• 29 تموز 2014
  • نبض إيلياء

 

 ها قد رحل شهررمضان المبارك على القدس الحزينة ، وعلى اهلها اليتامى  ، وعلى الفلسطينين المنكوبين وعلى العرب المهزومين ،انه بإجماع اهل البلد ، اسوء شهر يحل  على هذه المدينة  منذ  سنوات طويلة ، ان لم تكن منذ عشرات الاعوام   ، فلقد اختفت من هذا الشهر المبارك الروحانية العالية، لتحل محلها  غطرسة المحتل الهادف بكل قوة الى خلق واقع على الارض !!

وها قد زارنا عيد الفطر غير السعيد،  وقد اتشح بالسواد الداكن المغموس بالدم  والخراب ،  ففي الاقصى لا ترى إلا السواد في ملابس الشبان وفي نفسية كبار السن ، ذلك السواد الذي اصبح اللون المفروض على كل فلسطين وعلى العرب ، إنه الحداد على حال الفلسطينين الذين يموتون صباح مساء باسلحة امريكية وايدي اسرائيلية وصمت عربي شريك اساسي في المعركة ، انه الحداد على ما آلت اليه القدس ومسجدها من انتهاك لحرمته على يد غريب يبحث عن بقعة له ، في محاولة يائسة لتطويع التاريخ ، واسقاط الرواية الدينية على واقع ليس قائم  الا بمخيلتهم ، وكما قال الصديق العزيز بانه حان الوقت الذي تمحو فيه كلمة "عرب " من القاموس العالمي ، فهذه الامة  لم تعد قائمة،  بل ان الموجود حاليا هو عبارة عن مجموعة  من قبائل متناحرة  وشعوب لا لتتعارف بل لتتقاتل ، ولتتحالف مع عدو الامس اللدود ليصبح الصديق الصدوق في تحالف غير مقدس وغير اخلاقي  ضد الاخ في اللغة والتاريخ  والدين ،

 ما علينا !

 المهم ، إن الفترة الماضية من تاريخ المدينة  من قبل شهر رمضان وحتى بعده ، تمكنت  اسرائيل  من خلق واقع لا يمكن لاحد أن يخفيه،  او أن لا يعترف به ، حتى لو حاول البعض من العرب اخفاءه ، فهذا الواقع قوى يشعر به كل مقدسي يمشي في البلدة القديمة ويعيش في ازقتها

 اليكم بعض من الامثلة على ذلك ، فالإجراءات الامنية المشددة التي فرضتها  الشرطة الاسرائيلية على المسجد الاقصى طيلة شهر رمضان المبارك من منع دخول الشبان اليه طيلة  ايام الجمع ، هي اجراءات لم تقم بها اسرائيل منذ احتلال القدس عام سبعة وستين ، وهذا يعنى ان صاحب الكلمة الاولى والاخيرة بكل ما يتعلق بالمسجد الاقصى هو الاحتلال الاسرائيلي ، ولا تملك دائرة الاوقاف الاسلامية حولا ولا قوة بهذا الموضوع ،  فهي لا تملك القدرة حتى على حماية نفسها ، ولا تملك اية سلطة في رحاب المسجد الاقصى والذي يفضل الاعلام تسميتها " ساحات " نتيجة الفشل  الاعلامي للاوقاف الاسلامية في تثبت المصطلحات الخاصة بها في الاعلام العالمي والمحلي والعربي ، كما ان مجلس الاوقاف اثبت مرة اخرى انه لا قدرة له على لعب دور هام بحياة سكان القدس والفلسطينين بصورة عامة ، فهذا المجلس عاجز عن تحريك ساكن بكل ما يخص اولى القبلتين وثالث الحرمين ، هذا الضعف مكن اسرائيل من تعزيز سيطرتها الفعلية على مدخل الاقصى وفيه، فخير مثال على ذلك هو منع دخول النساء ، ومنع  دخول الرجال الشبان في ساعات الصباح من الثامنة وحتى الحادي عشر ظهر كل يوم ، حتى يتمكن اليهود من التجول في المكان المقدس ! اليس هذا تقسيما زمانيا كاملا!!!  والذي ادى الى هذا الوضع المتأزم هو قيام السلطات الاسرائيلية باخذ ملف السياحة الخارجية من  يد الاوقاف الاسلامية ليحل  هذا الملف في حضن  السلطات الاسرائيلية التي تسيطر سيطرة كاملة عليه، وبدل ان تبحث دائرة الاوقاف بالتعاون مع الجهات ذات العلاقة عن الحلول  العملية البرغماتية لاستعادة هذا الملف الهام والذي من شانه ان يعيد التوزان الى المكان ، نجد الاوقاف تستكين الى الوضع الحالي مكتفيه بالصراخ والتنديد ،  ذلك التنديد مهما كان حادا والصراخ مهما كان عاليا  لن يغير الواقع الحائر الذي يعيشه الحرم القدسي والمدينة برمتها، ذلك الوضع المتوتر القابل للانفجار بكل لحظة .

 الا تعتبر سيطرة اسرائيل على ابواب المسجد  تقسيما مكانيا ، واعتبارها لرحاب الاقصى  ، ساحات عامة لا تمت الى المسجد بصلة ، وان ما يخص المسلمين في ذلك الموقع  فقط هما الصخرة المشرفة  والمسجد القبلي ، اليس هذا تقسيما مكانيا ..!!

 مقابل هذا الوضع تجد المقدسي العادي يتسأل الى اين نحن نسير ؟! وماذا سيحل بالمسجد لو استمر الوضع على ما هو عليه؟! الم يحن الوضع الذي تاخذ فيه الاوقاف الاسلامية زمام المبادرة لاستعادة السيطرة على المهام المأخوذه منها وبالتاكيد ستلاقى دعما شعبيا مقدسيا كبيرا ودعما عربيا ودوليا !

 اكثر ما نخشاه ان يكون الاستاذ الكبير  ابن القدس البار ناصر الدين النشاشيبي رحمه الله كان قد صدق قبل سنوات طويلة عندما عنون احد كتبه بعنوان " قبل ان يزول الاقصى "  عندما اعتقدنا ان  استاذنا الكاتب الكبير يبالغ بحديثه من منطلق حبه المفرط للمدينة ولاقصاها ، وعندما كنت اقول له ذلك كان يرد على:  انتظر وسترى يا بني ففي اللحظة التي  تخلى فيها العرب والفلسطينين عن مهامهم في الاقصى بد العد التنازلي لزواله

رحمك الله يا استاذنا ، ورحم الله القدس ومسجدها برحمته الكبيرة

وللحديث بقية