• 24 تشرين الثاني 2016
  • أقلام مقدسية

بقلم : محمد خروب

اطّلعت يوم امس، ومن خلال بريدي الإلكتروني, على وثائق باللغة العبرية وخرائط تُحدِّد منطقة جغرافية من الاراضي الفلسطينية المحتلة في مدينة قيسارية على الساحل الفلسطيني, نشرها موقع الكتروني فلسطيني (1948) يكشف عن خبر صادم وخطير، في حال ثبتت صحته، يستدعي تحركاً سريعاً للوقوف على حقيقته, وكشفِه للجمهور الفلسطيني والعربي, ومعرفة ما اذا كانت الكنيسة الارثوذكسية قد تورّطت في صفقة بالغة الخطورة كهذه، وان الامور سيجري الطمس عليها وإسدال ستار التشكيك والنفي غير الموثق والمحمول على اتهامات وتنديدات ومزايدة سياسية, والغمز من قناة النشطاء والحركات الوطنية التي تقوم بالكشف عن مخططات مشبوه يجري تنفيذها بصبر وأناة, ووفق اجندة زمنية محددة, تستهدف بيع كل الاراضي ذات مساحات كبيرة واستراتيجية في مختلف انحاء فلسطين التاريخية خصوصاً في القدس, التي شهدت صفقات عديدة تم فيها بيع املاك الكنيسة الارثوذكسية، انتهى الجدل والرفض الشعبي حيالها, الى ان أصبحت مُلكاً لدولة الاحتلال, وضاعت كل الجهود التي بُذِلَت من اجل إبطال تلك العقود, وخصوصاً التي تمت في عهد البطريرك الحالي ثيوفيلوس الثالث.

ما نحن في صدد الاضاءة عليه (وِفق ما اطلعنا عليه ولم يتم نفيه حتى الان, وخصوصا ان الذين نشروا الوثائق والخرائط ذكروا انهم توجّهوا للناطق بلسان البطريركية الأب عيسى مصلح، واتصلوا به مرتين وارسلوا له رسالة عاجلة، كي يزودهم بتعقيب البطريرك ولكنه – كما قالوا – لم يُجِب على اتصالاتهم, وتعهّدوا بان ينشروا فورا اي تعقيب, في حال وصوله).. هو صفقة جديدة موضوعها (ألف) دونم أرض, او بشكل ادق (935ر834) دونم ارض في قيسارية الساحلية,ارض تاريخية,تحديداً منطقة المدرج الروماني والمطاعم والمناطق الأثرية في قيسارية التي تحيط بها، «كُلّها» تملكها الكنيسة الارثوذكسية، وكانت مؤجرة لأمد طويل, لدائرة أراضي اسرائيل، حيث كانت تستأجرها لمدة (135) سنة بعقد، منذ العام 1974. 

هذه الأرض، «كُلّها» باعتها الكنيسة مؤخراً لجهة «غريبة»، شركة عنوانها في دولة اسمها (سانت فينسنت والغرينادين) الواقعة في منطقة البحر الكاريبي، ويمثلها مكتب محاماة من «رمات هشارون»، وبالاضافة الى كل الخطورة التي تكمن بقيام الكنيسة ببيع أراضي الوقف، وارض عليها آثار عريقة جداً وقديمة وعظيمة, ان ما يزيد الامور صعوبة وشبهات وخطورة، ان هذه المساحة التي تصل الى 834 دونماً و935 متراً مربعاً، تم بيعها «كُلّها» بمبلغ مليون دولار فقط.. اي بسعر دونم ارض «واحد» في مدينة الناصرة او اي مدينة أخرى. 

الارض المُباعة في صفقة خطيرة كهذه، هي اراض ساحلية، قسم منها ارض بناء وقسم منها منطقة صناعية, ونحو 14 دونماً منها شوارع والقسم الاكبر منها منطقة تاريخية, فيها مدرّج روماني وكنيسة قديمة ومناطق اثرية جدا، تُباع بمبلغ سخيف (بافتراض حسن النية وبافتراض ان المسألة مسألة نقود، إلاّ انها ليست كذلك, بل هي جزء من صراع ممتد بين اصحاب الحقوق والمستعمِرين الصهاينة ومَنْ يؤيد مشروعهم الكولينالي الإحلالي).

ثمة من قد يجادل بان هذه املاك للكنيسة ولها حرية التصرف فيها, إلاّ أن منطقاً متهافتاً كهذا لا يمكن التسليم به او قبوله، يمكن ان يُقبَل في دولة اخرى وفي مكان آخر من العالم... إلاّ في فلسطين, لأن الصراع بدأ وسينتهي على «الأرض», التي كانت بداية المشروع الصهيوني تحت شعار «متر من هنا ومتر من هناك نبني الدولة» وما يزال قائماً, وما يحدث في الضفة الغربية المحتلة من استيلاء على الاراضي واقامة المستوطنات عليها خير دليل, بل هناك قانون خطير تجري مناقشته في الكنيست يسمىّ «قانون التسويات» يُراد من ورائه شرعنة المستوطنات التي اقيمت على ارض فلسطينية خاصة, مثل مستوطنة «عمونة» العشوائية, التي طالبت محكمة العدل العليا الاسرائيلية بإزالتها منذ العام 2004, وما تزال حكومات العدو تماطل في تنفيذ القرار، بل هناك من يدعون من قادة الاحزاب الفاشية الاستيطانية وخصوصاً البيت اليهودي, الى الاقتداء بالنموذج القبرصي «التركي» حيث تمت مصادرة اراضي القبارصة اليونانيين في المنطقة التي سيطرت عليها القوات التركية الغازية في العام 1974, ودفعت «نقوداً» ثمناً للأراضي والأملاك التي سيطر عليها القبارصة الاتراك الذين يشكلون أقلية في عديد سكان الجزيرة, لكنهم يسيطرون على نصف مساحتها.

صحيح انها أملاك وحق لأبناء الطائفة الارثوذكسية (وليست للكنيسة) الذين هم ابناء الشعب الفلسطيني المظلوم، من هنا يجب ان يبدأ نقاش المسألة, علما ان الوثائق التي تم نشر «صُوَر» عنها تحمل توقيع البطريرك ثيوفيلوس الثالث, كذلك ارقام القسائم التي تم بيعها وقيمة المبلغ الذي دُفِع والذين يُظهِر أن 800 ألف دولار سُلّمَت للبائعين فور التوقيع على الاتفاقية, و200 ألف دولار سُلّمَت لاحقاً، وكان «الشرط» بأن تُسلّم قبل 30/12/2016.

ملاحظة أخيرة.. ربما تبعث على السخرية او الغضب: هو ان «الدولة» التي تقع فيها الشركة التي اشترت الأملاك الكنسية (اي الألف دونم تقريباً) وهي دولة/جزيرة (سانت فينسنت والغرينادين) تبلغ مساحتها فقط 389 دونم.. اي اصغر من تلك التي تم بيعها في هذه الصفقة بثلاث مرات.. ولنا ان نتساءل: كيف تجري الامور بهذه الطريقة الخبيثة, علما ان الشركة نفسها هي التي اشترت املاكاً في يافا بجانب برج الساعة, قبل عام من الآن.. وقامت بتأجيرها الى اسرائيل (....).

ما الذي يجري حقّاً؟ سؤال برسم الاجابة من قِبَلِ من يعنيهم الأمر.

عن الراي الاردنية