• 11 حزيران 2016
  • حكايات مقدسية

 

 

القدس - اخبار البلد - نشر الصديق الصحفي المقدسي عبد الرؤوف ارناؤوط تقرير مطولا في صحيفة” السفير “ البيروتية ، تناول فيه  تصاعد حملة الاستيلاء على المنازل في البلدة القديمة من القدس ، حيث تستغل الجماعات الاستيطانية ما يسمى قانون الجيل الثالث لاخراج عائلات عربية بكامل . نحن في “ اخبار البلد” ننشر تقرير الصديق عبد الرؤوف ارناؤرط كما جاء في الصحيفة .

 استأجر سعيد النعاجي منزلاً في حارة باب حطّه في البلدة القديمة في القدس في العام 1923 بقيمة 15 جنيهاً مصرياً من جمعية "كوليل كاليسيا" اليهوديّة.

بعد العام 1948، انتقل العقار إلى "الجيل الثاني"، المتجسّد في ابنه صبحي. ولكن، في هذه المرة، وقع صبحي عقد الإيجار مع "حارس أملاك العدو" في الحكومة الأردنيّة، بقيمة 25 جنيهاً فلسطينياً.

وبوفاة صبحي بعد الاحتلال الإسرائيلي، انتقل العقار إلى "الجيل الثالث"، المكوّن من الحفيد عمران وإخوانه، فوقّعوا عقداً باستئجار العقار من "حارس أملاك الغائبين" الإسرائيليّ، إذ بات يسيطر على الأملاك التي يقول يهود إنها كانت مملوكة لهم قبل العام 1948.

الآن، تعيش العائلة هاجس الإخلاء بسبب "قانون الجيل الثالث" الإسرائيليّ.

مثالٌ حيّ: عائلة قرش

يشرح خليلي التفكجي، مدير دائرة الخرائط في "جمعية الدراسات العربية"، فحوى "قانون الجيل الثالث" بأن "الأملاك المستأجرة قبل 1968 تبقى بحوزة المستأجرين حتى الجيل الثالث للمستأجر، أي أن الحماية تبقى للمستأجر وأبنائه وأبناء أبنائه، على أن تعود لاحقاً إلى من يعتبرونهم أصحابها". وأتى هذا القانون في سياق يعود إلى العام 1968، لمّا "ألغت إسرائيل قانون الحماية للمستأجرين، ولكنها أدركت أن ثمة عقارات تم تأجيرها قبل ذلك التاريخ. ولذلك، سنّت هذا القانون لوضع حدّ زمنيّ لسريان الحماية تمّ تحديده في الجيل الثالث".

يعتبر التفكجي هذا القانون من أخطر القوانين التي سنّها الاحتلال الإسرائيليّ، إذ يعني تطبيقه "الاستيلاء على المزيد من العقارات في القدس عامة وفي البلدة القديمة خاصة".

وتزعم جماعات يهودية امتلاكها لعشرات العقارات في القدس قبل العام 1948، وهي تطالب باسترجاعها. وقد نجحت حتى الآن بوضع اليد على عشرات العقارات في البلدة القديمة تحديداً.

مستفيدةً من دعم الأجهزة الحكومية والقضائية الإسرائيلية، تستعين الجمعيات الإسرائيلية بالعديد من القوانين من أجل وضع اليد على العقارات بينها قانون أملاك الغائبين الصادر في العام 1950. وفي هذا السياق، تواجه عائلة قرش في حارة السعدية في البلدة القديمة الآن خطر الإخلاء باستخدام المستوطنين لقانون الجيل الثالث.

وشرحت "حركة السلام الآن" أن قصة ملكية هذا المنزل بدأت في سنوات الثلاثينيات، حين أجّره المالك الفلسطيني لفلسطينيّ آخر عاش فيه لعقودٍ كمستأجر، محمياً. ويواصل حفيد المستأجر العيش في المنزل حتى يومنا هذا". وأضافت: "في العام 1990، قالت شركة مسجلة في الخارج تدعى "بلو ستارز للاستثمارات العالمية" إنها اشترت المنزل من مالكه الأصلي ومنحته لجمعية "عطيرات كوهانيم" الاستيطانية التي تدّعي بدورها أنه ما عاد بإمكان الحفيد الإبقاء على وضعه كمستأجر محمياً بصفته حفيد المستأجر". قبلت المحكمة بمزاعم "عطيرات كوهانيم"، وأمرت العائلة بإخلاء المنزل قبل نهاية شهر حزيران /يونيو 2016.

تنشط جمعية "عطيرات كوهانيم" في الاستيلاء على العقارات الفلسطينية في البلدة القديمة لمدينة القدس، بدعم من الحكومات الإسرائيلية المتتالية، حيث تستوطن عشرات المنازل في البلدة القديمة ومحيطها. وفي إشارتها إلى تركيز عملها على الحيّ الإسلاميّ في البلدة القديمة، تدّعي بيانات جمعية "عطيرات كوهانيم" إن الحي الإسلامي "كان، قبل أحداث الشغب العربية، مسكوناً إلى حدّ كبير من قبل اليهود، وهو الأساس التاريخيّ لما نشير إليه الآن بتسمية الحيّ اليهوديّ المتجدّد".

لكن، يشرح التفكجي مستنداً إلى دراسة أجراها في هذا الصدد: "لقد سُن قانون الجيل الثالث من المستأجرين القاضي بتحديد فترة الحماية ورفعها بعد موت الجيل الثالث من المستأجرين (الجد، الابن، الحفيد)، بهدف تمكين الاحتلال من الاستيلاء على العقار. ويستهدف القانون كل مستأجر قام باستئجار ملكية قبل العام 1968 وقبل إلغاء قانون حماية المستأجر الذي كان جزءاً من عقود المستأجرين في فترة الانتداب البريطاني وفترة الحكم الأردني".

الأثر المباشر والبعيد للقانون

لا تتوفّر تقديرات واضحة حول عدد العقارات التي يتهدّدها هذا القانون، ولكن التفكجي يشير إلى أن العديد من العائلات تخشى أن تتأثر به. ويلفت التفكجي إلى أن المنظمات الاستيطانية الإسرائيلية، ومن خلفها الحكومات الإسرائيلية، استغلت قانون أملاك الغائبين أحياناً، والتزوير والسماسرة في أحيان أخرى، من أجل الاستيلاء على عقارات في البلدة القديمة. ففي الرابع عشر من نيسان /إبريل 2015، أصدرت المحكمة الإسرائيليّة العليا الإسرائيلية قرارها في قضية استيلاء "حارس أملاك الغائبين" على الأملاك في القدس الشرقية التابعة للفلسطينيين من سكان الضفة الغربية. فالتمس "المركز القانوني لحقوق الأقلية العربية في إسرائيل - عدالة"، ضد تطبيقه على القدس الشرقية، شارحاً: "في قراراتها، شرعنت المحكمة العليا استمرار تطبيق قانون "أملاك الغائبين" على القدس الشرقيّة، مصادقةً على كلّ المصادرات التي تمّت في السابق، ومعطيةً الضوء الأخضر للمزيد من المصادرات في المستقبل".

وطبقاً لإحصائيات "مركز القدس لدراسات إسرائيل" شبه الحكومي، يعيش في القدس بشطريها الشرقي والغربي 829 ألف نسمة، من بينهم 522 ألفاً من اليهود و307 آلاف من الفلسطينيين. ويشير المركز ذاته إلى أن نحو 35 ألف فلسطيني يعيشون في الأحياء الإسلاميّ والمسيحيّ والأرمنيّ في البلدة القديمة مقابل 2820 يهودياً في الحيّ اليهوديّ.

ولكن الجماعات الاستيطانية الإسرائيلية تحاول التمدّد إلى داخل الأحياء الفلسطينية في البلدة القديمة، لفرض واقعٍ جديد فيها. ولفت التفكجي إلى أن الجماعات الاستيطانية تمكّنت من وضع يدها على 71 بؤرة استيطانية في الحيّين الإسلاميّ والمسيحيّ: "ويدور الحديث عن بؤر استيطانية تتفاوت ما بين غرفة واحدة وأبنية متعددة الطبقات، ولا تزيد أعداد المستوطنين في هذه البؤر عن بضع مئات".

ولكن إشكالية هذه البؤر الاستيطانية تكمن في كونها متناثرة ما بين المنازل الفلسطينية، وبالإمكان التعرّف إليها بوضوح من خلال الأعلام الإسرائيلية التي يحرص المستوطنون على تثبيتها على أسطحها أو مداخلها.

يلفت التفكجي: "الهدف الإسرائيلي من هذا الاستيطان هو منع أيّ إمكانية لإقامة عاصمة للدولة الفلسطينية في مدينة القدس الشرقية، وخاصةً في البلدة القديمة، فضلاً عن الرغبة في وضع اليد على عقاراتٍ قريبة وملاصقة للمسجد الأقصى المبارك".

ولكنه أضاف: "حتى الآن، فإن الأغلبية السكانية في البلدة القديمة تبقى لمصلحة الفلسطينيين. ولكن تسارع الإجراءات الإسرائيلية، بما في ذلك المخططات لإقامة مستوطنات في داخل البلدة القديمة مثل مخطط إقامة مستوطنة في منطقة باب الساهرة، تهدد الوجود الفلسطيني في البلدة".

وفي هذا الصدد، قال الشيخ عكرمة صبري، رئيس "الهيئة الإسلامية العليا" وخطيب المسجد الأقصى المبارك: "كما هو واضح، فإن انشغال العرب في مشاكلهم الداخلية والصراعات الدموية يساعد الاحتلال على تنفيذ مخططات التهويد لمدينة القدس. وقد سبق لنا أن نادينا بإقامة صندوق خاص للقدس لحماية البيوت والعقارات. ولكن هذه النداءات لم تلقَ أي صدى في الخارج. ونعود لنؤكد المرة تلو المرة على أننا بحاجة إلى صندوق للقدس، ونحمّل الدول العربية والإسلامية المسؤولية في حماية هذه المدينة اليتيمة المنسية".