• 19 تشرين الثاني 2014
  • أقلام مقدسية

بقلم : ناديا حرحش 

في لحظه ما ، وكأن الكون يتوقف لتصبح انت محوره . حركتك فيه هي ما تجعله كونا محسوسا موجودا. في ظل التشديد على الوصول إلى الأقصى ، وكأنه فعلا أصبح قصيا عن الوصول ، ومنع المعظم من

الدخول الى الصلاه ، ليصبح وصول أي منا وكأنه الوصول إلى نهاية العالم . وكأن بالوصول إلى الأقصى سيتحرك الكون من جديد. . 

في السابق لم أكن لآخذ تعلق الناس بالمكان على محمل الجد ، في النهايه المكان هو المكان . الانسان يبقى هو الاهم اذا ما اردنا لاي مكان البقاء . 

على الرغم من اعترافي الدائم بذلك الشعور بالسحر الذي قد يجرك هذا المكان إليه . 

في اللحظه التي تضع رجلك فيها على أعتاب باب العامود أو باب الأسباط وكأن بوابة ما ورائيه تفتح بوابة خلف البوابة الحقيقيه التي لم تعد إلا مثالا لمدخل مثل تاريخا عريقا عتيقا تعاقبته حضارات لتأتي انت وتدخله وتكون بتلك اللحظة كل مايمكن أن يكون للوجود من وجود سيخلد هذا المكان . 

مشيت القدس من كافة ابوابها منذ أن كنت طفلة لا تتجاوز الخمس سنوات مع جدتي باتجاه المسجد الأقصى لصلاة الجمعة وبعد ذلك للمشي بأزقتها وكبرت لأستمتع بالتبضع من دكاكينها وتأمل عتباتها وزقاقها وحاراتها وخنقاتها ، لتأخذني في كل مرة الى رحلة لا هي على أرض ولا بسماء ، الا أن صلابة بلاطها الذي كونته الحضارات المتعاقبه لا تنفك الا وتأخذك طوعا وباستسلام مطلق إلى تاريخ قد بدأ معه وجود لا بد انه غير الوجود. فبين بلاط روماني وبيزنطي،وعثماني ، وحجر مملوكي وركن فاطمي وقباب أمويه واخرى صليبيه ، لا بد ان تصبح جزءا من كل هذا الذي كان مما صنع حضارتك كإنسان وتجد نفسك دائما متربعا متأملا خاشعا أمام الأقًصى مواجها يمنة أو يسرة إبداع قبة الصخرة التي تعيش حياة كاملة لتتأمل جمال دقة الابداع في عمارتها .

ولا من بد إلا ان تقف ولو للحظة لتسأل كيف أبدع المسلمون في هندسة هذا المكان ،وكيف استطاعوا تحقيق رسالة الرسول في الإسراء إليه ،ووضعه في قلب محرك الديانات ،ليقابل كنيسة القيامة بكبرياء وشموخ.

حاولت فهم سر الشعور الذي يبدأ بهذا السحر عند وطء قدمي على أعتاب البلدة القديمه والذي ينتهي به كالولوج في ساحات المسجد الأقًصى في كل مرة حتى استسلمت له وصار جزءا من سحر يخصني ، وكأنني والمكان ننتمي لهذه الخلطة الكونية

كبرت ورغما عني كبرت حواجز المكان الذي يحده الناس بطباعهم الغريبه عن الوجدان الذي تحيكه بخيالك مع المكان من جهة ، والشرطة الإسرائيليه التي تقف متبجحة تحدد لك شروط دخولك وكأن المكان يخضع لفرز تحدده أسئلة غبية تحتاج أن تثبت فيه لرجل أو امرأة لا يمت بدينك أو ايمانك بصلة ليجري لك فحصا دينيا . 

في كل مرة دخلت المسجد قاومت الخضوع لهذا الامتحان المستفز من رجل أمن أمقته يقرر فيها إذا ما كنت مسلمة بما فيه الكفاية للدخول . لأصبح بلحظات قادمة مصدر إلهام إلى الهداية من قبل جموع النسوة المصليات لإخفاء ما ظهر من خصلات طائشة من شعري من تحت الحجاب. 

لسنوات كبرت فيها قاومت بعناد اولئك الحراس وتلك النسوة اللاتي عيين انفسهن ملائكة الأعمال الحسنة او السيئة الخاصة بما بان من خصل شعر المتبرجات العابثات اشكالي. 

هذه المرة لم يكن هناك مجال لمهاتراتي 

فالحصار لم يعد بحارس سفيه أو نسوة يفتشن عن فريسة لحلقاتهن التبشيرية بالجنة.. الحصار أصبح بأناس تمنيت لو ذلك الشرطي التافه يوقفهم ويجري عليهم اختباراته في تسميع سورة الفاتحة والناس ، ولو يحطن النسوة بهم ويخرجونهم من المكان فرائحتهم حتى لا تشبه المكان بالرغم من الروائح التي طالما شعرت بالاختناق منها . 

وكأن سكينا طعن في صدري لرؤيه اولئك اليهودالمستعمرون يدنسون قدسية المكان . 

لم أكن لأهتم في مناسبة أخرى ولربما في المكان نفسه في زمن اخر لا يقوم الاعداء باحتلال ما تبقى منا بحجر ونفس . لم أكن لأهتم لو كانت غايتهم العباده . فبيت الله لعباده ، ولكن اولئك لا يعبدون الله شأننا . يعبدون الله وكأن الله خالص لهم ، وكأن الدين لهم وبهم ومن خلالهم ، وكأن البيوت كلها لهم وبيتهم لهم وحدهم فقط. 

الموضوع اكبر من عباده … العباده اصلا لا تكون هكذا .. قصرا ،عنوة، غصبا وتدنيسا لكل ما يمس الاخر. 

منعوا الرجال من الدخول ، رابطت النساء بالداخل مع بعض الشيوخ . بلحظة ما أعادت الأقصى العنفوان للمرأة الفلسطينية وأصبحت تشبه نسيبة المازنية وهي تتراوح قوافل الفتوحات الإسلامية . أصبحت أرى ابنتي بنسيبة الجدة ، وكأن المقاومة والدفاع عن الحق والوجود سيان لوجود تأصل بالماضى . أصبح السجن والضرب والتنكيل من قبل شرطة الاحتلال للنساء شرف وبطولة.. 

ماذا نفعل 

نبقى في بيوتنا نترقب نشاهد نصلي ندعو فرج الله ؟ 

ننزل نرابط في الأقصى نساء ورجالا ، ابناءا وبناتا ، ؟ ولكن لم يعد يردع الاحتلال حياء امام امرأه او رفق امام طفل . فالكل يأكل نصيبه من ضرب وتنكيل واهانات اذا ما حالفه الحظ ولم ينتهي باصابه برصاص حي او مطاطي او ذرف عليه المياه العادمه والغاز المسيل للدموع . ام ننتهي كما انتهوا الشباب الذين منعوا من الوصول فعملوا من سياراتهم عبوات ناسفة قضت عليهم وعلى عابري الطريق من قطعان مستوطنين يعيثون في أرضنا فسادا ويحرموننا من الوصول الى ابسط اماكننا للتعبد الى خالق يفترض انه واحد. 

ما الذي افعله للآقصى … أمشي الى هناك كالحامل نعشه على يده ..فالمواجهه مستحيل الا ان تكون حتميه . رمي الحجر سيأخذ طفلا ليمضي عشرون عاما من عمره بالسجن . الاعتقال سيكبلنا بمحاكم لا منتهيه والمخالفات المغرضه ستطالنا ونحن واقفون. 

أمشي بخطى تحملني ككل مره ما فوق أرض وتحت سماء .. الشرطه الاسرائيليه تصطف في كل الاتجاهات ، على مدخل كل شارع وزقاق . الكاميرات تعلونا من كل طرف تراقب كل حركة. الأعلام الأسرائيليةتتزايد 

ترفرف من فوق شبابيك البيوت كالعاهرات في خانات مدينة دخلها الاستعمار. 

الرباط في الأقصى ومن أجل الأقصى أصبح مقاومة إجبارية 

فما الذي سيبقى لنا ان اغتصب الأقصى ؟ 

شعرت بنفسي أهرول بخطوات غير محدوده بفضاء لا محسوس 

الساحات خالية من الاطفال الذين تعودت رؤيتهم يلعبون ويمرحون بين أروقة الباحات . حراك غير مريح . هدوء لا يشوبه هدوء المكان . هدوء مترقب للحظة تنفجر فيها السماء . باكية ، حزينة، غاضبه ..لم يعد مهما .. فالسماء ملبدة بانعكاس ما يجري تحتها . لطالما شعرت بقرب السماء إلى ساحات الأقصى . كنت انتظر في كل ليلة قدر من رمضان ولا زلت لحظة رؤية السماء وهي تفتح لي أبوابها لأسرع بالدعاء وطلب المعجزات من الله .. كبرت ولم تكبر معي تلك الأماني والأدعيه التي حفظتها من ليله قدر لليله قدر العام المقبل . أصبحت أما ولا زلت أمارس هوايتي السريه في انتظار فتح السماء في تلك الليله . 

ولكن الآن شكل السماء يختلف ..تقترب أكثر من القباب ، وكأنها ستقع من كثر الغيوم الممتلئة على الأعمده المحاذيه للأقصى 

أمشي ولا أكاد أصدق ما تراه عيناى ، الباب الرئيس للمسجد محطم ، سجاد محرق ، كراسي مكسره مجمعة عند الزوايا . مصاحف مبعثرة ململمة بزوايا مختلفة على بعض الرفوف. رائحة البارود تملأ عبق المكان 

أناس متواجدون متحسبون متهجمون …الكل يمشي يقف يسجد يركع ..الكل في حالة تملؤها الصدمة من هول المصاب. 

وكأن العالم هرم امام عيني بلحظات ، ام اني هرمت امامه ؟