• 14 أيلول 2020
  • ثقافيات

 

عمّان- أخبار البلد - بمشاركة من سمو الأمير الحسن بن طلال رئيس منتدى الفكر العربي، عقد المنتدى لقاءً عبر الاتصال المرئي، ، حول دور الزكاة والوقف في التخفيف من آثار جائحة كورونا على المستويين الاجتماعي والاقتصادي، قدم فيه د. علي محيي الدين القره داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين محاضرة في هذا الموضوع، وشارك في المداخلات علماء مسلمون وأكاديميون واقتصاديون وقانونيون من عدة دول عربية وإسلامية، وثلاثة وزراء سابقون للأوقاف من الأردن، ومسؤولون حكوميون، وعدد من ممثلي منظمات دولية وإقليمية .

وأكد سمو الأمير الحسن بن طلال أن مشروع مأسسة الزكاة والتكافل يمثل توجهاً إنسانياً، ضمن السعي لإثبات أن المؤسسية الإنسانية مزروعة في ثقافتنا، ودعا د. علي القره داغي إلى بلورة نظرية لاقتصاد ثالث إنساني أخلاقي للخروج من الأزمات الاقتصادية العالمية، فيما أشار المتداخلون في اللقاء الذي أدار النقاش فيه د.محمد أبوحمور وزير المالية الأسبق والأمين العام للمنتدى، إلى أن مأسسة الزكاة والوقف تعزز الاستقرار والتنمية والتكافل والعدالة الاجتماعية، والحاجة لنظرية تجمع بين دور الزكاة في مكافحة الفقر ودورها كمحفز اقتصادي، وكذلك معالجة الإشكاليات الهيكلية الاقتصادية في الأزمات من خلال اقتصاد الجوائح الذي يمكن القطاع الخاص من القيام بدوره التنموي والحفاظ على العمالة، وتقوية آثار الزكاة والوقف بحل مشكلات التعليم والصحة والغذاء وتحقيق الثقة بالاقتصاد. وأوضح بعض المتداخلين أن الغرب سبقنا في الاستفادة من الوقف تعليمياً وصحياً بتريليونات الدولارات، ولا بد من وجود فلسفة عامة لمشاريع الزكاة والوقف وربطها بالتنمية المستدامة، وتأكيد الأهمية التكاملية المؤسسية في مشاريع الزكاة والوقف وزيادة الوعي في هذا المجال ضمن إطار تشريعي وثقافي وإعلامي . وقدم عدد من المتداخلين نماذج لتجارب بارزة كتجربة المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بالأمم المتحدة في تأمين مسار موثوق لإيصال المساعدات للاجئين من أموال الزكاة والصدقات والتبرعات، وإسهام صندوق الزكاة الأردني بحل مشكلة النساء الغارمات بمبادرة وطنية قادها جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين الذي كان أول الداعمين والمتبرعين لهذا المشروع، وقيام جمعية قطر الخيرية بتمويل تجهيز 400 وحدة للحجر الصحي للقادمين في منطقة العمري الحدودية بالأردن، وخطة الهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية المشرفة على هذه الوحدات لاستفادة الفقراء والعائلات العفيفة من هذه الوحدات بعد انتهاء جائحة كورونا..

وأشار سموه إلى أن معطيات الواقع المأساوي اليوم توضح أن 80 بالمئة من لاجئي العالم هم مسلمون، وهناك 13,5 مليون إنسان في سورية يحتاج إلى المساعدة الإنسانية، في الوقت الذي تفوق الأرقام المتعلقة بالهجرة الداخلية أعداد اللاجئين إلى خارج الحدود، كما أن الأعداد باليمن تصل إلى 21,1 مليون إنسان، وفي ليبيا حوالي 2,4 مليون، وفي العراق 8،2 مليون .

كما دعا سموه إلى العمل لجعل الإرادة الإسلامية تعمل من أجل الجميع، والانتقال إلى تحقيق الكرامة الإنسانية وتجاوز أشكال المهانة للإنسان، وكذلك تحقيق الصالح العام لأمّتنا التي ظُلِمَت، وبناء شبكة من المساءلة المسؤولة، مشيراً إلى تجربة رابطة جنوب شرق آسيا الناجحة في البناء على الاستقلال المتكافل والاعتماد على بعضهم البعض، وقال: إن الاعتماد على العامل الخارجي رغم نشدان الاستقلال المتكافل، هو ما جعل أمّتنا تعاني وتدفع ثمن كل ذلك .

وأضاف سمو الأمير الحسن بن طلال أن الوقت ليس في صالحنا وليس في صالح الهشّين والمهمّشين، متسائلاً حول إمكانات الفرص أمام العالم الإسلامي ليحتل مكانه تحت الشمس وبين الأمم، ويثبت بالتالي أن هنالك مؤسسية إنسانية مزروعة في ثقافتنا لفتح الأبواب نحو مدخل عصري منصف في القول والفعل .

وأشار أ.د.علي محيي الدين القره داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في محاضرته إلى التوقعات على المستوى الدولي بزيادة عدد الفقراء في العالم إلى 1 مليار، وأن تنقل جائحة كورونا العالم إلى فترة كساد وركود، وأيضاً إلى الآثار الكارثية المترتبة على ذلك كلما ازدادت فترة بقاء الجائحة، بما في ذلك تفاقم البطالة من خلال تهديد مصادر الرزق لنصف القوى العاملة في العالم، وانخفاض دخل العاملين في المهن الحرّة بنسبة تصل إلى 60%، وتعرض 436 مليون منشأة لخسائر جسيمة، تشمل 232 مليون منشأة لتجارة التجزئة، و 111 مليون مصنع، و 51 مليون منشأة لخدمات الطعام، و42 مليون منشأة تعمل في العقارات .

ودعا د.القره داغي إلى تطوير دور الوقف، واعتماد الإدارة الاستراتيجية للاقتصاد، والاستفادة من الجوانب الجيدة في الاقتصاد الرأسمالي والاشتراكي للخروج باقتصاد ثالث إنساني أخلاقي ليس بالضرورة إسلامياً، لكنه يعمل أيضاً على تطبيق أفكار تتيح الانتقال من الفقر المدقع إلى الكفاف، وبالتالي إلى الكفاية التامة. كما دعا إلى الاهتمام ببرامج دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة في الحد من الفقر والخروج من الأزمات الاقتصادية، ومنح هامش أكبر لمؤسسات المجتمع المدني، وقدم نموذجاً على ذلك مشروع "كافي" لمؤسسة قطر الخيرية في الصومال الذي يشمل صندوقاً للزكاة، وصندوقاً للقرض الحسن، ومحفظة استثمارية.

وأشار الوزير الأسبق والأمين العام للمنتدى د.محمد أبوحمور الذي أدار النقاش إلى المبادرة الدولية لسمو الأمير الحسن بن طلال بمشاركة عدد من الشخصيات الإسلامية والمؤسسات العلمية والفكرية في العالم الإسلامي وأوروبا وأميركا اللاتينية، التي أطلقت بعنوان مبادرة "التضامن والتكافل الإنساني" في شهر نيسان (إبريل) 2020، وهدفت إلى العمل على مشروع المؤسسة العالمية للزكاة والتكافل الإنساني .

وتناولت رئيس وحدة سياسات منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين شادن خلّاف في مداخلتها التهديد الناتج عن جائحة كورونا لحرمان اللاجئين من الخدمات الأساسية، وأشارت إلى أن المفوضية السامية عملت على توزيع المواد الأساسية والإعانات النقدية، واستطاعت جمع 43 مليون دولار من أموال الزكاة والصدقات لهذه الغاية، كما وزعت مساعدات عينيه بقيمة 200 ألف دولار في 8 بلدان، معتمدة على شركاء لها في مجال التمويل الإسلامي، والقيام بحملات عن طريق الشبكة الإلكترونية لجمع التبرعات والمساعدات، مع تأمين مسار آمن وموثوق لإيصال هذه المساعدات إلى اللاجئين .

وأشار د.أشرف دوابة من جامعة استانبول بتركيا إلى ضرورة وجود ما يسمّى اقتصاد الجوائح لمعالجة الإشكالية الهيكلية في الاقتصادات العربية والإسلامية خلال الأزمات؛ موضحاً أن دور الدولة هو الرعاية بالتركيز على الصحة وتحريك عجلة الإنتاج وتوفير السيولة والقروض وتأجيل الضرائب ما أمكن، فيما يقوم القطاع الخاص بمهمات التنمية، وكلما زاد الإنتاج فإن الزكاة والوقف يستمران في النماء، مع تأكيد دور التجار ورجال الأعمال بعدم رفع الأسعار، والحفاظ على العمالة، وأن يتحرك الجميع لمعالجة الضعف في الرعاية الصحية والفجوة الغذائية .

ولفت د.هايل الداوود وزير الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية الأردني الأسبق، إلى أن الغرب سبقنا في الاستفادة من الوقف، وتقدر الأصول الوقفية فيه بتريليونات الدولارات، وخصوصاً في القطاعات التعليمية والصحية، وهناك إمكانات أكبر لزيادة الحصيلة من المشاريع الوقفية في بلادنا؛ مقترحاً إنشاء مجلس أعلى للوقف من العلماء والاقتصاديين ورجال الأعمال، ووضع البرامج ونشر الثقافة الوقفية، وكذلك طرح أسهم وقفية لتمكين مشاركة قطاع عريض من الناس، واستثمار أموال الزكاة والإقراض منها، ومأسسة الزكاة والوقف من أجل تنمية حقيقية في العالم العربي والإسلامي وحل مشكلات الجائحة ولا سيما على صعيد البطالة والخدمات الصحية.

وتحدث د.وائل عربيات وزير الأوقاف الأسبق حول إشكالية النظر لدى بعض الجهات إلى أن دخول الزكاة والوقف كجزء من الحل الاقتصادي يحدث تغييراً في الهيكلية المالية الحكومية. وأشار إلى دور صناديق الزكاة والوقف والحج في التخفيف من آثار الجوائح، بما في ذلك تقديم المساعدات للاجئين وتدريب القوى البشرية، وإقامة مشاريع إنتاجية لمساعدة الفقراء، كما أوضح إسهام صندوق الزكاة في حل مشكلة الغارمات الذي جاء بمبادرة وطنية من جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين وكان أول الداعمين والمتبرعين لهذا المشروع . ودعا إلى وجود فلسفة عامة لمثل هذه المشاريع وربطها بالتنمية المستدامة، وإقامة وقف تعليمي وآخر صحي ليكونا بمثابة بوابة لمؤسسة عالمية للزكاة .        

ومن جهته أشار د.عبد الناصر أبو البصل وزير الأوقاف السابق في الأردن في مداخلته إلى أن هناك مشروعاً في الأردن لزيادة الزكاة إلى 40 مليون دينار لكن الحصيلة كانت متواضعة ولم تتجاوز 6 ملايين دينار، وكذلك الأمر بالنسبة لحصيلة الأوقاف . ودعا إلى مشاريع كبيرة تقوم على الزكاة في مجالات التربية والتعليم والرعاية الصحية لتكون هنالك مؤسسات متكاملة في الأهداف، إضافة إلى زيادة الوعي في الثقافة الوقفية، ووضع دليل وقفي للواقفين حول مختلف أنواع الوقف للتغلب على مشكلات تطبيق الحجج الوقفية، مع وجود إطار تشريعي وثقافي وإعلامي لكل ذلك .