوعاً , وخاصة لارتباطها بحكم الاعدام عليهما , حيث لا يكرم المذنبين بدفنهما في موقع مُتميز وفي قبرين فاخرين , ووجود العمامتين الكبيرة والتي تدل على انها تعود لموظف ذو شأن في الدولة العثمانية والعمامة الصغيرة تدل على أنها لإمرأة وعلى الارجح انها لفتاة ماتت في مقتبل العمر . ونشر هذه الرواية ما هو الا من باب الطعن في السلطان سُليمان القانوني والخلافة العُثمانية . حيث المشهور انه تم استخدام امهر البنائين المحليين واستقدام بنائين من حلب لبناء السور.

• من أسباب الاختلاف في اسمي الرجل وزوجته يعود لوجود ثلاث مواقع اطلق عليها اسم باب الخليل في حقب زمنية مختلفة (الموقع الاول وهو ما يعرف اليوم بباب الغوانمة – العصر الاموي والموقع الثاني ما عُرف بالباب العتيق او الباب القديم او الباب الجواني على كتف بركة البطرك – العصر الايوبي والموقع الثالث وهو القائم اليوم والمشهور بأسم باب الخليل منذ العصر العُثماني او كما اطلق عليه الانتداب البريطاني باب يافا). مما سبب خلط لدى الباحثين او العامة في معرفة صاحبي القبر .

• ومن الاخطاء الاخرى التى وقع فيها الباحثين او العامة اعتقادهما ان القبران مُقامان على مصطبة , ولكن من يتمعن جيداً في فناء القبرين , سيتبين له ان الظاهر من القبرين صف واحد من الحجارة وهذا مُخالف لطبيعة بناء القبور العثمانية التي تكون عادة من ثلاث او اربع صفوف والتي من المرجح ان الصفوف الباقية  غائرة في المصطبة التي يبلغ ارتفاعها اكثر من متر عن الشارع , ويتضح للعيان اختلاف زمني ومعماري في بناء القبرين والمصطبة . حيث نرجح ان المصطبة اضيفت حول القبرين , بسبب اضرار لحقت في مباني مدينة القدس نتيجة الزلازل والعوامل الجوية مثل الامطار والثلوج , , مما ادى الى  إختفاء النقوش التي عليها اسماء صاحبي القبرين تحت سطح المصطبة (والله تعالى اعلم بالصواب) , ونرجح ايضا انه تم اضافة عقد نصف اسطواني على القبرين لرفعهما عن مستوى المصطبة حيث اخفت المصطبة جز كبير من القبرين. ومن مشاهداتنا للعديد من القبور الاسلامية والعثمانية لم نلاحظ وجود اي عقود اسطوانية تعلو القبور  .

• واستبعد ان يكون الفناء لاحد الاولياء , حيث لم يذكره الرحالة من المتصوفة امثال النابلسي والبكري واللقيمي وغيرهم . ولم يقوموا بزيارتهما , وعدا ذلك القبران لا يُزاران من الذين يلجئون الى الاولياء لقضاء حوائجهم او التبرك بهم.

• وقد يكون وراء تعدد الروايات والخرافات والاساطير حول القبرين , نظراً لموقعهما الاستراتيجي , سر عسكري يستخدم احداهما كمدخل الى سراديب او مخازن للاسلحة والعتاد تحت الأرض , فباب الخليل  عبر التاريخ محط اعين الغزاة , حتى كان يطلق عليه (باب الغزاة)  لان المنطقة المحيطة به  وخاصة من الجهة الغربية هي منطقة واسعة ومنبسطة تصلح لعسكرة الغزاة وتشكل لهم مقبرة ماملا القائمة على ارض صخرية ملساء  يتوسطها بركة مائية , خط دفاع وأمان لأن المسلمين لن يقصفوا قبور موتاهم التي يختبئ خلفها او بينها اعداؤهم من الغزاة بالمدفعية  , عكس طبيعة المناطق المحيطة بالابواب الاخرى التي تتميز اغلبها بالانحدار الشديد.

• ونختم  بما كتبه العُليمي  واصفاً المنطقة قبل بناء الاسوار  ..." حارة بني الحارث وهي خارج البلد عند القلعة ( خط داود عليه السلام ) هو الشارع الأعظم وابتداؤه من باب المسجد الأقصى المعروف بباب سلسلة إلى باب المحراب وهو باب المدينة المعروف الآن بباب الخليل وهذا الخط على اقسام معروفة فمن باب المسجد إلى دار القرآن السلامية يعرف بسوق الصاغة ومن باب السلسلة إلى باب حارة الشرف يعرف بسوق القشاش ومنه إلى سوق الفحم يعرف بسوق المبيضين ومن باب الخان إلى قنطرة الجبيلي يعرف بسوق الفحم ومن قنطرة الجبيلي إلى درج الخرافيش يعرف بسوق الطباخين ومنه باب حارة اليهود يعرف بخط الوكالة وهو خان عظيم وقف على مصالح المسجد الأقصى يؤجر في السنة بنحو اربعمائة دينار يباع فيه اصناف البضائع ومن باب حارة اليهود إلى خان المصرف يعرف بسوق الحريرية ومن خان المصرف إلى باب المدينة يعرف بخط عرصة الغلال فهذا كله داخل في عموم خط داود عليه السلام والسبب في تسميته بخط داود هو ان سيدنا داود كان له سرداب تحت الأرض من باب المسجد المعروف بباب السلسلة إلى القلعة التي تعرف قديما بمحراب داود وكان منزله بها وهذا السرداب موجود وفي بعض الأوقات يكشف بعضه ويشاهد وهو اقبية معقودة بالبناء المحكم كان يمشي فيه من منزلة إلى المسجد.

--