• 7 تشرين أول 2018
  • أقلام مقدسية

 

بقلم: المحامي زياد أبو زياد

نحن بحاجة الى إعادة النظر في خطابنا الإعلامي ومفرداته والى التوقف عن أسلوب الخطابة الغوغائي. فالكلمة هي الوعاء الذي نضع فيه المعاني وكلما كانت واضحة ودقيقة وصادقة كلما كنا قادرين على نقل المعاني بشكل واضح ودقيق.

كثيرا ما أتوقف عند عبارات مثل

" المستوطنون يقتحمون " بيتا في سلوان أو يقتحمون بيتا في البلدة القديمة...أو سلوان...الخ " وأتساءل أحقا ً ذلك ؟ فالإقتحام هو الدخول عنوة الى مكان محصن فيه من يحاول الذود عنه ولكن القوة التي داهمته كانت أكبر وأقوى.

ولكن في جميع الحالات التي يتم فيها " اقتحام " بيوت في القدس يتضح فيما بعد أن معظمها بيعت بشكل قانوني أو أنها كانت في بعض الحالات موضوعا لبيع تم تزوير أوراقه ، وأن المستوطنين في كلتا الحالتين دخلوا ذلك العقار بعد أن دفعوا الأموال من أجل دخوله.

واستخدام كلمة " اقتحام " بالنسبة للبيوت التي يتم بيعها فيه تضليل للناس ومحاولة ، ربما عن غير قصد ، لتبرئة البائع من فعلته. ولذا فإن علينا في إعلامنا ان نتوخى الدقة ولا نقع في شرك تبرئة أو الدفاع عن شخص تورط في بيع عقار بالقدس وقام بتسليمه للمستوطنين.

وعلى العكس من ذلك فإن على الإعلام أن يبحث عن الحقيقة ويتوخى الدقة ويمارس دوره الرقابي في فضح الممارسات السلبية أيا ً كان وراءها دون محاباة أو خوف.

فنحن نعيش حالة من الضياع وانعدام وجود أية سلطة رقابية على ما يحدث بسبب غياب المجلس التشريعي وتفشي المحسوبية والشللية والمزاجية والمجاملة ولو على حساب المصلحة العامة وإقحام الخلافات الشخصية وجعلها معيارا ً للبت في الشؤون العامة بما في ذلك أدق الأمور وأكثرها حساسية كموضوع القدس وعقارات القدس وتسريب عقارات القدس للجانب الآخر وإطلاق اتهامات التخوين والعمالة دون وازع ديني أو أخلاقي أو التزام حركي ضد كل من نختلف معه حتى لو كانت خلافاتنا هي خلافات على مصالح شخصية لا تمت للوطن بصلة.

ما يجري في القدس هو أمر في غاية الخطورة ومما يزيد خطورته هو الإحساس بأن من هم في موقع المسؤولية لا يدركون مدى الخطر الداهم الذي يبتلع القدس في كل يوم وساعة ولحظة وما زالوا يلوكون الشعارات والكلاشيهات التي إن دلت على شيء فإنما تدل على أنهم إما لاهون ساهون أو متورطون أو ليسوا على مستوى الحدث في أحسن الأحوال.

لقد شاع في السنوات الأخيرة استخدام مصطلح الدولة العميقة ، وهي تغلغل النظام السياسي والحكم في شتى مرافق الحياة بحيث لا يستطيع تغيير الوجوه الحاكمة إحداث التغيير المطلوب في بنية الحكم لأن الدولة العميقة تغلغلت في شتى مرافق الحياة.

وقياسا ً على ذلك فإن الإحتلال الإسرائيلي لمدينة القدس لم يعد مجرد احتلال عسكري يمكن ان يزول بزوال شبح العسكر وإنما هو احتلال عميق يتغلغل يوميا وعلى مدار الساعة في شتى مناحي الحياة في المدينة ، وقد وضعت في خدمته وأداة لتنفيذه خطة تشارك بها كل المؤسسات الحكومية الإسرائيلية وعلى رأسها وزارة التربية والتعليم ومكتب رئيس الوزراء ودائرة أملاك إسرائيل ودائرة القيم على أملاك " الغائبين " وكافة المؤسسات شبه الحكومية بمسمياتها المختلفة والمنظمات الأهلية والدينية المتطرفة ، وهو ما يحاول البعض تسميته بالتهويد وهو في رأيي أخطر وأعمق من مصطلح التهويد.

وهذا الإحتلال العميق الذي يتجسد في مدينة القدس أصبح يتجذر ويتمأسس في الصحة والتعليم والتجارة وسوق العمل والتنظيم والبناء بل وحتى في الحياة الإجتماعية من خلال عزل المقدسيين عن عمقهم في الضفة ، ومحاولة تعميق الهوة بين المقدسيين والسلطة من خلال التركيز على تقصير السلطة وفشلها في التعامل مع القدس والمقدسيين وإعطاء الإجابات الكافية الشافية لمشاكلهم وتطلعاتهم ذات الطابع الخاص الذي فرضه الإحتلال.

وفي نفس الوقت ، فتح سوق العمل أمامهم داخل إسرائيل وتعريضهم للمتحولات الإجتماعية والقيمية الإسرائيلية ، وتثبيط عملية التزاوج بين المقدسيين والضفة وفتح نافذة التزاوج مع الاخوة عرب الداخل، كل ذلك لترك آثار مستقبلية بعيدة المدى على القدس والمقدسيين.

وبينما يتسلل ويتسرب الإحتلال العميق في شتى مرافق الحياة فإنه يسخر هذا التسلل والتسرب لتوسيع دائرة السيطرة المادية على الأرض من خلال الإستيلاء المبرمج على العقارات العربية سواء من خلال الشراء القانوني أو غض النظر عن تزوير الأوراق والبيوعات المزورة أو قيام القيم على أملاك الغائبين بتأجير الممتلكات التي تحت سيطرته للجماعات الإستيطانية.

وفي جميع الحالات فإن علينا أن لا نصور كل حالات التسريب بأنها تمت بالقوة من خلال قيام المستوطنين " باقتحام " هذا العقار أو ذاك بل علينا الإعتراف بأن هناك حالات بيع تتم وبأن هناك متورطين في هذه الحالات سواء من أصحابها أو الذين يملكون حق " المفتاحية " فيها أو بعض العاملين في مواقع معينة في السلطة.

ولعل بناية آل جودة التي تم تسريبها وبيعها قبل أيام تكون بمثابة الصعقة الكهربائية التي يجب أن تهز كياننا من أساسه لتوقظ من لا زالوا نائمين ليدركوا خطر التسونامي الذي يتهدد وجودنا.

إنني أدعو الرئيس عباس لأن يقوم فورا ً بتشكيل لجنة محايدة من ذوي الاختصاص تضم شخصيات وطنية من خارج نطاق مؤسسات السلطة تملك حق استجواب أي مسؤول مهما علت رتبته أو درجته للكشف عن موقع الخلل والتحقق من صحة الأنباء الكثيرة التي تشير بأصابع الإتهام لأشخاص استهانوا أو تقاعسوا وآخرين تورطوا في تسريب العقار المذكور ، الذي يشكل طعنة عميقة في خاصرة كل مقدسي بل وكل فلسطيني يحب القدس ويحرص عليها ، والتوصية باتخاذ ما يلزم من إجراءات لمنع تكرار ما حدث والحبل على الجرار.

عن القدس