• 22 آب 2012
  • حارات مقدسية

اثناء التفتيش والبحث  والتمحيص عن بعض ما كتب عن الاحياء في البلدة القديمة وقعت بين ايدينا مقالة قيمه كتبها الزميل وابن القدس الصحفي " سمير سعد الدين "حول باب حطة ما جرى فيه واهميته ،مع نبذه تاريخيه عن ذلك الحي الذي يعتبر وبحق قلب البلدة النابض ، ففيه يتكدس التاريخ وفيه تتجمع الذكريات ، ومن منطلق  ايماننا في "اخبار البلد" بجمع كل ما كتب عن القدس فاننا نعاود نشر المقالة كما كتبها الزميل سعد الدين بدون أي تعديل :

تتردد في الفترة الأخيرة وبشكل متصاعد انباء المجابهات التي تقع ما بين أهالي باب حطة بالقدس والجيش الإسرائيلي وقوات الشرطة الخاصة باعتبار أن هذا الحي يكاد أن يكون جزء من ساحات الحرم القدسي الشريف والأقصى وإن إحدى بوابات الحرم المطلة على الحي تحمل اسمه وأن هذه الإشتباكات جزء يخاض منها أولا مع المستوطنين والمتطرفين الذين كثيرا ما ينظمون حول المسجد الأقصى في مناسبات متعددة مسيرات تستفز المقدسيين ومن ثمة يتدخل الجيش وتقع الإشتباكات في كافة المناطق المحيطة بالحرم التي ترتبط بشبكات أزقة وشوارع القدس القديمة وتتميز باب حطه في كثير من الأحيان بالأكثر شدة وحدة في هذه المجابهات كما حصل مؤخرا.

وفي الحقيقة فإن تاريخ باب حطة مع الإنتداب البريطاني والاحتلال الإسرائيلي له ما يميزه في الاحتجاج والمقاومة حيث أن باب حطة كان لها سجل واضح في العصيان على الاستعمار البريطاني وانحيازه للعصابات الصهيونية وأن دوريات الجيش البريطاني كانت لا تغادر تقريبا محيط الحارة ومراقبتها وتتبع المناضلين وأن الشاويش الإنكليزي كان كثيرا ما يدخل إلى الحارة برفقة دوريته ويعمل للتحدي بالمكوث فترة بسيطة من الزمن في إحدى زوايا الشارع العام وأحيانا أخرى كان ينعدم من هذا الدخول في أيام التوتر العالية.

وباب حطة كانت مكان إقامة العائلات المقدسية ذات النفوذ السياسي والاجتماعي قبل أن ترحل وتغادر إلى القدس الغربية بعد الحرب العالمية الأولى قاصدة التوسع والبناء ذو الرفاهية العالية.

وكان شباب باب حطة أيضا وعائلاتها من الذين يعدون لبيرق القدس في احتفالات النبي موسى عليه السلام هذا البيرق الذي تشارك فيه كافة أحياء وحارات القدس ويكون أول الواصلين إلى رأس العمود قبل أن تصل بيارق يافا وحيفا ونابلس والخليل وغيرها من المدن الاخرى للانطلاق نحو مقام النبي موسى والذي كان قد رسمه الناصر صلاح الدين وأن الحاج أمين الحسيني زعيم فلسطين في ذلك الوقت استغل هذا الموسم لتصعيد المقاومة ضد الاستعمار البريطاني والعصابات الصهيونية في هذا الموسم الذي يستمر أسبوعا في كثير من الأحيان وإن كان الإعداد له يقتضي أيام أخر إذ أنه لايقصد منه الهدف الديني فقط وإنما أيضا إقتصاديا وإجتماعيا كما أن لأهالي باب حطة مشاركات فاعلة في النجدات التي تقصد القرى المحيطة بالقدس التي تعتدي عليها العصابات الصهيونية المدعومة من الانتداب البريطاني وأن هؤلاء الأهالي قد شاركوا القائد عبدالقادر الحسيني في إعادة القسطل والقرى المحيطة بها إلا أن استشهاده بعد إعادتها انشغل المجاهدون بجنازته فعاودت العصابات الصهيونية إلى القسطل ولفتا وباب الواد كما كانت لهم مناوبات مستمره على أسوار القدس.

وباب حطة كانت منذ زمن بعيد تحوي على سوق صغير وعشرات المحلات التجارية الصغيرة التي تبيع كافة أنواع المأكولات الشعبية وأهمها الفول والفلافل والحمص والألبان وجميع أنواع الخضار والفاكهة والبقاليات وثلاث أفران تعد كعك القدس المعروف ومحلات أخرى تقدم الخدمات مثل تعمير بوابير الكاز قبل ان يعرف الغاز المنزلي وتنظيف وكي الملابس وتبيض الاواني والحلل النحاسية كما يميز باب حطة أيضا كباقي الحارات الأخرى وجود المقاهي الشعبية حيث أن هذه المقاهي كانت تقام فيها المهرجانات السياسية التي تتبارى بها الأحزاب وخاصة في الحملات الإنتخابية والأفراح إذ أن العرسان كانوا ينطلقون مع أصدقائهم وأقربائهم وأهالي الحي من هذه المقاهي إلى المسجد الأقصى لأداء صلاة العشاء ومن ثم تنظيم زفة العريس والتوجه إلى بيت أهل العروس لنقلها إلى بيت عائلة العريس لإقامة الإحتفال هناك حيث أن هذه المقاهي كانت تشهد الخطوبة في كثير من الأحيان وقراءة الفاتحة.

ويعتبر شهر رمضان من أهم المناسبات التي تقيمها الحارة والموالد النبوية الشريفة وذكرى الإسراء والمعراج وذكرى السنة الهجرية الشريفة وباقي المناسبات الدينية والوطنية.

ومن أهم هذه المقاهي مقهى أبو الحلاوة الذي يقع في باب الحارة ويملكه جد الصحفي في جريدة القدس زكريا أبو الحلاوة ومقهى علون الذي يعتبر الأكثر شهرة والذي شهد أهم المناسبات السياسية والاجتماعية ومناسبات الأفراح وربما الأحزان في بعض الوقت والذي أعرفه عن هذا المقهى في المجال السياسي أنه كان مكانا مميزا ومقربا لمرشحي الإنتخابات في العهد الأردني وأن صالتيه الداخلية ثم الخارجية التي تفتح صيفا كانتا تكتظ بالمشاركين والمستمعين لأي مرشح وأنصاره وكانت تستمر هذه المعركة تقريبا لفترة تزيد عن شهر حيث كانت لنا فيها مناسبة كأطفال شرب كؤوس اللمونادة التي توزعها القهوة كما تسمى عاده على الحاضرين على حساب المرشح وأنصاره وهذه هي المناسبه الاكثر حريه لنا لدخول المقهى مع انني لا اعرف يوما منعنا من دخوله لنشرب كؤس الماء وخاصة في فصل الصيف و كأطفال كنا دوما نتحلق على شبابيك المقهى التي كانت لا ترتفع عن الأرض أكثر من متر بحيث كنا نستطيع أن نشاهد ونسمع ما يقوله الحكواتي ويردده المنشدون وما يقوله السياسيون والمرشحون ونردد شعارات كل من رفع صوته.

ومما ورد على مقهى علون أبو ناجي من نوادر بشأن المعارك الإنتخابية والفوز بقائمة القدس أنه في إحدى السنوات كان من ترشح عن المدينة الشيخ عبد الغني كاملة وهو محامي مفوه وقدير كما كان في ذلك الوقت خطيبا للمسجد الأقصى أما خصمه فقد كان المحامي أنور الخطيب الذي شغل منصب محافظ المدينه عندما دخلها الاحتلال.

وفي اليوم التالي لإعلان نتيجة الإنتخابات التي فاز بها أنور الخطيب فوجئ رواد المقهى بدخول الشيخ عبد الغني ودون سلام أو كلام إعتلى كرسيا قصيرا وقال في المتحلقين حوله أيها الشعب المذبذب لو علمت أن الشعب مذبذبا لما رشحت نفسي في البرلمان.

شربتم ليموني ولم تنتخبوني أكلتم من خيري وانتخبتم غيري وذهبت هذه الكلمات بعد ذلك مثلا وتندرا.

وكان من أهم أسباب سقوطه بالإنتخابات أن أوفد أنور الخطيب عدد ا من رجالاته يوم الإنتخابات إلى مخيم عقبة جبر ذو الكثافة السكانية العالية قرب أريحا إذ أن مدينة أريحا ومخيماتها كانت تدخل في دائرة القدس الإنتخابية وأخذوا يصرخون لقد انسحب الشيخ عبد الغني من السباق وهذا مما جعل فعلا عدد كبير من المخيم الذين وعدوه بانتخابه وحلفوا الطلاق أمامه ليختاروه في ورقة الإقتراع يترددون في التصويت له.

وكان الشيخ عبد الغني رحمه الله قد قتل في بيته الذي يقع أمام مدرسة المأمونية للبنات حيث كان يعيش لوحده وأن قاتله استطاع الخروج من السجن بعد بضعة أيام من إلقاء القبض عليه حيث احتلت المدينة وفتحت أبواب السجن ومن الذين كانوا يترشحون للانتخابات انور نسيبه وداوود الحسيني وكامل عريقات الذي كان يضع على ملصقاته الانتخابيه صوره في الميدان فقد كان احد مساعدي عبد القادر الحسيني الشيخ فارس إدريس المحامي عبدالله نعواس وبهجت ابو غربيه واخرين

وباب حطة كانت بالنسبة للحارات القديمة كبيرة بعض الشيء ولذلك فقد كان يتولها مختاران الحاج شاهين والحاج الأرناؤوط وكان بالرغم من أن الأول صاحب مطعم في سوق اللحامين والثاني صاحب بقالة فقد كانا من سدنة المسجد الأقصى ويؤديان بالتناوب آذان الصلوات وكان أهالي البلدة القديمة يطربون لسماع التذكير وآذان الفجر من صوتيهما وخاصه فجر الليالي الرمضانيه

حيث أن الكثيرين دوما يتسابقون ولا زالوا على شرف خدمة المسجد الأقصى ولا يبرحون هذه الخدمة حتى الوفاة

ويروى قبل سنوات أن أحد أبناء المختار الأرناؤوط تقدم بطلب عمل لدى دائرة الأوقاف لخدمة أحد مواقع الحرم القدسي إلا أنه رفض طلبه وعندما قدم حجة تركية أمام المحكمة الشرعية تفيد بان جده قد عين مؤذنا في المسجد الأقصى وتضمنت هذه الوثيقة أيضا أن هذه الخدمة له ولأحد أبنائه ولأحفاده من بعده تم تعينه حارسا في متحف المسجد الاقصى مع الإشارة هنا إلى أن أئمة وخدم وسدنة الحرم يحملون مثل هذه الفرمانات.

رحم الله فيصل الحسيني أبو العبد فقد كان لباب حطة اهتمامات خاصة لديه للحفاظ عليها وعدم تسرب أي من بيوتها إلى الإسرائيليين كباقي الأماكن الأخرى وأن جل إهتمامه كان ينصب في الحفاظ على برج اللقلق الذي بناه الناصر صلاح الدين على سور القدس حيث أن بلدية القدس المحتلة عملت للاستيلاء على مساحة الأرض المحيطة به وأنه مع أبناء المدينة شكل جمعية خيرية تحافظ على المكان ومن أهم أعمالها انشاء ملعب لصنوف أنواع الرياضة ولقاءات وإجتماعات اجتماعية واحتفالية لكافة المناسبات