• 27 كانون الثاني 2019
  • نبض إيلياء

 

 قال صديق مقسي في جلسة اصدقاء يشكى همه وغمه، وحسرته لما الت اليه الأحوال في القدس وغاب الحق، وتدهور الحال، فاصبح من المحال  الإبقاء على الحال ، قال وقد سرح في ملكوت الله شارد الفكر طريد الخوف من مستقبل لا تبدو ملامحه،  وان بدت للبعض فإنها ملامح  اختفت منها أي علامات فرج قريب..

  قال هذا المقدسي في وصف حال :  كنت في زيارة مع ابنائي الى احدى الحدائق العامة  في مدينة شتوية ، هي مقصد المقدسين ومتنفس الضفاويين ،  شاهدت افعى كبيرة في قفص زجاجي ، في احدى زوايا القفص الزجاجي الكبير الانيق  تقبع حمامة بيضاء مرتعش من الخوف ، وضعت هناك من اجل ان تلتهمها الافعى الضخمة ذات العيون الحادة واللسان المتشبع والانياب المسمومة، ، فتوجهت الى الموظف هناك وقلت له مستهجنا هذا المشهد المرعب في تركيبته : على الأقل يا اخي اذبح الحمامة والقى بها في القفص حتى تلتهما الافعى ، ولكن ان تبقيها هكذا فهي تموت مئة مرة وهي تنتظر الموت قادما اليها،  في كل مرة تنظر الى الافعى تموت هذه الحمامة المسكينة !!!  هذا مشهد مؤذي حتى للأطفال  الزوار وغير  انساني ولا فيها أي احترام لاي من القيم التي دعت لها الديانات السماوية ، وفرد على الموظف ببرودة  معهودة في تلك المنطقة ،  وبعبارات تخرج من فمه بشكل تلقائي ، بدون ان يفهم معناها : اننا نريد ان تتعود الافعى الافتراس !! وان نعلمها الافتراس ، نريدها  ان  تفترس الحمامة، بدل ان تلتهمها ميتة !!! والاهم ان يتمتع بهذا المشهد زوار هذه الحديقة ...!! هل حقا يتمتع الزوار بهذا المشهد الدموي !! وان كانوا كذلك فهم حقا من نفس الفصيلة المنقرضة بإذن الله !

 عندها قررت اخراج ابنائي من هذه الحديقة ، التي لا تراعى للقيم قيمة ، ولا للأطفال حق ، لا للكائنات احترام ، حتى لا يشاهدوا هذا المنظر غير الرحيم !!

 ويضيف الصديق المقدسي بعد ان تناول رشفة من فنجان القهوة العربية :  لقد قلت لنفسي إن حالي .. كمقدسي ! هو نفس حال الحمامة التي وضعت في القفص من اجل أن يتفرج عليها الزوار( وفي حالتنا العالم، وخاصة الإسلامي والعربي والدولي ) ، كيف ستلتهما الافعى ، فهذه الحمامة ( نحن) تموت كل يوم مئة مرة ، وفي كل مرة تتقاطع نظراتها الخائفة بعيون الافعى المتربصة لها ،  كما هو حالنا في القدس حيث نتوقع وننتظر انقضاض الافعى علينا للمرة الأخيرة من اجل القضاء علينا بعد ان نكون قد خارت قوانا انتظارا للموت المحدق بنا!

 ما علينا

 المهم ان الصديق  اصر على هذا الوصف الدقيق والمؤثر لما يعيشه هو شخصيا أيضا وكل المقدسيين بشكل عام ، فهذا الصديق الذي لا يريد سوى العيش بهدوء وان يحافظ على ارث اجداد اجداده في القدس، وان يهنى من عيش سعيد لليوم واحد، فهذا  الصديق مقدسي الاصيل يعانى الامرين في حياته اليوم ، ففي حالته وحالة الكثير من سكان القدس ، هنا اكثر من افعى تنتظر لحظة الانقضاض عليه ، فهو يخشى ان ينقض على منزله وارضه السماسرة والزعران بهدف الاستيلاء عليه، قبل تسليمه للجماعات الاستيطانية

 قلت له يا صديقي انت تبالغ !!!

فرد علي بقصة أخرى، لمقدسي اخر :  اسمع لي صديق عزيز جدا،  يملك منزلا جميلا في احدى الاحياء القديمة  والرئيسية في القدس ، حاول الزعران ( هذا اقل ما يقال عنهم )  الاستيلاء على منزله،  من  خلال الترهيب ، وذلك بخلق نزاع حول قطعة من الأرض ملاصقة لمنزله ، فرفض  كما هو رد فعل كل انسان عادي يريد ان يحافظ على ارث اجداده وملعب ذكريته ، فقام هؤلاء  بالاعتداء عليه بالضرب !!! توجه إلى السلطة الفلسطينية ومن راس الهرم حتى اصغر مسؤول طلبا للمساعدة ولحماية منزله ، فلم يتحرك ساكنا ولم يتغير الواقع ،  بل انه ازداد سوءا فعندما عاد من رام الله تعرض للضرب المبرح من قبل الزعران المعروفين في القدس  ...!!!! ورغم ذلك بقي صامدا، ولكن وصل الحد الى احراق منزله بالكامل، ولولا حماية الله لكانت عائلته قد ألتهمتها السنة النيران كما تلتهم الافعى الحمامة ، فقبل اشعال النيران بدقائق  اخذت زوجته ابنه الى الطبيب لمرض أصابه ، وهكذا نجت من الحريق ، ان الله حماها والله على كل معتد !!!

 ويكمل الصديق هذه الحكاية المؤلمة لواقع اكثر ايلاما :  والان هذا الصديق المقدسي المسكين، هجر منزله المحروق منذ عامين، فإنتظار ان تنقض الافعى عليه للاستيلاء عليه ، وتسلمه للافعى الأكبر  وهو لا يملك من يده حيلة !!!

 واستطرد الصديق قائلا: الم اقل لك اننا كالحمامة في  القفص الزجاجي للافعى الضخمة بانتظار المصير المحتوم والقابع بين انياب الافعى ، والجميع من حولنا يتفرج علينا ، وكأننا  مشهد ترويجي طبيعي في قناة الطبيعة المتوحشة !!!

 ان ما قاله هذا الصديق الذي يعاني الامرين بسبب عقاره في القدس ، هو  نفس ما يعنى منه المقدسين والذين تحولت عقارات اجداد اجداهم ، الى لعنة تلاحقهم بسبب كثرة الافاعي الصغيرة التي تسعى للإجهاز عليه ، لتقديمه قربانا . واكمل الصديق المقدسي حديثه قبل ان يغادر !! ان  المقدسي هذه الأيام يعيش اسوء اوقاته فهو بلا مرجعية ، بلا قيادة، بلا دولة، بلا هوية، بلا مساند، بلا اخ ، بلا عشيرة، بلا اهل، وبعد ذلك يقول لنا اصمدوا...!!! ويقولون لنا هذه ارض مباركة، وهذا امتحان ... اريدهم ان ياتوا ليشاركونا هذا الامتحان بدل ان يتفلسفوا على حسابنا في المنابر العالمية ..!!

 غادر الصديق ولم يعرف أي منا الرد عليه او محاولة التخفيف من روعه ،او إعادة الثقة له بالاهل والأصدقاء او بالدولة او باي مما قاله  ، كما لم يستطع أي من الحضور ان يقول كلمة واحدة  ، فهو يقول الحق كل الحق بدون أي رتوش . ففي القدس هنا قوم يعيش ولا يعرف بوصلته ، حتى إسرائيل لم تعد ترغب بهم ، فمن عزم  امره  واستقر رايه ، على ان يكون في الجانب الإسرائيلي حفاظا على وجوده ، واجه صخرة تعنت كبيرة، ورفض عارما بقبوله من قبل المحتل  ، وأصبحت الانتقائية العنوان !!! بعد ان كان الاستجداء بقبول إسرائيل ،  وكمال قال احدهم " نحن نعيش في ازل الأوقات  ، وهم يردد المثل القائل " ردينا بالهم ، والهم ما رضى فينا "

لك الله يا قدس

 وللحديث بقية

 

                                    خليل العسلي