• 29 نيسان 2020
  • حكايات مقدسية

 

بقلم : سعيد الغزالي

حاورت صديقي المحرر الذي يعمل في موقع شبكة أخبار البلد، ودعوته إلى أن يحمل جبلا على كتفيه. قلت: تستطيع أن تفعل ذلك. سألني: كيف يمكنني أن أحمل جبلا على كتفيّ؟ أجبت: أنت تجلس في غرفة القيادة لقاطرة رقمية في العالم الافتراضي، وتبث من موقعك مواد كثيرة، من المفترض أن تكون مواد احترافية في شكلها الفني وتنافسية في مضمونها. إن لم تفعل ذلك، ستكون تلك المواد ضعيفة ومشوشة، وقد لا تصل إلى الملايين من القراء، عندها ستشعر بالتعب وترهق عقلك ويصيبك الإحباط.

كنا نتحدث عن بحث من ٢٣٠٦ كلمة عن باب الاسباط منشورة  في "أخبار البلد" .

يقول الباحث في مقدمة البحث، مبينا السبب في كتابتها:

" تحمل الاطلالة على حارات البلدة القديمة عبق تاريخ مضى وحاضر ضائع ومستقبل مجهول، وطالما ان الأجيال القادمة تجهل ماضيها فان الجهل سيكون العنوان، ولهذا نحاول من خلال هذه الابحاث التي ننشرها تباعا تقديم شيء للأجيال القادمة".

هذا يعني أن الباحث يسعى إلى توعية الأجيال بتعريفهم عن مدينة القدس، وهذا هدف جيد وكبير، نشجعه على الاستمرار في عمله الشاق والمهم، هنا يأتي دور الصحفي في العمل على إيصال فكرة البحث الرئيسية لجمهور واسع من القراء.

قلت لـلمحرر: الموضوع شيق لكن المعلومات مدفونة في المقالة المطولة.

لدينا فقرة من ١٢٢ كلمة لتعريف معاني كلمات حارة ومحلة وزقاق، والتعريفات مأخوذة من الكتب القديمة، دون ذكر المصادر، والتعريفات مهمة في الكتابة البحثية، ولكن الصحفي يُعد مقالة من بضع مئات من الكلمات فقط، وعليه أن يلتقط الفكرة الرئيسية.

عندما يتخرج شاب أو صبية من كلية الصحافة ويتقدم لامتحان وظيفة كاتب صحفي، يقوم رئيس التحرير بتزويده بمقالة من عدة آلاف من الكلمات ويطلب منه أن يحولها إلى مقالة من ٨٠٠ كلمة على الأكثر. فإن التقط الشاب الذي يريد أن يصبح كاتبا محترفا الفكرة الرئيسية، سيكون قادرا على اختيار التفاصيل الضرورية ويتخلى عن التفاصيل الهامشية. إن لم ينجح في ذلك، لن يحصل على الوظيفة.

قرأت بحث  حارة باب الاسباط  الذي اثار في الكثير من الاهتمام فخط قلمي هذه المقالة المختصرة مع المحافظة على محتوى البحث .

حكاية باب الاسباط

من منا لا يتذكر أيام طفولته في ساحة الغزالي الملاصقة لباب الأسباط، ولم يلهو ويمرح ويلعب على المراجيح التي كانت تُنصب في الأعياد الإسلامية والمسيحية، يتذكر هذه الأيام الجميلة الباحث التراثي الشيخ مازن أهرام الذي يُعد كتابا عن البلدة القديمة وسورها وتاريخها وحاراتها بكل ما فيها من قباب وأقواس وأعمدة وأضرحة وسبل ومقامات وتاريخ محفور على الجدران والكتب والذاكرة.

يذكر الباحث أن باب الأسباط يحمل ذكريات الماضي القريب والتاريخ البعيد، فعلى مقربة منه استشهد عدد من الجنود الأردنيين جراء قصف مئذنة باب الاسباط، ولا يزال المقدسيون يحملون ذكريات أليمة شهدها باب الأسباط، فمن خلاله اقتحمت الدبابات الصهيونية، وقوات المظليين الغزاة بلدة القدس القديمة في العاشر من يونيو ١٩٦٧، لتعلن سيطرتها على المدينة وضواحيها.

بُني باب الأسباط في العهد الكنعاني، لكنه تعرّض إلى الخراب عدة مرات، حتى جاء السلطان العثماني سليمان القانونيّ وأعاد بناءه بطريقة فنية. فهو أكبر الأبواب حجما يعلوه برج ثلاثي الاطراف وعلى جانبيه محرابان يعلوهما قوسان صغيران مدبّبان، أما الباب فتعلوه قوس كبيرة نقشت عليها الكتابة باللغتين العربية والتركية.

توجد لوحة تأسيسية (٨٠ سم طولا و٤٠ سم عرضا) على الواجهة الجنوبية الداخلية، وقد كتبت بخط الثلث العثماني. يقول النص المنقوش عليها: "أمر بإنشاء هذا السور المبارك مولانا السلطان سليمان بن سلطان سليم خان.. خلد الله ملكه في سنة خمس وأربعين وتسعماية".

وكشفت الآثار المجاورة وجود حفرية أثرية لسبع عشرة طبقة تاريخية واضحة المعالم لتاريخ القدس والعصور التي مرّت عليها. وما يميز هذا الباب وقوعه بين ساحتين وفضاء خارجي رحب، فقبله ساحة كبيرة، وهي التي يتجمّع المرابطون فيها، ومنها إلى ساحة أخرى تُفضي إلى طريق الخان الأحمر وصولاً إلى طريق أريحا.

يبلغ ارتفاع الباب خمسة أذرع ونصف، ويعقب هذا الباب عبر الجهة الغربية رواق معقود طوله اثنان وسبعون ذراعا وعرضه ثمانية أذرع، يتصدره أربعة شبابيك مطلة على بركة الأسباط، والذي أخذ اسمه نسبة إليها. (الذراع ٤٦ سنتمترا)

يطلق على باب الأسباط أسماء كثيرة، منها باب الروحة، أي الباب الذي يؤدي إلى طريق أريحا، و"باب الاسود" وذلك لأن السلطان العثماني سليمان القانوني حلم ذات يوم بأنه سيُقتل من قبل أسد، فأمر بوضع أربعة تماثيل للأسود على جوانب البوابة، و"باب ستنا مريم" وذلك لقربه من كنيسة القديسة حنة، مكان ميلاد السيدة مريم العذراء، وسمي أيضا بـ "سانت ستيفن" وهو القديس الذي يُعتقد أن قبره يقع بالقرب من المكان.

يتحدث الشيخ الباحث أهرام عن الزخرفات المعمارية البارزة وهي: الرماح على جهتي الباب، وطلاقات الزيت الحار والقوسان فوق المحرابين، والحجرة الدفاعية الموجودة في منتصف الباب.

وأخذت حجارة الأسود الأربعة التي تزين باب الاسباط من بناء مملوكي مهدوم مقام على أطراف مدينة القدس لأنه لم تتوفر الحجارة للدولة العثمانية التي قامت بإعادة اعمار سور المدينة.

 قليلون من سكان القدس أو زوارها الذين يمرون من هذا الباب يوميا يعلمون أن مقبرة الرحمة المجاورة تضم رفات العديد من المجاهدين الذين شاركوا في الفتحين العمري (الخليفة الثاني عمر بن الخطاب في القرن السادس م) والصلاحي (صلاح الدين الأيوبي في القرن ١٢م) وتوجد قبورهم في طرف طريق يعرف بـ "طريق المجاهدين".

لست بصدد تقييم البحث الذي يعده الشيخ مازن اهرام، وأعتقد أنه يقوم بعمل مهم وضروري للبلدة القديمة، ولكنني انتقد نشر بحث مطول، فيه معلومات كثيرة وتفاصيل لا علاقة لها بباب الاسباط، ويتسبب ذلك في تشتيت القارئ.

هنا تأتي مهمة الصحفي في تبسيط الفكرة. بعدها، يمكن كتابة مقالات كثيرة عن الأضرحة والمقابر والسبل والاقواس والحارات. بذلك يسهم الموقع في إبراز المعلومات عن هذه الأماكن المهمة في تاريخ مدينة القدس وحاضرها ومستقبلها بأسلوب سهل وجذاب.

لا ضير أن يُنشر كتاب في حلقات، ولكن الباحث يكتب بطريقة مغايرة عن كتابة الصحفي، الذي من مهمته توضيح كل فكرة في المقالة. فالموقع – كما أوضحت للمحرر- ليس أرشيفا لكل شيء يُكتب أو يًخزن، خصوصا أن الدنيا كلها تتجه إلى الاعلام المرئي، فالصحافة المكتوبة أصبحت محاصرة، وعليها أن تستعيد شبابها وعافيتها، بنشر قصص رشيقة مدعومة بالصور والفيديوهات. وهذا ما تفعله الآن صحف عالمية بارزة كصحيفة الـ نيويورك تايمز الأمريكية.

لا شيء مستحيل، فأصحاب الـصحيفة العالمية هم بشر يعيشون في كوكبنا، ولم يأتوا من الفضاء الخارجي.

هذا ما قصدت أن أقوله للمحرر في موقع "شبكة أخبار البلد": تستطيع أيها المحرر أن تحمل جبلا على كتفيك.