• 1 آب 2015
  • نبض إيلياء

بقلم : خليل العسلي

 لم اكن أتوقع ان  يكون رد الدكتور مهدي عبد الهادى   تلك الشخصية  التي ساهمت بخلق جو فكري حضاري لا يختلف عليه احد في القدس ، حتى وان اختلفت بعض الآراء حول الدكتور عبد الهادى ، فكان السؤال  الذي استحق هذا الرد هو بداية  للقاء عادي ، فسالته عن احوال احد رجال الاعمال الذي ذاع صيته قبل سنوات ، في القدس ورام الله وكانت وسائل الاعلام تركض وراءه بحثا عن الخبر والقصة والاعلان، فهو كان العنوان الاقتصادي والمالي،  ولكن في الأعوام الأخيرة لم يعد احد يسمع عنه ،  فكاد رد الدكتور مهدي كعادته ردا عاديا بطعم فلسفي أطول وتحليل واقعي اعمق ، فقال : إن الرجل اعتزل الحياة الاقتصادية في القدس وفي الضفة الغربية برمتها، وانتقل للعيش  والعمل في احدى المدن العربية  الكبرى في الداخل الفلسطيني وهناك اقام مشاريعه ونقل عنوان حياته هو وكل عائلته !!!

 واستطرد  عبد الهادى بالحديث الممتع لتجد نفسك امام  تحليل  سوداوي واقعي لما يجرى في القدس المسكينة  " الم اقل لك  انه تغير الزمان  وتغير المكان وهناك اقصاء  للإنسان !! "  يصمت  لثواني قبل ان يفاجئك مرة اخرى "..  فكر فيها !  انت  تحت الاحتلال منذ اكثر 47 عاما  .. نعم قرابة النصف قرن ، وبالتالي لا يعقل ان تفكر  مثلا في ان مدرسة الرشيدية  لا تزال كما هي يخرج طلابها للتظاهر ، صحيح ان  مبنى مدرسة الرشيدية بقي ولكن كل شيء تغير  فرجالاتها تغيروا ،  وكذلك الطلاب،   حتى الشارع الذي تقع فيه تغير ،  هناك تغير سوف يحدث صدمة عندك ان لم تنتبه له !! " ولا اعتقد ان الكثيرون لاحظوا هذا التغير او هذا التحول فالجميع لا يرى الا حوله !!

  ويكمل حواره الفلسفي الذاتي بصوت عالي وبحضوري "  نحن لا زلنا نحلم بالماضي  نحن نجتر تاريخ الماضي ،  فلا زلنا  نحلم بصلاح الدين وعمر بن الخطاب خالد بن الوليد....." 

القدس اليوم تشهد صدمة غير مسبوقة خاصة عند أهلها ، عندما يستيقظوا ذات يوما سيكتشفوا انه مضى 47 عام  حوالى نصف  قرن من سيطرة كاملة لإسرائيل على المدينة ،  ونحن .. لا نزال نجتر  التاريخ  والماضي  وننتظر المحرر والمنقذ ، و كم  مرة صرخنا  باعلى صوتنا  وقلنا، احذروا الاسرلة والتهويد، والان  قد تجاوزنا هذه المرحلة بمراحل ...!

 ما علينا

 المهم ، ان أقوال د مهدي  على قسوتها ، إلا انها تكشف حقيقة غائبة عنا جميع كمقدسيين ، وهي اننا خارج الاطار الزماني الحقيقي لما يجرى،  فهناك دولة إسرائيل والتي اعترفت فيها منظمة التجرير الفلسطينية  ، اعترفا كان بمثابة البوابة على العالم العربي والاسلامي ، وفي المقابل لم يحصل الجانب الفلسطيني الا على الشؤوم والغم والقهر ،  تلك الدولة تفرض قانونها ونظامها وبرنامجها على المدينة  المقدسة ، وكما قال عبد الهادى : الواقعية تصدمك عندما تعى معنى الاسرلة ، الواقعية تصدمك عندما تعى معنى التهويد والذي هو كل شيء عبراني ،  التاريخ يهودي ، المواقع يهودية ، الأسماء يهودية ، حتى ان قاموسه العبري دخل على لغتك ،  واصبحت على سبيل المثال كلمة محسوم أي حاجز ، جزءا من مفرداتك اليومية واللغوية وحتى الحضارية ، كما ان مصطلح "جبل الهيكل " التي نستخدمها نحن انفسنا في شرح معنى المسجد الأقصى ، للاخر الاجنبي الذي لا تبنى موقف اسرائيل،   وبالتالي فان هذا يعنى اقصاءك انت عن مكانك  عن حيزك  من خلال هدم منزلك وخلع جذورك،   أي انك لست مواطن بل زائر،  كما ان هذا الاخر يعتدي على زمانك وعلى مكانك فعندما نقول تقسيم زماني فهو اعتداء على اوقات صلاتك وعبادتك ، كما ان استخدام هذا المصطلح  هو  تبنى موقف الاخر المعتدى!!

 هذه المرحلة الجديدة او الصدمة الواقعية تعنى ان جميع العناوين الخاصة بالقدس قد سقطت ، وهوت وفشلت  فالمسوؤل الفلسطيني لم يعترف بعجزه في ملئ الفراغ القيادي في القدس  بعد اغلاق بيت الشرق ، بل ان هذا المسؤول يكابر وقام بنقل مقره الى رام الله إخفاء لعجزه في القدس  واستصرخ عمان ان تنقذه ...! ولهذا فاننا نعيش في فراغ سياسي ثقافي اجتماعي خطير وعميق فلا حاضنة وطنية فلسطينية ولا حاضنة عربية

 المصيبة ان المقدسي  المسكين المقهور لا تعى هذه المأساة الجاثمة على صدره منذ قرابة نصف قرن، هذه المأساة  التي يعيشها لانه ببساطة يغرق بتفاصيل التفاصيل  اليومية من اجل  البقاء فهو وحيدا !!!

 وللحديث بقية