• 9 آب 2018
  • حكايات مقدسية

 

 

القدس- أخبار البلد -  تعتبر المحكمة الشرعية في القدس من اهم ان لم تكن اهم مؤسسة لها علاقة مباشرة بالحياة اليومية للسكان ، ومن هنا فإن هذه المؤسسة تحظى بأهتمام ومتابعة المؤرخين بشكل خاص ،  فملفات المحكمة الشرعية بالقدس  هي المرجع الاكثر دقة لحياة المدينة. ومن هنا خصص د.حازم زكي البكري دراسته لهذا الموضوع 

 ويسعدنا في ”أخبار البلد“ ان نعيد نشر هذا البحث  بهدف الإفادة 

يعود تاريخ القضاء الشرعي في بيت المقدس الى الفتح العمري حيث عين الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه الصحابي الجليل عبادة بن الصامت بن قيس بن أصرم بن فهر بن غنم بن عوف بن عمرو بن عوف رضي الله عنه كأول قاضي الذي توفي سنة 34 للهجرة عن 72 عاما ودفن في بقيع الرحمة الملاصق للباب الذهبي في بيت المقدس وأستمر القضاء الاسلامي مزدهرا حتى الاحتلال الصليبي لمدينة القدس ومن ثم عاد القضاء الى الازدهار بعد تحرير بيت المقدس .

وقد كان مقر المحكمة الشرعية في العهد العثماني في المدرسة التنكزية ومن ثم تم نقلها المجلس الاسلامي الاعلى الى الزاوية النقشبندية واستقرت مؤخرا في عمارة الاوقاف الاسلامية في شارع صلاح الدين في مدينة القدس

بداية عهد دولة الخلافة الاسلامية العثمانية

تدلنا السجلات المحفوظة ان عمل المحكمة بدأ بالعام 935 للهجرة الموافق لعام 1538 للميلاد حيث عينت الدولة العثمانية قاضي كان يطلق عليه (الحاكم الشرعي المولى) وكان يتبعه لكل مذهب قاضي ,وكان اعلا القضاة رتبة القاضي حيث انه المذهب الذي تبنته الدولة العثمانية , مذهب ابي حنيفة النعمان.

وكان منصب قاضي القضاة مرتبط ارتباطا مباشرا مع شيخ الاسلام في استنبول وكان يحظى بإحترام وتقدير لا مثيل له ونعم عليهم القاب تشريفية عظيمة مثل زين العابدين وحاكم الاسلام وبقية السلف الصالحين ومولانا وعمدة القضاة وغيرها من الالقاب,وتدل السجلات ان مجالس القضاء الشرعية كانت تعقد داخل مدينة القدس في اماكن مختلفة مثل قبة السلسلة والمدرسة التنكزية وفي رباط علاء الدين البصير ومصاطب المسجد الاقصى المبارك حيث كانت المحكمة الشرعية تمثل العديد من المؤسسات بمفهوم اليوم في مؤسسة واحدة , فكانت تدير شؤون مواطني الدولة العثمانية على مختلف طوائفهم الدينية وفي مختلف القضايا التي تمس الحياة اليومية للسكان وعلى سبيل المثال وليس الحصر قضايا الوقف والايجارة والبيع والشراء والترميم والبناء والزوج والطلاق والوفاة والاعياد والتعينات واسعار البضائع واسعار صرف العملات المتداولة واحوال السكان واعدادهم وظروفهم الاجتماعية وطبقاتهم السكانية والخصومات والنزاعات وغير ذلك من القضايا والدعاوي نستطيع القول ان المحكمة الشرعية كانت صاحبة صلاحيات واسعة تشمل كافة نواحي الحياة وهذ ما تدلنا عليه سجلات محكمة القدس الشرعية والتي تعد من اقدم السجلات الشرعية في الدولة العثمانية حيث تأتي في الترتيب الثالث من حيث القدم بعد سجلات بورصة وقيصري وتأتي بعدها بالترتيب سجلات حلب ودمشق واستمرت صلاحيات المحكمة الواسعة حتى نظمت الدولة العثمانية عمل المحاكم الشرعية ضمن" قانون أصول المحاكمات الشرعية العثماني لعام 1333 هجرية " واستمر العمل بهذا القانون حتى في فترة الانتداب البريطاني على فلسطين بموجب المادة 52 لدستور فلسطين للاعوام 1922-1947 مع بعض التعديلات بسبب انشاء دوائر مدنية مختصة للاراضي والسكان ونحوها ، وبذلك استمرت المحاكم الشرعية في عملها بصلاحيات موضوعية مطلقة حتى نكبة ال 48

حيث اصبح هناك محكمتين (المحكمة الشرعية الاردنية والكائنة في شرقي القدس ومحكمة القدس الشرعية الكائنة في غرب القدس والتابعة اليوم لوزارة القضاء الاسرائيلي)

حيث قام الاحتلال بسلب صلاحيات المحكمة الشرعية الاردنية بالتدريج حتى اصبحت قراراتها غير نافذة ما لم يتم المصادقة عليها من محكمة القدس الشرعية (الاسرائيلية) وانحصر عملها تقريبا في متابعة معاملات اصدار جوازات السفر الاردنية وبعض الدعاوي الاخرى التي تحتاج الى مصادقة من محكمة الاحتلال .

وهذا لا يعني ان المحكمة الشرعية الاسرائيلية ان لديها صلاحيات فقد قامت اسرائيل بسن عدة قوانين لسلب صلاحيات المحكمة فاول ما قامت به ضمت المحكمة الى وزارة الاديان وحددت صلاحياتها وحصرتها في الاحوال الشخصية وللمسلمين فقط بعد ان كانت تقضي بمعظم الدعاوي والقضايا التي لها علاقة بالحياة اليومية للمواطن حيث حددت صلاحياتها في البداية في الدعاوي المتعلقة في

 

- قضايا إنشاء الوقف وإدارته الداخليه

- قضايا الولاية والوصاية

- قضايا الوصية والإرث

- قضايا الحجر وفكه وإثبات الرشد

- القضايا المتعلقه بالمفقود

- القضايا المتعلقه بالنكاح والمهر والطلاق والتفريق وفسخ النكاح

- قضايا النسب والحضانه

- قضايا النفقات

وفي عام 2001 اصبحت المحكمة الشرعية تابعة لوزارة القضاء واصدرت وزارة القضاء تعديلات على القوانين فحصل تغييرات على صلاحيات المحكمة الشرعية حيث اصبحت محكمة العائلة تزاحمها في صلاحياتها

ويظهر ذلك من خلال القوانين التالية

 

1- بموجب المادة 155 لقانون الوراثه لعام 1965 فقد تم تقليص صلاحية المحاكم الشرعيه في قضايا الميراث بحيث اشترط لهذه الصلاحية شرطان مسبقان وهما 

: (أ) موافقة خطيه مسبقه من جميع "المعنيين بالأمر حسب قانون الوراثه لعام 1965"

(ب) ألا تنقص حصص القاصرين ,إن وجدوا, في التركة عن حصصهم بموجب قانون الوراثه

2- بموجب تعديل رقم 5 لقانون محكمة شؤون العائلة, من سنة 2001 فقد صارت الصلاحية في قضايا الأحوال الشخصيه للمسلمين, في المواضيع المنصوص عليها أعلاه, صلاحية موازية للمحكمة الشرعية ولمحكمة شؤون العائلة, ما عدا قضايا النكاح والطلاق, والتي ظلت خاضعة للصلاحية المطلقه للمحاكم الشرعيه .

3- مُنحت المحاكم الشرعية صلاحيات موازية لصلاحية محكمة شؤون العائلة, بحسب قانوني : منع العنف داخل العائلة لعام 1991 وَ قانون العلاقات المالية بين الزوجين لعام 1973.

 

وبشكل متوازي فان محكمة القدس الشرعية الاردنية الكائنة في شارع صلاح الدين استمرت في العمل لخدمة مواطني مدينة القدس في قضايا الاحوال الشخصية كالوقف والزواج والطلاق وحصر الارث والوصاية والولاية والنسب والحضانة والنفقة وغيرها من القضايا. ودون اعتراف من الاحتلال بصلاحياتها حيث تصبح الاحكام والقرارات عنها غير ملزمة وغير معمولا بها في دوائر الاحتلال المدنية مثل وزارة الداخلية او مؤسسة التأمين الوطني او دائرة الاراضي او اقسام بلدية الاحتلال ,حيث يضطر المواطن المقدسي للذهاب الى المحكمة الشرعية التابعة لوزارة القضاء الاسرائيلية لتثبيت او المصادقة على قرار محكمة القدس الشرعية الاردنية وهنا وبموجب القوانين المدنية الاسرائيلية تنشأ للمواطن عدة صعوبات بسب اختلاف القانون المدني عن الاحكام الشرعية وخاصة فيما يتعلق بالميراث والطلاق والتي لا يمكن تصديق الحكم او القرار الذي بين يديه والصادر بناء على احكام الشريعة الغراء الا بالموافقة الخطية لجميع الاطراف المذكورين بالقرار او الحكم على قبولهم تطبيق احكام الشريعة الاسلامية.

وهذا اتاح فرصة غير شريفة لبعض النفوس الضعيفة للجوء لمحكمة العائلة في قضايا الطلاق والميراث والنفقة .

ولا بد للاشارة ان الاحتلال بعد عام 1967 حاول عدة مرات سرقة سجلات المحكمة الشرعية الاردنية واكبر هذه المحاولات كان عام 1991 حيث تم سرقة السجلات وتم تصويرها , وتمكنت المحكمة من اعادة الوثائق الاصلية مرة اخرى وكما يبدو عن طريق القنوات الدبلوماسية.