• 30 تشرين الثاني 2020
  • حارات مقدسية

 

 القدس – أخبار البلد – يعود الينا الباحث المقدسي النشيط الشيخ "مازن اهرام " ليتحفنا بمعلومات وابحاث عميقة عن القدس وتاريخها ، فبعد ان خصص في وقت سابق  مساحة واسعة للحديث عن الحارات والاحياء في القدس ، قرر هذه المرة الحديث عن الاربطة في المدينة المقدسة .

 ويسعدنا في شبكة " أخبار البلد" ان ننشر كل  ما خطه ويخطه الباحث الشيخ مازن اهرام . واليكم الحكاية الأولى :

 

" العمارة الإسلامية نشأت كحرفة بسيطة من حرف البناء في أبسط أشكاله، ثم تطورت حتى نشأت عنها مجموعة من الفنون المعمارية المختلفة، وتعد العمارة من أهم مظاهر الحضارة، فالعمارة هي المرآة التي تعكس آمال الشعوب وأمانيها وقدراتها العلمية وذوقها الرفيع، بل وفلسفتها أيضا، وانقسمت العمارة

الإسلامية إلى ثلاثة أنواع هي عمائر دينية مثل : المساجد والأضرحة، عمائر مثل القصور والقناطر والأسبلة والمدارس، عمائر حربية مثل القلاع والحصون والأبراج والأسوار والبوابات

لا يمكن الفصل بين العمارة والفن التشكيلي، فالمؤرخون يعتبرون العمارة عملا إنشائيا يتم تكوينه لكي يبرز صور الفنون المختلفة، واعتبر قدماء اليونان العمارة أنها أم الفنون، حيث كانت العمارة تهتم بالنحت والرسم حسب البيئة المحيطة ثم تنوعت بعد ذلك الفنون والأشكال والخامات فاستخدمت الزخارف المتنوعة والنحت بأنواعه كالنحت على الخشب والجبس، واستغل الفنان المسلم قدراته وابتكاراته استغلالا صحيحا فظهرت القباب والقبوات وغيرها.

هناك العديد من العناصر التي استخدمت في ذلك منها الزخارف النباتية وهي الزخارف المستوحاة من أوراق الأشجار والسيقان بعد أن طورها المعماري المسلم، كما استخدمت أيضاً الزخارف الهندسية مثل الخطوط المستقيمة والمنحنية والمنكسرة، وكذلك الأشكال الهندسية مثل المثلث والمربع والبيضاوي، بالإضافة إلى الزخارف الخطية وهي تشمل الخط العربي بكل أنواعه المختلفة كالفارسي والديواني والثلث وغيرها، مع الإشارة هنا إلى أنه يوجد ارتباط وثيق بين الخط العربي والعقيدة الإسلامية، كما استخدم المعماري المسلم الزخارف المعمارية وهي المستمدة من أشكال معمارية مثل الأعمدة والمآذن والأبواب.

أسبلة وبوابات

تعتبر القاهرة أكثر المدن في العالم التي يوجد بها عمارة إسلامية ،حيث يوجد بها عدد ضخم من المساجد الأثرية التاريخية فهي تسمى مدينة الألف مئذنة، كما يوجد بها عدد من الأسبلة والبوابات والأبراج والحصون، بالإضافة إلى آثار أخرى إسلامية في إيران وبلاد الشام والعراق والمغرب العربي.

الجمال صفة من صفات الخالق سبحانه وتعالى فقد جاء في الحديث النبوي «إن الله جميل يحب الجمال»، والله سبحانه وتعالى لم يحرم الزينة على عبادة بل هي عطاء من الله لهم كما قال الله تعالى

 (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ)، فالقيم الجمالية لعناصر العمارة الإسلامية تبرز أكثر في الزخارف الإسلامية المتنوعة والتي غطت عدداً كبيراً من العمائر الإسلامية المختلفة،

والمعماري المسلم كان مدركا لهذا وهو ما ظهر بصفة خاصة من خلال استخدام الزخارف الخطية والتي أخذت أنماطاً مختلفة من الكتابة وسلاسة في الحركة وتجانسا في الحروف ووضوحا في الجانب الإنساني ممثلة في اليد التي قامت بالكتابة والتلوين وإدخال بعض المكونات الفنية بعضها التزم بوضوح الخط لتسهل قراءته وبعضها استخدمت الكلمات في أوضاع معكوسة أو مقلوبة من باب التجميل الفني وهكذا في كل أشكال من أشكال الفن يبحث عن الناحية الجمالية فيه ، والعمارة الإسلامية لم تسر على نمط واحد ولكنها تعددت بتعدد البلدان والأماكن فكل مكان اختلف عن غيره من أماكن أخرى حتى داخل الدولة الواحدة تنوعت أشكال العمائر الإسلامية من عصر لآخر، فالعصر الفاطمي مثلا يختلف عن العصر المملوكي أو العصر الفاطمي في مصر.

العمارة الحربية

هي العمارة التي أنشئت للأغراض الدفاعية والحربية من أجل حماية حدود وأطراف الدولة الإسلامية من مخاطر الغزو والحملات الصليبية وغيرها، وتعد العمارة الحربية نوعا من الدروع المعمارية الضخمة التي تصد مخاطر العدو.

هناك العديد من الأشكال للعمارة الحربية الإسلامية منها:

 الأسوار والبوابات وهذه بدورها بنيت لتحمي المدن أو القلاع والحصون،

 أما البوابات فتعد جزءاً أساسياً من الأسوار وتستخدم في الدفاع والهجوم لوجود سقطات وفتحات لرمي السوائل المحرقة ومزاغل لرمي السهام على المهاجمين، بالإضافة إلى الأبراج

الأبراج:

 وهي عبارة عن بناء حربي قد يأخذ شكل المربع أو المستدير وتكون في موضع بارز فوق الأسوار، وهناك أيضاً الحصون وتكون في موضع الخلاء وليس به مدنيون، ويختلف الحصن عن القلعة، حيث إن القلعة بها مدنيون،

 الرباط :

 وهو نوع من أنواع العمارات العسكرية والدينية في نفس الوقت؛ لذلك شبهها الغرب بالأديرة المحصنة وأكثرها يوجد في شمال إفريقيا

وتتضمن العمارة الحربية الإسلامية أيضاً :

القلاع:

 وهي مبنى كبير يشتهر بأسواره العالية وأبراجه الضخمة نسبياً وتظهر من خلالها فوهات المدافع وتوجد بداخلها العديد من المرافق التي تساعد على الصمود لفترات طويلة أمام الحصار كمخازن الذخيرة والطعام ومسكن الجنود وآبار لحفظ الماء وسكن للوالي ومسجد للصلاة إضافة إلى السجون والمعتقلات.

 

 

البيئة والبناء

هناك ارتباط وثيق بين الاثنين فقد استغل الفنان المعماري المسلم الأماكن المرتفعة كالجبال والمنحدرات لبناء القلاع والحصون عليها، كما بنى قلاعاً قريبة من البحار حتى يدافع عن موانئ الدولة الإسلامية، وكان للبيئة أيضاً أثر كبير في استخدام مواد البناء من البيئة المحيطة به مثل الأخشاب والأحجار والطمي

العمارة الحربية الإسلامية:

 تميزت كثيرا عن غيرها بفخامة وسمك وقوة العمارة الحربية بالنظر إلى الوظيفة التي تقوم بها وهي صد هجمات الجيوش، كما توجد عناصر معمارية خاصة تميزت بها عن غيرها مثل المزاغل لرمي السهام ورمي المواد الحارقة، وأشكال معمارية خاصة بالعمارة الحربية مثل الأبراج، وتميزت العمارة الحربية أيضاً بقلة الزخارف.  نعم فقد تعددت الوظائف التي تقوم بها العمارة الحربية من حربية ومدنية ودينية مثل:

 الأربطة:

 حيث إنها في البداية نشأت حربية واستخدمت للعبادة والتصوف كما استخدمت أيضاً كمحطات تجارية ومستودعات لحفظ المواد التموينية والغذائية وأيضاً محطات بريدية، كما أشرفت أيضاً على أمن الطرق وسير العمليات التجارية إدارياً، بالإضافة إلى حفظ الخيول والمواشي وأيضاً حفظ المياه في الخزانات والصهاريج

حفلت الحضارة الإسلامية بالكثير من العمائر التي انفرد وتميز بها المجتمع الإسلامي دون غيره من المجتمعات البشرية عبر العصور، واستمدت هذه العمائر مقومات وجودها وازدهارها من طابع الرحمة والصفاء النفسي والروحي الذي اتصفت به شريعة الإسلام.

الربط والخانقاوات والزوايا والتكايا:

 كلها عمائر ومنشآت روحية لم يعرفها العالم إلا في المدن الإسلامية، وقد ظهرت هذه المنشآت منذ القرن الأول للهجرة، وانتشرت في شرق العالم الإسلامي في القرن الرابع الهجري

الرباط في الإسلام:

وأول هذه المنشآت ظهورا هو الرباط، الذي أسس في أول الأمر كمنشأة عسكرية، وأخذ اسمه من المرابطة في سبيل الله، ومنه سميت دعوة المرابطين ودولتهم، وسميت مدينة الرباط في المغرب، التي كانت على حدود الدولة الإسلامية، وكانت مأوى للمجاهدين في سبيل الله المرابطين على حدود الدولة ، ومن المرجح أن نظام الخانقاوات الذي ظهر بعد ذلك أُخذ عن الرباط،  حيث إنه في الرباط كان المرابطون يؤهلون دينيًا وروحيًا بجانب تدريبهم عسكريًا للجهاد والدفاع عن حدود الدولة الإسلامية، قال تعالى:

 {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران: 200]،

 وقال تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: 60]،

 وكان الرباط يقام على الحدود وقد ظهر الرباط قبل الخانقا ، فالأربطة ظهرت كمنشآت حربية الهدف منها الدفاع عن الثغور الإسلامية في مواجهة أي اعتداءات من قبل أعداء الإسلام،.

تقلص دور الأربطة:

وقد أدى توقف حركة الفتوحات الإسلامية إلى تقلص دور الأربطة، وزاد في هذا تغير نمط الجيوش الإسلامية، وهو ما أدى إلى تغير وظيفة الأربطة:

فقدها لطابعها الحربي، وصارت لها وظائف متعددة، حيث تغلبت عليها الصفة الدينية وحدها،

ومع انتشار التصوف تحولت إلى دور للصوفية ما جعل مصطلح رباط مرادفا لمصطلحي خانقاه وزاوية.

وهكذا تبدلت الأمور، وغدت الأربطة تقام في الأماكن العامرة، بعد أن كانت تقام في أطراف المدن وعلى حدود الدولة، وصارت ملاجئ مستديمة لفريق من الناس يستحقون الرعاية، وبخاصة أصحاب العاهات وكبار السن والعميان، وقد ذكر المقريزي أن سلطان المماليك بيبرس الجاشنكير بنى رباط خصصه لمن قعد بهم الوقت، ويقول ابن الفوطي عن رباط الشيخ محمد السكران في العراق أنه كان مأوى للمسافرين والمحتاجين، وكانت له قواعد معينة في توزيع المال والطعام على الفقراء كل عام.

أربطة لرعاية النساء:

وظهرت في المدن الإسلامية ربط تحقق الرعاية الاجتماعية للنساء، فقد، وُجدت أربطة كانت ملاذًا ومقامًا للسيدات والأرامل والمطلقات والمسنات ممن لا عائل لهن وممن قعد بهن الزمن، توفر لهن حياة كريمة شريفة من إقامة ومأكل وملبس ومشرب صيانة لهن من الانحراف، مع مواظبتهن على العبادات وتوافر الرعاية والإشراف الدائم.

وكانت تقيم إحداهن بالرباط إلى أن تتزوج أو تعود إلى زوجها أو يقضي الله أمرًا كان مفعولًا، وهو سبق لا مراء فيه للحضارة الإسلامية في مجال الرعاية الاجتماعية

الرباط هو الإقامة في الثغور:

 وهي الأماكن التي يخاف على أهلها من الأعداء، والمرابط هو المقيم فيها المعد للدفاع عنها. وقد أسست أول الرُبط العسكرية في فلسطين في القرن الثاني للهجرة،

الرُبط مراكز للتعليم الصوفي:

 بالإضافة إلى مهامها الاجتماعية والسياسية، وكان في بعضها مكتبات، فكان للرُبط بفلسطين بشكل عام، وفي بيت المقدس بشكل خاص أثر علمي أكاديمي عظيم.  و قد أسست أول الربط العسكرية في فلسطين ، في القرن الثاني للهجرة ،

 ولكن أهميتها قلت بعد القرن الثالث عندما استتب الأمر للمسلمين . ولكنها عادت بقوة بعد دحر الفرنجة ، فأنشىء الكثير منها في القرن السابع الهجري وما تلاه ، كأبراج للمراقبة  ، كانت الربط تغذي الوافدين إليها بالتعليم الديني ، وتوفر لهم غذاء روحيا ، فينقلبون إلى جنود محاربين إذا دعا داعي الجهاد . وفي العصر العثماني أصبح كثير من الربط ملاجىء للفقراء من نساء ورجال يقدم لهم فيها الطعام وتصرف المساعدات المختلفة . وكانت الربط مراكز للتعليم الصوفي ، بالإضافة إلى مهامها الاجتماعية والسياسية ، وكان في بعضها مكتبات وفي حين كان الصوفية يقيمون في الخوانق بصورة دائمة أو شبه دائمة ، كان زوار الربط يقيمون فيها لمدد قصيرة نسبيا ، غير أن التمييز بين الخوانق والربط لم يكن متيسرا في كثير من الأحيان

رباط الأشراف:

 أنشأه أبو بكر محمد بن علي المارداني وأوقفه على نساء الأشراف المنكوبات من اللواتي أعوزهن النصير وقعد بهن الحظ وشرط أن تكون في الرباط شيخة عالمة تقية جليلة تشرف على من فيه وتتولى أمورهن ؛ فتخفف من بؤسهن وترشدهن وتعلمهن وتفقهن في الدين.

حفلت الحضارة الاسلامية  بالكثير من العمائر التي انفرد وتميز بها المجتمع الإسلامي دون غيره من المجتمعات البشرية عبر العصور، واستمدت هذه العمائر مقومات وجودها وازدهارها من طابع الرحمة والصفاء النفسي والروحي الذي اتصفت به شريعة الإسلام.

منها: الربط والخانقاوات والزوايا والتكايا، وكلها عمائر ومنشآت روحية لم يعرفها العالم إلا في المدن الإسلامية، وقد ظهرت هذه المنشآت منذ القرن الأول للهجرة، وانتشرت في شرق العالم الإسلامي في القرن الرابع الهجري.

دور الأوقاف في الرعاية الاجتماعيَّة

تتمثَّل أوْجه الرِّعاية الاجتماعيَّة كذلك في بيوت الصوفيَّة من خانقاوات ورباطات وزوايا، وهي التي وفَّرت لهم المأوى والكِساء والطعام، والرواتب النقدية كذلك، مِن ريع الأوقاف التي حُبِستْ على هذه الأماكن

فقد جاء في الوثيقة رقم (13 أ)، وتاريخها مستهل شهر صفر سَنَة 777هـ:

 أنَّ أحد الصوفيَّة تقدَّم بطلب إلى القاضي الشافعي بالقدس، باعتباره مسؤولاً عن الأوقاف يطلب فيه صدقةً من الرِّباط المنصوري؛ لأنه "في عائلة ولم يكن له مرتَّب الدرهم الفرد، وهو مِن أهل الاستحقاق"، وعلى هذا الأساس فقد طلب مِن القاضي أن يصرفَ له رطل خبز كلَّ يوم، وبعدَ التحقيق مِن حاله، قرَّر له القاضي "في كل يوم أربعة أرغفة".

كذلك جاء في الوثيقة رقم 10 المؤرَّخة في 20 صفر سنة 770هـ: أنَّ أحد الصوفيَّة، ويُدْعى إبراهيم الناصري طَلَب من قاضي القُدس أن يُكوِّن له سكنًا بالرباط المذكور، فوافق القاضي على طَلَبِه في حالة وجود مكان شاغِر، حيث كان الرِّباط يستوعب عشرين صوفيًّا

وتُلقي الوثيقة رقم 36 المؤرخة في 17 محرم سنة 797هـ الضوءَ على إحدى المنشآت الاجتماعيَّة، وهي التُّربة التي أنشأها الأمير بدر الدين بن حسام الدين بركة خان، أوقف عليها قَريةَ دير الغصون في طولكرم

ومِن ريع هذه القرية كان يُنفق على التُّربة، وما تقوم به من أعمال الخير، مِن مداواة المرْضَى، وتجهيز الموتى بالقُدس الشريف، وبهذا لم تقتصرْ هذه التُّربة على كونها مدفنًا لهذا الأمير وذُريته مِن بعده، بل غدتْ واحدةً من المنشآت الاجتماعيَّة المهمَّة، بما قدَّمتْ من خِدْمَات، وما حوتْه من حوض للدواب، وحوانيت، هذه التُّربة أصبحتْ منذ سَنَة 1900 المكتبة الخالدية

أما الوثيقة رقم 833، والمؤرَّخة في 25 ربيع الأول سنة 747هـ، فتشير إلى أنَّ إحدى النساء المقدسيَّات، وتُدْعَى سيدة بنت محمد قد وقفتْ منزلاً مستجدًّا بحارة المغاربة بالقُدس "على الفقراء العجايز مِن المغاربة يسكنون به مِن غير انتفاع

والوثيقة رقم 20 المؤرخة في 5 صفر سنة 768هـ تخبرنا أنَّ أحدَ تجَّار بيت المقدس أوقف دارًا على مصالِح البيمارستان الصلاحي الذي بناه صلاحُ الدين سنة 583هـ بخطِّ باب العمود، أحد أبواب مدينة القدس إلى الشَّمال منها، على أن يُنفق من رِيع هذه الدار لشراء أدوية للمرْضى، وأغذيتهم، وأغذية المجانين وأدويتهم، وسائر ما يحتاجون إليه

وإذا كان صلاح الدِّين قد حَرَص على تشييد هذا البيمارستان لكي يستفيدَ من خِدْماته أهلُ القدس، فإنَّ هذا التاجر قد شارَكَ بدَور فعَّال في المحافظة على ذلك البيمارستان، وعلى أن يستمرَّ في أداء رسالته بعدَ وفاة صلاح الدِّين بأكثرَ من سبعين ومائة سَنَة

ومن أوجه الرِّعاية الاجتماعيَّة المهمَّة في بيت المقدس: توفير الماء العَذب، الذي جعل الله - سبحانه وتعالى - منه كلَّ شيء حي، فقد كانت المياه بالنِّسبة لأهل القُدس نِعمة، يُحمد مَن يوفرها لهم كلّ الفضْل، وتعد من مآثره، وهم الذين عانوا كثيرًا مِن قلَّة الماء بسبب قلَّة سقوط الأمطار، وعدم وجود أنهار ببلدهم؛ لذا فقد أَوْلى سلاطين وأمراء المماليك مسألةَ توفير الماء العذب جُلَّ اهتمامهم، فالوثيقة رقم 311 والمؤرَّخة في 25 صفر سنة 745هـ تذكر أنَّ الأمير سيف الدين بكتمر الجوكندار قد أوقفَ قريةَ مجدل فضيل من عمل مدينة الخليل على قناة السبيل، وعلى مرْضى المسلمين الفقراء والمساكين

ومِن الأضواء الجديدة التي تُلقيها الوثائق على بعضِ المنشآت الاجتماعيَّة، وبخاصَّة الحمامات: ما تذكره الوثيقة رقم 46 المؤرَّخة في 19 محرَّم سَنة 747هـ، عن حمام البطرك الذي كان جاريًا في أوقاف الخانقاه الصلاحية بالقدس، مِن أنَّ مكونات هذا الحمَّام هي "مستوقد ومخادع، وخلاوي وأجران"، وأنَّه تَمَّ تأجيرُ هذا الحمام لمدة سَنَة على أن يدفع المستأجر الإيجار يوميًّا من الدراهم النقرة الجياد الوازنة معاملة يومئذ، عن كلِّ يوم يمضي مِن تاريخه ثلاثة عشر درهمًا، يدفع منها عند غروب شمس كلَّ يوم من يوم تاريخه عشرةَ دراهم، بينما ثلاثة الدراهم الأخرى تُخصم نظيرَ دخول الصوفية واغتسالهم في الحمَّام المذكور.

كما دفع المستأجِرُ مبلغ ثلاثمائة درهم قسط شهر كامل من يوم تاريخه، وتعهَّد المستأجِرُ بنقْل الماء إلى الحمام من بِرْكة كبيرة مجاورة للحمام في حارة النصارى بالقُدس، وهي بركة البطرك، وكذلك التخلُّص من الرَّماد الخاص بالمستوقد والفُرن على نفقتِه الخاصَّة، بينما يقوم الناظر على الوقْف بكلِّ الإصلاحات والعمارة اللازمة للحمام .

كما تجلَّتِ الرِّعاية الاجتماعيَّة في الوثائق بالاهتمام بالمستوى الصِّحي لأهل القدس، وكيفية علاج الكثير مِنَ الأمراض المنتشرة يومئذٍ، مثل: "الإسهال"، أو "السعال"، و"أمراض الكلى"، عن طريق كثير من الوصفات الطبيَّة التي اعتمدتْ على الثُّوم، وصَفَار البيض، والتِّين، وزيت الزيتون، والصمغ العربي، والمِسْك، والكمُّون، وبعض الأعشاب الطبية، والطين الأرمني، فالوثيقة رقم 182 بدون تاريخ، بها الكثيرُ من الأمور المتعلِّقة بهذه النواحي .

وثائق الحرم القدسي الشريف مصدر لدراسة بعض جوانب التاريخ الاجتماعي للقدس في العهدين الأيوبي والمملوكي

 المراجع:
1- حسن الباشا: مدخل إلى الآثار الإسلامية، دار النهضة العربية، القاهرة 1981م.
2- كمال الدين سامح: العمارة الإسلامية، مطبوعات معهد الدراسات الإسلامي، القاهرة 1991م.
3- سعيد عبد الفتاح عاشور: حضارة الإسلام، مطبوعات معهد الدراسات الإسلامية، القاهرة 1991م.
5- خالد عزب: الأربطة من منشآت رعاية المرأة في الحضارة الإسلامية،
 المصدر: مجلة الوعي الإسلامي - العدد 532 - بتاريخ 5 سبتمبر 2010م.