• 24 نيسان 2018
  • أقلام مقدسية

 

بقلم : فراس الراعي - اسطنبول

 

لماذا نعتقد دائماً بأننا الوحيدين من يقول الصدق والحقيقة، وأن الآخرين يحاولون الكذب علينا وخداعنا 

على مايبدو نحن كذابون بالفطرة، لقد وجدت دراسة أن الأطفال البالغين من العمر 9 أشهر، يبدأون بالتظاهر بالضحك كوسيلة للإشارة إلا أنهم يريدون الإنضمام إلى الآخرين الذين يضحكون، وهو مايشير إلى أن الكذب أمر فطري ومهم لضمان بقائنا.

ترانا نوافق على نقاشات وجدالات وآراء أهلنا وأصدقائنا وزملائنا في العمل فقط من أجل استمرارية تواصلنا، وهو نوع من الاختيار الكاذب للحفاظ على مكانتنا في المجتمع.

ونتعدى أحياناً حاجز الآخرين، فنكذب على أنفسنا ونخدع مشاعرنا لنواجه متاعب عواطفنا، فنغفر مثلاً خيانة من نحب لأننا نتعلق به بطريقة تجعلنا لانرى استمرارية هذه الحياة إلا من خلاله، فهذا يساعدنا على البقاء معهم لفترة كافية، نرتبط بهم، وننجب منهم، ونمايزهم على الآخرين، إلا أن هذا الأمر ليس صحيحاً بالضرورة، لأننا بذلك نخدع ذاتنا ونظن بأنه أسلوب مفيد.

عندما نمرض نكذب على الجسم ونخبره بطريقة غير مباشرة بأننا أصحاء، ممايساعدنا على تجاوز بعض الأمراض، وقد يكون لهذا الوهم أثر إيجابي.

والسياسي الذي يخرج علينا بشعاراته البراقة يجذبنا للتصفيق له ولإنتخابه مع قناعتنا بعدم جدوى مايقوله، ولكن مايجعلنا نخدع أنفسنا وندعي تصديقه هي مصالحنا،وتحزبنا، وأحياناً نزعتنا الدينية والفكرية.

ولكي نحظى بمزيد من القبول والاحترام والحب وحتى لايرفضنا المجتمع نكذب.

كان لنا زميل في مرحلة الدراسة الثانوية رأيته ذات يوم يقوم بمساعدة عامل النظافة في نفس الحي الذي كنت أسكنه، وعندما لحظني من بعيد قدم ناحيتي مهرولاً وبادرني قائلاً مع أنني لم أسأله:"لقد ساعدت عامل النظافة لأنني رأيته متعباً "، سررت جداً بأخلاقه، ومن بعدها حاولت التقرب منه في المدرسة لكي نصبح أصدقاء، فقابلت منه رفض وتحاشي خوفاً من أن أكشف حقيقة أن عامل النظافة الذي ساعده في ذلك اليوم كان أبوه،ولكنني مع الوقت عرفت الحقيقة، لقد هرب زميلي من واقعه مدفوعاً بغريزة الإرتقاء بالذات من أجل أن يبقى محافظاً على تقبل المجتمع له.

في جميع الأحوال الكذب لاينتج عنه إلا الزيف، ومادفعني  لكتابة هذا المقال إلا حاجتي للحظة صدق أواجه بها نفسي أمامكم، لعلني أستطيع أن أقوى على صرامة الحقيقة، وأدفع عني الأوهام التي أعتمد عليها في تخطي عقبات الحياة