• 26 نيسان 2020
  • ثقافيات

 

 القدس – أخبار البلد – يسعدنا ان يخص الكاتب والصحفي والصديق "سعيد الغزالي"  شبكة "أخبار البلد" بقصة معبرة ، كعادته في تسعينات القرن الماضي عندما كان  ولا زال قلمه حادا يحمل الكثير  من الرمزية الموجعة  التي تعبر عن واقع القدس .

 ويعتبر الصديق سعيد  الغزالي الذي اعتزل الكتابة لسنوات طويلة من المع   الصحفيين المعروفين على صعيد الاعلام العالمي ، فلقد كتب الكثير من القصص لصالح  عدد من الصحف العالمية وخاصة الامريكية منها، ومعروف محليا حيث كانت له مساهمات متنوعة في الصحف المحلية واشهرها زاوية مستحضرا فيها شخصية "حجا".

واليكم حكاية "سعيد الغزالي "

الناس تفتش عن مرجعيات، لإنقاذها من الوضع السائد، فكان إعادة فرعون إلى الحياة، احدى تلك الأفكار، لاختراق الأفق المسدود، ولكن، هل سيتمكن فرعون من انقاذ البلد؟ هنا نشاهد توت عنخ أمون يغادر مقبرته في وادي الملوك، ونشاهد ما سيحدث من مفاجئات.

ذهب فرعون.... جاء فرعون

-١-

تدخل يا حورس حجرة الملك الميت، تقترب منه وتهمس في اذنه: انهض، شعبك ينتظرك. يتململ الملك في ضريحه، يهتز الجسد بقوة، ويخفق قلبه، ببطء، ضربات القلب ضعيفة، يتشنج الجسد، يرتج ويهدأ، ثم يرتج بعنف، خفقان القلب يزيد، رويدا رويدا، يفتح الملك عينيه بوهن، الشفتان جافتان، يحتاج الملك إلى بضع قطرات من المياه المقدسة، ها هو كبير الكهنة "حم نتر" يدخل الضريح، يقف عند رأسه ويرطب شفتيه بالماء، يتمتم كبير الكهنة، بكلام مبهم، فيحرك الملك ذراعه، يحدق في سقف الضريح ثم يغفو، هل عاد توت عنخ أمون إلى سباته الأبدي؟

مرت لحظات صمت كأنها دهر، وتحدق يا حورس في جسد الملك المسجى داخل لفائفه في التابوت المذهب، الذي نُزع عنه الغطاء، حركَ قدماه، التفتَ إلى الجهة اليمنى، التفتَ إلى الجهة اليسرى، عاد يُحدقُ في السقف، هُدوءٌ وسكون، تستيقظ روحُ الملك بهدوء، يرتج الجسدُ بعنفٍ، يهدأ، يُحرك ذراعَه الثانية، يتأهب للجلوس، يحاول، لكنه لا يقوى، كأن ملاك الموت يأبى أن يفك وثاقه، وصرختَ غاضبا: ويلك، يا ملك الموت هذا ملك الملوك، اتركه، ينهض.

يفتح الملك عينيه، كان نظرُه حديدا، عادت إليه القوة. تفرح وتصفق جذلا، ينهض الملك من قبره في مقبرة وادي الملوك الصخرية في مدينة الأقصر، وقف الملك، واتجه إلى الباب، يريد أن يخرج من الضريح، فجأة تدفق إلى الضريح كبار رجال الدين والكهنة وهم: غري توب، حبت توب، غري حبت، كابو، حسي رع، حم رع، باك إن امون، تدخلُ حاملاتُ المباخر وقواريرَ المياه المقدسة، وهن: اوسر كان، نفر حوتب، كا وعب، حور منكا، حنوتسن، يتبعهن الصبيان: نبسن، باسر، باحري، جار، بنو، وسنحم  وهم يمسكون بباقات الزهور: وتدخل البنات الصغيرات:  نفرت، نيفرو، نبرت، نفرتاي، حجيت، مرزت، تابت، اوبت يحملن أواني الطيب والعطور، يقمن برش العطور على جسد الملك. أمرت يا حورس الحضور أن يفسحن الطريق للملك ثم وضعت التاج الذهبي على رأسه. يقف الملك على قدميه، يمشي ببطء، يتحرك الموكب خلفه، يأمر قائد الجيش حور محب، أحد الجنود بإحضار العربة الملكية. خرج الملك من الضريح وتبعه الأتباع، امتطى عربته المذهبة، وخلفها عشر عربات وضعت فيها كنوزه، تحرك الموكب في طريق ضيقة. عند وصول الموكب إلى الساحة الخارجية، انضمت إليه كوكبة من النساء، وهن يرتدين أبهى حللهن، ويضعن أجمل زينتهن، ويغنين أغاني الفرح، ابتهاجا بصعوده إلى العالم الآخر.

بدأ الرجال والنساء والبنات والصبيان، حال خروجهم من وادي الملوك ينشدون:

جئنا أيها العظيم،

لبينا النداء من موتنا الفاني

من بين ذرات الرمال، نهضت أجسادنا

كان طعم الموت عذبا كمياه النيل في شفاهنا

شارك كل من وردت أسماؤهم في جنازته قبل ثلاثة آلاف سنة، في ذلك الوقت، قامت النساء والبنات بتلطيخ وجوههن بالطين وصبغة النيلة الزرقاء وقد مزقن ملابسهن، ولطمن خدودهن وضربن صدورهن.

سيذكر التاريخ هذا اليوم المشهود، هو يوم فرح، فالفرعون المصري كان يقود أقوى جيش في العالم، وكان ملكا مهيبا، تخشاه البلاد الأجنبية، وترتعد من سطوته فرائس البرابرة.

قد يظن البعض أن هذا الفرعون العظيم سيعيد لمصر هيبتها، بين الدول، وسيرفع مكانتها السياسية والعسكرية والاقتصادية، وستدخل مصر التاريخ الحديث من بواباته الواسعة، لن تكون بعد اليوم بلدا ناميا، تعتمد على مساعدات الدول العظمى، لن يحكمها الأوباش واللصوص، وسترفع الظلم التاريخي الذي أصاب شعب فلسطين، ستكون مصر حقا ام الدنيا. لن يقبل الملك توت عنخ أمون أن تبقى مصر مغلولة بقيود التبعية. سيكون لها وزن وتأثير وتهابها الدول، وتصبح دولة عظمى، وتنضم إلى نوادي الكبار في الاقتصاد والأمن.

لم يعرف الملك أنه دخل إلى عالمه الآخر في زمن الكورونا، الذي أصاب معظم بلدان العالم، ولا يزال عَدادُ الضحايا مستمرا بالعد، فما هو الدور الذي سيلعبه الملك لمواجهة هذا الوباء؟

الاتباع يحيطون بالملك، ومنهم كبير الكهنة وقائد الجيش، وعدد محدود من الجند، أين سيذهب؟ لا يمكن للملك أن يخرج دون حراسة مشددة، فأين الحرس. حلقت ثلاث مروحيات فوق الوادي، وكانت تلتقط صورا للموكب من الجو.

قال كبير الكهنة حم نتر: مولاي، انظر إلى فوقك، هذا حديد طائر يحوم فوق رؤوسنا، وهذا أمر عجيب، كيف يطير الحديد؟ نظر الملك إلى السماء ولم يُخف دهشته.

خاطب حم نتر وقال: هذا فأل خير، لعل رع هو الذي أرسل هذا الحديد الطائر، رع له أساليب غامضة. سنسير إلى طيبة، وسأبني قصري هناك؟ أمر الملك أتباعه، بالتحرك، لكنه اضطر إلى التوقف، أخبرني يا قائد الجيش: أين الجيش؟ تلعثم حور محب، وأطرق صامتا، ثم رفع رأسه، وقال: الجيش سيأتي في أي لحظة يا مولاي.

خرج موكب الملك من ساحة المدفن الكبيرة في المدينة الجنائزية، متجها إلى سهل مرتفع قليلا، وقد ظن الملك أنه على بعد مسافة قصيرة من مدينة طيبة القديمة (عاصمة الفراعنة) في الجهة الشرقية لنهر النيل. كانت جلبة المروحيات تصم الأذان، فانزعج الملك، وأمر بإسقاطها. كيف سيسقطها، هل يسقطها بالمقاليع؟

وصل جنود غرباء، كانوا يسيرون ببطء من الجهة المقابلة نحو موكب فرعون، أمر الملك أتباعه بأن يتوفقوا. ولم يكن بحوزتهم أي سلاح، لا خناجر، لا رماح، لا سهام، لا فؤوس قاطعة، لا مقاليع ولا مقامع للدفاع عن أنفسهم.

"سينقذنا رع، سيجد لنا مخرجا، مولاي"، قال حم نتر، بيقين، وهو يراقب القوات المصرية المتقدمة باتجاه الموكب.  لم يتوقف زحف قوات الشرطة الخاصة ووحدات النخبة ورجال يرتدون ملابس مدنية، يُعتقد أنهم مسؤولون أو ضباط كبار في المخابرات العامة والمخابرات الحربية وأمن الدولة. وصلت إلى المكان سيارات جيب عسكرية، وجنود صاعقة من الحرس الجمهوري، وهم يرتدون بدلات قوات الصاعقة الصفراء ذات البقع البنية. وصل أيضا نحو ٣٢ فردا من رجال الشرطة وهم يقودون دراجات نارية، وكانت قوات الشرطة مسلحة بالرشاشات، بالإضافة إلى عشرات من سيارات المرسيدس السوداء.

استمر تحليق مروحيات الاستطلاع، المخصصة لرصد أي تهديد جوي وصاروخي. كان الجنود والضباط يرتدون أزياءً عسكرية، بألوان الكاكي والأزرق والأبيض، ويعتمرون الباريهات الخضراء والزرقاء والحمراء. تقدم قائد الحرس الجمهوري وهو برتبة لواء، وقف على بعد ٢٠٠ متر، ثم أخرج مكبر صوت، وبدأ يخاطب الملك: أهلا وسهلا بك أيها الفرعون العظيم، نرحب بك في أرض مصر العظيمة، ستأتي معنا، وجميع أتباعك إلى القصر الرئاسي، لقد خصصنا لك قصرا رئاسيا من أجل إقامتكم، وزودناه بكل وسائل الراحة، ستقيم فيه أياما أو أسابيع، إلى أن يفرغ الرئيس خميس من أشغاله، فيلتقي بكم ويستمع إلى طلباتكم، تفضل أيها الفرعون العظيم إلى موكب سيارات المرسيدس السوداء".

-٢-

بقي توت عنخ أمون متسمرا في مكانه، وبدت على وجهه علامات الدهشة والاستغراب، ولم تبد عليه أي علامة فهم لما يجري، لكنه توجس خيفة، اقترب منه كبير الكهنة حم نتر، وأسر في اذنه بضع كلمات، ثم أعطاه صحيفة من ورق البُردى، كُتب عليها تعويذة مأخوذة من كتاب الموتى، قرأها الفرعون مستذكرا سيد الأبدية أوزوريس الذي قتله أخوه ست، إله الشر، فقال متضرعا باللغة الهيروغليفية:

أيها الإله الأعظم، إله الحق

لقد جئتك يا إلهي خاضعا لأشهد جلالك

جئتك، يا إلهي، متحليا بالحق متخليا عن الباطل

فلم أظلم أحدا ولم أسلك سبيل الضالين.

ما إن انتهى توت عنخ أمون من قراءة التعويذة، حتى انشقت السماء عن لبؤة حمراء، بدأت تتحرك بانسيابٍ وتتهادى في الجو كطائرة شراعية، تهللت أسارير الفرعون وهو يراقب هبوطها البطيء، وقال لكبير كهنته حم نتر: "صدقت أيها الكاهن العظيم الذي ترى ما لا يُرى، إن الاله رع لم يتخلَ عنا".

أثناء هبوطها، أحس ثلاثة طيارين مصريين يحلقون بمروحياتهم فوق مدينة الأقصر، بريحٍ قويةٍ تضرب مروحياتهم بعنف، وتمنعهم من الاقتراب من اللبؤة الطائرة، هبطت اللبؤة ببطء حتى وصلت إلى فسحة بين كبير الكهنة حم نتر وتوت عنخ أمون، وهناك وقفت ومدت ذراعيها باتجاه معبد الكرنك في مقبرة وادي الملوك. سارع توت عنخ أمون إلى السجود أمامها وسجد معه قائد الجيش حور محب وكبير الكهنة وجميع الاتباع.

كان مشهدا مهولا أرغم قائد الحرس الجمهوري أن يأمر جنوده بأن يحذو حذو توت عنخ أمون ويسجدوا أمام إلهة ترتدي رداءً من الريش الأحمر وفوق رأسِها يعلو قرصُ الشمس، ويلتف حول رقبتها ثعبانُ الكوبرا.

  رفع توت عنخ أمون رأسه وشخَصَ ببصره إلى قرص الشمس، وفعل كذلك كبير الكهنة وقائد الجيش والأتباع: وصاح بصوت ابتهالي، منشداً باللغة الهيروغليفية، وردد حم نتر والأتباع كلمات النشيد العظيم، فَسُمعت أصداؤها من مسافات بعيدة:

آلهتي العظيمة

عين رع العظيم

 أنت الهواء

أنت الماء

أنت النار

أنت الأرض

انت الروح

-٣-

صُدم قائدُ الحرس الجمهوري بما شاهد وسمع، وسرت قشعريرةُ الخوف في جسمه، وفهم أن هؤلاء الفراعنة يؤدون طقوس نشيد الابتهال. وكما أنه لم يفهم كلمات النشيد، فإنه لم يفهم أيضا معنى ظهور الربة سخمت بردائها الأحمر، أي أنها جاءت لتشن الحرب دفاعا عن الملك توت عنخ أمون، وإنها قادرة على أن تنفث النار من فمها فتحرق الناس وتهلكهم، وهي قادرة على ارسال الوباء ونشره بين المواطنين فيمرضون ويموتون.

سُمعت بعد ذلك أصوات سلسلة انفجارات هائلة نتج عنها ظهور تشققات كبيرة في الأرض، رافقها اندفاعات متتالية لأعمدة ضخمة من الرمال، التي انقذفت من باطن الأرض كصاروخ فضاء، وبعدها تطايرت العربات والجنود، وبسرعة مذهلة، انتظمت قوات جيش فرعون في صفوف متراصة، ومنسقة، في إطار كتائب وفصائل ومجموعات دون حدوث ارتباك أو فوضى.  

كانت فرقة الانشاد في جيش فرعون مكونة من ١٠٠ رجل. ساد صمت رهيب، وصدحت الموسيقي، وأنشد المنشدون:

جئناك أيها الملك العظيم

لبينا النداء

هذي رماحنا تطعن صدور أعدائك

هذي حرابنا تشق بطونهم

بسهامنا نفقأ عيونهم

بالخناجر نجدع انوفهم

ونطلق طائر الموت الأسود بجناحيه الساميين

ينقر عين كل من يقترب من عربتك الملكية

كان المشهد مدهشا وملهما ويشعل الخيال. قام جيش فرعون بحركة التفاف سريعة حول القوة المصرية وحاصرها من كل جانب.

-٤-

قال قائد الحرس الجمهوري، في تقرير مفصل أرسله للرئيس خميس: انشقت السماء وهبطت الربة سخمت، رأيت الفراعنة يسجدون لها، وينشدون نشيد الابتهال، بعدها، رأيت كائنات بشرية تُقذف من باطن الأرض، بسرعة هائلة، وكأن البشر قد تحولوا إلى حمم، ثم تطايرت العربات، في تلك اللحظة، خيل لي أن يوم القيامة قد جاء، وتوقعت أن تتطاير الجبال، أو تسقط النيازك على الأرض، لم أصدق ما رأته عيني ولا ما سمعته اذني. بلمح البصر، رأيت جيشا كبيرا، قد تزيد أعداده عن ١٠٠ ألف رجل، ينقذفون من باطن الأرض إلى سطحها، شيئا مذهلاً وصادماً رأيت. ظننت نفسي أنني اشاهد فيلما، مخرجه يتمتع بخيال جامح."

قال ضابط برتبة عقيد، متخصص في شؤون الديانة المصرية القديمة: "صحيح أن جيش فرعون بدائي التسليح، ولا يمكن أن يهزم جيشا مسلحا بأسلحة حديثة: كالطائرات والدبابات والصواريخ وقذائف المدفعية، لكن الآلهة المصرية تستطيع أن تدمر كل شيء في ثوان".

كان فرعون هو القائد الأعلى للقوات المسلحة، ومهمتها الرئيسة حماية الوطن من الاخطار الخارجية، والجيش مكون من راكبي العربات والمشاة، هناك وحدات عسكرية خاصة ونظامية تعمل وفق تشكيلات وكتائب لها مهمات دفاعية وهجومية، تعمل وفق خطط منسقة، وشُكلت فرق أخرى، أُنيطت بها مهام زيادة هيبة الملك في قلوب الدول الأجنبية لردعها عن تنفيذ أي هجوم على مصر، وهناك وحدات نظامية، مهمتها حماية القصر ومؤسسات الدولة، وكتائب للتعامل مع البرابرة الذين يغيرون على أطراف البلاد.

قسم جيش فرعون إلى كتائب، في كل كتيبة عشر فصائل، كل فصيل من ٢٠٠ رجل، تحت إمرة قائد، وقسم الفصيل إلى أربع مجموعات، لكل مجموعة قائد، يحمل رتبة أقل من قائد الفصيل، ويتلقى الأوامر منه.

يتسلح جيش فرعون بالحراب والرماح والخناجر والفؤوس القاطعة والأقواس والسهام، ويقسم المشاة إلى قسمين، قسم يشتبك مع العدو عن بعد مستخدما السهام والمقاليع والأقواس وعصي الرمي، وآخر يستخدم الخناجر والرماح والحراب والمقامع في عمليات الالتحام عن قرب.

كان الرماة يطلقون السهام بكثافة عن بعد، ويستخدم الجنود السهام بصورة فردية عندما يلتحمون مع القوات المناوئة في الصفوف الأمامية. استعد الرماة لرمي سهامهم عن بعد ضد القوة المصرية، واستعد حاملو الرماح والخناجر للقيام بعمليات الالتحام والاشتباك.

أجرى قائد الحرس الجمهوري اتصالا مع القيادة العامة، فجاءته الأوامر، بألا يطلق النار، قبل اجراء مفاوضات مع توت عنخ أمون والضغط عليهم وإجبارهم على الاستسلام. قالت القيادة، إنها سترسل تعزيزات كبيرة إلى منطقة الأقصر، تشمل وحدات من سلاح المدفعية والصواريخ وقوات المغاوير، إضافة إلى القوة الضاربة الجوية، إن لم يستسلم فرعون وجيشه، سيدمر الجيش. سيتوجه إلى الأقصر أيضا قادة من سلاح الجو والمشاة والحرس الجمهوري والأمن المركزي والمخابرات العامة والمخابرات الحربية ويعاينون الموقف، ثم يبعثون بتقريرهم إلى الرئيس خميس.

بدت علامات الرعب على وجوه الجنود والضباط المصريين، خصوصا عندما شاهدوا خروج جيش بأكمله من باطن الأرض، وهبوط سخمت من السماء، وشاهدوا كيف أوقفت المروحيات في الجو. وضع الجنود والضباط المصريون أصابعهم على الزناد، استعدادا لإطلاق النار، أطلق جندي النار في الهواء، فأمر قائد الحرس الجمهوري أن ينفذ الجميع أوامر وقف إطلاق النار.

-٥-

أتريد يا حورس أن يحكم مصر فرعون؟ يتخلص المصريون من فرعون ليحكمهم فرعون آخر؟ تقول إن الفتى الملك، جدير بأن يحكم مصر، فذهبت إلى ضريحه وأزعجته في سكونه الأبدي، لماذا؟ أعلم أنك إله تكره أن يشك أحد بنواياك، والشك مفتاح التفكير.

من حقك كإله أن تدعو الناس للعودة إلى النبع المتدفق في روحك، فتعيد صياغة كينونتك في هذا الوجود، كي تستعيد قدراتك التي فقدتها، او فقدت جزءا كبيرا منها في زحمة الحياة، وهمومها.

 أتزعم يا ابن إيزيس أن كهنة مصر القديمة الذين امتلكوا أسرار التحنيط وبرعوا في الطب، يمكنهم إيجاد لقاح لفيروس الكورونا، الذي يقطف أرواح الناس، بلا رحمة، ملقيا الرعب في النفوس، ومدمرا الحياة والاقتصاد والأمن؟ أتعتقد يا حورس أن حضارة المصريين القدماء تتفوق على كل الحضارات، وبينها الحضارة الحديثة؟ ولست براغب أن أُساجلك، فأنت إله وأنا إنسان، لكني لا أفهم مقصدك عندما تنادي بضرورة أن يعود إنسان الحضارة الحديثة إلى النبع الأول، اين كان النبع يا حورس؟ ألم تكن الغابة مأوى الانسان؟! ألم يعش كوحش هناك؟ يخشى على نفسه من الحيوانات المفترسة، ويحارب شتاء الطبيعة وبردها القارص وصيفها اللاهب، ألم ينازع الإنسان أخاه على المأكل والمشرب والمكان والنفوذ؟ وأنت كإله مصري ألم تقتل عمك لتنتقم لمقتل أبيك؟ الم يحتل الفراعنة الذين يعبدوك أراضي جيرانهم وتوسعوا شمالا وجنوبا وغربا وشرقا، وأقاموا امبراطورية كبرى؟ لماذا جعلت من نفسك إله الانتقام؟ هل فكرت في ضحاياك؟ ألم يكن ضحاياك بشر وآلهة؟ ماذا فعل الكهنة يا حورس، ألم يستولوا على القرابين التي كان الفقراء والأغنياء يقدمونها للمعبد؟ فماذا فعلت؟  لماذا لم تنقذ المصريين عندما هُزموا هزيمة نكراء في معركة اكتيوم وانتهى حكمهم للأبد؟  تتحدث بعد كل ذلك عن النبع الأول. هل تقصد أن يعود الانسان إلى حياة الغاب. وهل تخلصت من الغابة في داخلك؟! كأنك لم تستفد أبداً من الفكر والمعرفة والعلم والفن خلال عشرة آلاف سنة مضت، كأنك لم تقرأ التاريخ جيدا، كأنك فقدت المفتاح والبوصلة، ولم تفهم معنى الحياة، كأنك تخرج من ظلمة لتدخل إلى أخرى، باحثا عن نور، وتدور حول ذاتك، وتمشي في التيه إلى لا هدفٍ، كأنك ... وكأنك.

الموت هنا وهناك، فيروس كورونا يربض في معبدك العظيم، وفي ساحات المنازل، في الشوارع، والأزقة والحارات، كل المدن صارت مقفرة، هُجرت الساحات، وانزوى الناس في بيوتهم خشية أن يفتك بهم الفيروس.

من حقك أن تهرب من هذه الجائحة، وتطلق العنان لخيالك لكي يجمح قليلا أو كثيرا، ويصل إلى أفق سحري، مجتازا حواجز الزمان وقيود المكان، والأوبئة تضرب الأبواب بعنف. تصعد إلى قاربك وتبدأ بالتجديف، وتبحر في لجة اللامعقول، باتجاه الشمس، فلا تخشى الأنواء، تمشي وتمشي ويتبدد خوفك، تمالك وترفق بنفسك، قبل هبوب العاصفة، ارفع شراعك عاليا، وَدعْ الإعصار يقرر مصيرك، ستلتهمك حيتان البحر، وتموت، لكن موتك سيكون جميلا، بعيدا عن الفيروس، ستغرق في لجة البحر، لن ينقذك أحد، ولن تخرج من بطن الحوت إن ابتُلعتْ، انت مجرد لقيمة في بطن الحوت. أنت مجرد فكرة بائسة.

-٦-

عاد الضابطان أحمد وابن عمه محمد من معسكر للجيش المصري في شمال سيناء إلى منزليهما المتجاورين في قرية كرداسة في محافظة الجيزة، لقضاء إجازة مدتها سبعة أيام، بعد تعرض الكتيبة التي يخدمان بها لهجوم من قبل مسلحين مجهولين، يُعتقد أن المهاجمين ينتمون إلى تنظيم أنصار بيت المقدس، استشهد جنديان خلال الهجوم الذي استخدمت به الرشاشات سريعة الطلقات وشارك محمد وأحمد في جنازة الجنديين.

 كان أحمد ومحمد يتناولان شطائر الدجاج المقلي ويدخنان الشيشة، ويتبادلان الأفكار حول كيفية قضاء أيام الاجازة.

– نحن محظوظان، نأكل الدجاج الطازج، هل تعلم ماذا تعشى جارنا أبو مسعود وأولاده يوم أمس؟ سأل محمد ابن عمه.

-لا أعرف، دعك من هذا الحديث، قال أحمد بصوت فيه حدة.

- رأيته يجمع قطع البطاطس القديمة وعظام الدجاج من حاوية القمامة. لقد أصيب بالحرج عندما شاهدني، فجمع ما وجد على عجل، ووضعها في كيس، وأسرع بالدخول إلى غرفته التي يتكدس فيها مع أطفاله السبعة وزوجته وأمه. أخبرتني زوجتي أنه يجمع بقايا الطعام من المطاعم كل يوم تقريبا، قال محمد.

- ماذا نفعل له، لا نستطيع أن نساعده، ثم إني سمعت أنه اخواني؟ وابنه الكبير هارب من الخدمة العسكرية الإلزامية. وهناك شائعات تقول إنه انضم إلى أنصار بيت المقدس.

-أتريد أن تقول بأن الحاج مسعود يستحق أن يجوع؟ لأن ابنه هارب من الجندية؟ ثم لماذا تروج للشائعات؟ أبو مسعود رجل فقير، كل ما يفعله هو أنه يصلي في المسجد، هذا لا يعني أنه اخواني، قال محمد مستهجنا.

-أنت تدافع عنه، قد يكون ابنه قد شارك في الهجوم على الكتيبة، قال أحمد.

- أنا لا أدافع عن أحد، ولكني أكره الشائعات. لو صح ما تزعم، ستقوم الشرطة باعتقاله والضغط على أبو مسعود ليسلم ابنه أو يكشف اين يختبأ.

- أنصحك ألا تتعاطف مع أبو مسعود.

- المشكلة أنك تخلط بين الأمور، وانت تعرف أن معظم سكان قريتنا فقراء معدمين. جارتنا أم اسامه تقف في السوق طول النهار لتبيع علب "موتيلا" بنصف سعرها لأن مدة صلاحيتها انتهت منذ خمسة شهور.  ألم ترى الشبان يبيعون المخللات في براميل قذرة في مدخل القرية.

-  اسمع يا ابن عمي، دعك من أبي مسعود وأم أسامة. هناك أمور مهمة يجب أن نعالجها. عائلاتنا بحاجة إلى أشياء كثيرة. ولا نملك الفلوس لشراء ما يلزمنا، قال أحمد.

-أنت تشكو. وانت ضابط، وتقبض راتبك كل آخر شهر. آلاف الشباب بلا عمل، يا ابن عمي، قال محمد.

بدأ أحمد يسحب نفسا عميقا من الشيشة وينفث الدخان في سقف الغرف التي تآكلت قصارتها. وقال محاولا أن يغير الموضوع: المهم يجب أن نحمد الله، لقد نجونا من موت محقق.

-نعم، كان الرصاص ينهمر علينا من كل جانب، إنه أمر مروع أن نجمع قطع لحم الجنديين، الله يرحمهم. استخدم الإرهابيون كل الذخيرة التي بحوزتهم.  كادوا أن يقضوا علينا جميعا، لولا رحمة الله، المهم أننا نجونا بأعجوبة.

- لا أريد أن أتذكر هذه المشاهد، لماذا لا نذهب إلى مقهى العم إبراهيم؟ أخبرني سميح وناصر وعبد انهما سيذهبان إلى المقهى لمشاهدة مباراة محمد صلاح، قال احمد مستلا هاتفه النقال، ليُري ابن عمه صورة لاعب الكرة المصري الشهير، وهو يمسك بكأس العالم.

- جميل، لنذهب. 

- انا جاهز، قال أحمد.

فجأة رن جرس الهاتف النقال، تناول أحمد الهاتف. كان صوت قائد الوحدة محمود على الخط الآخر. احضرا غدا، قبل الثامنة صباحا، هناك أمر طارئ، أغلق قائد الوحدة سماعة الهاتف.

-ماذا يجري؟ سأل محمد بلهفة.

- حدث أمرٌ طارئٌ، لن نستطيع الذهاب إلى قهوة العم إبراهيم، علينا أن نلتحق بالوحدة غدا.  يجب أن نجهز أنفسنا.

دخلت شقيقة أحمد الغرفة، لتخبرهما بأن حدثا كبيرا قد وقع في الأقصر.

-حدث كبير؟ ماذا حدث؟ سأل أحمد.

-توت عنخ أمون؟ توت عنخ أمون؟ قالت فاطمة، وهي تلهث من شدة الصدمة.

-ماذا جرى؟ قولي.

-توت عنخ أمون خرج من قبره، قالت الصبية.

-أنت مجنونة، توت عنخ أمون خرج من قبره، أنت فقدت عقلك.

- جاء ومعه لقاح جديد ضد الكورونا، قال محمد ساخرا، ولم يصدق أي كلمة قالتها ابنة عمه. وأضاف بسخرية أشد: ربما جاء ليهنأ الرئيس بعيد ميلاده.

- إياك أن تسخر من الرئيس، الرئيس ولي نعمتنا، قال أحمد محذرا.

سمع ثلاثتهم أصواتا وصياحا وصفيرا في الشارع، قال رجل طاعن في السن: معجزة ربانية، إنها معجزة. يا سيدي الحسين، الله يلطف بنا، أطل احمد ومحمد من الشباك، وشاهدا حشدا من الرجال والنساء والأولاد.

صاح محمد: لماذا هذا الهياج يا جماعة. هل هناك إصابات كورونا جديدة.

- القصة أكبر من فيروس الكورونا. توت عنخ أمون طلع من القبر، قال أحد الشبان.


-٧-

انشقت الأرض عن جيش غريب، يقوده قائد مشهور جدا، له مكانته في التاريخ، له أثاره وكنوزه المحفوظة عبر الدهور، قائد ينتمي إلى عصر قديم، ولكنه يدق باب الحاضر بقوة واقتدار، ينال اهتمام الباحثين عن الآثار، سحره أن مقتنياته لرحلته للعالم الآخر لم تسرق، هذا القائد ينهض من قبره، هو ميت – حي، أن تموت وتبقى حيا بعد مماتك فعل معجز، أن تحيا وتبقى ميتا في حياتك فعل بائس، بين المعجزة وبين البؤس يحيا المصريون.

قال الرئيس خميس: أعلنتُ الحرب على فرعون وأمرت الجيش بشن هجوم ساحق، يريد خميس أن يشن حربا على رجل ميت، صحيح أن له أتباع يحبونه، لكنه يسكن الخيال والاسطورة، ماذا سيجني ا خميس لو انتصر على رجل ميت – حي؟ ماذا سيكتب التاريخ عنه؟ التاريخ لا يكتب، من يملك السيف والصولجان هو من يكتب. وليس كل ما يُكتب حق، وليس كل نصر نصر، ولا كل هزيمة هزيمة، هناك نصر له طعم الهزيمة، وهزيمة لها طعم النصر، خميس لا يفكر، والآلهة الجميلة تكرهه، ستكرهه أكثر لو شن هجوما ضد جيش فرعون. لكنه لا يأبه بالآلهة ولا بالناس، المهم أن يحافظ خميس على كرسيه، بالقوة والبطش، هو الدولة والشعب، الدولة بقرة حلوب، والشعب حمار يمتطيه. ما الفرق بين القاهرة وطيبة؟ كلاهما عاصمتان، الأولى حديثة العهد نسبيا، والثانية قديمة جدا، في القاهرة يموت الناس، بأمراض القهر ولسعات الفيروس القاتل، وهم يمشون ويأكلون ويشربون، ويتناسلون، وطيبة تسكنها الأموات وهم ينتظرون يوم البعث. 

تفكيك الدولة المصرية القمعية كان هدف توت عنخ أمون. طيبة مجد ذهبي يسكن في الجبانات، والقاهرة فيل هرم. في بلاد تحترم قوانينها، الرئيس يعمل خادما للشعب، في بلاد غير محترمة، الرئيس إله سيء السمعة.  

شن خميس هجوما واسعا على جيش فرعون؟ ألقى فرعون عصاه، احترقت أسلحة الجيش، نفثت سخمت من فمها نارا، ارتعب الجيش، صاح قائد الحرس الجمهوري، وارئيساه، واخميساه، خميس جبان، هرب في داخل قصره كفأر الجحر، والجيش انهار وتشتت شمله. حكم خميس مصر بقوة بطش، خائن، قاتل، مجرم، متسلط، جبار، وفأر. فرعون إله، مبرر لمن كان إلها أن يحكم مصر، اجتمع قادة الجيش في قصر خميس، انهار خميس القى الحراس بنادقهم، وقال قائدهم: نؤمن بالربة سخمت ونعلن عزل خميس، نقبل بالفرعون رئيسا، فرح الشعب بعزل خميس.

ذهب فرعون .... جاء فرعون .... يسقط فرعون ... يحيا فرعون. انتهى فصل آخر... تحيا مصر.