• 30 آب 2018
  • أقلام مقدسية

 

 

بقلم : غادة ياسين 

 

في الماضي البعيد،  أذكر كيف كان والدي لا يحب أن نرتاد المقاهي والمطاعم.  الذكرى الأولى لي في ارتياد مقهى كان مع ابنة عمتي في الأردن، والتي يكره أبوها هي الأخرى أن تدخل مقاهي.  ذهبنا للتسوق وبطبيعة الحال شعرنا بالعطش، فأردنا أن نشرب شيئاً.  دخلنا بتردد، واسرعنا في الطلب و الشرب، طلبت مني ابنة عمتي، وهي أكبر مني بضع سنين، ألا أخبر أحداً لأن أبوها "لا يهون عليه" ووافقتها الرأي لأن أهلي ذات الشيء.  

هذه المغامرة السرية بقيت مزروعة في ذاكرتي حيث كبرت وأصبح لي رأي مستقل حول ارتياد المقاهي والمطاعم، إلا أنني في بعض الأحيان أتخيل أبي داخلاً وناظراً إلي بخيبة أمل لأني أعرف تماماً أنه لا يحب المقاهي.

نفس العقلية كانت تحكم أبي تجاه زيارة الصديقات، فكان أبي يصر على توصيلي في أية زيارة، وانتظاري أو العودة لأخذي.  وكان يحب أن يعرف كل شيء عن الفتاة وأهلها "أصلهم وفصلهم"... لدرجة أنني كثيراً ما ضقت ذرعاً بأسئلته وقلت له أنني لم أعد أريد الذهاب.

كل هذه الأشياء وغيرها يفعلها أبي بشكل تلقائي يمليه عليه أولاً أنه رجل عربي تقليدي يريد أن يحافظ على بناته، وهو أسلوب لم أكن اتفق معه فيه مئة بالمئة، وكانت تدور دائماً بيننا نقاشات وحتى صدامات عن مغزى وجدوى مثل هذه الشكوك والأسئلة.  اليوم، وبعد حوالي ثلاثين سنة على هذه الذكريات، وقد أصبح لدى أطفال، اصبحت اعيد التفكير في بعض هذه الأمور. 

 قد يكون من ايجابية الامور ان غير المجتمع نظرته  لفكرة الجلوس في المقاهي وحتى تدخين الأرجيلة وشرب القهوة ،  واصبح أمر اعتياديا تفعله البنات كما يفعله الشبان.  وأصبح تناول الوجبات في المطاعم في غاية القبول، وعلى ما اعتقد، لا تدور حوله نقاشات بين البنات وآبائهن.  ما يقلقني فيما يتعلق بأبنائي هو قضاؤهم فترات طويلة خارج المنزل وعدم حاجتهم للعودة الفورية للبيت لأن الطعام متوفر حولهم. 

 يقلقني أيضاً جودة هذه الأطعمة، وناهيك عن القلق التكاليف، ويقلقني طبعاً التواجد خارج البيت بشكل عام في ظل الانحدار العام في مستوى القيم والأخلاق وانعدام الأمن الذي نسمع عنه كل يوم..

لكن كيف أحمي أولادي في 2018؟ وهل فعلاً أقدر أن أحمي أولادي بشكل كامل؟ ما هو دوري وما هو دورهم؟  ما هو دور المجتمع والقانون؟ وهل الجميع متفق أن له دور؟ الأمر اصبح أكبر من الآباء، وكلما كبر الأبناء كلما اكتسبوا استقلالاً هو حقهم الطبيعي ولا أعتقد أنه من الممكن انتزاعه.  أصحاب رؤوس الأموال أيضاً تنبهوا إلى تنامي ثقافة المقاهي ورغبة الناس في الخروج من المنزل والتمتع بأجواء وأطعمة دون عناء تحضيرها.  

خرج المجتمع الفلسطيني من القوالب التقليدية المتمثلة بمطاعم الحمص والفلافل والشاورما، وأصبح لدينا مطاعم عصرية !!! وقائمة الطعام“ منيو“ لا يمكن فهمها إلا باللغة الإنكليزية، هذه المطاعم تخلت عن   قائمة طعام "منيو" بالعربي.  حتى الأشخاص الذين لا يتقنون الإنكليزية يعرفون بيتزا وميلك شيك!  ودونات! وهمبورغر! وبيف برغر! وبان كيك! وفيش أند شيبس وغيرها.  لم يعد هناك حاجة  للتفكير والتأمل، فقائمة الطعام محفوظة عن ظهر قلب  بمجرد معرفة إسم المقهى وموقعه.  أصبح من المسلمات أن يلتقي الأصدقاء والصديقات في المقاهي، زيارة بعضهم في البيوت أصبح الخيار الأكثر ندرة ، و هذا مرده إلى نجاح ثقافة المقاهي  التي اثرت على  العادات والتقاليد ..

في ظل هذا التغير والتعديل وفي ظل الثورة الاجتماعية والتكنولوجية الجارفة التي أعطت معان جديدة للعلاقات والصداقة، تبقى هناك مخاطر استغلال بعضهم للثقة ، وجرهم وأصحابهم لأمور وأماكن قد تودي بهم إلى التهلكة والى الهاوية.  والحل ليس  بالانكماش اجتماعياً أو جعل الشك سيد الموقف….!!!!  لكن برأيي  مع قليل  من الحذر والانتباه عندما يمكن ابعاد عن لا تكون الأمور منطقية، مثل أن يطلب منك أحدهم أن تقابله بوقت متأخر في مكان لست معتاداً على ارتياده.  هذه اشارة غير مشجعه  ، أضافة إلى ضرورة أن يصارح الأولاد آبائهم والأزواج زوجاتهم والأخوة أخوتهم والطلاب معلميهم… إلخ ، عند الأحساس بأي خطر أو الوقوع بأي خطأ.  في مجتمع لا زال يباهي أنه متماسك ومتعاضد لا ينبغي أن يترك أحد ليعاني ويعذب وحيداً، لا بد أن يكون هناك أحد ما لمشاركته الالم  ومشكلته قب وقوعها وقبل نتائجها  التي  لا يمكن تفاديها او منعها لأن الزمن ببساطة لا يعود إلى الوراء.