• 26 حزيران 2014
  • حكايات مقدسية

لقد صدق احد الاصدقاء عندما قال ان القنصلية الامريكية في القدس هي الوحيدة القادرة على جمع الفلسطينيين والاسرائيلين على حد سواء ، ومن جميع اطياف العمل السياسي والاقتصادي والاجتماعي والتمويل والدبلوماسي ،من الضفة الغربية ومن القدس ، فكل عام في الحفل السنوي بمناسبة عيد الاستقلال الامريكي تجد الجميع من كبار  المسوؤلين الفلسطينين وحتى اصغر موظف فلسطيني ومن قناصل وسفراء يصطفون جميع امام باب القنصلية الخارجية (والتي يعمل بها اكثر من 600 موظف،) كل حامل بطاقة دعوته ،  ليدخل مسرعا ليستقر به الحال في الحديقة الجميلة التي تشهد ازدحاما شديد ، يفوق ازحادم  وزارة الداخلية الاسرائيلية في القدس الشرقية وفي هذا الازحام نجد الجميع يستغل الفرصة للحديث مع اكبر ممكن من الاصدقاء لم يراهم منذ حفل الاستقلال الامريكي العام الماضي ، والبعض الاخر يحاول  البحص عن فرصة يمكن ان تساعدة بحياته العمل فهذا الخبير يبحث عن فرصة سفر ويحاول اقناع سفير ما او قنصلية وهذا لديه جمعية يبحث عن تمويل امريكي .. وهكذا تستمر الحفلة  في هذه الحديقة الرائعة المنظمة والتي يتربع في واجهتها منزل ضخم تسال البعض عن قصته وعمره ، وكأن القنصل الامريكي العام مايكل الان رانتي سمع هذا التساؤلات فتبرع بالرد عليها في كلمته بمناسبة عيد الاستقلال الثامن والثلاثين بعد المئتين للولايات المتحدة الامريكية

 ونحن نقتبس جزءا من هذه الكلمة التي تتحدث عن قصة المكان والذي هو قصة المدينة المقدسة

" .... إن القنصلية الأمريكية العامة مكان مميز جدا لأن هذه المدينة مميزة  جدا بما فيها هذه الرقعة المميزة التي  نقف فيها اليوم. أخبرني الكثير من المقدسيين أنهم كانوا يمرون بجانب أسوار هذا المبنى في شارع أغرون لسنوات وهم يتسائلون ما هي الأسرار الكامنة داخله. لا يوجد شيء أحب على قلبي من دعوة الناس للداخل لأريهم هذا المنزل الذي تم تشييده في  عام 1868 ولأخبرهم عن تاريخ الديبلوماسية الأمريكية في القدس.

لقد شيد المبشر الالماني فيرديناند فسترهذا البيت حيث بنت عائلته  الكثير من بيوت القرن التاسع عشر في القدس بما فيها الكولونية الألمانية الشهيرة. والتقيت مع عائلة فستر قبل بضعة أشهر وعلمت أن  إبنه  فريدريك ولد هنا في هذه الغرفة  فوق على اليمين.

في عام 1912 كبر فريدريك وتزوج من بيرثا سبافورد مؤسسة الكولونية الأمريكية  وانتقلوا من هذا المنزل.  حينها إنتقل القنصل الأمريكي إلى هنا قبل 102 عام مضت ومنذ ذلك الحين أصبح مقرا لسكن القناصل الأمريكيين هنا ومكان لاستضافة اللقاءات والاحتفالات كاحتفالنا هذا اليوم.

بدأ وجودنا الأمريكي الرسمي هنا في  قبل ستة عقود من انتقالنا لهذا المنزل في عام 1857. لربما تسائلون لماذا بدأت الحكومة الأمريكية  قبل عدة سنوات فقط من الحرب الأهلية في أمريكا بإرسال دبلوماسيين للقدس؟  كما تعلمون وكما هو الوضع اليوم،  فإنه في بداية القرن التاسع عشر كان هناك الكثيرمن الأمريكيين القادمين للأراضي المقدسة.  وكان اهتمامنا الرئيسي حينها، وكما هو اليوم، رخاء مواطنينا.

من هم أولئك المواطنين الأمريكيين؟

مرة أخرى، كما هو اليوم، فإن هؤلاء الزوار والسياح والحجاج الأمريكيين جاءوا هنا ليكتشفوا الأراضي المقدسة التي قرأوا عنها فقط في الإنجيل. ولكن الكثير منهم في الواقع كانوا هنا تلبية لرغبة أعمق من الإكتشاف.  فالكثير منهم لم يأتوا إلى هنا لاكتشاف العالم الذي يعيشون فيه  ولكن لأنهم كانوا يظنون أنهم  سيشهدون نهاية العالم هنا في القدس.

في الحقيقة كان أول قنصل فعلي هو من أولئك الذين جاءوا إلى هنا ليشهدوا نهاية العالم.  أكثر من عقد قبل وصول جون جورهام من ماساشوستس، الرجل الذي نعتقد أنه كان أول ديبلوماسي أمريكي هنا، عين  الرئيس جون تايلر واردر كرسون من بنسلفينيا كأول قنصل أمريكي عام في القدس.

وبعد هذه التعيينات فورا بدأت تنهال الرسائل على وزير الخارجية لتحذره من هذا القرار.  حيث جاء في إحدى الرسائل أن كرسون "كان يعاني من اختلال عقلي لعدة سنوات..... وأن إهتمامه كان  في الجدل الديني ولا شك انه كان ينوي أن يجعل  اليهود والمحمديين في الشرق يعتنقون المسيحية.  ولكن في الحقيقة هو رجل قدراته العقلية ضعيفة جدا وما تبقى من عقله كان مختلا."

صدقوني حين تكونوا بمكاني في هذه الوظيفة، ليس هذا ما تودون سماعه من زملائكم في واشنطن عنكم.

الآن، تأكدوا أن حكومتي لم ترسلني إلى هنا لأشهد نهاية العالم. بالعكس أود أن أرى هذا العالم يستمر لوقت طويل وأتمنى لسكان هذه الأرض المسلمين والمسيحيين واليهود أن يعيشوا حياة طويلة ومزدهرة وآمنة وكريمة يطمحون لها.

في عام 1930 توسعت القنصلية ليرتفع عدد الدبلوماسيين من واحد إلى ستة.  يبلغ عدد الطاقم الأمريكي اليوم 150 فرد. وقد كان هناك دائما موظفين يهود وعرب يعملون كفريق واحد حتى في الأوقات الصعبة .  يبلغ عدد زملائنا المحليين اليوم أكثر من 400 موظف وموظفة موزعين بين فلسطيني وإسرائيلي ويتكلمون العربية والعبرية والإنجليزية والبعض يتحدث الفرنسية والأرمنية والروسية  والكلدانية.

بعد الهدنة عام 1949 استقر بعض موظفينا في الجزء الشرقي والبقية هنا وكان يتنقل القنصل بين هنا  وهناك خلال النهار كما كان هناك احتفالين بعيد الإستقلال في الرابع من تموز يعقدان هنا وهناك. في عام 1952 استأجرنا مبنى  في شارع نابلس في القدس الشرقية ولا نزال نستأجره حتى اليوم من نفس العائلة.  وأنا أدعوكم لزيارته فقد قمنا بالكثير من أعمال الترميم فيه مؤخرا.  واليوم فإن المبنى معروف بالبيت الأمريكي وهو مركزنا الثقافي لأهالي القدس الناطقين بالعربية.

بعد اتفاق أوسلو عام 1993  كبر دورنا السياسي أكثر وبدأت مساعدتنا للفلسطينيين من خلال الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية USAID  حيث أصبحنا أكبر مانح  للمساعدة الثناثية للفلسطينيين."