• 29 تشرين الثاني 2020
  • ثقافيات

 

بقلم : تحسين يقين

 

وكلاهما ساردان، أو رسامان؛

طارق من العصر القديم لجنى ديرية ورسومات تيسيرة العقاد، وحلمي لحلا نصار ورسومات بتول السلطي، وعالم دبدوبي للمى اقحش ورسومات آدم جيبات، ولأمي لنيسان أبو القمصان ورسومات زين الشريف، والنظافة لميمونة مرزوق ورسومات لينا الفقيه، مجموعة خمس قصص لأطفال، محلاة برسومات خمسة أخرين، نتاج مسابقة، هدف تشجيع الكتابة، والرسم، كل هذا جميل وأكثر.

كل ما يصنعه الأطفال جميل، نصوصا وكلاما ورسما وغناء ورقصا، وقد عاش بيكاسو عمره، كما قال، لكي يعود ليحاكي رسومات الأطفال.

في "طارق في العصر القديم" يصحو طارق بعد حلمه بالديناصورات، لعل الصفحة الأخيرة "استيقظ أين عاش الإنسان القديم؟ عاش عند الديناصورات يا أستاذ!"، فيها ما هو جذاب. قصة متتابعة، برسومات معبرة عن طارق وما يرى، لعل الإبداع هنا في تصوير طارق في أشكال متنوعة تعبر عن تطورات الأحداث، يدخل ويرى، يهرب، يستند متعبا على ساق شجرة، جالس متوجع من ضربة على الرأس متأملا فيما يرى، وأخيرا بنومه في الصف. جميلة الرسومات، والقصة بخيالها.

و"في حلمي"، حلم آخر لطفلة بلا اسم، تأخذنا برحلة حرة الى عكا، ومدرسة بلا أسوار، وملعب بلا خوف، وبقطار القدس-الخليل، وصلاة في المسجد الأقصى، وخضار جنين والخليل وغزة والجليل، لنستيقظ على أنه الحلم فقط. والجميل أن الرسومات هي رسومات بكر حقيقية، يمكن فحص ذلك من خلال المساحات والمنظور والألوان.

في "عالم دبدوبي"، ثمة رحلة في الطبيعة بلا حدود، بصحبة دبدوب، في عالم "يخلو من الظلم والقهر"، والعودة الى عالمها "وأنا أحمل في قلبي الألم وأحس بحزن كبير على واقعنا..".. أما الرسومات فتميزت بعمق في الرسم والتلوين، بما يلائم عالم الطمأنينة، وعالم "الحواجز"، حيث فعلت الألوان فعلها التأثيري، ما بين الزاهي، وما بين اللون الداكن.

وفي "لأمي"، رحلة طفلة تجلب لأمها باقة زهر من الطبيعة، بسبب فقرها، فتتبع الفراشة، وبذا تفرح أمها، التي "أشرق على وجهها ابتسامة فرح قلما أراها. لقد استحق قلبها الحزين الفرح". أما الرسومات، فهي تحاكي رسومات مسلسلات الكرتون.

وأخيرا، في "النظافة"، وهي مونولوج لحاوية النفايات، تحتج فيه على رمي النفايات قربها، برسومات تبدو فعلا لطفل.

أشرفت على المسابقة، وطبعت الخمس قصص، جمعية عطاء فلسطين، في حين قرأت أسماء: الكاتبة د. وداد البرغوثي والكاتبتين مايا أبو الحيات وهلا الشروف، كلجنة تحكيم النصوص، في حين قرأت أسماء الفنان بشار الحروب والفنانتين ديما أبو الحاج وإنصاف الحاج ياسين، كلجنة تحكيم الرسومات.

نحن إزاء نصوص قصص أطفال بأقلامهم/ن وبرسوماتهم/ن، ولو تعمقنا في الدلالات، فلن نبتعد موضوعيا عن هموم الطفل في فلسطين، وإن تمت المبالغة المقبولة، التي كان من الممكن تخفيفها، بما يلائم فرح الأطفال من جهة، واهتماماتهم وعوالمهم ولغتهم الحقيقية من جهة أخرى.

كنا طلبة ومعلمين، وننعرف أن نظام التعبير في بلادنا العربية بشكل عام، يقوم على هندسة تفكير وشعور الطفل وبرمجته من قبل الكبار، حيث تكتسي النصوص البعد الوعظي والوطني والخلقي المباشر؛ فلم يعد هذا الأمر جديدا، حتى نكاد أقل لوما أو عتابا للتربويين المشرفين، كونهم هم أيضا نتاج أسلوب تقليدي في المدارس والجامعات أيضا، حتى الجامعات لم تخلص من ذلك الأثر، كونها مخرجا تقليديا لمجتمع تقليدي محافظ خصوصا في مجال اللغة والفكر والشعور.

إن كتابة الطفل للطفل، والرسومات، أمرا إبداعيا، من المهم أن يتم في جو حرّ، يحرر الطفل منا، بحيث يدخل عوالمه هو، ما يشغله، همومه الحقيقية، بدون تكلف، كذلك تخفيف جرعات البكائيات، والاطمئنان فعلا أن تكون الرسومات قد تمت منهم، لأنها فعلا ستكون الأجمل، بعيدا عن تدخل الكبار، لضمان الفوز.

أما النصوص، فما نود لو تم تحريرها من منظور احترام النص الأصلي، وعدم العبث اللغوي بها، لأنه يأخذها منحى تكلف لا ضرورة له، لأنه من السهل اكتشاف هذا العبث سواء عند التحرير، أو عند تسليم النصوص التي سطا عليها الكبار، طمعا بالفوز!

وكان يمكن للجنة التحكيم بسهولة اكتشاف السطو ليس على لغة نص الطفل، بل ومضمونه، أكان ذلك جزئيا أو أكثر.

وهنا، لعلي قد أكرر، ما أذكره دوما عن عالم الكتابة والتفكير، وهو أن من الضروري تعليم اللغة والكتابة بعيدا عنا، دون تحيّز، ودون دفع الطفل/ة نحو محاكاة نماذج كلاسيكية قادمة من تاريخ الأدب، ولنا في لبنان الشقيق بشكل خاص قدوة حسنة، في تعريض الأطفال في المدارس لنصوص من عالم اليوم بلغة حرى غير متكلفة، تلائم مراحلهم العمرية، فهم جميعا تحت سن ال 18 عاما. أي أطفال وفتيان وفتيات.

من الضروري أن نحررهم منا أولا، فلسنا معجبين بأنفسنا الى هذه الدرجة، وأيضا فإن لهم عالمهم الخاص، قد يتشابه مع عالمنا حين كنا أطفالا، لكنه مختلف في جوانب كثيرة، شكلا ومضمونا، وذلك أصلا هو تحدي التربية، خاصة في علاقات الأطفال بمحيطهم والكبار، بعيدا عن الحذر والاحتقان، قريبا من الأريحية والطمأنينة، لغة وشعورا وفكرا وحركة وفنا..

أكتب، وأمامي الآن رف كامل عن عالم الكتاب والكتابة، وسنوات التكوين في حياتهم/ن، حيث يمكن التعرف على التجارب الناجحة عربيا وعالميا، وأين مجالات رعاية الإبداع والموهوبين/ات.

لعلي ككاتب، ومدرب كتابة إبداعية، ومحرر أدبي، ومحكم، ومعلم سابق، والأهم كطفل كنته ذات يوم، أتذكر ونتذكر معا، ما كنا نتعرّض له من هندسة لعقولنا ومشاعرنا، أدت الى كبتنا، حيث لم نعش حياتنا كأطفال، لقد تم السطو علينا، فكنا (يا حرام) كالفراخ نحاكي ما يطلب منا، من أجل رضا المعلم، بل منا من كان يستدرج المعلم لمعرفة ميوله الفكرية والسياسية، ويبدأ بالعزف على اللحن المحبب للمعلم.

جنى ديرية وتيسيرة العقاد، وحلا نصار وبتول السلطي، ولمى اقحش وآدم جيبات، ونيسان أبو القمصان ورسومات زين الشريف، وميمونة مرزوق ولينا الفقيه، لا نقول عشرة فقط، بل مليون وأكثر، هم طلبة فلسطين في المدارس، وزادوا مائة ألف، يعلمون خمسون ألف معلم ومعلم، منهم بالطبع عدد كبير من معلمي ومعلمات اللغتين العربية والإنجليزية وغيرها.

هم عشرة أطفال وفتيان، ومعهم ربما المئات أو الآلاف، أنتجوا في ساعة واحدة، كل هذه القصص، والرسومات، يا إلهي ما كل هذا الغنى!

بل وفي كل أسبوع، هناك حصة للكتابة، تعبير وإنشاء، شفوي وكتابي، وهناك كتابة في مجالات المباحث، والامتحانات، والأمور الشخصية. إن حسبنا سنحصد ربما ما يقرب من المليون نص، على الأقل، ناهيك عمن هم في التعليم العالي، وعنا نحن خارج التعليم، الأهالي.

لا أبالغ، بأن التحرر سيكون من هنا أولا..

تحرير الفكر والشعور..من خلال الكتابة والرسم والفنون جميعها..

لعلنا نسير في طريق الخلاص بأقدام ثابتة، وقلوب مطمئنة فرحة، تنظر للمستقبل بأمل..

تسطع ابتساماتنا كبارا وصغارا، قليل من الإغروراق يكفي!

سنسعد وأطفالنا، بأدب طفل سعيد.. يجذبنا ويحببنا بالحياة.

أنا الراوي أنا الرسام؛ وكلاهما ساردان، أو رسامان؛

ابتدأت بأسماء المبدعين/ات، المواهب الصغيرة، التي ان وجدت رعاية وأسلوبا خاصا في راعية موهبتي الكتابة والرسم، فسينضم لنا هنا كتاب وكاتبات، أكثر روعة منا..

جهد "عطاء فلسطين" مبارك، ينبغي البناء عليه، ولعله يكون فاتحة لورشة ترعاها وزارتا الثقافة والتربية والتعليم، حول الكتابة الإبداعية ورسومات الطفل، منه وله.

لعل من يسمع نداءنا، بالبدء الفعلي بإدماج الكتابة والكتابة الإبداعية في بنية العملية التربوية في التعليمين العام والعالي، فلا يعقل أن يتخرج الطلبة من الثانوية العامة، وهم غير قادرين لا على الكتابة المقبولة، ولا على التفكير الكافي، كون الكتابة فعلا، إن تم بناؤها بناء سليما، ستكون مدخلا للتفكير. أما في التعليم العالي، فلأن خريجي الجامعة هم معلمو/ات المستقبل. وأيضا فإن امتلاك مقومات الكتابة سيكون مفيدا، للأبحاث في التعليم الجامعي، وصولا لأبحاث الدكتوراة.

لذلك، لعلنا نبدأ بشكل ريادي، على شرط أن نفكّر معا، حيث اننا إزاء تعليم وإبداع، لا بد من التعاون، فالكتابة علم، وتعليمها علم آخر، كالفن وتعليمه. ولدينا تجارب فلسطينية في تدريب الكتابة الإبداعية، نحتاج من يجمعها معا، في ندوة ستكون فاتحة لعهد جديد.

من أراد أن تكون له بصمة، فالميدان مفتوح على مصراعيه، بشرط ألا يكون الحماس للعمل موسميا!