• 1 كانون الثاني 2018
  • نبض إيلياء

 

 

 كيف ستكون عليه الاوضاع في القدس بالعام الجديد؟! كيف ستكون عليه الاوضاع في المسجد الاقصى  في العام الجديد؟! اسئلة كثيرة تعصف بعقول المقدسيين  وتكاد تصيبهم بالجنون لصعوبة الاجابة عليها! حتى محاولة استشفاف المستقبل من خلال معطيات على الارض لم تعد موجودة ، ولهذا فإن التوقع هو بمثابة ضرب من ضروب الخيال ، فتجربة العام الماضي اثبتت أنه لا ثابت بالقدس ، وان ما كان يعتبر مستحيلا اصبح عاديا ، وما كان خطا احمر تحول ليكون خطا ابيضا مائلا للسواد ،

  وفي اشارة تدل على التشاؤم لما قد يكون عليه الوضع في الاقصى جاء بيان مدير عام الاوقاف الاسلامية الشيخ عزام الخطيب لتؤكد لنا أننا جميعا فشلنا في حماية الاقصى ، وتؤكد ان الجانب الاخر يعمل بنفس طويل وبرؤية استراتيجية طويلة الامد تنفذ بخطط انية واضحة ودقيقة ، فكيف يمكن أن نفسر أن اكثر من خمسة وعشرين الف يهود ( هم بالحقيقة يمثلون المجتمع الاسرائيلي على اختلاف اطيافه السياسية)  اقتحموا الاقصى خلال عام واحد ، إن الرقم مرعب ويصعب تصوره وهو في ارتفاع مستمر ، وبالتالي كفانا حديثا عن حماية الاقصى فنحن لا نحمى الاقصى ، وحتى لا نحمى انفسنا امام هذا الغول الاسرائيلي .

 اذا رغبتم باشارة اخرى فعليكم المرور بالقرب او من خلال باب العامود لتعرفوا أن القدس لن تكون كما كانت عليه  في العام الجديد، فهذه البوابة التي طالما كانت عنوان وبوابة القدس الرئيسية والاجمل اصبحت بشعة مقرفة من كثرة التغيرات التي تشهدها على يد محتل مستعد لتغير كل شيء ليقول للعالم أنه موجود ، فهذه البوابة لم تعد جاذبة للضيف ومرحبة  بقدر ما اصبحت منفرة مرعبة ، تنبعث منها رائحة الموت والقهر والدم …. انها القدس في العام الجديد 

ما علينا 

 المهم ، وعلى راي الدكتور مهدي عبد الهادي هناك عدة لاعبين في المشهد المقدسي  ساهموا وسيساهموا في تكوين هذا المشهد الذي يتزداد سواد ، كما قال خليل  توفكجي صديقنا الذي كنا ننعته بالمتشاؤم  الابدي ، لانه في الايام الوردية الكاذبة التي رافقت اتفاق اوسلو قال لنا : تذكروا أنه سيأتي يوم لن يجد فيه ابو عمار“ ياسر عرفات“ شيئا في القدس يتفاوض عليه سوى مساحة الاقصى الداخلية ( حتى هذه الساحة لم تعد موجوده الان  ) هذا الصديق المتشائم الواقعي قال قبل ايام : إن الاوضاع وصلت لدرجة  انه لم يعد باستطاعته ان يمسك قلما ليرسم خارطة أو أن يستشف مستقبلا للقدس ، فلقد تجاوزنا مرحلة التشاؤم بكثير…..!!

 لنعد الى اللاعبين الاساسين في المشهد المقدسي ، اولهم : إسرائيل والتي تسابق الزمن بل يكاد المرء ان يحزم في الكثير من الاحيان أنها تسبق الزمن في خلق واقع ليس واقعا وفرض رؤية خيالية وإجبار العالم على القبول بها كواقع قديم حديث ، اسرائيل اللاعب الاساسي والرئيسي وصاحب اليد العلى في القدس ، ففي العام الماضي خلقت واقعا، ولا في الاحلام ، فحولت القدس إلى شاشة كبيرة واحدة تشاهد فيها كل حركة صغير او كبيرة وحتى كل نظرة بفضل مئات الكاميرات المرئية وغير المرئية المنتشرة في كل زاوية من زوايا القدس وبالتحديد البلدة القديمة وهي ساحة المعركة الحقيقية.

 اسرائيل في العام الماضي كسرت كل الطابوهات ولم يعد عندها شئ محرم فهي اغلقت الاقصى لاكثر من اسبوعين رغم انف الجميع  ، لدرجة أن مشهد الاقصى فور اعادة فتحه كان محزنا مبكيا ، فالاقصى كان يندب حاله وحال اهل المدينة  الذين لا حول لهم ولا قوه ، فلا زال مشهد رحاب المسجد ممتلئة باغصان الاشجار المتكسرة بفعل الريح وطبقات الغبار قد اعتلت  الكراسي والمقاعد التي تركت على عجل تحت الاشجار، في هذه الفترة التي تعتبر الاخطر منذ الحملة الصليبية تركت الساحة لاسرائيل لعمل ما تريد في الاقصى بدون رقيب او حسيب ، ورغم تقرير الاوقاف الاسلامية بأنه شيئ لم يلمس  باي من اركان بيت المقدس إلا أن النفس لا تزال تشعر بالقلق ولسان حالها يقول إن غدا لناظره قريبا !!!

اسرائيل العام الماضي غضت الطرف مئات المرات عن الصلوات التي باتت مشهدا يوميا يرافق الاعتداءات اليهودية على الاقصى، كما ان اسرائيل قررت قضم جزء من الحرم القدسي الشريف وضمه لها ، الا وهو باب الرحمة ذلك المكان الهام في الثقافة الاسلامية ويحكى حكاية الاقصى ، حيث اعكتف هناك شيخ الاسلام الغزالي وكتب فيه  اشهر كتبه ” احياء علوم الدين“ ولكن للاسف فان القائمين على تراث الغزالي في الاقصى فشلوا بإيصال فكره وثقافته وعلمه الى اهل القدس  والذين هم بحاجة الى هذا العلم اكثر من الترويج للشيخ الغزالي لدى الناطقين بالانجليزية فهم يعرفونه اكثر منا ام نحن فلا نعرف !! 

اسرائيل في العام الماضي  اكملت الخناق على اهل المدينة  من كل النواحي حتى عندما فكر الكثيرون الهروب من هذا الخناق من ثقب الجواز الاسرائيلي وجدوا هذا الثقب شبه مغلق ، وبات من المستحيل حتى الحصول على الجواز الاسرائيلي اي الجنسية والتي كانت توزع مجانا  لكل طالب او غير طالب من اهل القدس  !!

 اسرائيل تمكنت في العام الماضي من تعميق الكراهية العربية العربية في القدس بعد ان وضعت العرب من الداخل الفلسطيني راس حربة لمواجهة الغضب المقدسي فبات من الطبيعي ان ترى شرطيا عربيا يضرب فلسطينيا او يعتقله او يوجه له الاهانة ، ويمارس عليه افظع انواع التعذيب الاحتلالي ايمانا من هذا العربي انه يقوم بوظيفته بعيدا عن العواطف ، فهو مواطن صالح في الدولة ، ،هكذا تعمقت الهوة بين العربي والعربي ، فالاول مواطن والثاني ارهابي  وهذا المنطق الذي يتم التعامل به 

اما اللاعب الثاني في المعادلة المقدسية  فكان  وسيبقى سكان المدينة الذين اثبتوا للمرة المئة ( وهم ليسوا بحاجة لان يثبتوا ذلك لاحد )  انهم اخلص إلى الاقصى من كل المسلمين والعرب مجتمعين ، ومن علماء وشيوخ المسلمين، فالهبة التي شهدتها  القدس  عقب إغلاق الاقصى لم تبقى هناك اي شك بأن سكان القدس هم  قوم الجبارين والبقية هم الاقزام ، فلم يبقى عربي في القدس الا وخرج يدافع عن الاقصى ولسان حاله يقول اذا ذهب الاقصى لا معنى لوجدنا هنا ولا مكان لمدينة القدس ، حتى الاشخاص البعيدين عن الدين والذين لم يزورا الاقصى للصلاة فيه يوما ، هبوا مسرعين دفاعا عنه ورسموا صورة يصعب تجسيدها بلوحه او مقالة او فيلم وثائقي، حتى لو حاول البعض الاسترزاق من هذا الحدث لزيادة حسابه البنكي او حسابه الثقافي المهلهل او حسابه الشخصي ، إلا أن ما جرى كان هبة ليست الاولى وبالتاكيد لن تكون الاخيرة 

 اهل القدس العام الماضي بصقوا في وجه القيادة المحلية والعربية والاسلامية لانهم تركوهم وحيدين في الساحة واكتفوا بإطلاق الشعارات الرنانة من غرف نومهم ، وما أن انتصر المقدسييون حتى عادوا ليجدوا انفسهم لوحدهم في مواجهة العدو الذي  لا ولن يرحمهم بعد هذه الهبة ، فتكثفت  سياسة هدم المنازل وسحب الهويات وغيرها من عقوبات هي بمثابة الموت البطي، وبعد ذلك تسمع الدول العربية وعلى رأسها دول الخليج من قطر وعمان والكويت وغيرها ، تبرر سياستها العنصرية الحقيرة بحق سكان القدس  والفلسطيني بانها لا تريد افراغ  المدينة من اهلها …. يا سلام !!!

 اما اللاعب الثالث في المعادلة المقدسية فهو العالم العربي والاسلامي والذي اثبت فشله الذريع  بكل ما يخص القدس ، فلا هو اهل لها ولا هي تقبل المتخاذلين ،  بل ان البعض من العرب شككلوا بقدسية القدس ومكانتها في الاسلام وبهذا قدموا  خدمة مجانية لليهود الذين يقولون نفس الكلام ولكن بالعبرية وليس العربية 

  ولكن بيع القدس مستمر وعلى كل المستويات مستغلين نفرا من المقدسيين الذين باعوا انفسهم بثمن بخس على شكل تذكرة طائرة رخيصة وفندق بسيط تحت اسم القدس ، هذا النشاط هو من اجل الفرجة فقط التظاهر ورفع العتب  وليس احترام لوفد مقدسي باع نفسه ومبادئة بابخس الاثمان 

 بل ان بعض المؤسسات العربية المعروفة وصل بها  الوقاحة مستويات لا يمكن القبول بها، فكيف يمكن ان تفسر ان هذه المؤسسات طلبت  من المقدسيين دفع تكاليف سفرهم واقامتهم من حسابهم الشخصي للمشاركة، بما يسمى في الموضة الحالية العصف الفكري حول سبل دعم القدس واهلها في ظل الاوضاع الملتهبة، فكيف يمكن لمثل هذه المؤسسات التي تتغنى بالقدس في المؤتمرات ان تقدم مساعدة للمدينة واهلها وهي غير قادرة على استضافة وفد من المقدسيين والذين  اصيبوا بحالة من القرف المزمن من هذا الوضع

وبعد ذلك يقولون لك لا تعمل على خلق حالة من التشاؤم في الشارع المقدسي بكتابتك هذه، نحن لسنا متشائمين وبالتاكيد لسنا متفائلين ولكننا ننقل الواقع بمره ومره لانه حتى الان ومنذ عام سبعة وستين لم نرى حلوا واحدا

 وللحديث بقية 

 

                                                                                                                 خليل العسلي