• 18 تشرين أول 2017
  • أقلام مقدسية

 

 

بقلم : بسام  البدارين 

 

وجد الجناح المتطرف في حزب الليكود الإسرائيلي شخصين فقط يحملان جنسية أجنبية، تعود جذورهما للأردن وفلسطين للمشاركة في المؤتمر المثير للجدل بعنوان تشكيل حكومة أردنية معارضة في المنفى والتحدث عن إقامة دولة فلسطين في الأردن.
نهنئ الدولة الأردنية بمعارضة بائسة من هذا النوع، ونهنئ الليكود الإسرائيلي بمشروعه الجديد الذي يدلل بؤس رموزه على عمقه الاستراتيجي.
عمومًا قد لا يعني ذلك شيئًا إطلاقًا برغم «وقاحة» الدعوة التي وجهت لشخصيات أخرى في البرلمان الأردني للمشاركة في هذه الحفلة المعادية للشعبين الأردني والفلسطيني معًا من دون التورط بالشعور بالمفاجأة، لأن إسرائيل كانت ولا تزال وستبقى «العدو» للأردن قبل فلسطين، ولا يمكنها بأي حال مغادرة ثوبها الحقيقي الذي يؤشر على كيان توسعي استيطاني لا تلزمه اتفاقيات لا ‘إقليمية ولا دُولية.
بكل حال تبدو الضجة المثارة حول مؤتمر الليكود مفتعلة أحيانا وجارحة لوجدان الأردنيين في بعض الأحيان.
لكنّها تبقى ضجة من الطراز الذي يؤكد مجددا على المؤكد، حيث إسرائيل لا تحتل الضفة الغربية فقط، لكنها تعوق مستقبل الأردنيين وتحاول تفريغ أزمتها العميقة داخليًا بمناورات سطحية تنقلب على اتفاقية وادي عربة هنا وهناك.
قلناها سابقا ونعيدها مستوطنات الخليل لا تهدف للسيطرة فقط على الضفة الغربية المسيطر عليها أصلا، بل لإخضاع عمّان والقاهرة وتهديد مكة.
وميكانيزم الكيان وفكرته التوسعية مؤشر دائم على نوايا عدائية ليس ضد الشعبين فقط، بل ضد الإنسانية والأمة العربية، خصوصًا أنه كيان يغادره اليوم مثقفوه من رواد الطبقة الوسطى ويستحكم فيه غلاة المتشددين الذين يريدون إيهام الكرة الأرضية بإمكانية إقامة كيان ديمقراطي وقانوني بناء على أساطير وخرافات دينية.
أثق شخصيا بمن قال لي مؤخرًا أن العقل الإسرائيلي الذي لا يزال يخيف أنظمة الاستبداد والفساد العربية أدرك مؤخرا بجهد من مثقفين يهود في الغرب والولايات المتحدة لا بجهد عربي أن الخطأ الوجودي الأبرز الذي يهدد الكيان الإسرائيلي يتمثل في منع قيام «دولة للفلسطينيين».
الفلسطيني فقط من دون بقية خلق الله في الكوكب هو إنسان وحده من دون دولة من أي نوع والكيان الإسرائيلي يتحوّل ويتكرّس في الوجدان العالمي الإنساني إلى دولة «أبارتهايد» يعيش فيها ستة ملايين فلسطيني على الأقل، لا تريد الاعتراف بهم ولا منحهم أي حقوق لا بل تواصل التنكيل بهم ومطاردتهم.
العبء ليس أخلاقيًا ولا قانونيًا، إنما سياسي بامتياز، اليوم بعد أن أصبح عدد الفلسطينيين في عمق الكيان الإسرائيلي يفوق عدد اليهود في دولة الكيان بنحو 450 ألف بني آدم على الأقل حسب الإحصاء السري.
بمعنى آخر إسرائيل مشروع غير منطقي وغير منجز وبلا مستقبل، فهي لا تستطيع هضم أكثر من ستة ملايين فلسطيني يعيشون في أرض أسطورتها الدينية، ولا تستطيع التخلص منهم ولا تريد التحول إلى دولة ديمقراطية، لأن ذلك قد يعني تكليف مروان البرغوثي برئاسة الوزراء ولا تقبل دولتين في الوقت نفسه.
البطل الحقيقي الوحيد في هذا المشهد ضد العدو هو الإنسان الفلسطيني، الذي قرر منذ 70 عاما الثبات والبقاء في أرضه يقاوم إغراءات الخروج والمغادرة كلها، الأمر الذي يفسر فشل منظمي مؤتمر الليكود المشار إليه، وطوال سبعة أشهر من التحضير في توفير مقعد مشارك لأي فلسطيني حقيقي من الداخل ولو من باب ذر الرماد في العيون.
بؤس المشروع الإسرائيلي وصل إلى حد تخصيص «التمثيل العربي والأردني والفلسطيني» في مؤتمر الليكود الأخير لشخصين لا يستطيع أي منهما التجول في أي شارع بالضفة الغربية من دون حراسة إسرائيلية ولا يستطيع أي منهما الجلوس اليوم في مقهى في عمّان للتبشير بالمشروع السقيم الفارغ بعنوان إقامة فلسطين شرق نهر الأردن.
تمثيل عجيب في مؤتمر عدائي يعكس أزمة حيث لا مؤيدين ولا أنصار ولا قبيلة ولا بنية اجتماعية ولا حتى مقعدا في زقاق شعبي على مساحة الضفتين.
لذلك يبدو مضحكا تحذير بعض الأردنيين البسطاء من وجود أردنيين من أصول فلسطينية مخفيين يمكنهم الموافقة لاحقًا على التآمر على الأردن، ويبدو مضحكا بعض ردود الأفعال الساذجة في الوقت الذي يرفع فيه أهالي مخيمات اللاجئين في الأردن قبل غيرهم لافتات تقول عبارة واحدة عند استقبال أي مسؤول في الحكومة «فلسطين لا بديل عنها إلا الجنة».
الأردنيون والفلسطينيون معًا في الأردن وفلسطين والشتات والعالم والإقليم لا يرفعون إلا الأحذية في مواجهة كل مشبوه يحاول التحدث عن وطن بديل في الأردن أو في أي مكان آخر.
وأتفق مع الدكتور مروان المعشر في أحد المؤتمرات الدُّولية في مواجهة أحد عتاة الصهيونية متحديًا وهو يقول «أرجو أن تقابلني إذا وجدت أردنيًا أو فلسطينيًا واحدًا له وزن وقيمة يقبل بوطن فلسطيني خارج فلسطين».
لذلك يبدو مؤتمر الليكود إياه خطوة مناكفة وشغب متطرفة من المخجل القول إن بعض المثقفين من أفريقيا وأمريكا اللاتينية قبلوا المشاركة فيها ما يجعله لقاء لـ «غرباء» لا يعرفون شيئا عن حقيقة الأوضاع هنا.
اطلعت على مضمون وتفاصيل برنامج المؤتمر الليكودي الذي يزعم أن الأردن هو فلسطين.
ومثل المسؤولين وبعض السياسيين الذين ناقشتهم لا أرصد أكثر من حالة مناكفة متكررة للدولة الأردنية تعزز قناعتي بأن إسرائيل لم تعد تكتفي بالانقلاب على الأردن في العمق والهوامش.
لكنها اليوم تعمل علنًا في إطار الخصومة والتآمر وهو وضع ينهي تجربة كاملة من التطبيع رافقت ثقافة وادي عربة ونتجت عنها طبقة من رموز ما يسمى بالسلام والتعايش.
اللافت بالنسبة لي ليس ولادة محاولة وقحة بصورة مباشرة لعقد لقاء مع مثقفين مفترضين للتحدث عمّا تسميه وثائق المؤتمر المزعوم دولة الفلسطينيين شرق النهر.
ولا الإصرار على تجاهل الأمر من جهة الحكومة الأردنية فذلك يمكن تفهمه.
اللافت فعلا هو عدم تمكين الجسم الحزبي والنقابي الأردني من استغلال المسألة والرد في عمق عمّان بمؤتمرات مماثلة تصرخ في وجه الكيان العدو لأن مشاعر الكره للكيان هي وحدها اليوم التي تجمع مشاعر الأردنيين والفلسطينيين معا.

 عن القدس العربي