• 29 تموز 2017
  • نبض إيلياء

 

 

 ها وقد عاد الاقصى لاصحابه بعد غياب قصري لمدة اسبوعين ، خال الكثيرون من المقدسين انهم لن يروه قريبا  ، وإن راوه فإنه لن يكون كما كان !! إلا أنه عاد !! وقد ارتسمت فرحة  نادرا ما تشاهدها في عيون المقدسين شيبا وشبابا ونساء وصبايا اطفالا وصبيانا ، فرحة رافقتها قشعريرة سرت في الجسد لحظة ان وطآت قدماك  مدخل الاقصى، وتنسمت هواء هذا المكان ،   تلك القشعريرة وكأنها رسالة من الاقصى يقول لك : أين أنت يا بني ؟! لقد اشتقت اليك ، إنني شعرت بالوحشة بدونكم يا ابنائي،!!  تفضلوا إلى فان كل حجر بكاكم  والى كل شجرة تعطشت لمشاهدتكم  تستظلون بظلها !  لقد بكيتكم بصمت وهدوء عندما كنت وحيدا اواجه محتلا يريد تغير الكل  ليثبت لنفسه  وللعالم أنه صاحب الارض والتاريخ والتراث ، وما أنتم يا ابنائي إلا عابري سبيل ، هيهات هيهات !!

 هذا الحوار الروحاني الذي دار بين المقدسين والاقصى لحظة اللقاء  بعد غياب ايام وليالي طويلة ، هي الدهر بالنسبة لهم ! يثبت عمق العلاقة  الفريدة من نوعها التي تربط المقدسي بشكل خاص وبهذا المكان المقدس ، والذي هو الكل بالكل ، والذي يشعر به المقدسي  حتى المسيحي فيه كما قال الفنان سليمان منصور (  صاحب اشهر لوحة مقدسية وهي لوحة الرجل العجوز الذي يحمل القدس على ظهره المنحنى من ثقل هذا الحمل )  إنه المكان الوحيد الذي يملكونه كجماعة ،  بداخله يشعرون بالحرية والامان والطمأنينة النفسية والتقرب إلى الله،  بالإضافة إلى جماله وعبق تاريخه العربي الاصيل ( والاسلامي) واي مساس به كأنه مساس بكرامتهم واعتداء على المعقل الاخير لهم كجماعة ، والعصب الاكثر حساسية لديهم ،  إنها خليط من كل المشاعر معا!!

ما علينا 

 المهم ، أن هذه اللحظات التي لا تنسى في تاريخ القدس سبقتها ساعات وساعات وايام وليالي من النضال المنظم الراقي من قبل المقدسين ، والذين اثبتوا أنهم اهل بهذه الثقة الربانية التي أوكلت لهم من السماء، في الدفاع والحفاظ على اقدس مقدسات المسلمين ، ففي هذا المكان التقى الله عز وجل بالانبياء ، هنا التقوا في القدس وليس في اي مكان اخر ، انهم المكان الاكثر روحانية!! 

 هذا الانجاز  الذي نتمنى أن يكون طويلا الامد( وليس كغيمة صيفي عابره خاصة وان هناك من يتربص للقدس واهلها واقصاها )  ما كان أن يكون لولا تظافر الجهود معا وانصهارها في بوتقة واحدة .

 فها هو شباب البلدة القديمة واهلها اثبتوا أنهم  الاقرب إلى الاقصى بكل ما في الكلمة من معنى .

وها هم سكان الاحياء والقرى  المحيطة بالقدس يعتصمون ويجلسون ويقارعون المحتل  بإيمانهم العميق ، بأن هذا المكان يستحق كل دقيقة من حياتهم .

 وها هم مجموعة من اصحاب العمائم تقرر اخذ زمام المبادرة مؤقتا ولتكون الصوت والصورة للمقدسين في تلك الايام الحالكة التي مرت على القدس واقصاها وسكانها ، واثبتوا أنهم اهل بهذه الثقة ، وما أن دخول من ابواب المسجد الاقصى  فاتحين منتصرين ، حتى انتهت المهمة وعادت العمائم الى اماكنها سالمة غانمة تحظى بتقدير كل مقدسي .

وها هم الصحفيون في المدينة كانوا على قدر الحدث وحاولوا نقل الصورة والمعلومة في وقتها مرابطين صامدين ، رغم أنه في بعض الاحيان تناسوا الحدث وركزوا على انفسهم ! ورغم ان بعضهم حاول لعب دور المرشد القائد متناسيا هذا البعض أنه صحفي  وليس واعظا او غوغائيا ، وانه في نهاية المطاف يقوم بواجبه ويتلقى اجرا على ذلك ، فهو ليس بحاجة الى الثناء على عمله اليومي، لا من رئيس ولا من طفل ولا من اي شخص كان ، فمهنة الصحافة لم تكن في يوم من الايام مهنة ( شوفوني يا ناس)  فهو في الميدان لنقل الخبر وليش لجعل نفسه اكبر من الحدث !

 ورغم ذلك فان العمل الصحفي في تلك الايام الحالكة كان على درجة من المسؤولية ونجح الصحفيون الشباب بهذه المهمة،على امل الإستفادة من هذه التجربة لصقل مهاراتهم الصحفية ، وأن لا ينجروا الى عمق الحدث فهم في النهاية شاهد عيان !!

 وكعادة القدس منذ قرون من الزمن ، هناك من يركب الامواج الصاخبة، محاولا تحقيق مكسب هنا وربح هناك ، فسمعنا على مر الاسبوعين الماضيين الكثير من التصريحات النارية ، واطلقت الوعود بالدعم للقدس ،( طبعا لا احد في القدس يعتقدا ان هذه الوعود حقيقية )  الكثير ممن يعتبرون انفسهم قيادات محلية ، هللوا وصرخوا دفاعا عن الاقصى ، وما ان شاهدوا اول جندي  يقتحم الاقصى كانوا اول الفارين حتى قبل اداء صلاة العصر  بعد فتح الابواب لاول مرة منذ اسبوعين  ، ولكن المصيبة انهم عندما تحدثوا للفضائيات   عقب ذلك تحدثوا عن شعورهم الروحاني اثناء صلاة العصر في الاقصى  في ذلك اليوم المشهود !!

 لقد عاد الاقصى ولكن المهم ان نعرف كيف نحافظ عليه ،ونحمية ليس بالصراخ والحجارة بل بالدعاء  والرباط فيه بارقى الصور ، فلنعيد للاقصى الروحانية المفقودة فيه ، لنعمل بصمت وهدوء ولنلتف حول الاقصى  وليس بالغوغائية التي تجتاح الشارع المقدسي بشكل ملفت للنظر ، هذه الغوغائية وصلت لجميع مرافق الحياة بما في ذلك الاعلام والعمل المجتمعي ! 

 عاد الاقصى ولكن المهمة لم تنتهى بعد،  بل قد بدات ….

 وللحديث بقية….

 

                                                                             خليل العسلي