• 20 كانون الثاني 2019
  • من اسطنبول

 

 القدس- أخبار البلد -  نشر رجل الاعمال المعروف مازن حساسنة المقيم في تركيا  والذي يراس  احدى الجمعيات الخاصة برجال الاعمال مقالة نشرت في موقع " خبرني " الأردني  ويتحدث فيه عن هجمة الأردنيين على تركيا بحثا عن الاستقرار او العمل ، هذه المقالة تنطبق تماما على حال الفلسطينيين والمقدسيين  الذين تضاعفت اعداداهم المتوجه لتركيا ، وهذا ما تدل عليه  ارقام طالبي الفيزا من القنصلية التركية في القدس

 ومن هنا فانه يسعدنا في " أخبار البلد؛ ان تقوم بإعادة نشر المقالة كاملة كما نشرت في موقع "خبرني" من اجل الاستفادة .
لستُ مِمّن يُدافع عن الأنظمةِ السياسيّة الرسميّة ولستُ مِمّن يتغزّل بسلوكِ الحكوماتِ وتشريعاتِها وقوانينها ، بل انني أحد المنحازين للفئةِ الشعبيّةِ والجماهيريّة والمُعادي بكلِّ طاقتي للمفسدين والفاسدين ، ولكن وللوقوفِ على الواقعِ الحقيقيّ لمجرياتِ الأمور لا بُدَّ لي أنْ أُناهضَ جزءً كبيرًا  بما ورد عند  الكاتبِ ماهر أبو طير في مقالهِ الأخير  " هروب عائلي من الاْردن الى تركيا " ، وفي معرضِ ردّي فانني أُعبِّر عن معرفةٍ عمرها خمسة عشر عامًا من الاقامةِ فوق الجغرافيا التُركيّة وإطّلاع وتعايش يوميّ مع الوجود الأردنيّ المُكثّف هاهنا .

 الجمهوريّة الُتركيّة الناهضة والثوّرة  الأردوغانيّة الباحثة عن المجدِ التركيّ نجحت في تجسيدِ مفاهيمٍ تتناغم مع تطلُّعاتِ الجمهور  العربيّ الذي يتعرّض لعددٍ من الأزماتِ الأمنيّة والسياسيّة والاقتصاديّة وحتى الاجتماعيّة ، ومع السنوات تكرّست فكرة الزعامة التركيّة للمجتمعِ الشرقيّ المُنهك والمُتعب من ويلاتِ الصراعاتِ والثورات والتي أدّت إلى صعودٍ  واضحٍ للخطابِ الطائفيّ ، وتفشٍ ملحوظ للتطرُّفِ الدمويّ ، وكلُّ ذلك أدّى إلى تدهورٍ اقتصاديٍّ وترُاجع في منسوبِ اطمئنانِ المواطن العربيّ ، وتواكب المشهد العربيّ مع أنشطةِ الحكوماتِ العربيّة التائهة في بحرٍ مُتلاطمِ الأمواج على المستوياتِ كافة . 

   ما يحدث  في تُركيا من تدّفقٍ أردنيٍّ (بالذّات) هو أشبه بفوضى عارمة أصابت الناس القادمين والذين غالبيتهم  فئاتٍ ليست نخبويّة على الصعيدِ الماليّ ولا هي كفاءاتٍ وازنة بالمفهومِ الدقيق، إنما هي كتلٌ بشريّة سوادها الأعظم تبحث عن الوظيفةِ و العملِ مقابل الأجر ، ناهيك عن أعدادٍ  من الفارين قانونيًّا والصادرة بحقهم أحكام قطعيّة ، نعم ربما أتفق معك بوجودِ جزءٍ بسيطٍ من متوسطي رؤوس الأموال  وبالأخصِّ  المغادرين للمملكةِ العربيّة السعوديّة والذي انتهى بهم الحال في تركيا .   إن تركيا تقبلُ كل من يأتيها وذلك يتناسب مع المقاييس الاقتصاديّة التي ارستها حزمة كبيرة من الاجراءاتِ الحكوميّة على مدارِ السنوات المُنصرمة لفتحِ الأسواقِ التُركيّة أمام الراغبين في ضخِّ الأموال داخل البنوك التُركيةّ أو بناءِ استثماراتٍ حقيقيّة متوسطة وعملاقة ، وهذا نهجٌ تُرفع له القُبّعة وسلوك مُنفتح يؤدّي بالضرورةِ إلى بناءِ نموذجٍ اقتصاديّ متين ، ولكن كلّ ذلك لا يتوافق مع طموحاتِ الأردنيّ اللا مُتناهية ، بحسبِ القراءاتِ المستقاة  من جمهورِ الحاضرين إلى تركيا  فإنَّ الأسبابَ التالية هي التي دفعتهم  للهجرةِ والاستقرارِ  وأهمّها : 

- الظروف الصعبة اقتصاديًّا وسياسيًّا في غالبيةِ الدولِ العربيّة ، ( وهذا إنما ينسحب على العديد من دول العالم ) . 

- الدراما التركيّة والتي أثّرت في كلِّ بيتٍ عربيّ واحتلت مكانةً كبيرةً جدًّا في عقولِ النساءِ العربيات اللاتي يرغبنَّ في تجربةِ الحياةِ التركيّة ، فهي تُريد أنْ تصبحَ (نور) وهو يُريد أنْ يكونَ ( مهند). 

- الطبيعة الخلاّبة والجمال الساحر التي تتميّز بهِ تركيا والتي يستمتع بها السائح القادم لمدةِ أسبوع أو أسبوعين، وبالمفهومِ الواقعيّ هنالك تباين شديد بين الممر والمستقر من كافةِ النواحي . 

- الحالة السيكولوجيّة الاجتماعيّة التي تُسيطر على معتقداتِ الإنسان العربيّ من  عدمِ الرضا والقبول والبحث عن الأكثر . 

- شبكة العلاقات العائليّة العربيّة المُعقدة وكثرة النزاعاتِ داخلها والتي تعصف بحالةِ الاستقرار الأسريّ في الوطنِ العربيّ ، والتي تُرغم على الهروبِ من هذا الوسط تجنبًا لتفاقمِ تلك الخلافات . 

-التضليل في سردِ  المعلوماتِ الحقيقيّة عن الواقعِ التركيّ في كافةِ المناحي والتي أدارتها ماكيناتٍ إعلاميّة ليست تُركية بل عربيّة بامتياز وسوف أوضِّح هاهنا بعض الحقائق التي يجهلها غالبيةِ القادمين وخاصةً فئةِ العمالة الباحثة عن وظيفةٍ براتبٍ شهريّ وهذا ما جعل غالبيتهم يرتطم بجدارٍ سميكٍ  مبنيّ على أُسسٍ محدّدةٍ ومعينة أهمها ما يلي : 

١-حاجز اللغة وهو أمرٌ مركزيّ لا يمكن تجاوزه بأشهرٍ ولا حتى بسنوات إلا إذا تم ذلك من خلالِ الالتحاق بمعاهدٍ لغويّةٍ وهذا يتطلّب تكلفة ماليّة معينة . 

٢-حاجز العمل أو الوظيفة، فالجمهوريّة التركيّة تعاني من بطالةٍ بحدوِد 10.2% , ناهيك عن شبهِ انعدامٍ في الفرصِ التشغيليّة للأجانب إلا ضمن لائحةٍ طويلة من الشروط . 

٣-حاجز الدخل الشهريّ، فَلَو افترضنا جدلًا أنَّ القادمَ تم توّفير فرصة عمل فإنَّ الراتبَ الشهريّ سيتراوح بين 300-500 دولار أمريكيّ ، وهذا لن يوّفرَ الحياة الكريمة من مأكلٍ ومسكنٍ وملبس . 

4-الحاجز القانونيّ  ذو أهميّة بالغة إذ يُشترط على كلِّ من يزاول العمل في أيةِ  منشأةٍ تجاريّة او استثماريّة او اقتصاديّة أو سياحيّة أنْ يحصلَ على إذنِ عملٍ رسميّ وهذا له الشروط غير السهلة . 

5-تركيا دولةٌ ضرائبيّة متنّوعة وليست بلا ضرائب أو رسوم . 

في مُحصلةِ الأمر ، جموع الأردنيين المتواجدين في تركيا يعانون من الصعوباتِ الكثيرة وحياتهم ليست مخمليّة وحالاتِ النجاح ضئيلة قياسًا بحالاتِ الاخفاق ، ولكن ومن بابِ الاستهجان فإنَّ الاردنيَ يتناقض بتصرفاتهِ المعيشيّة التي يمارسها في بلدهِ والتي يقوم بها في تركيا ، فمثلًا لا مشكلة لديه أنْ يكونَ عاملِ تنظيف في أحدِ مطاعمِ إسطنبول وبراتبٍ زهيدٍ وساعاتِ عملٍ طويلة ، وهو الرافض لمستوى أعلى من هذا العمل في بلدهِ وبين اهله.    هذا الأمر من وجهةِ نظري خليط من أزمةِ ضنك وغلاء، وتشريعاتٍ مُجّحفة في الأردن  وبين صراعٍ نفسيّ (غير مُبرّر) رافض أصلًا للوجوِد في الاردن خلقَ استعداد للمغادرةِ لأيِّ مكان .