• 20 تموز 2016
  • أقلام مقدسية

 

 

بقلم : اسماعيل باشا

كنت مع الأهل في بيت الوالد –بارك الله في عمره- مساء الجمعة، وانتهينا من العشاء، وجلسنا في الشرفة لنشرب الشاي. وبدأت أقرأ تغريدات في موقع التواصل الاجتماعي الشهير "تويتر" تشير إلى تحركات غير عادية في مدينتي أنقرة وإسطنبول، مثل تحليق طائرات عسكرية وإغلاق جسر "بوغازيتشي" المعلق. وزعم أحدهم أن المجال الجوي تم إغلاقه للطائرات المدنية، ورأيت في تلك اللحظة طائرة ركاب في السماء تغادر مدينة قونيا. أحدهم كتب أن هناك استنفارا أمنيا بسبب معلومات وصلت إلى الأجهزة الأمنية والاستخباراتية حول احتمال هجوم إرهابي كبير، وآخر قال إن القوات العسكرية خرجت من أجل مناورة عسكرية، إلا أن بعض الناشطين بدؤوا يلفتون إلى محاولة انقلاب عسكري تقوم بها خلايا الكيان الموازي المتغلغلة في الجيش التركي لإسقاط الحكومة المنتخبة.

عدت إلى البيت والمؤذن يرفع الأذان لصلاة العشاء، ولم أصدق ما قرأته حول محاولة الانقلاب، لأني لم أر أمرا غير معتاد في الشوارع. ولما وصلت البيت وفتحت التلفزيون تأكدت  هناك محاولة للانقلاب، وجلست أتابع التطورات. ثم جاء تعليق رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم على التحركات العسكرية، وقال بكل صراحة إنها محاولة انقلاب تقوم بها مجموعة من ضباط الجيش، دون أن يلجأ إلى التعتيم وإخفاء الحقائق ومحاولة طمأنة المواطنين. وكان المناهضون للانقلاب بدؤوا يتجمهرون أمام مقرات حزب العدالة والتنمية، ولكن الأغلبية منهم كانوا مترددين بين البقاء في البيوت والخروج إلى الشوارع. الأنباء عن محاولة الانقلاب العسكري التي تتعرض لها تركيا بدأت تنتشر كالنار في الهشيم، وأخرجت الحشرات والفويسقات من جحورها لتلوِّث مواقع التواصل الاجتماعي بقاذوراتها، وتقوم بالشماتة وتبث السموم والإشاعات، كتلك التي زعمت أن رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان يهرب من تركيا وطلب اللجوء إلى ألمانيا. وكان تأييدهم لمحاولة الانقلاب واضحا وفرحتهم الكبيرة جعلتهم يثقون تماما بنجاح المحاولة. وفي ظل هذه الإشاعات، جاءت اللحظة الفارقة التي قطعت الشك والتردد لدى المواطنين الأتراك وأجرت مذيعة قناة سي أن أن تورك مقابلة مع أردوغان عبر هاتف نقال، وظهر أردوغان على الشاشة الصغيرة ليدعو المواطنين إلى التمسك بالإرادة الشعبية والخروج إلى الميادين والساحات. وبعد هذه الدعوة، تدفق المواطنون إلى الساحات العامة. وكنت على وشك الخروج من البيت حتى اتصل بي شقيقي وقال لي إنه أمام مبنى فرع حزب العدالة والتنمية في قونيا، ولكنه سيتوجه مع الناس إلى "ميدان الحكومة"، وطلب مني أن أذهب إليه لنلتقي هناك.  توجهت أولا إلى "ميدان مولانا" القريب من "ميدان الحكومة"، ورأيت في الطريق رجالا ونساء وشبابا وشيابا خرجوا للدفاع عن إرادتهم ووطنهم ومستقبل أولادهم. ولاحظت أن الشعب التركي منذ اللحظة الأولى اعتبر ما يحدث في البلاد محاولة احتلال وفرض وصاية أجنبية عليها، وبهذا الإيمان استنفر وهبَّ ليدافع عن وطنه.

الشعب التركي في تلك الليلة سطّر أروع أمثال البطولات في مقاومة الانقلابيين، وسقط عدد كبير من الشهداء في إسطنبول وأنقرة، سواء من المدنيين أو من قوات الأمن التي رفضت الاستسلام والانصياع لأوامر الانقلابيين. وقصص كثيرة كتبت بدماء طاهرة وسينقلها التاريخ إلى الأجيال القادمة.

عن اخبار تركيا

هذا الشعب العظيم أثبت تلك الليلة أنه على قدر كبير من الوعي والحنكة والحس الوطني، وشجاع لدرجة الجنون، ومستعد للدفاع عن حاضر وطنه ومستقبله بأغلى ما يملكه، كما أثبتت شجاعة أردوغان أن دور الزعيم في غاية الأهمية لقيادة الجماهير الغفيرة الثائرة في مثل هذه المعارك المصيرية.

محاولة الانقلاب فشلت، ولله الحمد والمنة، وأسهم في ذلك ضباط وجنود ورجال أمن وطنيون فضَّلوا الوقوف إلى جانب شعبهم ووطنهم. ومما لا شك فيه أن الشعب التركي لن ينسى كل من وقف في وجه الانقلابيين، كما لن ينسى من وقف إلى جانب هؤلاء الخونة بأي وسيلة كانت.

 

خرجتُ ليلة محاولة الانقلاب إلى شوارع مدينة قونيا مع شقيقي للتعبير عن رفضنا لمحاولة الانقلاب على الإرادة الشعبية. وعشنا لحظات ومشاعر جياشة لا تنسى. حفظ الله بلادنا وبلاد المسلمين من كيد الكائدين وخيانة الانقلابيين