• 31 آذار 2020
  • إقتصاد وحياة

 

 

بقلم : خالد الزبيدي

 

 

بلا هوادة .. يجتاح فيروس كورنا القارات الخمس إذ لم يستثنِ القوي والغني وربما كان اقل فتكا بالدول والشعوب الأكثر فقرا.. نظم صحية عملاقة تهاوت، ودول عظمى لم يشفع لها حق النقض في مجلس الأمن، وصلاحيات كبرى في المؤسسات الدولية، اما القنابل النووية والصواريخ العابرة ونظم الاتصالات واحدث البرمجيات التي كانت تلهو بالعالم كما يلهو الأطفال بألعابهم لم تشفع لهم ولم تنفعهم في مواجهة جائحة العام 2020، فقد جاء فيروس لا يرى بالعين المجردة ليضع حدا للعربدة وعقدة التفوق ويقينا سيغير قواعد اللعبة في شتى مناحي البشرية.

صناعة النفط والطاقة ستشهد تبدلات جوهرية وسيكون الرابح الأكبر من يستطيع ترشيق هذه الصناعة العالمية لجهة تخفيض الكلف وزيادة الكفاءة والقيمة المضافة لها، والتخلص من الأصول غير المنتجة، وفي السياحة بالمعاني الواسعة والتي تضم النقل الجوي، النقل السياحي المتخصص، الفنادق، المطاعم والمرافق السياحية المختلفة تحتاج لسنوات لاستعادة دورها في الاقتصاد والمجتمعات بشكل عام، وفي نفس الاتجاه يتصدر القطاع العام جل اهتمامات الحكومات لترشيق أجهزتها لجهة تخفيض النفقات الجارية وربما تكون الفرصة الأكثر إنتاجية المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي ستشكل رافعة حقيقية لانتشال المجتمعات والاقتصادات من آفتي الفقر والبطالة وإتاحة الفرص لمساهمة غالبية المتعطلين عن العمل في تحسين الأداء الاقتصادي وتسريع وتائر النمو.

العالم يقف أمام مرحلة جديدة بكافة تفاصيلها، فالعالم الذي عاش عدة عقود من الظلم والنفاق واللعب على الحقائق وتسويق الأكاذيب يتهيأ اليوم لإعادة رسم المشهد الدولي.. دول تربعت على رأس المنظومة العالمية ستجد نفسها مرغمة على التراجع الى الوراء لصعود شعوب وأمم الى الواجهة وخلال عدة عقود قادمة سيترسخ خروج أوروبا من المشهد القيادي عالميا ومعه الولايات المتحدة الأمريكية التي تتحول الى دولة قارية تهتم بشؤونها الداخلية والقليل من علاقاتها التجارية والسياسية، ومن المتوقع ان تصد مجموعة الاقتصادات الصاعدة ( بريك ) التي تضم قرابة نصف سكان الأرض ولديها إمكانيات اقتصادية صناعية وتقنية متطورة ومؤشراتها الرئيسية تنمو بمعدلات سنوية تعادل ( 2 الى 3 ) أضعاف معدلات نمو دول مجموعة السبع ( G7 ) .

البلدان النامية.. والأردن احدها برغم محدودية الموارد التقليدية يمكن التعامل المرن مع التحديات العابرة للحكومات من بطالة وفقر ودين عام، والاستجابة للتحديات الجديدة الناجمة عن تكاليف مواجهة فيروس كورونا، وأفضل الطرق لذلك تخفيض النفقات العامة والخاصة وتقبل متطلبات المرحلة الجديدة والتركيز على زيادة الإنتاج والاعتماد على الذات وترشيد الاستهلاك لصالح الاستثمار في كافة القطاعات، وتجربة كل من اليابان وألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية لا زالت ماثلة فقد نهضت اقتصاديا وماليا واجتماعيا خلال سنوات..أما الاستمرار في سياسة الإنفاق أكثر من طاقتنا سيقودنا الى المزيد من العناء والإخفاق..فالمطلوب البدء بترشيق الجهاز الحكومي وتخفيض الموازنات السنوية هو طريقنا إلى النجاح.