• 24 تشرين الثاني 2017
  • أقلام مقدسية

 

 

بقلم :  برنارد سابيلا 

 

في القدس العتيقة شوارع تعبق بذكريات الطفولة الجميلة

قال صاحبي ما احلى المشي في ازقتها التاريخية

قلت لصاحبي عند باب العامود هنا كانت فاطمة بنت محمد بنت زهرة النجيرية 

تبيع الفول السوداني على محمصها الاسود الصغير ذات المدخنة الدائرية 

والتي تشعل ناره حطبات من خشب القدس برائحة عطرية 

وكنا نحن طلاب وطالبات المدارس نشتري الفستق الاشقر والاحمر بقروش قليلة

ونستلذ بالطعم والذي شهد له الكل بانه الازكى من كل التسليات والمكسرات اللوزية

وعند كشك الجرائد والذي كان معلما من معالم الحياة المقدسية 

تذكرنا  وصاحبي بحنين ومحبة ابو سلام – عمير دعنا – والذي حافظ بكشكه على اشتياقاتنا الثقافية

وفي كل صباح كنا نسمع تحليل الاخبارمن ابو سلام بفهم وعمق فاق ما عند الافندية

استاذنا ابو سلام رحمات الله عليه علمنا ما لم تعلمنا اياه الصحف والمجلات والكتب الرسمية

وعند ملتقى سوق خان الزيت بدرب الآلام عند قناطر خضير قلت لصاحبي هنا كان بائع الترمس الفتى يزين الطبلية

بهرم من الترمس المبلول بالبقدونس والملح المكدس وهو يدندن الحانا اشهرته بها الاذاعة الاردنية  

وعلى طريق الواد وجوه من الشام والاردن وابعد منهما في الجمع الرمضانية 

تزين الطريق وتزيد من بهجتها اضواء الكهرباء والزينة الموسمية 

وعلى طريق القيامة زوار وحجاج من لبنان ومصر وابعد منهما في الاعياد الفصحية 

وصخب وفرح وابتهاج ودقات اجراس بخروج النور من كنيسة القبر العجائبية

وعند الدرج المؤدي لدير الاقباط مررت وصاحبي على حلويات زلاطيمو المغرية 

وتشتهر عائلة زلاطيمو منذ عقود باعدادها للحلوى "المطبق" المملؤ بالجوز والسكر او بالجبنة البلدية

ومخبز الكرد وبجواره مخبز خضر في مطلع حارة النصارى يعرضان الخبز والكعك وانواع السمسمية

وفي عيد الفصح يتفنن المخبزان باعداد الخبز المحلى بالبيض بالالوان القوسقزحية  

وابو شكري في اول الحارة بعينيه الزرقاويين ووجهه المدور الوقور يرحب في مطعمه بالرواد والفتية 

يدق الحمص مدمسا ويجهز الفلافل والفول مع قليل من الحامض والبقدونس والشطة الحمراوية

وفي مقابله بقالة قمر حيث افخر الاطعمة وانواعها ولمن يريد ايضا المشروبات الكحولية 

وهنا يا صاحبي بعد الدار الكبيرة في الحارة ذاتها مكتبة الشناوي تبيع الجرائد واقلام الكوبا واللوازم المدرسية

وبعدها بقليل مطحنة الحاج منيب بطربوشه الاحمر وبذقنه البيضاء يجهز خلطات البن الشهية

 وعند باب الخليل يتفنن قسطه اليوناني بالزغاليل المشوية وباشهى المقبلات والمشروبات الهلينية 

وعند الباب الجديد المغلق كانت شلل الاصدقاء واصحاب الدكاكين يشريون الشاي ويلعبون الدومينو في مقهى زخريا 

وفي المقابل مدرسة الفرير التي خرجت اجيال لا تحصى من المقدسيين وعلمتهم الالتزام بقضاياهم الفلسطينية 

ويا صاحبي كنا نحن طلاب الفرير نجوب شوارع القدس القديمة ب"الدحاديل" نجري وراءها نتصبب عرقا وعافية 

ونحمل معنا الآم وامال اهلينا والذين اضحوا لاجئين بين ليلة وضحاها عقب ضياع فلسطين الغالية

وفي الحي، حي الباب الجديد، حلاق وفنان نحت وبقال ونجار ومطبعة يخدمون الناس بمهنهم الضرورية

وهنا في خان الزيت وعلى عتبة بيتنا في عقبة التكية كنا نتحلق شبانا نناقش آخر خطب عبد الناصر ونخوته القومية 

وفي باب العامود نساء وقورات من ريف القدس يبعن انواع الخضراوات والفواكه الشهية 

القدس يا صاحبي كانت القدس يعرف اهلها اهلها ويتصاحبون ويتضاحكون ويتضامنون دون الرجوع لملة او خلفية 

القدس في قلوبنا امتداد للاهل وللبلد وحمل كجمل المحامل لرائعة سليمان منصور المعبرة الغنية 

القدس شوارع ضيقة واحياء مصفوفة مأهولة وحرم وكنيسة نتجمع حولهما ونحفظهما بمهجنا وبعواطفنا الشجية 

القدس نحن ونحن القدس منزرعون هنا وهنا نبقى مع مرور السنين وتقلب الاحوال وبدوننا لن تكون القدس مدينة

--