• 8 كانون الثاني 2021
  • نبض إيلياء

 

 في هذه الأيام الحزينة الكئيبة التي تمر على  المدينة المقدسة التي باتت اوصالها متقطعة مفصولة عن بعضها البعض ،  فقلب القدس محصور محبوس ممنوع الوصول اليه الا  من اعترفت به السلطات الإسرائيلية بانه ساكنها ، والبقية فلا مكان لهم في القلب المجروح ، اما الغريب حتى لو كان يقطن على بعد مئات الكيلومترات من القدس فانه على الرحب والسعة .

في هذه الأيام التي نستيقظ فيها اما على اغلاق محكم او موت قريب او إصابة صديق ، فنعرف ان السبب هو الكورونا، التي لم تدخل الى حياتنا إلا الكآبة والهم والغم .

 في هذه الأيام تنشط السلطات الإسرائيلية من اجل تغير الواقع ، وهذه المرة من خلال مخطط خبيث المقصود منه فقط التدمير ، وليس تطوير قلب القدس ومحيط البلدة القديمة ، هذا المخطط وفق الخبراء سيعمل على تفريغ البلدة القديمة وتدمير مركز المدينة كليا، وإعادة بناءه وفق الرؤية اليهودية .

هذه الأجواء اليومية السائدة بالقدس المسكينة ، دفعت ابني لتوجيه سؤال على حين غفلة: " هل كانت القدس دائما هكذا؟" سؤال بالتأكيد يساله كل أبناء الأجيال الشابة التي لم ترى من المدينة التي ولدوا فيها الا التوتر والخوف وعدم الشعور بالأمان، والشعور ان الموت يتربص بهم بكل زاوية  ، فالخارج مفقود والعائد مولود ، وكل ما يعرفه هؤلاء هو الاحتلال الجاثم على صدورهم يعد عليهم انفاسهم ويضيق عليهم حتى لقمة عيشهم التي باتت مغموسة والقهر والاذلال والخطر ،  هذا الاحتلال حرص ان تكون القدس افقر مدن العالم وان يكون الجهل عنوانها وطمس الهوية هدفه، بحيث يكون هذا الجيل بلا هوية بلا رؤية يقضى عمره بحثا عن هوية ضائعة.

 البعض من الأجيال الشابة توقف عن البحث عن هويته وانغمس في الجانب الاخر عساه يجد ضالته هناك ، المصيبة هي أن هذا الاخر لا يريد المقدسي ولا تريده جزء من مشهده اليومي ، ويتمنى ان يستيقظ ذات يوم ليجد العربي المقدسي الفلسطيني قد اختفى عن الوجود .

 ما علينا

 المهم ان هذ السؤال الذي لم اجب عليه بشكل مباشر ، حاولت البحث عن طريقة افضل للرد عليه من خلال الحديث عن القدس ، فوجدت ضالتي عند صديقي صاحب نظرية "اعمل ثم اعمل وابقى تعمل بدون ان تفقد الامل " و"انظر الى الجانب الإيجابي في كل شيء" انه الدكتور" رامي نصرالله" مخطط المدن المعروف ، الذي يعمل بصبر وبمهنية عالية بعيدا عن الضجيج والطحن بدون الطحين، فلقد اعطاني معلومات مذهلة عن القدس كيف كانت ! هذه المعلومات عرضها على مجموعة من المختصين في القدس من النواحي الهندسية والمعمارية والثقافية والوقفية .

 فقررت ان أعيد نشر هذه المعلومات لتلك الأجيال او كما كانوا يسمونها أجيال النكسة وبعد ذلك اجيال الانتفاضة... وغيرها من تسمية تهدف الى تحطيم اسس وجودك.

اليكم بعضا من كل على امل  ان تعرفوا  أن القدس التي ترونها الان معزولة مهملة كل شيء فيها حزين منكوب والفقر يخيم عل جنباتها ، كان لسنوات طويلة  وبالتحديد من عام 1948 وحتى عام 1966 مركرا إقليميا يحلم كل عربي العيش فيها يعيشها او ان يمر من خلالها ، او حتى زيارتها وان كانت سعيد الحظ العمل فيها ، رغم ان عدد سكان القدس في ذلك الوقت لم يتجاوز المئة الف الا بقليل ، إلا انها كانت مركز إقليميا هاما .

 وهذه الأرقام المرفقة أتمنى أن تعيد ثقتكم بالقدس وبمكانتها وأن تكون محفزا لتعميق الامل بان القدس ستعود ذات يوم .....

هذه المدينة التي شهدت تحول مركزها التجاري والسكاني من منطقة باب الخليل حيث كان كذلك قبل النكبة والصور المنشورة في كل مكان باللون الأبيض والأسود تؤكد ذلك، وتؤكد الثراء الذي كان يتمتع فيه مركزها المكون من محور باب الخليل والاحياء العربية غرب المدينة ، هذا المركز انتهى دوره في حرب عام 1948 وبدأ العمل على تشكيل مركز جديد للمدينة ، ذلك المركز تحاول بل وتعمل السلطات الإسرائيلية الان على تدمير ما بقى منه من خلال هذ المخطط .

 المركز الجديد للمدينة انتعش وازدهر في الفترة الأردنية بشكل لا مثيل له، تحولت فيه القدس لتكون منافسا لكبرى المدن العربية في ذلك الوقت ، بيروت والقاهرة ان لم تتفوق عليهما في بعض الفترات .

 فمطار القدس أي مطار قلنديا ( الذي تحول في مكب للنفايات زمن الاحتلال  قبل ان يتحول ليكون نقطة قهر واذلال، "عن قصد" من قبل الاحتلال)  كان هذا المطار من اهم المطارات في منطقة البحر الأبيض المتوسط ، ونقطة لقاء وانطلاق ،  حتى انه في احدى الاحصائيات  اظهر ان عدد الرحلات الجوية التي انطلقت منه ووصلت اليه من انجاء العالم كانت اكثر من 3000 ثلاثة الف رحلة جوية في عام 1966 لوحده.

 فكانت تنطلق من مطار القدس (قلنديا) الدولي يوميا رحلتين  الى بيروت ورحلتين يوميا الى الكويت ، كما أن اول رحلة انطلقت من دمشق كانت إلى مطار القدس عام 1949 .

 في القدس كان هناك اكثر من( 60) فندقا سياحيا، بينما في بعض العواصم العربية لم يكن هناك فندق واحد،  واكثر من ( 10 ) مكاتب ممثليات لشركات الطيران العالمية ، وأيضا كان هناك ( 13)  قنصلية دولية لدول عربية واجنبية ، وكان هناك  اكثر من ( 70) وكيل سياحة ومكتب سياحي لاهم وكالات السياحة العالمية .

 في القدس كانت هناك ( 8 ) ثماني بنوك محلية ودولية وكان فيها(4) مستشفيات على مستوى دولي يحضر اليها المرضى من الدول العربية لتلقى العلاج ،  وطبعا لا ننسى انه كان في القدس (3)  دور عرض للأفلام .

القدس كانت عاصمة الصحافة العربية بعد ان تم تدمير يافا العاصمة الأكبر للصحافة في تلك الفترة، فانتقلت غالبية الصحف والمجلات الى القدس  وبقيت تعمل حتى حرب حزيران ، عندها انتهى دور القدس كمركز صحفي  وتحولت لتكون نقطة انكسار اعلامي .  وفقط من باب العلم فانه في القدس كانت تصدر(3)   ثلاث صحف باللغة الانجليزية إضافة الى عدد اكبر من الصحف بالعربية .

 هذه القدس التي كانت ، ولهذا فلا يمكن ان نفقد الامل بغد قد يطول انتظاره ولكنه قادم لا محالة ، وحتى ذلك الغد يجب ان ننقل ما كانت عليه القدس للأجيال القادمة حتى يبقى بصيص الامل هناك في الأفق البعيد يتنظر الفجر .....

 وللحديث بقية

                           خليل العسلي