• 19 تشرين أول 2016
  • أقلام مقدسية

 

 

بقلم: عزام توفيق أبو السعود

كتب الكثيرون من الكتاب والتربويين في موضوع المناهج، وانتقد معظمهم هذه المناهج، وفند كثيرون منهم الأخطاء التي وردت فيها.. وبعضها أصبحت طُرَفًا يتندر بها الظرفاء ويزيدون عليها من التعليقات. ولا أريد هنا الاستزادة أو التفصيل، فلا بد أن الملاحظات على المناهج وصلت للجهات المختصة في وزارة التربية، وأنها بالتأكيد ستعمل على تصحيح الأخطاء في الطبعات القادمة. لكن ما يهمني هنا هو منهجية التعليم قبل المناهج!

إذا اعتبرنا مكونات التعليم الأساسية هي : الطالب والمعلم والمدرسة والمنهاج أو بلغة أخرى إذا سألنا أنفسنا بضعة أسئلة هي : من سنُعلِّم؟ ومن سيُعَلِّم؟ وأين نُعلِّم؟ وماذا نُعلِّم؟ فلا بد أننا سنجد أمامنا نقصا واضحا في الأساسيات التعليمية!

هذا النقص يمكن السؤال عنه بمجموعة من الأسئلة : كيف نُعلم؟ ما هي وسائلنا التعليمية؟ وكيف نقيس مدى نجاحنا في إيصال المعلومة للطالب؟ أو بلغة علمية أكثر : ماهي منهجية التعليم ، وأسلوب التعليم ، وقياس أداء كل من الطالب والمعلم؟!

قبل مائة عام ، أو أكثر قليلا انتقلنا بطفرة تعليمية من الكُتّاب إلى المدرسة : كان الشيخ ( أو الخوجة) في الكُتّاب يجلس على دكة والطلاب أمامه على الأرض، فأصبح المعلم الآن يجلس على كرسي خلف طاولة، وأمامه التلاميذ يجلسون متراصين على الأدراج .. وأصبح لدينا لوح أسود خلف الأستاذ، يكتب عليه، وأصبح لدى التلاميذ دفاتر بدل الألواح الصغيرة التي كانوا يحملونها في الكُتّاب. فهل تغير شكل الغرفة الصفية منذ مائة عام حتى الآن؟ هل يمكننا تصور التلفون مثلا قبل مائة عام، والتلفون اليوم شكلا وأداء؟ أو حتى شكل الريشة ودواة الحبر، وشكل قلم الحبر الآن؟ شكل السيارة حين اخترعوها قبل مائة عام وشكل السيارة اليوم؟ كلها تغيرت إلا شكل غرفة التدريس، بقيت على حالها رغم كل التطور الذي حصل في العالم خلال قرن من الزمن!!! معلم يشرح ويلقن، وطلاب متلقون، عليهم حفظ ما في الكتاب، سواء فهموا أم لم يفهموا حتى يحصلوا على علامة جيدة!!

أما العلامات فحدث ولا حرج، في أيامنا كان أول التوجيهي (في الضفتين) معدله بين 85-86 % اما اليوم فنحن نسمع عن 99% وبضعة أعشار؟! أنا شخصيا كنت أجيد كتابة موضوع الإنشاء، ولم تكن علامتي تزيد في الانشاء عن 8 من 10 ،اليوم نرى الطالب يحصل على علامة كاملة قي الإنشاء، لأن مصحح التوجيهي وهو يصحح موضوع الانشاء يبحث عن عدد التشبيهات وعدد الإستعارات، وعدد الكنايات، وعدم وجود أخطاء املائية جسيمة، أما الموضوع فليس بذي بال، لأن الطلاب حفظوا عن غيب موضوع انشاء نموذجي فيكتبونه، دون إعمال العقل أو التفكير أو المنطق أو التسلسل المنطقي! فهل كان جيلنا أفضل أم أسوأ من الجيل الحالي، في الواقع فإن الجيل الذي سبقنا كان أفضل منا، وجيلنا أفضل مما تلاه، ذلك أننا كنا نفهم المادة، ونعبر عنها بلغتنا لا بلغة الملقن سواء كان النص الوارد في المنهاج او كلمات المعلم نفسه.. ولهذا فإن أسلوبنا في تقييم أداء الطالب لا يخلق إلا حافزا واحدا هو القدرة على الحفظ أو " البصم" كما نقول بالعامية. بينما القياس السليم وتقدير العلامة يجب ان يعكس مدى الاستيعاب لا مدى الحفظ، ومدى القدرة عن التعبير وإيصال الفكرة بلغة الطالب ذاتها، لا بلغة الكتاب.. وأذكى الطلاب ليس بالضرورة أقدرهم على الحفظ غيبا، وانما أقدرهم على استخدام عقله في الخلق والابداع! وهذا يوصلنا بالتأكيد إلى حقيقة واحدة، أن منهجية التعليم القائمة على التلقين والحفظ والتمسك بنص الكتاب هي أسلوب فاشل، أوصلنا إلى ما نحن عليه من ضعف وتراجع في مستويات التعليم ومستويات الطلبة حتى لو كان معدلهم في التسعينات!

وأما المعلم فحديثنا عنه يطول ... فرغم كل الدورات التأهيلية، والتحصيل العلمي للمعلمين والمعلمات، فإن مستوى التعليم الآن هو نوع من " الشلفقة" التعليمية! وبالعامية أيضا فإن معظم المعلمين " يعلمون من ورا ظهورهم" لأنه ليس لديهم انتماء لمهنة التعليم وقدسيتها، وانما هم يرون أنهم يؤدون عملا كأي عمل، يحصلون مقابله في آخر الشهر على راتب ضئيل لا يعادل رواتب من هم في مهن أخرى.. وربما من هم أقل منهم ذكاء وعلما .. لقد كان المعلم أيامنا، وأيام من سبقنا هو القدوة الحسنة، له هيبته ووقاره .. فبات المعلم الآن لا يتمتع بهذه الصفات... بات المجتمع يقدر الانسان بمقدار راتبه.. لا بمقدار أهمية مهنته، ومثال على ذلك أن أسرة في القدس رفضت العريس لأنه يعمل أستاذاً براتب أربعة آلاف شيكل شهريا، وتزوجت العروس من عامل نظافة في البلدية يصل راتبه إلى تسعة آلاف شيكل!!! لا أريد الاستزادة في هذا الموضوع ولكن يكفي أن أسأل : لماذا تبدع المعلمات في التعليم أكثر من المعلمين؟ مجرد سؤال!

سررت أمس بسماع خبر أن وزير التربية التقى بوزير المالية!! وأنا أعرف جيدا قدرات وزير التربية في مجال التطوير والتقنيات وأنه متحمس ومدافع وناشط في مجال تطوير التعليم، وتطوير التعليم دوما هو هدف رئيس علينا السعي نحوه، ويحتاج دوما إلى مال ... يعطي المعلم الحافز للعمل، وراحة البال، والتخلص من ديونه ليتفرغ للمهنة المقدسة، ووزير التربية والتعليم ناشط وقادر علميا وفكريا على إعادة البوصلة للعملية التعليمية.. بدءاَ بالمنهجية لا بالمناهج.. بالفهم لا بالحفظ، بالتكنولوجيا التعليمية، والتعليم التكنولوجي لا بالتعليم التقليدي.. بالحرص على إعادة مكانة المعلم إلى وضع التبجيل والإحترام .. فهل سيكون وزير المالية هو العنصر الميسر لثورة تعليمية ناهضة رافعة؟!! 

الله أسأل لهذا الوطن السلامة والعزة .. ولا حول ولا قوة إلا بالله!