• 17 تشرين أول 2019
  • إقتصاد وحياة

 

بقلم: د. وليد سالم*

 

يدعي البعض أن مشكلة القدس لا تتعلق بالتخطيط حيث هنالك الكثير من الخطط حسب رأيهم/ن. ويدعي بعض آخر أن هنالك الكثير من الفعل المبعثر، المتوازي والذي يتم بمبادرات من مرجعيات مختلفة، ومنظمات مجتمع مدني متعددة، وذلك بدون تنظيم وبدون تنسيق.  بين هذين الاتجاهين ، لا بد من القول بأن المشكلة لها جانبين احدهما يتعلق بنقص في التخطيط يتطلب الاستكمال، والثانية تتعلق بالتنفيذ.

فيما يتعلق بالتخطيط فقد اقتصر التخطيط الوطني للقدس منذ بدئه في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي عبر بيت الشرق والهيئة الوطنية للقدس التي سعى لتشكيلها في حينه وحتى اليوم على التخطيط للقطاعات المقدسية( الصحة والتعليم والإسكان وغيرها) وللفئات المقدسية( كالشباب والمرأة) ، كما كانت هنالك أيضا خطط حيزية للمدينة والمحافظة.

الناقص في هذا التخطيط هو التخطيط للضلع الثالث بعد القطاعات والفئات ، وهو التخطيط  بالمشاركة للمجتمعات المحلية المقدسية سيما تلك الواقعة في قدس ١ تحت السيطرة الكاملة للاحتلال واستيطانه الاستعماري. بينما هذه المجتمعات المحلية هي من تعاني مباشرة من هدم البيوت ومصادرة الأراضي واعتداءات المستوطنين وغير ذلك من إجراءات. ولننظر بهذا الاتجاه لما يجري في المجتمعات المحلية للبلدة القديمة، سلوان، والعيسوية ومخيم شعفاط على سبيل المثال لا الحصر. 

لا يدور الحديث هنا عن استبدال الخطط المعدة للقطاعات والفئات، بل عن أمرين:

الأول: استكمال هذه الخطط السابقة بخطط أخرى تعد بالمشاركة مع المجتمعات المحلية، بما يمكننا من الوصول إلى صورة شاملة عن كل مجتمع محلي واحتياجات القطاعات الفئات العاملة فيه. ومعنى ذلك أن لا نكتفي بعرض واقع القطاعات والفئات في القدس ككل ، وإنما أن ندرس واقع واحتياجات هذه القطاعات والفئات في كل مجتمع محلي مقدسي أيضا. وبهذا تتكون لدينا صورة شاملة عن كل مجتمع محلي. فإذا اردنا أن نعرف صورة شاملة عن العيسوية واحتياجاتها لكافة قطاعاتها وفئاتها  نجد ذلك، وكذلك عن  سلوان  والطور والبلدة القديمة وغيرها من مجتمعات القدس المحلية أل ٢١ الواقعة داخل جدار الفصل العنصري.

ثانيا: تكوين الصورة الشاملة عن القدس ككل بما هي صورة عن مجتمعاتها المحلية كاملة، وإيداع هذه الصورة في منصة إلكترونية يجري تحديث معلوماتها دوريا، بحيث تصبح مصدرًا للمعلومات  يوضح الفجوات والأولويات القائمة في كل مجتمع محلي ، ومتوفرًا لكل من يريد دعم القدس حسب الأولويات.

هذا على صعيد التخطيط. أما على صعيد التنفيذ فهنالك أيضا أمران يمكن للخطة الإستكمالية المبنية على المجتمعات المحلية توفيرهما: 

الأول: تطوير مشاركة المجتمعات المحلية ليس فقط في إعداد خططها ، وإنما أيضا في تطوير اللجان المجتمعية والتي تشمل القطاعات والفئات في كل مجتمع محلي والتي تتولى العمل معًا وبالمشاركة من اجل توفير متطلبات تنفيذ الخطط، سواء من خلال المساهمات المحلية، اضافة للتواصل مع  م. ت.ف والسلطة الوطنية الفلسطينية والعالم العربي والعالم بشأنها.

ثانيا: وإذا ما ترتب عن تطوير اللجان المجتمعية في كل مجتمع محلي إنشاء شبكة لمجموع اللجان  المجتمعية المحلية، فإن هذه الشبكة يمكن أن تقوم  بخطوات للتوأمة الحقيقية بين المجتمعات المحلية المقدسية وبين بلديات مدن العالم بحيث تشمل التوأمة تبادل المعلومات والخبرات وبناء القدرات والتمويل وغير ذلك. فهذه بلدية فرعية من بلدية باريس الكبرى تقوم بالتوأمة مع العيسوية، وتلك بلدية فرعية من بلديات إسطنبول الكبرى تقوم بالتوأمة مع البلدة القديمة للقدس وهكذا. 

بهذه الطريقة نخلق للخطط السابقة التي تم اعدادها للقدس سابقاً أقدامًا وركائز على الأرض تسمح بتنفيذها واستدامة الفعل لذلك عبر شحذ الإرادة وتواصل المقدسيين مع المجتمع الفلسطيني بأسره وكذلك منظمات وهيئات العالم العربي والعالم.

وإذا ما قامت م.ت.ف وسلطتها الوطنية باعتماد شبكة اللجان المجتمعية الناشئة من أسفل كأمانة جديدة للقدس ، فإن ذلك سيمكنها اكثر، كما سيمثل تطبيقا لقرارات المجلسين المركزي والوطني لعام ٢٠١٨ والتي نصت على "اعادة إحياء أمانة القدس وفق أفضل صيغة ديمقراطية ممكنة".

 

انجزت جامعة القدس خطة القطاعات والفئات بمشاركة وحدة القدس في الرئاسة، وتقوم الجامعة في الأشهر الأخيرة بالعمل ( رغم شح الإمكانيات) على رفد واستكمال تلك الخطة بأخرى مبنية على المجتمعات المحلية المقدسية، بحيث تكون هذه الخطة قابلة للتنفيذ بمشاركة المجتمعات المحلية، وبهذا نسير على الطريق الصحيح .  

 

*دكتوراه في فلسفة العلاقات الدولية- عضو مجلس إدارة معهد القدس للدراسات والابحاث - جامعة القدس