• 19 آيار 2018
  • أقلام مقدسية

 

 

بقلم : غادة ياسين

 

في العمارات السكنية المتلاصقة في بيت حنينا لا يوجد ملعب واحد، نشكر الله يوجد شارع يدخل كل ساكن إلى شقته في العمارات الكثيفة المتلاصقة، وعلى السكان التزام منازلهم حتى صباح اليوم التالي.  لا شيء يعملونه في مدينتهم الحبيبة بعد أن بذلوا الغالي والنفيس من أجل شراء شقة 100 متر للحفاظ على بقائهم وتسجيل أولادهم.  البيت هو مصدر الأمن والأمان، والعائلة هي كل ما يملكونه.

قد لا تكون هناك مشكلة في هذا إن كنت فوق 30 أو 40 وكنت حظيت بوظيفة ما تأخذك من بيتك خلال النهار حتى تعود أدراجك في المساء للراحة والتقوقع.  لكن ماذا لو عمرك بين 10 و15 سنة؟  ماذا لو كنت في معظم ساعات نهارك مليئاً بالحيوية، وبعد انتهاء مدرستك، تبحث عن أترابك وتقرع أبواب بيوتهم من أجل اللعب والترفيه؟  وماذا لو كانت لعبتكم المفضلة كرة القدم؟  عندها سوف تقوم الواقعة.  ليس هناك مكان.  والأماكن محدودة للغاية ومحاذية لبيت أحدهم لا يشاطرك الرأي في طبيعة أو مكان أو زمان لعبتك المفضلة.  سوف تطرد من كل المحافل وينهال عليك وعلى أصدقائك بوابل من الشتائم والسباب وسوف يطرق باب أهلك للاستنجاد من أجل إزاحتك من الطريق وتوصم بصفة الشقي المشاغب المخرب للسكينة وفاقد التربية وعدم المراعي للمثل والأخلاق العامة.  سوف تتحول حياتك إلى جحيم وسجن مغلق، ترى الشارع لكنك لا تجرؤ على الاقتراب منه.

ولنقل أنك وصلت عن قناعة إلى ضرورة التخلي عن لعبتك المفضلة بسبب ما تسببه من إزعاج وبسبب ضغط أهلك وجيرانك وبعد أقسى عبارات الشجب والاستنكار التي تلقيتها، قد تتجه إلى الجلوس في حلقات مع أصدقائك، للحديث والتسامر.  لكن هناك مشكلة جديدة لا تقل أهمية عن سابقتها، لا أحد يريدكم قرب جدار أو نوافذ بيته.  لا أحد يريد هذا التجمع وأصوات الحديث "الفارغ" والضحكات العالية في مسامعه، لا يرون ضرورة لوجودكم هناك، يرون أن محيط بيتهم يجب أن يبقى هادئاً وخالياً من العناصر المزعجة أمثالكم.  ليس هناك مفر سوى التفرق والتوجه إلى الشارع الرئيسي والجلوس على النواصي أو في محطات الباصات دون هدف أو سبب.  

وهناك على الشارع الرئيس سوف تتجمهر من جديد أنت وثلة من أصدقائك في مثل ظروفك، لفظتهم الأزقة والشوارع الضيقة، وألقت بهم إلى حضن شارع عريض صاخب.  تجلسون هناك "تقصقصون بذور القرع أو عباد الشمس" وتلقون القشرة في الطريق، تضحكون بأصوات عالية، تحملقون في المارة، تضايقون النسوة والفتيات، تتعرضون لمضايقات من شبان أكبر منكم، أو من الشرطة والجيش، تدخلون في شجارات ومشادات قد تتحول للعنيفة، تتعرضون أيضاً للشجب والاستنكار، والمارة يهزون رؤوسهم ويقولون أنه لم تعد هناك أخلاق ولا تربية، وأن الأهل لم يعودوا يسيطرون على أبنائهم، وأن المبادئ اندثرت والدنيا أوشكت على الانقلاب وغير هذا كثير،  كل هذا كنتم أنتم سببه، وأصبحتم مصدر القلاقل والجريمة، وأفقدتم المدينة هدوءها وجماليتها ونقاءها.  بئساً لكم ولأهليكم، حبذا لو تختفون من مجالنا لكن لا نعرف ماذا سنفعل أو تفعلون أنتم بعدها.