• 31 تشرين أول 2020
  • حارات مقدسية

 

 

بقلم : القاضي فواز ابراهيم نزار عطية

 

 

ليس بجديد أن يستمر مسلسل التهويد في القدس وتغيير المعالم، فمنذ خمسة عقود ويزيد وسلطات الاحتلال في المدينة المقدسة بجميع اذرعها التنفيذية سواء من خلال دائرة الآثار أو البلدية أو دائرة السياحة، لا تكل ولا تمل في اقتناص الفرص لتهويد المدينة بشتى الطرق والسبل، في سبيل تغيير الواقع الحقيقي إلى واقع وهمي مزيف.

روايات من وَهْمِ الخيال، حكايات ممزوجة بأساطير لا تصدق، يعيشها الاحتلال ويسوقها لإقناع نفسه أولا ومن ثم لينشرها للعالم كرواية اسطورية لا تمت للواقع بصلة، لعل الجهود تثمر في تكرار الرواية، لا سيما على أيدي بعض العرب المتصهينين في زمن اصبح فيه كل شيئ متوقع ومباح.

  تبدأ الرواية بأن وجود بني اسرائيل في القدس أزلي قبل التاريخ وبعده، هدفه تجميع يهود العالم في أرض المعياد ، فهل نصدق الاساطير أم نحتكم للعقل؟ هل نحتاج إلى دليل أم يُكتفى بالتضليل؟ في الوقت الذي صدعت فيه رؤوسنا من اساطيرهم، نتيجة الحكاية بين كل اسطورة ورواية، الامر الذي أتعب الاطفال متابعة الرواية لعدم اقتناعهم بإخراجها، فهل يعقل أن يصدقها الكبار أم أن وراء كل حكاية لغم سياسي يهدف إلى زعزعة عروش بعض حكام العرب لتمرير قصص تطبيعية في سبيل خدمة صاحب الرواية لتبقى العروش ضمن اطار الحماية.

  يبقى العقل السليم في الجسم السليم الحَكَمُ وصاحب الارادة في حرية الاقتناع، فالادلة كثيرة لتكذيب الرواية، تبدأ من الحفريات التي شرعت سلطة الآثار الاسرائيلية القيام بها منذ عقود استمرت في الليل والنهار جهارا نهارا سرية وعلنية، لكن دون جدوى، فلم تفلح جهودهم بنفي واقع حي ينبأ عن كذب الروايات والاساطير الاسرائيلية، بإعترافات من علمائهم في دائرة الاثار الاسرائيلية التي أكدت على عدم وجود أي أثر للفترة التي حكم فيها سيدنا دواود عليه السلام القدس، لتنتهي حكايتهم أمام صرح شامخ هزم عوامل وافعال الطبيعة على مرِّ القرون، لنجد قلعة القدس اليوم شاهد أثر على بناء يعود للفترتين المملوكية والعثمانية، رغم تعرض البلاد لعدد من الزلازل والحروب، بقيت المئذنة الواقعة في زاوية القلعة الجنوبية الغربية من أبرز معالم الفترة المملوكية التي شيدت في عهد السلطان عبد الملك بن قلاوون عام 1310 ميلادية، بحيث تم تحديثها وتطويرها في زمن السلطان سليمان القانوني من أولاد عثمان، فكانت مركزا لصد الهجمات وحصنا لمراقبة حركة القوافل غرب سور القدس، فبرز البناء والفن المعماري على مدار سبعة قرون دون أدنى شك بأصالة وعراقة الزخرفة المعمارية الاسلامية وقوة ومتانة البناء، بما أدى إلى شموخ وصمود قلعة مؤلفة من ثلاثة طوابق تعتبر اكبر القلاع في العالم، حتى يومنا هذا.

سلطات الاحتلال شرعت بعد استكمال احتلال القدس عام 1967، إلى تغيير اسم القلعة التي كانت بيد عائلة مقدسية يطلق عليها دزدار القدس، وما زالت العائلة المقدسية تكنى بذات الاسم دزدار، وسُحبت مفاتيح القلعة من يد تلك العائلة واصبحت بيد الاحتلال الاسرائيلي الذي شرع بتغيير اسم القلعة إلى "قلعة داود"، وفتح ابوابها كمتحف لتمرير الرواية الاسرائيلية بتقنيات التكنولوجيا ثلاثية الابعاد، وبتزوير الواقع من خلال مجسمات وألواح تحاول تمرير الرواية وكأن القلعة اسرائيلية بامتياز.

نعم اسهبت في المقدمة لأصل لموضوع المقال، الذي يهدف لتسليط الضوء على خبر مزعج لنا نحن أهل القدس، ولا اعتقد أنه من ضمن حسابات بعض العرب في زمن التطبيع، بحيث استيقظنا على خبر قبل يومين مفاده تخصيص ورصد سلطات الاحتلال مبلغ 40 مليون شيقل ما يقارب 11.5 مليون دولار لتنفيذ اكبر خطة لسرقة تاريخ الاجداد في القدس، ضمن مشروع تهويدي لتغيير معالم القلعة، التي سكن حولها عائلات مقدسية عريقة ما زالت صامدة منهم عائلة العلمي وعائلة السافوطي التي تعرف اليوم بعائلة عطية وكاملة - وعائلة الديسي وعائلة العسلي وعائلة البديري وعائلة الجاعوني وغيرها من العائلات التي تملك عقارات موقوفة وقفا ذريا مقابل القلعة، فضلا عن العائلات المسيحية العريقة القاطنة في اوقاف الاجداد منهم عائلة سبيلا وعائلة اسطفان وعائلة خوري وعائلة النبر وعائلة الطوباسي وغيرهم.... 

فمحاولة الاحتلال لطمس الآثار والحجارة في القلعة المنصورة، لتطويعها ضمن الرواية  اليهودية المزورة في منطقة لم تكن محل سكن لليهود على مر العصور، بما يشمل ذلك في اقامة مسارات ومواقع تلمودية في المكان، ينذر بتعمد السلطة المحتلة العبث بتاريخ الامة العربية والاسلامية، وهذا العبث هو جزء من مخطط نهائي لتقسيم المسجد الاقصى في القريب العاجل، في ظل صمت عربي ودولي رهيب، في ظل تطبيع متهاون ذليل، الامر الذي يستدعي من أهل القدس الحراك ضمن صرخة استغاثة لمنظمة اليونيسكو والمؤسسات الدولية ذات العلاقة، للتنديد بسرقة وتدمير آثار القلعة المنصورة، التي تؤكد على عربية الزمان والمكان، مستغلا هذا المقال بذات الوقت لتوجيهه لجمعية "وقفنا" للمحافظة على الوقف والتراث المقدسي، لتتحرك بصورة عاجلة في توجيه كتاب للمنظمة المذكورة سالفة الذكر، لتذكيرها بالهدف السامي الذي أُنشأت من اجله، في سبيل الحفاظ على الارث والتراث الحضاري والتاريخي للمدينة المقدسة من همجية الاحتلال على الحجر قبل البشر