• 18 نيسان 2020
  • من اسطنبول


 إسطنبول – أخبار البلد -  كتب فراس الراعي -  بعد الإعلان عن أول حالة إصابة بفيروس كورونا Covid-19 في تركيا في 11مارس/ آذار الماضي، أقبل المواطنون الأتراك بشكل غير مسبوق على شراء الكحول الطبي والكولونيا كمعقم فعال ضد الفيروس بالإضافة إلى الأقنعة الواقية (الكمامات)، وسرعان ما نفدت هذه المواد من على رفوف الصيدليات والمتاجر، كما أنهم تهافتوا على الأسواق من أجل تخزين المواد التموينية الأساسية مثل البرغل والطحين والرز والمعكرونة والزيت، وبدأت الأمور تنذر بخلل في السوق نتيجة ارتفاع أسعار هذه المواد واحتكارها، لكن السلطات التركية تصرفت بحزم ومنعت الاحتكار وارتفاع الأسعار في الأسواق وصار كل شيء في متناول الجميع ومع ذلك  لن أمنع نفسي من قول هذا الكلام: "لا ينبغي أن تتوقع كل شيء من الحكومة التركية"!

تدابير وقائية ولكن!
تعتبر تركيا من البلدان التي اتخذت تدابير وقائية مبكرة ضد فيروس كورونا، ماذا فعلت؟
ـ  أوقفت الرحلات الجوية القادمة من الصين منبع المرض القاتل منذ بداية شهر شباط.
ـ ركّبت كاميرات حرارية للكشف ع المرض في المطارات.
ـ أوقفت الرحلات الجوية مع البلدان الأخرى التي انتشر فيها المرض بشكل مرتفع.
ـ أعلنت حالة الطوارئ ضد فيروس كورونا قبل إعلان منظمة الصحة العالمية عن حالة الطوارئ ضد الوباء دولياً.
ـ  أغلقت الحدود البرية مع إيران والعراق.
ـ أغلقت المدارس والجامعات والساحات العامة ودور السينما والملاعب ومنعت أي تجمع كبير من أجل السيطرة على الوباء.
ـ أقامت وزارة الصحة على عجل مستشفيات ميدانية في المناطق الحدودية.
ـ طبقت الحجر الصحي والمراقبة لفترة 14 يوماً على جميع الأشخاص الذين دخلوا إلى تركيا من البلدان التي انتشر فيها الفيروس.
ـ أعلنت عن حزمة اقتصادية بقيمة 15,4 مليار دولار لمواجهة تداعيات الفيروس.
 ـ فرضت حظر تجول على من تقل أعمارهم عن الـ 20 وتزيد على الـ 65 عاماً.
ـ رفعت عدد اختبارات الكشف عن الفيروس.
ـ وزعت أقنعة الوجه (الكمامات) مجاناً على الناس.
ـ وزعت الخبز مجاناً في أيام الحظر التام في نهاية الأسبوع في أكثر من 30 ولاية في البلاد.
ـ يعلن وزير الصحة التركي فخر الدين خوجة يومياً عن عدد حالات الإصابة بفيروس كورونا في البلاد ويشير إلى عدد حالات الوفاة والشفاء من المرض بكل شفافية، وعلى مدار الساعة تنقل وسائل الإعلام الحكومية والخاصة في تركيا ومواقع التواصل الاجتماعي التوعية وما يجب فعله وما يجب علينا تركه للوقاية من المرض، ومع ذلك  سأجدد ما قلته في مقدمة المقال: لا ينبغي أن تتوقع كل شيء من الحكومة التركية، ولكن لماذا؟

 قبل أن أصل إلى الإجابة لابد أن أنقل لك بعض بعض المشاهد التي رأيتها في اسطنبول حيث أقيم، اقرأ الآن:  

مشهد رقم 1:

ازدحام شديد أمام مركز تسوق شهير لبيع المواد الغذائية والمستلزمات المنزلية وللتوثيق " أحد فروع ماركت الـ ( BIM ) في حي إسنيورت في اسطنبول"، ينتظر الناس أن يفتح المركز أبوابه، لا يراعون مسافة التباعد بينهم، والبعض منهم لا يضع (كمامة) واقية على أنفه وفمه، الموظف يقف على باب المركز ينظر إلى ساعته يريدها أن تصبح الـ 10 تماماً ليأذن للناس بالدخول. 
أما أنا وبدافع من فضولي الصحفي ستراني اقترب من تجمع الناس مع ترك مسافة أمان بيني وبينهم أراقبهم، بعد دقائق معدودة يفتح مركز التسوق أبوابه، يتدافع الناس للدخول إلى المركز من أجل الحصول على العروض المخفّضة.
 الموظف يصرخ بهم ويحاول إغلاق الباب :  - انتظموا، اتركوا مسافة تباعد بينكم.
أحدهم يدفع الموظف ويتجاوزه وهو ويقول له:" لن يحدث شيء، لا تقلق" ويدخل مسرعاً إلى المركز.
قلت في نفسي باستغراب: - لن يحدث شيء!
لن يحدث شيء وأنا أرى الناس تتدافع وتتلاصق مع بعضها بعضاً.
توقيت العروض المخفضة في مثل هذه الأوقات خطأ فادح، ماذا لو كان أحدهم مصاباً بالفيروس اللعين؟
إلى كم شخص ستنتقل العدوى؟
سيعودون إلى منازلهم، وربما ينقلون الفيروس إلى أهلهم، قد يكون في المنزل رجلٌ مسن أو امرأة مصابة بمرض مزمن، حقاً أنه شيء مخيف!

مشهد رقم 2:

حالة من الهلع في الشوارع، يتهافت الناس على المحلات ومراكز التسوق للحصول على الماء والخبز والمواد الغذائية الأخرى بعد إعلان وزارة الداخلية التركية حظر التجول في30ولاية في البلاد لمدة 48 ساعة ( في عطلة نهاية الأسبوع ) من منتصف ليلة الجمعة/ السبت الماضي، وكنا قد نشرنا في موقع أخبار البلد مقالاً تفصيلياً عن هذا اليوم يمكنك أن تقرأه يحمل عنوان (حظر التجول في تركيا، وحالة الذعر في الساعات الأخيرة!) .
مرة أخرى أراقب الناس  كيف يتجاهلون تعليمات السلامة في الخارج للوقاية من فيروس كورونا وأقول في نفسي: أقدّر الخوف والهلع وقلة الخبرة في مثل هذه الظروف، ولكن هناك شيء من الأنانية والفردانية أيضاً، فهذا الاكتظاظ والتزاحم على مراكز التسوق يزيد من انتشار الفيروس وبالتالي يزيد من معاناتنا!

مشهد رقم 3:
رجل في الثلاثين من عمره يقف أمام محل أدوات منزلية  بيده طرد مغلّف بورق مقوى متوسط الحجم يمكن حمله باليدين، يحاول فتح الطرد عن طريق قطع الشريط اللاصق بأسنانه، والمضحك المبكي أنه يضع كمامة على وجهه كان قد أسدلها  إلى أسفل ذقنه من أجل أن يقوم بهذا الفعل.
من يدري كم عدد الأشخاص الذين لامسوا الشريط اللاصق؟ هل يا ترى كان الشريط على الأرض قبل أن يقوم أحدهم بلصقه على الطرد؟
ما الفائدة إذا وضعت "كمامة" على وجهك، أو سكبت ألف علبة "كولونيا" على يديك، وبالمقابل استهترت بصحتك وصحة غيرك ؟!
نحن البشر كائنات غريبة حقاً من ناحية نخاف على بقائنا وسلامتنا، ونركض إلى الصيدليات والأسواق ونشتري الكولونيا، و"الكمامات" ونتسابق في إفراغ رفوف المواد الغذائية من مراكز التسوق، ومن ناحية أخرى نستخف ولا نبالي ولا نكترث بصحتنا فنتدافع من أجل الحصول على التخفيضات ونتجاهل تعليمات السلامة والتباعد الاجتماعي للوقاية من الفيروس.

أخيراً سأقول:  ـ لا ينبغي أن تتوقع كل شيء من الحكومات (الحكومة التركية نموذجاً في هذا المقال) مهما عملت من تدابير وقائية لمحاربة الفيروس في مثل هذه الظروف فالمسؤولية تقع علينا جميعاً، لذلك هل يمكننا أن نأخذ تهديد فيروس كورونا لنا على محمل الجد؟
 أليس من المؤلم جداً أن ينتشر هذا الفيروس بسبب قولنا "لن يحدث شيء"؟
هل تريد الخلاص؟ 
إذاً لا تتهاون بتطبيق إرشادات السلامة للوقاية والحد من انتشار الفيروس، واحمِ نفسك والآخرين وبعدها قل يا أخي: " قدر الله وما شاء فعل".