• 9 حزيران 2020
  • من اسطنبول

 

 إسطنبول – أخبار البلد -  هناك من يطلق على إسطنبول مدينة الزهور والورود، او مدينة زهرة التوليب  فالقادم اليها يفاجئ من  الكم الهائل من حدائق  الورود المنتشرة في كل زاوية وشارع وزقاق وحارة ، وكذلك يفاجئ الزائر من تواجد باعة  الزهور في كل مكان ، وخاصة  النسوة بائعات الورد الجوري  ورشق العشاق مام مضيق البسفور وفي امينونو واسكودار وفي شارع الاستقلال وغيرها ، حيث تتفنن تلك البائعات بإقناع او بإحراج  الشباب بشراء  الجوري للفتاة لتي تسير معهم ، ليقدم هذا الورد هدية  لا تنسى.

 وابرز هذه الأماكن الخاصة بالزهور هي حديقة "غولهانة" المجاورة للقصور العثمانية التاريخية والتي تنبض بأمواج الورد بألوانه الزاهية التي تجتذب السياح والزوار من كل مكان. ووفق المراجع التاريخية فإن السلاطين  بافتتاح تلك الحديقة كمزرعة تنتج فيها الأزهار التي تنقل لتزيين قصورهم، كما هو الحال في حديقة قصر الباب العالي "طوب قابي" الذي عرف أكثر سنوات العصور العثمانية قوة وازدهارا

 ان بيع الازهار والورود ليست بمهنة عابرة ، بل لها جذور يتم توارثها أبا عن جد ، ويعمل بها الآلاف من المزارعين والباعة والمستثمرين، ووفق الإحصائيات الرسمية فأن 25 ألف تركي يعملون بزراعة وتجارة الورود بشكل مباشر، ويعمل نحو ثلاثمئة ألف بشكل غير مباشر.

 ومن بينهم "غومش أونال" 52 عاما بائع أزهار تركي يستقبل زوار منطقة "تقسيم" الأشهر في إسطنبول  يوميا بوروده المنتشرة في ساحة الميدان الرئيسية وكأنها معلم أساسي ولد مع المدينة، بل ويسعى جاهداً كل يوم ليكون من أوائل من يفتحون أبواب متاجرهم.

مضيفا انه يتعامل بعناية شديده مع الزهور إلى حد أنه يشعر بالتوتر كلما شاهد طفلاً يقترب منها خشية أن يسيء معاملتها.

ويقول أونال إنه عمل مع والده في زراعة الورد وإنتاجه بولاية مانيسا منذ أكثر من ربع قرن، قبل أن يهاجر للإقامة في إسطنبول حيث افتتح محله الأول "جيجيكجي" (وتعني صاحب الورد) أول الأمر في منطقة بكر كوي..

و قال إسماعيل يلماز، رئيس جمعية مصدري أزهار ونباتات الزينة في تركيا للوسائل الاعلام المحلية إن تم تصدير زهورا بقيمة 110 ملايين دولار خلال 2019 بزيادة قدرها 10% عما حققته في العام الذي سبقه. حي يتم تصديرها إلى 83 دولة أبرزها هولندا والمملكة المتحدة وبلغاريا وألمانيا ورومانيا وأوزبكستان، وأن دولا جديدة بدأت باستيراد الزهور التركية عام 2019 من بينها سنغافورة وليتوانيا وروسيا البيضاء.

وتنتج  تركيا نحو ستين مليون زهرة سنوياً أغلبها بولاية إسبارطة وفي قونيا موطن الزنبق الذي يوزع على كافة الأراضي التركية موسم التوليب، التي يقام لها مهرجات في إسطنبول تكون ذروته  اقام  سجادة التوليب العملاقة بحديقة جامع السلطان أحمد في إسطنبول، لدرجة انها أصبحت في السنوات الأخيرة أيقونة ترشد إلى عبق المكان.

 حب الورد عادة عثمانية

 

 من خلال الاطلاع على المراجع التاريخية بما في ذلك الأوروبية والمستشرقين فإننا نصل لنتيجة مفادها ان الزهور حظيت باهتمام واسع في الإمبراطورية العثمانية بدءًا من عهد السلطان محمد الفاتح عندما دخل القسطنطينية عام 1453، عرضت له لوحة حاملًا فيها زهرة بدل السيف، مما اثار اهتمام الناس حتى امتلأت البلاد بعد ذلك بالحدائق، وأصبحت النساء تزين شعورهن بالزهور، ويحمل أعضاء المحكمة وردة بأيديهم، كما تذكر المصادر التاريخية أنه في القرن السادس عشر كان هناك أكثر من مئتي محل لبيع الزهور في إسطنبول .

 ومن الشائع  في تركيا تزيين النوافذ والشرفات بأصص الزهور والنباتات المنزلية، وغالبًا ما تشير الوانها الى دلالة معينة   ، فمثلًا إذا وضعت ورود صفراء على الشرفة فهذا يعني أن أحد أفراد الأسرة مريض وهي وسيلة لإخبار المارين بأن يمروا بهدوء دون إزعاج أو ضجة احترامًا للمريض، أما إذا وضع أحدهم ورود حمراء فهذا يعني أن فتاة في عمر الزواج تسكن في هذا المنزل وتطلب من الجيران عدم الحديث بالسوء عنها حتى لا تضيع فرصتها في الزواج.

 

السلطان احمد وعهد الزنبق

 

اهتم السلطان أحمد الثالث بزراعة الزهور وكان لديه شغف كبيرًا بالورود والقرنفل والأرجواني والياسمين والزنبق، فلقد سميت فترة حكمه بـ"عهد الزنبق" الزهرة التي أدخلت إلى أوروبا من تركيا في القرن السادس عشر، وبصفة عامة امتازت حدائق قصور السلاطين بمساحاتها الشاسعة وتنوع الأزهار الهائل والاهتمام الواضح بالألوان والأنواع النادرة منها، وخاصة قصر "طوب كابي"، وهذه العادات المختلفة عبر القرون جعلت من الزهور مكانة خاصة في الثقافة التركية.

تحتفظ زهرة التوليب بمساحة مستقلة لنفسها في الثقافة التركية، فلديها مكانة خاصة لدى الأتراك ارتبطت ارتباطًا وثيقًا بالتراث العثماني الذي توارثه الأتراك عبر السنين، إذ يقال إن أصل هذه الزهرة يعود إلى مواطن الأتراك الأصلية في آسيا الوسطى التي جلبوها معهم إلى الأناضول، وانتشرت من الدولة العثمانية إلى أوروبا عندما أهداها السلطان سليمان القانوني في القرن السادس عشر إلى ملك هولندا الذي أعجب بها  كثيرًا حتى قرر زراعتها في هولندا.

جدير بالذكر أن أحد عهود الدولة العثمانية سمي بـ"عهد التوليب" بين عامي 1718 و1730 بسبب استقرار الأوضاع الداخلية والخارجية في الإمبراطورية، وإلى هذا اليوم، تعتني الدولة بهذه الزهرة التي رافقتها منذ القدم في رحلتها التاريخية، وجعلتها شعار خاص لبلدية إسطنبول.

 ماء الورد

 واظهرت الوثائق التاريخية ان الورد له استعمالات أخرى بما في ذلك  الطب حيث بينت تلك المصادر  أن ماء الورد أُنتج لأول مرة في الأناضول بمدينة نصيبين بالقرب من ماردين، حيث تم تخزينها في أباريق نحاسية واستخدمت في طهي الطعام وصناعة العطور والمستحضرات التجميلية.

واعتمدت الثقافة العثمانية على الزهور للشفاء، في القرن الرابع عشر، لتخفيف الغثيان وعسر الهضم وكمهدئ للأعصاب ومضاد للاكتئاب لأنها تحسن المزاج وتخفف من التوتر العصبي، ومن جانب آخر، استخدمتها النساء في تأخير علامات تجاعيد الوجه والشفاء من حب الشباب وإضافة النضارة والليونة إلى البشرة، وشاع استخدامها في الحمامات التركية أيضًا وخاصة في الأعياد والمناسبات مثل شهر رمضان، إذ تقوم بعض البلديات التركية في كل عام بغسل سجاد المساجد بمنظفات مخلوطة بماء الورد وترش به على الأرضيات والجدران وترسل كميات كبيرة منه إلى المسجد الحرام في مكة لمسحه بمياه الورد كتقليد سنوي.